فکر الإسلامی مواجهة حضاریة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فکر الإسلامی مواجهة حضاریة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



* وبما ان الفرد له عقل وإرادة فهو مسؤول عن أعماله وعن تغيير الفاسد من واقعه وواقع الناس بمقدار استطاعته ولكنه من جهة أخرى يعتبر فردا في العائلة البشرية. فهو غير مالك لنفسه بصورة مطلقة، إذ ان البشر مخلوقون لله صائرون إليه، فليس له ان يضر نفسه (لأنه ليس مالك نفسه، ولا بغيره. وبما ان البشر عائلة واحدة فعليهم ان يكفلوا من عجز منهم من إدراك الحق في فكره (بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتوجيهه إلى الحق) أو عجز عن تحقيق الصحة والكرامة و.. و.. في جسمه بتوفير الضمانات المحققة لحاجته جميعا)..وعلى هذا الأساس تنشأ بعض التحديدات كحرمة التجارة بالمحرمات وبعض الضرائب كالخمس والزكاة والضرائب الأخرى على الصعيد العام. كما تنشأ لزوم النفقة على المضطر في الصعيد العائلي الخاص.

* وان القوة التنفيذية لهذه الأحكام هي: الإيمان القلبي بالله الذي خلق البشر وملكهم، وباليوم الآخر الذي يجزي كل صالح بثواب ويجزي كل طالح بعقاب.

* وان التسليم للدين ناشيء من إيمان الفرد بأنه لا حق لأحد في التشريع غير الله أو التشريع من خلال القواعد والقوانين العامة التي وضعها الله لأنه فقط مالك الناس وهو الحكيم العليم.

هذا موجز القول في نظرة الإسلام إلى الإنسان والمجتمع.

1- المجتمع الإسلامي

يقرر الإسلام ان كل فرد مسؤول عن أعماله مكلف بواجباته، وله حقوقه في التمتع باللذائذ الفكرية والجسمية في حدود خدماته أو حاجاته ويقول: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).

* وتنشأ هذه الفكرة في الإسلام والتي تبدو فيها النزعة الفردية بادئ النظر من تقرير الإسلام ان كل فرد عاقل حر في إتخاذ أي تصميم في الحياة. وبما انه حر فهو مالك لنفسه ليس لأحد عليه حق العبودية (لا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حرا).

* وإذا كان كل فرد مالك نفسه فهو أملك لعمله وتصرفه من أي فرد آخر (كل أمريء بما كسب رهين)..

وعلى هذا الأساس المتين يشرع الدين أحكاما خاصة بالفرد (ليس للمجتمع فيها شرك) كأفعال القلب (العقيدة والإيمان) والعبادات وكثير من الأحكام الأخرى.. وقد جاء في القرآن تقرير لهذه الحقيقة حيث صرح:

(عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا إهتديتم).

ولكن هذه الفكرة الناشئة من حرية كل فرد ومسؤوليته لا تنافي فكرة أخرى تبدو فيها جماعية الاتجاه- هي: ان الإنسان عبد الله، وان امتلاكه لنفسه ناشيء من تمليك الله له ذلك. وبما انه عبد فهو مسير بأمر الله وفي صراطه (والله خلقكم وما تعبدون).

وكما خلق الله هذا الفرد خلق الآخرين فهما متساويان أمام الله متكافئان في الحقوق والواجبات، كل منهما عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا من دون الله.. فليس لأحد أن يطغى على الآخر ولا أن يشبع هو بينما يجوع جاره، ولا أن يعتزل عن الناس باتباع الرهبانية وباستغلال حق (حريته) استغلالا غير صالح بالنسبة إلى الآخرين.. وعلى هذا الأساس فلا يصح ان يمحق الفرد حقوق الجماعة ولا أن تهضم الجماعة حقوق الفرد.

* وبما ان الدين يعترف بالفرد (كوحدة مستقلة في المجموع) يؤكد على الجماعة ألا تغلب على الناس نزعتهم الفردية بحيث تطغى على علاقة بعضهم مع بعض. ولذلك فهو يقرر عدة نظم في سبيل ربط الفرد بالجماعة هي ان الفرد انما هو محاط بحلقات متداخلة هي بالترتيب:

1- عائلته[1]، أسرته[2]، عشيرته[3]، جيرانه[4]، أساتذته وتلاميذه[5] وكل من يمت إليه بصلة كالصاحب في السفر والصديق في الحضر وهكذا..

2- ويقرر ـ بعد ذلك ـ لربط الفرد بالجماعة، فيرسم واقع العلاقة بينهما في أصل الخلق:

أ- أن أفراد (المجتمع المؤمن) أخوة فيجب ان يقوموا بإصلاح بعضهم البعض (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).

ب- وتارة يقول: ان أفراد الأمة المسلمة كأعضاء جسم واحد.. (المؤمنون في تبارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

ج- وأما حق الأمة فإنه يقرر هكذا (وحق أهل ملتك (أي أهل دينك) أضمار السلامة والرحمة لهم والرفق بمسيئهم وتآلفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الأذى عن مسيئهم وان تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وان يكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة أخوتك وعاجئزهم بمنزلة أمك والصغار منهم بمنزلة أولادك..).

د- أما أفضل الناس في المجتمع الإسلامي فهو التقي[6] العالم.

يقول الله سبحانه: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) ويقول: (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات)- المجاهد في سبيل الله.. يقول الله سبحانه: (فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) السابق إلى الدين.. قال الله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون)- ولكن كل هذه المزايا لا تبرر تكبر هؤلاء على الناس أو تطاولهم على حقوق الآخرين..

