وبعد فقد عرضت لبحث النداء عند القدماء، وبقي فيه كلامٌ يمكن أن يُعد من النتائج، ويمكن تلخيصها بما يلي: بدا البحث موزّعاً في كتب سيبويه، وكتاب المقتضب للمبرد، ثم بدأ تحديد العناوين . قسّم ابن السّرّاج في كتاب الأصول الأسماء المناداة على ثلاثة أضرب: مفرد، ومضاف، ومضارع للمضاف بطوله. لم يُذكر المنادى الشبيه بالمضاف عند معظم القدامى. أوجب ابن السراج نصب أي منادى ؛ لأن (يا) تنوب مناب الفعل (أنادي)، وهذه مسالةٌ مشكلةٌ وقف عندها المحدثون كثيراً، وقد تبع ابن السراج ابنُ مالك الذي عدّ المنادى منصوباً لفظاً أو تقديراً بـ (أنادي) لازم الإضمار استغناء بظهور معناه مع قصد الإنشاء وكثرة الاستعمال، وكذا تجده عند ابن يعيش في شرح المفصل . تكلف بعض النحويين في جوانب ليست بذات أهمية مثل باب الندبة عند الرضي، والترخيم عند ابن مالك في شرح الكافية الشافية . أطال عدد من العلماء في البحث إطالة زائدة .النّداء عند المحدثين:يمكنَّنا توزيع كتب المُحدثين في ثلاثة أنواع:الكتب النحوية العامة والكتب المدرسية والكتب التي تنضوي تحت عنوان «التجديد» و«التيسير».أما النوع الأول فنمثل لـه بثلاثة كتب: جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني، وكتاب النحو الوافي لعباس حسن، وكتاب النحو الميسَّر للدكتور محمد خير الحلواني، وسيكون منهجنا كما مرَّ في كتب الأقدمين «عرضاً ومناقشة».
1- جامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني:
عرض بحث النداء، فعرّفه، ثم عرض لأدوات النداء وكانت عنده سبعاً ، ثم أقسامه وأحكامه، وكانت أمثلته جُملاً لا قرآناً ولا شعراً، ثم عرض لبعض الأسماء المستحقة البناء مثل سيبويه وحذام وثبات ، وتوقف عند (ابن) وصفاً، وتابع الأقدمين في اعتبار (ابن) زائدة، وفي هذا كلام. ثم عرض لتكرار المنادى وتنوين الضرورة.بعد ذلك ينتقل إلى نداء الضمير فيقول: نداء الضمير شاذ نادر الوقوع في كلامهم، لكنه أثبته ، وقد بدا التكلف واضحاً في إثبات أحكام توابع المنادى الذي خلا من الشواهد القرآنية والشعرية، ثم انتقل إلى حذف أداة النداء، أو حذف المنادى أو اعتبار (يا) للتنبيه، ثم وقف عند المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، وتبع بعض القدماء في أن الأكثر حذف ياء المتكلم، وجواز إثباتها ساكنة واستشهد بقوله تعالى «يا عباد».أما باب الاستغاثة عند الغلاييني فهو مختصر جيّد ، وأما التعجب ففي سطرين اثنين تمثل بـ يالَلماءِ! وياماءا! ويا ماء! ثم انتقل إلى الندبة والمرخم وكانت شواهده جملاً لا قرآناً ولا شعراً وعرض أخيراً إلى أسماء لازمت الإضافة ، وأرى أن يغيب هذا الباب عن كلّ كتب المحدثين. على العموم الكتاب ذو أسلوب سهل مختصر.
2- النحو الوافي لعباس حسن:
المعروف أنّ هذا الكتاب من أوسع كتب المحدثين، لكنّ كثرة الحواشي والإحالات وغيرَها تُشّتتُ من سيعود إلى الكتاب وسيجد أنّ في الكتاب تكراراً فثمة حواشٍ كثيرة تحيل إلى حواشٍ كثيرة مما أوقع الخطأ في الإحالة إلى أرقام وحروف كثيرة كثيرة.بدأ عباس حسن بحث النداء بتعريف ثم عرض حروف النداء، وقال أشهر حروفه ثمانية وهي كلها ثمانية، ثم يقف مطولاً عند (يا) ودخولها على غير الاسم ، باعتبارها حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادى.ويظهر أن عباس حسن يعتبر أنّ (يا) تحلّ محلّ الفعل أنادي أو أدعو لأنه عدّ جملة النداء فعلية إنشائية للطلب ، ولأنه أجاز تعليق شبه الجملة بأداة النداء