يعد الدكتور محمد خير الحلواني (1933-1986) رائداً من رواد تجديد النحو العربي، وإن لم يذكر بين المجددين، أمثال عبد السلام هارون وعباس حسن، ود. مهدي المخزومي، ود. شوقي ضيف وغيرهم، لكن من يطلع على ما كتبه، وما ضمَّن كتبه من آراء وأحكام يجد أن عنده تجديداً لا يكاد يصل إليه الذين سبقوه، ولا سيما في كتابه «النحو المُيسَّر» الذي ضمَّ معظم أبواب النحو، فقد بثَّه أحكاماً تستند إلى المنطق، والقاعدة، والتحليل الرياضي، فوصل منها كلها إلى الاستنتاج والاستنباط، وكان هذا في منهج تميَّز به من غيره.لقد بدا التجديد عند الحلواني في عدة أشكال، منها طريقة عرض المادة، وتبويبها، وتشعيبها، وتقسيمها، ومنها الأمثلة التوضيحية التي تفاوتت بين القرآن والشعر الذي يُحْتَجُّ به، والشعر الذي تجاوز عصر الاحتجاج حتى وصل إلى العصر الحديث، بل كانت العبارة القريبة من القارئ، من حياته ومحيطه الشاهد الذي استند إليه كثيراً ليوضح قاعدة، أو يقيم أخرى، أو يشرح ثالثة، ليأتي بحثه سهلاً معروفاً خالياً من التعقيد والإشكال.كما بدا التجديد في مناقشة أقوال القدماء والمحدثين على السواء، فرفض أحكاماً عدَّها من الشاذ، أو مما تأوّله القدماء، أو مخالفة للقياس، وكانت عنده الجرأة في تقديم قواعد جديدة انفرد بها، قامت على المحاكمة والتحليل، ولم تكن مخالفة للاستدلال الذهني الذي أرسى عليه عدداً من الأحكام، وكذا المعنى الذي كان نصب عينيه دائماً عند شرح القاعدة وتحليلها وإعرابها شواهدها وأمثلتها.وقد يكون تجديد الحلواني متميزاً عن غيره، وأعيد هذا إلى أنه مارس التدريس في مراحله كلّها، ومن يعمل بالتدريس يكتشف أشياء قد تكون خافية على الطالب أو المتعلم، فهو يريد أن يقربها من ذهن الطالب الذي صعبت عليه عبارة القدماء مرة، وآراؤهم مرات عديدة، فكان هدف الحلواني أن يقدم المادة قريبة مختصرة سهلة مشفوعة بالشواهد التوضيحية قائمة على فهم المعنى لأنَّ الإعراب في المعنى، فكان أن اجتهد في كثير من القواعد فأصاب في معظمها، وجانبه الصواب في قليل منها، لأنَّ ثمة قواعد لم يقتنع بها، أو لم ترق له فغيَّرها، ولو رصد الشعر الذي يتصل بكل القواعد لكان عنده وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره التي أثبتها، وهو الذي رصد في كثير من القواعد شواهدها، ولا سيما من القرآن الكريم، وربما يعود هذا إلى وجود المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لكن الشعر يستحيل عليه وعلى غيره، وهذه القواعد إنما هي قليلة لا تشكل شأناً كبيراً، ولا تقلل من ذاك الجهد الذي بذله، ووجهات النظر التي وصل إليها والتي تفوّق فيها، ويكفيه أنه قدَّم النحو ميسراً سهل التناول بلغة قريبة من عقل المتعلم، ويكفيه أنه لم يشأ من التجديد الحذف والاختصار والإخلال والإخلال وأحياناً الهدم كما فعل كثيرون!! بل إنَّ ما قدمه د. الحلواني يشكل حلقة من حلقات تجديد النحوي، وهي حلقة قوية متينة أحكم صُنعها، ولا شك في أنَّ ما قدّمه يستحق الوقوف عليه والدراسة، ومن ثمَّ الحكم.تقدّم أنَّ نحو الحلواني جمعه في كتابه «النحو الميسَّر» وهو الكتاب الذي جمع فيه جهوده من عدد من الكتب، ولنقل: هو صفوة ما وصل إليه في تلك الكتب بعد أن استقرّت عنده الآراء والأحكام واستوت، وهذه الكتب هي «الواضح في النحو» و«المختار» الذي قال في مقدمته «إنه تتمة لكتاب الواضح في النحو أو جزء ثانٍ له»، و«المنهل» و«المعين»و«المنجد» وهي كتب تعليمية، يُضاف إليه كتابان في الصرف ضمَّ «المغني الجديد في علم الصرف» وكتاب «الواضح في الصرف» مضافاً إليه المدخل إلى علم الصرف وجذور الكلمات وأبنيتها، والتعبير عن الجنس (التذكير والتأنيث) … وما يلاحظ أن جهوده في الصرف لم تكن ذات شأن كبير إذا ما قيست بجهوده النحوية، ربما لطبيعة البحث في الصرف، ولكنَّ منهجه فيه كان كمنهجهم في علم النحو من حيث التبويب والتقسيم، واعتماده علوم اللغة الحديثة ولا سيما على الأصوات لكنَّ هذا لم يمنعه من مناقشة القدماء واستقرائه المادة الصرفية موضوع الدراسة.من هنا كان اقتصار البحث على التجديد في النحو. بل اقتصر على ما في كتابه «النحو الميسر» للأسباب التي تقدمت، مع التلميح إلى غيره إذا ما تفرّد به، ولم يضمّه في