هـ- كما ان أفضل الناس عند الله هو: الذي ينفع الناس أكثر من غيره (خير الناس من انتفع به الناس) و(خصلتان ليس فوقهما خير منهما: الإيمان بالله والنفع لعباد الله.. وخصلتان ليس فوقهما شر منهما الشرك بالله والاضرار لعباد الله) كما جاء عن الرسول (ص) (المستدرك ج، ص 403)

و- المؤمنون (في منطق الإسلام وعلى لسان الامام الصادق (ع)) خدم بعضهم لبعض (قيل له وكيف يكون خدم بعضهم لبعض)؟ قال: (يفيد بعضهم بعضا).

ز- لابد لأفراد المجتمع من أن يتراحموا ويتباروا.. يقول الامام الصادق عليه السلام: (تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا اخوة أبرارا كما أمركم الله عز وجل وإياكم والتقاطع والتحاسد والتدابير).

ويقول الرسول (ص): (ألا ان في التباغض الخالفة لا أعني خالفة الشعر ولكن خالفة الدين).. ويقول (ص): (لينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه).. ويقول الإمام الباقر عليه السلام: (إذا احتجت فاسئله (أي أخاك المؤمن) وإذا سألك فأعطه ولا تدفر عنه خيرا فإنه لا يدفر عنك كن له ظهرا فإنه لك ظهر ان غاب فاحفظه في غيبته وان تشهد فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه).

ح- لابد لكل فرد في المجتمع المسلم ان يراقب الأمور العامة ويهتم بها فإذا وجد فيها فسادا سارع إلى إصلاحه. ويقول الإمام الصادق (ع): (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).

* أما التمايز الطبقي أو العنصري أو القومي، فإن الإسلام يتبرأ منه ويتبرأ من كل من ينادي به، ويضع كل دساتيره على أساس المساواة والعدالة الشاملة، يقول الله سبحانه:

(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم).

ان هذه الآية لا تقدم وصية خلقية وتربوية إلى المسلمين ولكنها توضح فلسفة تشريعية يبني عليها الدين كل أسسه وهي تقرر ثلاثة حقائق أساسية في بناء الحقوق الدولية والوطنية هي:

1- ان الناس مخلوقون فلا يملكون الا ما وهب لهم الله تعالى.

2- ان أصل خلقهم ذكر وأنثى فهم اخوة في الأصل. وما طرأ عليهم من الاختلاف فهو عرض يجب الا يعتنى به.

3- ان هناك شعوبا متمايزة وقبائل مختلفة. ولكن كل هذه لا بد أن تستغل في سبيل التعارف والتعاون. فالقوميات لابد ان تستغل للصالح العام لا للتباغض والتحارب.

* والإسلام يقرر العدالة الاجتماعية على الصعيدين: الحكومية والفردية. ويقول:

(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم.. والوالدين والأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا، وان تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا).

هذه الآية تنسف خرافة: القرابة أو الصداقة أو الغنى نسفا وتجعل الميزان هو العدل والحق فقط.

*أما الحروب فإنها تنشأ في المجتمعات بأحد سببين:

الأول: ان الناس يصبحون أمام الدعوات الخيرة إلى فريقين: مهتد وضال. ويحاول الضالون ان يقضوا على المهتدين لكي يصفوا لهم الجو.. ولابد من هذه الحرب حتى تصبح كلمة الحق هي العليا شريطة الا تستغل هذه الحرب للمصالح المادية.

الثاني: ان بعض الطبقات تريد ان تستغل طبقة أخرى فتقوم الحرب ولابد من القضاء على هذا النوع من الحرب، بالقضاء على جرثومتها وهي الاستغلال.

أما الاستغلال فإن سببه: حرص الإنسان على المادة. وعلاجه هو: توجيه الناس إلى الحق ومعاقبة المستغلين معاقبة صارمة. ويقرر الدين: ان رأس المال حيث يستغل العمال، وان الحزب حيث يستغل الشعب فإنما هو لأمر في قلب المستغل وأمر في قلب المستغل.. أما الأول فلأنه: جعل المادة إلهه المعبود.. وأما الثاني فلأنه سكت على الظلم وخضع للنظام الباطل وكان عليه أن يثور ضده.

والإسلام يوفر (بالنظام السابق) ما تحلم به الرأسمالية من حرية الشعب وما تدعو إليه الاشتراكية من الضمان الاجتماعي للفقراء دون ان يجر إلى العالم الدمار الذي جرته هاتان الآفتان النظريتان. أما الحرية فحيث يقرر ان كل فرد مختار في أعماله، فهو حر فيما يعمله وله كلما ينتجه.. وأما الضمان فحيث يقول: ان الناس عباد الله فلهم جميعا حق البقاء وكذلك فعلى كل مسلم ان يوفر ـ حسب امكاناته ـ ضرورات الحياة لكل إنسان مسلما كان أو كافرا. وكلمة الخلاصة:

ان الإسلام يمزج مبدأين في الاجتماع مزجا معتدلا، وهما:

1- ان كل فرد: حر، مسؤول، له مثل ما عليه من الحقوق والواجبات وأن لكل فرد ما ينتج، وهذا مبدأ لكل امرئ حسب كفاءته.

2- ان الناس عباد لله ومتساوون في الحقوق العامة وكذلك (فلكل حسب حاجته).

وعلى هذين الأساسين يبني الدين صرحه الشامخ في المجتمع الصاعد من دون ان ينزلق في أخطاء النظم المادية المعاصرة.

الاقتصاد الإسلامي..

