الأطرفا متكثّر الشعوب والأكناف، فما منذرّة من المخلوقات الا وفيها عجائب آياتدالّة على كمال قدرة الله وحكمته وجلالالله وعظمته كما أشرنا في فصل التفكر،وإنما لايصل الناس إلى المعرفة مع وضوحالطريق وسهولة مأخذة لإعراضهم عن التفكّرواشتغالهم بحظوظ النفس، كيف لا وأوضح ماأودع فيها من العجائب النفس الانسانية وهيمع كونها أوضح شيء على الأنسان نفسهمجهولة عليه وذلك عقوبة للخلق بما أعرضواعن الله واستخفّوا بعظائم نعمائه وجلائلآلائه. «نسوا الله فأنساهم أنفسهم». (1) وقد أشرنا في الفصل المذكور إلى أنّ عجائبملككوت السماوات والأرض ممّا لايمكن أنيحيط بها الأفهام، فإنّ القدر اليسير الذيتصل إليه أوهامنا مع قصورها ممّا ينقضيفيه الأعمار دون إيضاحه، ولانسبة له إلىماأحاط به علم العلماء ولا له إلى ما أحاطبه علم الأنبياء ولا له إلى ما علم اللهسبحانه وتعالى، بل كلّ ما عرفه الخلائقأجمعون لايستحقّ أن يسمّى علماً في جنبعلم الله تعالى. «قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفدالبحر قبل أن تنفد كلمات ربّي». (2) فانظر ياحبيبي ما تيسّر لك في عجائب صنعالله تعالى وانبذ الدنيا وراء ظهركواستغرق العمر في الذكر والفكر عساك تحظىمنها بقدر يسير تنال به ملكاً عظيماً.
تفريع
قد علمت أنّ المؤمنين مشتركون في أصلالحبّ لاشتراكهم في أصل الإيمان، الا أنّتفاوتهم فيه كتفاوتهم في المعرفة وفي حبّالدنيا لأنّ تفاوت(1) الحشر: 19. (2) الكهف: 109.