منى متى شئت جاز بيعه قبل حل الاجل لانه صار وكيلا عقب هذا اللفظ فينفذ بيعه بحكم الوكالة و لكن الثمن يكون رهنا الا أن يحل الاجل فيستوفيه المرتهن بحقه و ان قال المرتهن كان الاجل إلى شهر رمضان فالقول قول الراهن في التسليط على البيع و القول في حل الاجل قول المرتهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن فإذا ادعي زيادة فيه و جحد المرتهن كان القول قوله فاما التسليط على البيع فمن حق المرتهن و يثبت بإيجاب الراهن و لو أنكره أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر حلوله اذ ليس من ضرورة حل المال ثبوت التسليط على البيع لجواز أن يسلطه على البيع بعد مضي شهر من حين يحل المال فان اتفقا على الاجل انه شهر و اختلفا في مضيه فالقول قول الراهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن و قد تصادقا على ثبوته ثم ادعى المرتهن انه أوفاه ذلك و أنكر الراهن الاستيفاء فالقول قوله و إذا باع العدل الرهن بدنانير أو بغيرها من العروض و الحق دراهم فله أن يصرفها بدراهم إذا كان مسلطا على بيعه حتى يوفيه في قول أبى حنيفة رحمه الله و عندهما ليس له أن يبيعه بعرض لان العدل وكيل بالبيع و قد بينا الخلاف في الوكيل بالبيع مطلقا أو باع بالعروض و إذا باع بالنقود يجوز بالاتفاق و لكنه مأمور بإيفاء حق المرتهن و الايفاء انما يكون بجنس الحق فكان له أن يصرف الثمن إلى جنس الحق ليقضى الدين به و كذلك يبيع العروض به في قول أبى حنيفة رحمه الله و كذلك و لو باعه بمكيل أو موزون فهو كالبيع بالعروض على قياس الوكيل و ذكر الكرخي رحمه الله ان الرهن إذا كان بطعام السلم فباعه العدل بجنس ذلك الطعام يجوز البيع عندهم جميعا لان عندهما انما يتقيد البيع بالنقد بدلالة العرف و ذلك موجود هنا ثم هذا عرف و عارضه نص لانه سلطه على البيع لقضاء الدين و ذلك بجنس الدين يتحقق و ان باعه بالنقد احتاج إلى أن يسوى به طعاما ليقضى به حق رب السلم فلاجل هذا جوزنا بيعه بالطعام قال و لو باعه بنسيئة كان البيع جائزا بمنزلة الوكيل بالبيع مطلقا و روى اصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمهم الله أنه إذا قال لغيره بع هذا المتاع فانى محتاج إلى النفقة أو قال بعه فان غرمائي ينازعوننى فباعه بالنسيئة لا يجوز لانه اقترن بكلامه ما يدل على ان مراده البيع بالنقد و على قياس تلك الرواية لا يجوز بيع العدل بالنسيئة أيضا لانه أمره بالبيع عند حل الاجل ليوفى حق المرتهن من الثمن و ذلك لا يحصل الا بالبيع بالنقد و ان توى الثمن عند المشترى فهو من مال المرتهن لما بينا ان حكم الرهن تحول من العين إلى الثمن و ان كان في ذمة المشترى
(85)
كما لو قبل المرهون تحول حكم الرهن من العين إلى القيمة و لو هلكت العين قبل البيع يصير المرتهن به مستوفيا حقه فكذلك إذا توى الثمن و فيه وفاء بالدين و إذا كان الرهن أرض خراج أو عشر فأخذ السلطان الخراج أو العشر من الثمرة كان للعدل أن يبيع ما بقي مع الارض الرهن لما بينا ان حكم الرهن يثبت في الزيادة المولدة من العين و لا يسقط باعتبار ما أخذ السلطان من ذلك شيء من الدين لان ذلك مستحق على الرهن و لان ذلك الجزء كالتاوى بغير صنع المرتهن و لو هلك الكل بغير صنعه لم يسقط شيء من دينه فان قيل كيف يأخذ السلطان الخراج من الثمرة و الخراج في ذمة الراهن قلنا قد قيل ان المراد خراج المقاسمة و هو جزء من الخارج كالعشر و ان كان المراد خراج الوظيفة فله تعلق بالخراج بدليل انه لو امتنع من أداء الخراج يبيعه الامام بطريق الاجتهاد و إذا أخذ السلطان الخراج أو العشر من الراهن لم يكن للراهن أن يرجع بشيء