الخلاء والملأ جميعاً. ثم أن يتنبّه لذلك فلا يلتت إليه الا أنّهلما نظر إليه الناس قال له الشيطان: تفكّرفي عظمه الله وجلاله ومن أنت واقف بين يديهواستح من أن ينظر إليك وأنت غافل عنه،فيحضر بذلك قلبه وتخشع جوارحه ويظن أنّهالإخلاص مع أنّه عين المكر والخداع، فإنّهلو كان كذلك لكانت هذه الخطرة تخطر فيالخلوة أيضاً، ولايختصّ بحالة حضور الناس. وعلامة الأمن من هذه الآفات أن يكون هذاالخاطر ممّا يألفه في الخلاء كما في الملأويكون حضور الناس عنده كالبهائم، فماداملم يفرق بينهما ليس خارجاً عن شوب الشركوإن كان خفيّاً، فإنّ بعض مراتبه أخفى مندبيب النملة السوداء في الليلة الظلماءعلى الصخرة الصمّاء، ولايسلم منه الا منسعد بعصمة الله وحسن توفيقه، والشيطانملازم للمتشمّرين للعبادة لايغفل عنهمساعة حتّى يحملهم على الرياء في كلّ حركةحتى كحل العين وقصّ الشارب ولبس الثياب،لترتّب الثواب عليها في بعض الأوقات،وارتباط الحظوظ النفسيه بها، والغشّ الذييمزج خالص الذهب له درجات متفاوتة، فمنهاما يغلب، ومنها ما يقلّ ويسهل دركه، ومنهاما يدقّ دركه، وخبث النفس أغمض وأدقّبكثير، ولذا قيل: ركعتان من عالم أفضل منعبادة سنة من جاهل. واعلم أنّ العمل الذي لايراد به الاالرياء فهو سبب العذاب قطعاً، والخالصلوجه الله سبب الثواب والتقرّب إلى ربّالأرباب جزماً. وأمّا المشوب فظاهر بعض الأخبار أنّهلاثواب له وإن كان ظاهر بعضها خلافه، وقدأشرنا في بحث الرياء إلى أنّه إن كانالباعث المشوب أحد المقاصد الصحيحةالراجحة شرعاً لم يبطل العمل والإخلاص،وإن كان مقصداً دنيويّاً محضاً كان مبطلاًوموجباً للعقاب، سواء كان أضعف أو مساوياًأقوى. هذا في الواجبات.