في حقل الاقتصاد يرى الإسلام: ان الله خلق الأرض والسماء وجعلها مسخرة للبشر، وجعل فيها متاعا إلى حين[7] وان ما جعل لهم يكفي لكل البشر[8].

ويقول في ذلك [هو الذي جعل لكم ما في الأرض جميعا] (البقرة/ 29). ويرى: ان للإنسان صلاحية استخراج الرزق من الأرض بإذن.. فيقول: [ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون] (الأعراف/ 10).

ويرى: ان على الناس ان يسعوا في سبيل تحصيل المعاش من الأرض. فيقول: (ومن رحمته ان جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله لعلكم تشكرون) ويرفض ان يكسل الإنسان عن تحصيل رزقه أو يضعف.. ويقول: (ان الله عزوجل يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ) (الكافي ص351) وان الكسل يمنع حظ الدنيا والآخرة، ويقول في ذلك: (إياك والكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الدنيا والآخرة).

ويرى انه لابد للمسلم ان يكون نشيطا في طلب الرزق ساعيا كي لا يكون متأخرا أو يكون كلا على غيره.. ذلك لان من ألقى كله على الناس فهو ملعون. ويقول على لسان الإمام الصادق (ع): (عليكم بالجد والاجتهاد، وإذا صليتم الصبح فإنصرفتم فبكروا في طلب الرزق واطلبوا الحلال فإن الله سيرزقكم ويعينكم عليه).

ويرى ان البلد المسلم لابد له من زراعة وتجارة وصناعة[9].. وقد كان الأئمة عليهم السلام وهم قادة الدين- يزرعون ويفلحون فيقول أحدهم (اني اشتهي ان يراني الله عز وجل أعمل بيدي وأطلب الحلال).

كما يرى الإسلام: ان (التجارة خير) ويأمر بها ويرغب في ان يبكر الفرد اليها وان يتحمل المشاق في سبيلها ولقد كان الرسول والإمام الصادق عليهما صلوات الله- يقومون بالتجارة شخصيا.

أما الصناعة فيشجع الدين عليها ويذهب في تشجيعه بعيدا حيث يعتقد انه لو كانت الصناعة تستغل من قبل المشترين في وجوه الحرام، فإن لانتاج ذاته لن يكون حراما ذلك لأن في انتاجها منافع للناس (حسب ما جاء في نص إسلامي).

وإضافة إلى هذه التعاليم فإن الدين يضع مناهج خاصة للتنمية الاقتصادية وإليك طائفة منها:

1- ان الإسلام يملك الأرض للذي يعمرها. ويقول: (من عمر أرضا فهي له).

2- ويملك المعادن وموارد الثروة الطبيعية لمن استخرجها.

3- ويسهل للناس المعاملات ويكتفي بمجرد المعاطاة فيها. بينما تفرض الشرائع الأخرى قيودا أخرى كالكتابة والاشهاد وما شابه ذلك.

4- يضع نظام القرض ويشجع عليه ويعتبر الدرهم في القرض خيرا من عشرة دراهم في الصدقة. كما يجعل من الزكاة حصة لأداء دين العاجز فيأمر الناس بأن يقترضوا فإن عجزوا عن الأداء أخذوا من أموال الدولة.

5- ويجعل في أموال الدولة سهما للقرض يصرف في الاعمار والتنمية.

6- ويقر نظام المضاربة في حين يحرم الربا ليقوم كل من صاحب المال والعامل بقدم المساواة في الربح والخسارة، وبذلك يشجعهما على العمل.

7- ويحرم البطالة بأكل الربا ولعب القمار وكثير من أقسام اللهو.

8- ويمنع التبذير ويحجز أموال السفيه (الذي يصرف المال في غير أوجه الصلاح) وبذلك يوفر للأمة مالا كثيرا.

9- ويربي الناس على الجد وملأ الفراغ وضبط المواعيد والوفاء بالعهود والتعاون وتعلم الطرق الصناعية وما أشبه مما يساعد على التنمية الاقتصادية.

10- ويسهل على الناس التبادل حينما يقول لهم: (يا معشر التجار اتقوا الله.. تناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وانصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) وبهذا تشيع الثقة بين الناس فيسهل التبادل.

11- وأخيرا يطلق جميع الحريات التي تنمي التجارة والصناعة[10].

مشكلة الثروة..

ويمكن تحدي هذه المشكلة بالإجابة على السؤال التالي: هل يمنح الناس الحرية التامة في جمع المال، حتى تتضخم الثروة في جانب وتنحسر عن جانب؟ هل ينبغي ان يمنح الناس هذه الحرية المطلقة لكي تكون مشجعة لهم وداعية إلى المزيد من النشاط والحركة؟ ام نستعبد الناس للدولة ليأخذ كل حسب كفائته وتعطي لكل حسب حاجته فيكون في ذلك توجيها صحيحا للاقتصاد، ام نوزع الثروة ونتفادى في النهاية مشكلة التخضم ولكن على حساب كبت حريات الانسان؟؟

أي طريق من هذين، هو الطريق القويم؟ هل الطريق الأول الذي سلكه الاقتصاد الحر أم الثاني الذي انتهجه الاقتصادي الشيوعي؟

ان الإسلام يبدأ أولا بتحليل المشكلة، ويبين أسبابها، ويقول: ان الإنسان خلق حرا مختارا وكل وجدان يشعر بذلك، وعليه فمن حق كل إنسان ان يسترشد بعقله ويستخدم حريته، كيف شاء من دون ان يكون لأي شخص آخر ان يحدد حريته.. وما دام الإنسان خلق حرا وعاقلا فإنه لا تميز بين بني الإنسان. ويقول ـ على لسان الرسول (ص) ـ: (الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا كأسنان المشط لا فضل للعربي علىالعجمي ولا للأحمر على الأسود الا بالتقوى) فما دام الناس عباد الله فهم سواء، وليس لأحد ان يظلم أو يطغى على أحد ويقول: (من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده).

