الكدورات، ولو حصل لبعض المتجردين عنجلباب البدن مرّ كالبرق الخاطف، بخلافالثانية، حيث أنّها لخلوصها عن الكدوراتالمذكورة واتّصالها بعالم القدس يشاهدهكما هو حقّه، وهي حينئذ سعادة أبديةلاانقطاع لها ولازوال، فهذه أعلى منالمرتبة الاولى، وهن السعادة الحقيقيةالتامّة، ولا تحصل إلا بعد مفارقة النفسعن البدن.
واعلم أنّ تفسير السعادة بالعشق أو الحبّأو الزهد أو غير ذلك من الألفاظ المتداولةفي ألسن العرفاء وعلماء الشريعة مبني علىكونها من آثار المعارف الحقّة والوصول إلىمرتبة الوحدة الصرفة ومشاهدة تلك الحضرةالمقدسة، فهي من لوازمها الغير المنفكّةعنها، فالسعادة في الحقيقة ليست الا تلكالمعارف الحقّة كما فسّرها الحكماءالالهيّون، وانّما وقع التعبير عنالملزوم باللازم مجازاً والمدّعى واحد.
تتميم
قيل: أول مراتب السعادة أن يصرف الهمّةنحو مصالح نفسه وبدنه من الأمور الحسّيةوما يتّصل بهما بتدبير متوسّط بين الافراطوالتفريط، وهو في هذه الحالة إلى مايلزمأن يفعله أقرب ممّا لابدّ أن يتركه.ثم أن يصرف الهمّة فيما هو أفضل من إصلاحنفسه وبدنه من غير ملابسة للشهواتالدنيوية والتفات إلى المقتضيات الحسيّةالا بقدر الضرورة، ولهذا النوع من الفضيلةمراتب غير محصورة لا ختلاف طبائع الناسوعاداتهم و مدارج معرفتهم وفهمهم وشوقهموعلمهم وصبرهم على المشاقّ وهممهم، وربماكان للبخت والاتّفاق مدخل فيه أيضاً.
ثم أن يصرف الهمّة نحو الفضيلة الالهيّةوهي آخر مراتبها، ولها أيضاً مراتب غيرمحصورة بحسب اختلاف الأشواق والهمم وقوّةالطبع وصحّة العقيدة وهي التشبّه بالمبدأوالاقتداء به في افعاله، فلا يفعل الاالخير المحض،