وهـكـذا نـجـد ان الـتجربة النفسية
لهذا الشعور التي مارستها الانسانية على مر الزمان , من اوسع
الـتـجـارب النفسية واكثرها
عموما بين بني الانسان . ((15)) اذن , فالايمان بالفكرة التي يجسدها
الـمهدي الموعود هي من اكثر
الافكار انتشارا بين بني الانسان كافة , لانها تستند الى فطرة التطلع
للكمال باءشمل صوره , اي انها
تعبر عن حاجة فطرية , لذلك فتحققها حتمي لان الفطرة لا تطلب ماهو
غير موجود كما هومعلوم .
موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي
ان الفكر الانساني لايرى مانعا من
طول عمر هذا المصلح العالمي , الذي يتضمنه الايمان بغيبته وفقا
لـمـذهب اهل البيت (ع ), بل
يرى طول عمره امرا ضروريا للقيام بمهمته الاصلاحية الكبرى كما
لاحظنا في كلام المفكر الايرلندي
برناردشو. وعليه فالفكرالانساني العام لايرفض مبدئيا الايمان
بـالـغيبة , اذا كانت الادلة المثبتة لها مقبولة
عقليا.وقد تناول العلماء اثبات الامكان العقلي لطول عمر
الامـام الـمـهـدي , وعـدم تعارضه مع
اي واحد من القوانين العقلية , كما فعل الشيخ المفيد في كتابه
(الفصول العشرة في الغيبة ),والسيد
المرتضى في رسالته (المقنع في الغيبة ), والعلامة الكراجكي
في رسالته (البرهان على طول عمر امام
الزمان ـ ع ـ) التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه
الـثـانـي , والـشيخ الطبرسي في اعلام
الورى , والسيد الصدر في بحث حول المهدي وغيرهم
كثير, اذ قل ما يخلو
كتاب من كتب الغيبة عن مناقشة هذا الموضوع , والاستدلال عليه .
الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة
اما بالنسبة للفكر الديني فالامر
فيه اوضح , اذ ان الاجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترن
بـالايـمـان بـاءن ظـهوره ياءتي
بعد غيبة طويلة , وهذا امر واضح من خلال مراجعة عقائدهم بهذا
الـخـصـوص , فـقد آمن اليهود
بعودة عزير او منحاس بن العازر بن هارون , وآمن النصارى بغيبة
الـمـسـيح [ع ] وعودته ,
وينتظر مسيحيو الاحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان ,
وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا,
والمجوس بحياة اوشيدر, وينتظر البوذيون عودة بوذا, ومنهم
من ينتظر عودة ابراهيم الخليل (ع ),وغير
ذلك . ((16)) اذن , فـقـضـيـة الغيبة قبل ظهور
المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الاديان السماوية , ولايمكن
لـمـنـصف ان يقول باءن
كلها قائمة على الخرافات والاساطير, فالخرافات والاساطيرلا يمكن ان
توجد فكرة متاءصلة بين جميع الاديان ,
دون ان ينكر اي من علمائها اصل هذه الفكرة , فلم ينكر احد
مـنـهـم اصل فكرة الغيبة , وان
انكر صحة مصداق الغائب المنتظرفي غير الدين الذي عشقه وآمن
بالمصداق الذي ارتضاه .
اذن , انتشار اصل هذه الفكرة
في جميع الاديان السماوية كاشف عن ارضية اعتقادية مشتركة رسخها
الـوحـي الالـهـي فـيها
جميعا, ودعمتها تجارب الانبياء (ع ) التي شهدت غيبات متعددة , مثل غيبة
ابـراهـيم الخليل (ع ) وعودته ,
وغيبة موسى (ع ) عن بني اسرائيل وعودته اليهم بعد السنين التي
قضاها في مدين , وغيبة عيسى
(ع ) وعودته في آخرالزمان التي اقرتها الايات الكريمة , وما اتفق
عليه المسلمون من الاحاديث النبوية الشريفة ,
وغيبة نبي اللّه الياس (ع ) التي قال بها اهل السنة كما
صـرح بـذلك مفتي الحرمين الكنجي
الشافعي , في الباب الخامس والعشرين من كتابه البيان في اخبار
صاحب الزمان ,وصرح كذلك
بايمان اهل السنة بغيبة الخضر (ع ) وهي مستمرة الى ظهور المهدي
(عج )في آخر الزمان , حيث يكون وزيره .
بـل ان انـتشار فكرة غيبة المصلح
العالمي في الاديان السابقة قد تكون مؤشرا على وجودنصوص
سـماوية صريحة بذلك , كما
سنلاحظ في نموذج النبوءة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس
والتي طبقها الباحث السني سعيد ايوب على المهدي الامامي .
امـا الاخـتـلاف فـي تشخيص هوية
المصلح الغائب فهوناشى ء من الخلط بين النصوص المخبرة عن
غيبات بعض الانبياء (ع ) وبين
المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي بدوافع عدة سنشير اليها لاحقا.