وحرية الإنسان هي التي تثبت ملكيته الخاصة، ذلك لأن الملكية تجسيد للعمل، والعلم جزء من الإنسان، فإذا كان الإنسان حرا كان مالكا لعمله ولما يؤدي إليه عمله.. ولهذا يقول الإسلام: (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه (غيبته) معصية وحرمة ماله كحرمة دمه).

وما دام البشر كلهم يملكون انفسهم وأموالهم: (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم)، فليس لأحد ان يثري على حساب أحد، كأن يسخره أو يخدعه أو يغصبه أو يأكل ماله بالباطل. يقول الإسلام: (لا يحل مال أمرء مسلم الا بطيبة نفسه). ومن ذلك العمل بالمحرمات التي في ضرر المجتمع.. وهكذا عرفنا كيف ولماذا تحدد حرية كل شخص إذا عارضت حرية الآخرين؟ وإذا كان الناس أحرارا فمنهم من يعمل كثيرا ومنهم من يعمل قليلا ومنهم ذكي ومنهم غبي[11].

وليس لنا ان نقول لهم كونوا متساويين إذ لا حق لنا في ذلك ماداموا أحرارا.. وحينذاك فهل نمنع أجر الأفضل وأكثر عملا؟ فنمنعه حقه ونمنعه حريته (مع انه سوف يكسل عن العمل الأفضل فيتضرر الجميع) ام الأفضل كما يقول الإسلام- ان نطلق حريته لكي ينشط ويتفنن ويتقن عمله اتقانا. ولكن بشرط ان لا تكون حريته سببا لسلب الآخرين حريتهم.. وفي حدود القانون.

ومن ناحية ثانية: فإن الغني الذي يكتسب المال في ظل دولة توفر له الاطمئنان والأمن من الطبيعي ان يكون بعض ماله من حق تلك الدولة (كالذي يكتسب المال في دكان غيره) فلابد إذا ان يؤدي حق هذه الدولة لتحفظ أمواله ونفسه وأمنه.. ومن هنا ينشأ الخمس والزكاة..

ومن جهة ثالثة: فإن الإنسان الحريص على المال لابد وأن يغفل حينا (ولو كان مسلما تقيا) ويسلب مال الناس من حيث لا يشعرون[12] فلابد أن يرجعه إليهم، ومن هنا ينشأ (رد المظالم).

ومن جهة رابعة: فإن الناس كلهم لاسيما في النظام الإسلامي يشتركون في تنمية ثروة هذا الشخص الثري بتعاونهم وحفظهم للأمن وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وأمثال ذلك.. فلابد ان يكون لهم سهم في أمواله. وهنا تنشأ سائر الضرائب.

وأخيرا فإن الإسلام بوحي من الله العليم البصير وضع مناهج دقيقة ومضبوطة لاستخراج اسهم الدولة والناس الواقعية من ثروة الغني ففرض عدة أنواع من الضرائب، تسبب التقليل من تضخيم الثروة، وهذه الضرائب تكفي ـ لدى التدبير ـ لسد حاجات الضعفاء والحاجات العامة..

وهذا هو الخط العريض والدقيق لفرض ضرائب عامة. وقد رأينا كيف انه يوافق أدق أحكام الفطرة والوجدان. ولكن هذا لا يعني ان الإسلام لا يتوسل وسائل أخرى في سبيل تحديد الثروة. لكن حتى تلك الأمور تسير باتجاه صحيح على ضوء الفلسفة الإسلامية العامة[13] وهي:

1- ان الإسلام يرى الإنسان في رحلة طويلة. وان ما يقدمه لنفسه من خير يوفاه في الحياة الأخرى. ولذلك فهو يأمر بالصدقات (وهي زيادة في إعطاء المال للفقراء والمشاريع).

2- وعلى هذا الأساس يأمر الناس الا يحرصوا في طلب الدنيا[14].

3- وقانون الإرث يحد نوعا ما من تضخم الثروة في يد واحدة.

4- حكم عام بلزوم الانفاق في ضرورات الحياة للفقراء ( وقد مرت فلسفته في فصل سابق).

5- وإذا أضيفت هذه الأحكام إلى الحقوق المشار إليها سابقا وهي: الزكاة الخمس- الخراج الكفارات- النذور، كانت الضرائب الإسلامية خمسة.

وخلاصة الحديث:

ان الإسلام يحل مشكلة التضخم في الثروة عن طريقين عادلين:

الأول منع ظلم الناس بعضهم لبعض وتحريم السخرة والاستغلال، علما بأن التضخم ناشئ عن طرق غير شرعية كالرياء والحكرة والاقطاع والإجحاف والغش والتزوير وما إلى ذلك مما هو معروف في دوائر الرأسماليين[15].

