يقول البعض:
"إنه عندما تطرح القضية ويكون فيها موقفان
فإن صاحب الموقف الذي يرى الحق له يتكلم
على أساس أنه لا يخاطب شخصاً ولكن يخاطب
موقفاً ويخاطب رأياً ويخاطب اتجاهاً،
مضافاً إلى أنه في الحق لا مجال للمجاملة،
ذلك أن المجاملات والديبلوماسيات
والكلمات الضبابية إنما هي في العلاقات
الإنسانية التي تتصل ببعض الأوضاع التي
يعيشها المجتمع في خطوطه، أما عندما تكون
القضية قضية إثبات حق ودحض باطل، فإن
المجاملة تكون خيانة، وإن الإعتبارات
الإجتماعية حينئذٍ لا تسقط الإعتبارات
الموضوعية العلمية، ولذلك كانوا يتكلمون
بكل صراحة الحق الذي يعتقدونه، ومن
المفارقات أن هذا الحق الذي يطرحونه بكل
صراحة وبكل موضوعية لا يثير رد فعل
اجتماعي سلبي كما لو يتساءل البعض: كيف
تتجرأ على هذا وكيف تتكلم مع هذا بهذه
اللغة لأنهم كانوا يعيشون المسألة في
أجواء الصراحة في الحق، ولم تؤثر فيهم كل
هذه الأساليب التي جاءت بها الحضارات من
تغطية الحق بكلمة هنا وبعاطفة هناك"[4].
هكذا هو شعورنا:
يقول البعض في كتابه "من وحي القرآن" ج2 ص171:
"وقد يكون الأساس في اختيار النبي للخطاب،
ثم اتباع أقسى الأساليب شدة في خطاب الله
معه، هو الإيحاء بأن هذه القضية هي من
القضايا التي تبلغ مرحلة كبيرة من الأهمية
والخطورة بالمستوى الذي لا يمكن فيها
مراعاة جانب أي شخص، وإن كان عظيماً في
مستوى عظمة النبي محمد صلى الله عليه وآله
وسلم لأن عظمة الأشخاص وقداستهم مستمدة من
طاعتهم لله فيما يريد وفيما لا يريد فإذا
انحرفوا عن الخط، ولن ينحرفوا عنه، سقطت
عظمتهم وتحولوا إلى أشخاص عاديين خاطئين
لا يملكون لأنفسهم من دون الله ولياً ولا
نصيرا.
ويعتبر هذا أسلوب من الأساليب البارزة في
القرآن في القضية التي تتخذ جانب الخطورة
على أساس العقيدة وصدقها وسلامتها من
الانحراف".
قبل المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على محمد وآله الطاهرين واللعنة على
أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
ـ لولا كتاب مأساة الزهراء:
لم أكن أقرأ له.. لأنني ـ شأن كثيرين غيري
عاشوا في حواضر العلم ـ أعتبر كتبه
ومقالاته تخصّ جيلا بعينه، وتعنيه، وتريد
أن ترشده وتهديه.
وقبل أكثر من أربع سنوات.. وفي مسجد بئر
العبد بالذات، وأمام كاميرا الفيديو..
تحدث إلى طائفة من النساء عن الزهراء (ع)،
وعن مأساتها..
فأثار تساؤلات، على حدّ تعبيره.. وأصدر
أحكاما، أثارت عاصفة من الإحتجاج، و
وُوجهت بالإدانة والرفض..
فتراجع في رسائل له مكتوبة، وعبر وسائل
مسموعة..
ولكنه بعد أن هدأت العاصفة، عاد ليثير نفس
الأفكار عن الزهراء (ع)، ويحرك قضايا،
ويطرح مسائل هي الأخرى حسّاسة وهامة.
ورأيت أن من واجبي أن أطّلع على بعض
مقولاته وطروحاته، فقرأت له بعض ما كتب
ونشر، وسمعت نزرا يسيرا مما بثّته إذاعة
محليّة تابعة له..
ففوجئت بما قرأت وسمعت، إلى درجة كبيرة..
وأدركت خطورة الأمر.. فبذلت محاولات كثيرة
للدخول في حوار مثمر ومفيد، يمنع من تفاقم
الأمور، ويعيدها إلى نصابها، فلم أوفق في
ذلك.
وكان كتاب (مأساة الزهراء (عليها السلام):
شبهات وردود) بمثابة إعلانٍ لفشل تلك
الجهود، ودق ناقوس الخطر بالنسبة للموضوع
برمّته..
وكان أن تحرّكت بعنف وشراسة حرب الإشاعات
والاتهامات، وقيل ما قيل، ونُشِر ما
نُشِر، وأصدروا عددا من الكتب.. وبدا واضحا
أن ذلك كله ـ تقريبا ـ يهدف إلى تعمية الأمر
على الناس، وإبعادهم عن الموضوع الأساس
والحساس جدّا، والمصيري من الناحية
الإيمانية، والعقائدية..
وكان خيارنا الوحيد لإنجاز التكليف
الشرعي الملقى على عواتقنا، تقديم نبذة
يسيرة من مقولات يعرف كل عالم بصير: أنها
لا تنسجم مع مدرسة أهل البيت عليهم
السلام.. فكان هذا الكتاب..
ونحن على يقين بأن حملاتهم التشكيكية
وغيرها ضدّنا، ستكون هذه المرة أشدّ ضراوة
وأقسى.. غير أننا نريد لكل المخلصين أن
يطمئنوا إلى أن ذلك يزيدنا معرفة، وسيعزز
من صلابتنا في نصرة الحق، وتوخّي المزيد
من الصراحة في بيان الحقيقة، مهما كان
الثمن..
ومن جهة أخرى، وقبل حوالي ثلاثة أشهر سرقت
إحدى مسوّدات هذا الكتاب، ورغم أنها كانت
ناقصة بدرجة كبيرة، وغير منقحة، فقد بيعت
لمن يهمهم الأمر بمبلغ كبير من المال، هو ـ