وقد كلّف الأنبياء أن يكلّموا الناس علىقدر عقولهم، وقد أشرنا إلى أنّه يصلحأيضاً أن يكون عماداً للتوكّل إذا قوي،وأن يتسارع إليه الضعف والأضطراب فاحتاجإلى حارس من الأدلة الكلامية بخلافالمشاهد حيث إنّه لو كشف له الغطاءماازداد يقيناً، وإن ازداد وضوحاً. فإن قيل: جميع ماذكر مبني على كون الأسبابوالوسائط مسخّرات تحت القدرة الأزلية،وذلك ظاهر في ماسوى أفعال العباد، وأمّافيها فإنّه مخالف لما يشاهد منه من حركاتهوسكناته، ولما تحقّق بالأدلّة الشرعية منالتكليف والثواب والعقاب والوعد والوعيد. قلت: قد عرفت سابقاً أنّ الأمر بينالأمرين الذي وردت به النصوص وعليه بناءالشيعة في أفعال العباد هو كون الفعلصادراً من العباد بدون واسطة باختيارهموإرادتهم وإن كان الاختيار والإرادةكسائر الأسباب من أفعاله تعالى ضرورةاستناد الممكن إلى علّة واجبة والا لزمالتسلسل وهو محال. ولو قيل: يلزم منه الجبر. قلت: لو انكشف لك الغطاء علمت أنّك في عينالاختيار مجبور، فأنت إذن مجبور علىالاختيار ولاقصور في ذلك، كما عرفت،والزائد على هذا القدر ممّا لايمكنالتصريح به ولا كشف الغطاء عنه الابالانكشاف الحاصل من المجاهدات، فالأحسنهو التأدّب بأدب الشرع، والإعراض عن كشفالأسرار الغير الجائز عقلاً وشرعاً. فإن قيل: هذا المعنى من التوحيد الذي بنيتعليه التوكّل وهو أنّه لافاعل الا اللهينافي ماثبت من الشرع من كون الأفعالللعباد، إذ كيف يمكن إسناد الفعل الواحدإلى فاعلين؟ قلت: ذكرت لك أنّ الجهة مختلفة فنسبته إلىالله باعتبار استناد أسبابها إليه وإلىالعبد بالاعتبار الآخر، ولا مانع منالاطلاقين مع اختلاف