الثاني توزيع الثروات وتحديدها عن طريق فرض الضرائب المناسبة (كالخمس والزكاة) والترعيب عن الدنيا، وفرض قانون الإرث والإلتزام بالنفقة على المضطرين والترغيب على إعطاء الصدقات[16]. الأخلاق الإسلامية

حقيقة النفس قوى النفس المثل الاصلاح المؤثرات علم النفس

دعنا نجري في العنوان على عادة الفلاسفة القدماء ونطلق على الموضوع عنوان (الأخلاق) وان كان الاجدى ان يسمى الموضوع بـ(معرفة النفس) مثلما يسميه الإسلام. أو (علم النفس) مثلما يسميه العلم الحديث، ذلك لأن الموضوع أشمل من الأخلاق بكثير إذ ان معرفة النفس قاعدة أصيلة تبنى عليها كثير من البحوث في الإسلام.. في الحديث: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وفيه.. (اتزعم انك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر)! وفي القرآن الحكيم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم).. من هذا يظهرأن معرفة الله ومعرفة العالم انما تكون عن طريق معرفة النفس ـ ومع ان البشرية قد احرزت تقدما باهرا في كل المجالات فإنها لا تزال بعجزها عن معرفة النفس البشرية وما فيها من طاقات[17].

وأهمية الموضوع تفرض توسعا بالإجابة على الأسئلة التالية:

1- ما هي حقيقة النفس؟

2- ما هو واقع القوى المختبئة في النفس؟

3- هل للمثل أصالة في النفس؟

4- كيف يمكن اصلاح الناس اصلاحا شاملا؟

5- ما هي المؤثرات في النفس وكيف يستغلها الإسلام في الاصلاح؟

1- حقيقة النفس..

حقيقة النفس (الروح، القلب) انها مادة[18] لطيفة محددة تحيى إذا أوتيت الحياة وتموت إذا افتقدتها. وتعرف إذا اوتيت المعرفة وتجهل إذا فقدتها.. وهي غير البدن وبإمكانها ان تعيش خارج الجسم بعد الموت دون ان تدخل في جسم آخر.

والدليل على كل هذه أولا: الوجدان الإنساني.. ألسنا نحس بانا نعلم ونقدر ونحيى، ولكن العلم والقدرة والحياة ليست من ذاتنا (انا حي أي انا أملك الحياة ولكن لست نفس جوهر الحياة) ذلك لأننا لم نكن عالمين ثم علمنا. إذا فالعلم ليس من ذاتنا الذي لا ينفصل عنه.

ثانيا: تجارب احضار الأرواح المفصلة في كتبهم التي تبلغ المئات في الغرب والشرق.

ثالثا: الآيات والأحاديث التالية:

1- ( والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا) وواضح ان المجرد لا يمكن ان يصبح جاهلا فحيث ان النفس تعود جاهلة بعد العلم فهي غير مجردة بنص هذه الآية).

2- في الحديث: الروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا. والروح بمنزلة الريح فهي في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولو بها فيه ولا ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.

2- قوى النفس..

كل عمل يعمله البشر فإنما تعمله روحه بسبب جسمه، فالجسم آلة للروح[19] (والأرواح القوية كأرواح السحرة والمرتاضين تعمل بدون الجسم أيضا).. كما ان كل صفة يمتلكها البشر فإنما هي صفة نفسه لا صفة جسمه.

وفي النفس قوتان متعارضتان: قوة تجر بها إلى الأرض، وأخرى ترفعها إلى السماء.. وهما:

أ- الجهل، وهو من طبيعة النفس وذاتها وتنسب إليه الجاهلية. وهو منبت كل رذيلة كالشرك والكذب والكفر وعدم العلم وعدم الإرادة[20].

ب- العقل من الله سبحانه وهو أصل كل صفة حسنة كالعلم والحكمة ومعرفة الخير والشر والإرادة وبه يدرك الإنسان كلما يريد.

وأبسط دليل على ذلك: ان كل فرد يشعر في نفسه ان قوتين تتغالبان في ذاته: قوة تريد مصلحته الخاصة وقوة تريد الحق. وقبل كل عمل ـ فيه مصلحة الإنسان من جانب وضرر الآخرين من جانب ثان ـ يجد الفرد نفسه في معركة داخلية. ومن الممكن ان تغلب إحدى القوى على الأخرى فيقوم الفرد على ما فعل ما فيه مصلحته مثلا دون أن يشعر بقوة أخرى تمنعه عنها ولكن سرعان ما يجد في نفسه بعد إتمام العمل من يلومه ويوبخه وهو من قبل القوة الثانية التي إستترت حين العمل بعض الوقت وخرجت بعده توبخ وتلوم[21].

ودليل آخر على ذلك إنا نجد ان بعض الناس يعملون من الصالحات ما ليس لهم فيها مصلحة أبدا، بل يقومون بها لمجرد إنها أعمال خيرية ولربما نكون نحن(وفي بعض الأوقات) قد عملنا أعمالا لم تكن فيها مصالحنا أبدا.

والاسلام يقول: انه نتيجة لتغالب العقل والجهل في البشر فهو أكثر ما يكون أزدواجية المشاعر فهو دائما يجد نفسه حرة في ان تختار الحق أو الباطل ويجد ان لكل منهما في داخل قلبه قوة ورصيدا.

وللبشر قوة تسمى بالإرادة الحرة تستطيع ان تتجه نحو العقل فتختاره أو نحو الجهل فترجمه. وتلك الإرادة هي التي تقرر المصير كما إنها تحقق حرية البشر ومسؤوليته تجاه عمله السيء وإستحقاقه للثواب تجاه العمل الصالح. وليس أدل على هذه الحرية من أن كل فرد يشعر بأنه حر.

ومن هنا نعلم ان قوى النفس ثلاثة:

1- العقل (وهو منبع كل صفة خيرة كالعلم والصفات الحسنة والحكمة).

2- الجهل (وهو منبع كل صفة سيئة كالرذائل وحب الذات).

