الدنيا لذنب ابتلي به فهو أكرم من أنيعذّبه ثانياً، وأنّ لهذه المصيبة ثواباًفي الآخرة فيشكر الله على إيصاله الثوابإليه، وانّ هذه المصيبة تنقص ميله وحرصهفي الدنيا وتشوّقه إلى الآخرة، فإنّاستمرار النعم الدنيوية من دون حصول ماينغّص العيش يورث بطراً وغفلة وسكوناًإليها حتى تصير جنّة في حقّه فيعظم بلاؤهعند موته من مفارقتها بخلاف المصاببالآلام والمصائب الدنيوية حيث ينزعجقلبه من الدنيا، فلا يركن إليها، بل تصيرسجناً عليه، ويميل إلى الخروج عنهاوالنجاة من مصائبها. فإن قيل: كيف يتصوّر الشكر على البلاء معأنّه يستدعي فرحاً ونعمة، ولو فرض تحقّقهفكيف يجتمع مع الصبر الممدوح المأمور بهفي الكتاب والسنّة؟ قلت: الجهة مختلفة، فجهة الصبر عند ملحظةكونه ألماً ومصيبة والطبع متنفّراً عنهوالشكر من حيث كونه موجباً لنعمة عظيمةكالثواب وغيره ممّا ذكرناه، وهذا إنّمايتصوّر في البلاء الذي يكون له جهتانكالفقر والخوف والمرض. وأمّا البلاء المطلق وهو ما لايكون له جهةسعادة ونعمة لا في الدنيا ولا في الآخرةكالكفر والجهل والمعاصي فلا معنى للصبرعليها حينئذ، بل يكون الشكر في عدمها منجميع الوجوه مطلقاً وهو واضح. ثمّ إنّك عرفت في باب الصبر أنّه قد يكونعلى الطاعة، وقد يكون عن المعصية وفيهمايتحقّق الشكر والصبر، إذ الشكر كما عرفتعرفان النعمة من الله والفرح به وصرفهاإلى الحكمة المقصودة، والصبر على ماعرفتثبات باعث الدين في مقابل باعث الهوى،وباعث الدين خلق لحكمة دفع باعث الهوى،فمن أدّى الطاعة وترك المعصية تحقّقتالحكمة المزبورة وصرفت النعمة فيها. وحينئذ يظهر اتّحاد فعلهما إذ فعل الصبرهو الثبات والمقاومة وهو عين