3- الإرادة (وهي قوة يختار بها الفرد الخير أو الشر وهي أصل حريته).

والدليل على وجود هذه القوى:

1- الوجدان (وهو شعور كل فرد بعد التدبر في واقع نفسه انه يريد الخير ويريد الشر وشعوره بالمعركة الحامية التي تقع في أعماق نفسه بين قوى الخير وقوى الشر، وشعوره بحريته في اختيار جانب أي من القوتين يشاء).

2- وجود أعمال لا تفسر الا بأنها عملت لأجل الحق.

3- الدليل النقلي من القرآن والحديث.

3- المثل

وان الإسلام يرى ان المثل الخلقية تجتمع كلها في اتباع هدى العقل، ذلك لأن العقل يدعو الفرد من داخله إلى الحق والخير بصورة مستمرة ويدعم هذا الواقع بدليلين:

1- اننا نرى بطبيعة فطرتنا، ان الصدق والوفاء وحب الآخرين وخدمتهم والعفو والحلم عن المكروه والإيثار بالخير والتضحية في سبيل الاصلاح. نرى هذه الصفات حسنة مرغوبة فيها مئة بالمئة ونجد إلى جانبها الكذب والخيانة والغدر وبغض الناس والاضرار بهم والحقد والغضب والحسد والاستغلال والجبن.. هذه الصفات نراها مذمومة بذاتها قبيحة، لا نحب ان ننعت بها ونحب أولئك الذين يتحلون بالنوع الأول منها ونبغض أولئك الذين يتخلقون بالنوع الثاني منها.

2- أينما ذهبت من هذا العالم، ومن صادقت فيه من بني آدم رأيته يمدح الصفات الحسنة ويبغض الصفات السيئة فيرى الظلم والتعدي مثلا أمورا قبيحة بذاتها، ويرى العدل والاستقامة حسنة بذاتها.. وحتى أولئك الذين يعيشون في الغابات بأفريقيا، وأولئك الذين يهيمون في الصحاري والادغال في استراليا (من الهنود الحمر) يرون ذلك ويجعلونه مقياسا يعرفون به الصالح من السيء في الناس. وحتى أولئك الذين ينكرون وجود العدل والخير الأزليين ويزعمون ان المادة هي كل شيء وان كل شيء نسبي ـ كالشيوعيين ـ عندما يريدون ان يمدحوا أحدا يقولون انه يضحي، انه يؤثر المصلحة العامة، انه لا يظلم أحدا، انه يراعي حقوق العامل والفلاح. وهكذا كما انهم إذا أرادوا ذم أحد نعتوه بالظلم والاستغلال.. واذا قلت لأحدهم أنت ظالم أنت معتدي قال لك: كلا.. وجاء بألف تعليل وعذر حتى ينفي عن نفسه الظلم والتعدي.

ان هذا دليل صارخ على وجود أصالة للمثل.

والإسلام يقول: ان وجود العقل والجهل في النفس ليست على صفة الدوام إذ ان من الممكن ان يضمحل أحدهما في مقابل الآخر إلى غير رجعة أو إلى حين..

أما قوة أحدهما فإنما هي بالممارسة، يعني ان الذي يرجح الجهل على العقل باستمرار ولا يتبع عقله أبدا لابد وان يفقد عقله أخيرا فلا يعود يشعر بحب الخير والحق[22].. أما الذي يتبع عقله باستمرار فإن الجهل سوف يذهب عنه نهائيا بحيث يصبح قدوة الآخرين في الفضيلة. ان هذا الفرد لا يحس بحب لنفسه، إذا خالف الحق، ولا يرى تعبا في اتباع الحق والتضحية له.

كما ان العقل والجهل يتأثران بالتربية والتوجيه وبالوراثة والتغذية ولذلك فإن الدين يستخدم كل ذلك للإصلاح.

4- الاصلاح.

ويرى الإسلام: ان اصلاح الناس اصلاحا شاملا انما يكون باتباع هدى العقل، ونبذ تسولات الجهل، ذلك لأن العقل: لا يميز الخير للناس عن الشر فقط بل يدفع الفرد إلى العمل بالخير وينبذ الشر.. وإذا اتبع الناس عقولهم أدوا حقوق بعضهم البعض وزادوا بالإحسان إلى بعضهم البعض. وهل ترى سعادة خيرا من هذا؟

أما إذا غلب على الناس الجهل فأكب كل على عبادة ذاته والعمل لمصالحة الخاصة وتطرف كل في جلب الملاذ لها، فهناك الظلم والطغيان والفوضى وهناك الحسد والحقد واستعباد الآخرين.

أما سن القوانين المدعمة بالعقوبات والتنظيمات فهو لا يؤثر في اصلاح الناس أبدا، لأن المجتمع الذي يتبع الهوى ويتصف بحب متطرف للمادة، هذا المجتمع لا يسن قانونا الا متأثرا بهذا الحب ولا يطبقه الا كذلك. ومن هنا فسوف يكون القانون والتنظيم وسيلة إلى تحقيق شهواته. أليس الإنسان هو الذي يسن القانون ويقر النظام، أترى انه لا يمكنه الخروج عليه إذا أراد أو إذا خالف شهواته[23].

ولنفرض: ان الإنسان قد نجح في تشريعه وتنظيمه وقلع جذور الجريمة، فهل ينجح في اصلاح نفسه وتطهيرها من الحسد والحقد والقلق والاضطراب؟ فأية وسيلة تتبعها لذلك ما دام قد نبذ العقل واتبع الهوى؟

5- المؤثرات..

ان الإسلام يهدف بتوجيهاته أمرين؛ الأول: زيادة العقل، الثاني تربية النفس[24] (أي أن تجعل النفس بحيث لا تهوى الشر كثيرا).

وبالنسبة إلى الأمر الأول ان يستخدم الإسلام الأساليب التالية:

1- الترغيب في ثواب الآخرة والترهيب عن عقابها.. قال الله سبحانه: [إذا زلزلت الأرض زلزالها* وأخرجت الأرض اثقالها* وقال الإنسان مالها* يؤمئذ تحدث أخبارها* بأن ربك أوحى لها* يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم* فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره].

2- بيان ان السعادة تكمن في اتباع الحق، كما ان الشقاء يكمن في مخالفته. قال الله سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)[25].

3- إلفات نظر الإنسان بأن له عقلا وفكرا لابد من استخدامهما ولهذا يكرر في القرآن كلمات مثل (أفلا يعقلون.. أفلا يتدبرون) وأمثالها.

وبالنسبة إلى الأمر الثاني يتخذ الإسلام عدة إجراءات نذكر منها ما يلي:

1- يحرم الزنا (الجماع في حالة الطمث) ويدعو إلى المواظبة على عدم التغذية المحرمة حالة الحمل والإرضاع فهذه التعاليم من شأنها ان تمنع من مضاعفة العوامل السلبية في نفس الإنسان.

2- التربية الصالحة للطفل التي أوصى بها الدين الحنيف ابتغاء ان تتعود نفس الطفل منذ البداية على الصلاح فيسهل عليها عمل الخير فيما بعد والتربية الصالحة تعني: الاعتدال في إظهار الحب للولد ومصاحبته منذ ان يولد بالذكر (كالآذان والإقامة عند الولادة) وتغذيته بالإيمان وتعليمه الواجبات وتأديبه بالآداب الحسنة والفضائل كما هو مشروح مفصلا في كتب الفقه والتربية الإسلامية.

3- توفير البيئة الصالحة التي تساعد على نمو نفس الإنسان نقية صالحة وذلك بتطهير البيئة عن الرذائل والمنكرات (حتى ان أهل الذمة لا يمكنهم التجاهر بالمنكرات) وإيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[26] ومعاقبة وملاحقة المرجفين الذين يشيعون الأفكار الباطلة في المجتمع.. قال الله سبحانه (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب عظيم).

4- تقرير العقوبات الرادعة عن الجريمة كالقصاص والحدود والديات، وهذه العقوبات تقضي على الجريمة من الخارج في حين ان الإجراءات السابقة تقضي عليها من الداخل.. وهذا لا يعني ان لا أهمية لهذه العقوبات بل الواقع ان بعض النفوس لا ترتدع الا بالعقوبات الحاسمة[27]. هكذا يأتي الإسلام النفس البشرية من جميع جوانبها ويحيط بها من كل أطرافها، فيقضي على الجريمة والرذيلة من الداخل ومن الخارج معا وبكل الوسائل الممكنة مستفيدا من كافة القوى التي لها تأثير على النفس. وبهذه الوسيلة يخلق المجتمع الفاضل الذي عجزت كل الحكومات وكل النظريات ان تخلقه حتى الآن.

لا يملك الإنسان عندما يتدبر هذه الإجراءات وتلك التجارب التاريخية التي شيدتها خلال أربعة عشر قرنا الا ان يبدي إعجابه الشديد بها، ويصرخ: ما أشد التعاسة التي تحكم الناس نتيجة تركهم مناهج الدين واستبدالها بنظريات تافهة مائعة لا تغني عن الحق شيئا.

علم النفس..

ولابد ان نتطرق إلى: علم النفس الإسلامي، لنشير إلى بعض خطوطه العريضة. إذ ان معرفة النفس ضرورية لاستكمال الموضوع.

ولابد ان نشير إلى ان للإسلام مذهبا خاصا في علم النفس ناشيء من تعريفه للنفس، وهذا المذهب يتناول تارة المرض وأخرى العلاج. فالمرض النفسي في الإسلام ناشيء من ازدواج عاملين:

1- ضعف العقل.

2- قوة الهوى.

فمثلا: القلق ناشيء من شيئين: الأول: فقدان الإرادة التي تضبط النفس وتقيمها في الطريق المستقيم.. والثاني: وجود نقص في الشؤون الدنيوية كخسارة تجارة وما شابه ذلك.. وهذا النقص لا يؤثر في النفس لولا حب الدنيا، وحب الدنيا ناشيء من حب الذات..

وعلاج هذا المرض يتم بأمرين:

1- بالتوجيه إلى نور العقل.

2- وبالتقليل من أهمية الدنيا في نفس الإنسان القلق.

كما ان الإسلام يعتبر الكفر والجحود والنفاق وكل الرذائل الأخرى أمراض نفسية أولا وبالذات ولابد من علاجها هناك في داخل النفس..

فالكفر عند الإسلام ناشيء من الاستكبار وعدم التسليم للحق.. والاستكبار ناشيء من هوى النفس والمبالغة في تقديرها..

اما الايمان فهو تماما ضد الكفر وهو: التسليم للحق.. اما كيف يمكن علاج الاستكبار وتقرير التسليم في قلب الإنسان فهو يتم بما سبق ان قلناه في بيان كيفية اصلاح النفس. السياسة الإسلامية

الإسلام يقرر ان المشرع الوحيد هو الله سبحانه، ذلك لانه فقط مالك الناس.. والناس لا يملكون حتى انفسهم تجاه الله، في حين ان الله اعرف بحالهم وما يصلحهم ويفسدهم في الدنيا والاخرة.

في القرآن:

(ان الحكم الا لله.. يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)[28].

اما السيطرة التي يمارسها القادة في الدولة الإسلامية فإنها ناشئة من هذا الأمر، فحيث ان الله هو المالك الحاكم، فلابد ان يعين من يتبع في الارض.. وليس لاحد من العباد ان يفرض سلطانه على الناس الا بسلطان من الله.

ان الإسلام لا يعترف بسيادة الإنسان على نفسه من دون ان يقررها له الله ربه وخالقه ومالك اموره ومن إليه مصيره. ولذلك فهو يضع أول قواعد السياسة على اساس معتدل فيرتفع البناء باعتدال في حين ان فلاسفة البشر( أمثال لوك وروسو) يقررون حق السلطة للبشر فينحرف بهم السير من المنطلق حتى النهاية، ذلك لانه:

1- إذا كان حق السلطة للبشر كان لكل منهم الخروج عليها متى شاء. إذ ليست السلطة أكثر من شيء ارادة الفرد في زمن، فإذا ما اراد ان يرفضه، فلماذا لايجوز له ذلك؟ لماذا نأخذ بكلامه الأول دون الثاني؟

2- ثم ان الناس لا يتفقون دائما في وضع شكل خاص للسلطة أو فرد معين منها، فيكون مبعث خلافات لا تنتهي (كما هي موجودة الان) وهي تسبب شقاء البشرية.

3- ان الإنسان حين يكون معرضا للخطأ في كل اطواره ومعرضا للتأثر بالدعاية والتأثر بالنزعات والتأثر بالشهوات وما اشبه من انواع المؤثرات في النفس، فلابد ان يأتي تعيينه لنوع الحكومة والحاكم خطأ على الاغلب (كما نجده اليوم وقبل اليوم وكل يوم نظرية جديدة وشخصا جديدا وليس الثاني بأحسن من الأول و ان عارضه وخالفه).

4- ان سلطة الشعب على نفسه تمنى في احسن الفروض بهذه المساوئ. اما إذا جاء الاستغلال- وهو آت قطعا- اما إذا استبد الرئيس بالحكم وزور الانتخابات، اما إذا اطاحت الثورة العسكرية بالحكم وحلت الاحزاب فهنالك شقاء ليس وراءه شقاء.

ولهذه النواحي وغيرها فقد قرر الدين ان حق الحكم انما هو لله فقط ولله أيضا حق انتخاب الرئيس وليس للناس أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.

والرسول مبعوث الله وخليفته في الأرض. يقول القرآن: (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله).. والإمام خليفة الرسول لقول الله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

أما بعد الإمام فيتولى شؤون المسلمين الفقيه التقي لأنه ممثل عام للإمام عليه السلام بنص صريح منه وهو قوله (ع): (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفاه لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه) وفي حديث آخر (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم) وفي حديث ثالث (فليرضوا به حكما فإني قد جعلته حكما)[29].

1- ويرى الإسلام ان السلطة لابد ان تعطى بيد من فيه الكفاءة (وهي: الفقه) والأمانة (وهي: التقوى)، ولا ينظر إلى نسبه ووطنه وحسبه ولا أي شيء آخر من الشؤون المادية أبدا.. ذلك لأن المهم في الرئيس اتقان ما عهد إليه بدون ضعف أو عجز أو خيانة، وهو يتوفر في الفقيه العادل سواء كان من هذا الوطن أو ذاك، هشاميا أو لا، إذ لا قيمة للملاكات المادية في هذا المجال.

ولو ان الدين كان يشترط أمرا ماديا[30] خارجا عن قدرة الناس- فقد ظلم ذوي المواهب الذين يقدرون على ان ينالوا السلطة، وظلم الناس يمنعهم عن مواهب أولئك.

كما انه يعتبر الدولة دولة دستورية- يحكم عليها القانون الإسلامي وليس لأحد من أبنائها -وبينهم الرئيس ان يبدل حكم الله[31] أبدا، ويجعل لذلك ضمانات نشير إليها بإجمال..

أ- من شروط الرئيس ان يكون تقيا. ومعنى التقوى: العمل بالدين. ومن عطل أحكام الله فليس فاسقا أو ظالما فقط بل هو كافر أيضا لقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، ويعزل عن الرئاسة فورا.

ب- ان الرئيس يعزل بمجرد ان يعمل بالمعاصي أو بمجرد ان لم يحكم بما أنزل الله، ويجري عزله ببساطة جدا حيث يجب على الذي عرف منه المعصية ان يتراجع عن متابعته ويرجع عن تقليده.

ج- ان المجتمع المسلم مجتمع واع يعرف أحكام الله ويراقب الرئيس فيها، فمتى انحراف الرئيس قومه بالسيف[32].

د- في الحكومة الإسلامية ليس للرئيس قوة الا بالدين كما سيأتي فمتى انحرف عن الدين خارت قوته وخر صريعا.

3- يرى الإسلام انه لابد ان تكون سلطة الرئيس مستمدة أبدا من الشعب[33].. ويقرر ذلك بما يلي:

أ- ان نظام الجيش في الإسلام يختلف عن الأنظمة الأخرى، ذلك لأن الجيش في الإسلام داخل في الشعب، بل هو الشعب كله إذا احتاج المسلمون إلى الدفاع عن أنفسهم أو الهجوم على أعدائهم، هب الناس كلهم لذلك. ويجب على المسلمين جميعا ان يكونوا قادرين على حمل السلاح كما هو مفصل في كتب الفقه..


/ 15