من الثمرة و هو كله رهن يبيعه العدل و يوفيه المرتهن و لا شك ان للسطان أن يأخذ منه الخراج و كذلك العشر عند حاجة مصارف العشر للسلطان أن يأخذ العشر من مالك الثمرة بعد إدراك الغلة و هذا لانه يطالبه بالاداء و له أن يؤدى من أى موضع شاء فإذا كان هو الذي رهن العين و تعذر عليه اداء العشر أخذه من الثمرة لزمه الاداء من محل آخر فإذا أخذ منه بقيت الثمار مملوكة للراهن محبوسة عند المرتهن بحقه و للعدل أن يبيع الكل كما بينا و لا يكون للراهن أن يرجع بشيء من الثمرة ما لم يقبض الدين لانه بتصرفه قصر يد نفسه عن الثمرة ما لم يؤد الدين و قد كانت الثمرة مشغولة بالعشر و الخراج فإذا زال ذلك بادائه من محل آخر بقي حكم الرهن فيه على حاله قال و لو كان الرهن ابلا أو بقرا أو غنما سائمة لم يكن فيها زكاة لان على صاحبها من الدين ما يستغرق رقابها و وجوب الزكاة من المال النامي باعتبار عناء المالك قال صلى الله عليه و سلم لا صدقة الا عن ظهر غنى و بالدين المستغرق ينعدم العناء و السبب إذا وجب الحكم بواسطة لم يثبت الحم بدون تلك الواسطة كشراء القريب يوجب العتق بواسطة الملك فإذا اشتراه لغيره لا يكون اعتاقا لانعدام الواسطة و ان كان العدل هو الراهن فان كان المرتهن لم يقبض من يد الراهن فليس برهن لان تمام الرهن بالقبض و يد المالك في ماله لا تكون نائبة عن الغير فلا يصير المرتهن قابضا بيد الراهن و ان كان المرتهن قبضه و جعل الراهن مسلطا على بيعه فهو رهن و بيع الراهن فيه جائز لان العين ملكه و هو مشغول بحق المرتهن فإذا رضى صاحب الحق بالبيع نفذ بيع المالك فيه و إذا ارتهن
(86)
الرجل دارا أو سلط الراهن رجلا على بيعها و دفع الثمن إلى المرتهن و لم يقبضها المرتهن حتى حل المال لم يكن رهنا لانعدام القبض المتمم له و ان باع العدل الدار جاز بيعه بالوكالة لا بالرهن لان العدل وكيل بالبيع و بقاء يد المالك في العين لا يمنع صحة الوكالة بالبيع و كذلك التبعيض في الخادم و الدار لان الشيوع و ان كان يمنع موجب الرهن فلا ينافى موجب الوكالة واحد الحكمين ينفصل عن الآخر فالرهن و ان لم يصح لعدم القيمة فالتوكيل بالبيع صحيح و إذا باع العدل ذلك دفع الثمن إلى الراهن دون المرتهن لان العين ملك الراهن و لم يثبت فيه حق المرتهن حين لم يصح الرهن فلهذا يدفع الثمن إلى الرهن ثم يقضي للمرتهن على الراهن بحقه و ان دفع العدل المال إلى المرتهن لم يضمن لان الدفع اليه حصل بأمر المالك و ان نهاه عن البيع لم يجز بيعه بعد ذلك و كذلك ان مات الراهن لم يكن للعدل أن يبيعه بعد موته لان نفوذ بيعه بالوكالة دون الرهن و الوكالة تبطل بالعزل و موت الموكل و المرتهن أسوة الغرماء فيه لان اختصاصه به يكون باعتبار الرهن فإذا لم يتم الرهن كان أسوة الغرماء و إذا قتل العبد المرهون عبد فدفع به أو أخفى عينه فدفع بالعين كان العدل مسلطا على بيع العبد المدفوع لانه قائم مقام ما دفع به الا أن يرى أن حكم الرهن يثبت فيه بهذه الطريقة فكذلك حكم التسليط على البيع لان ذلك توكيل تعلق به الاستحقاق لكونه في ضمن الرهن فيظهر ظهور حكم الرهن فيه و إذا باع العدل الرهن فقال بعته بتسعين و الدين مائة فأقر بذلك المرتهن فانه يسأل الراهن عن ذلك فان أقر أنه باعه و ادعى أكثر من تسعين فالقول قول المرتهن و العدل فيه لاتفاقهما على خروج العين من الرهن بالبيع و إنكار المرتهن للزيادة فيما تحول اليه حكم الرهن و البينة بينة الراهن لاثباته الزيادة و ان لم يقر الراهن بالبيع و قال هلك في يد العدل فالقول قول الراهن إذا كانت قيمته مثل الدين لان بقبض الرهن تثبت يد الاستيفاء للمرتهن في جميع الدين ثم إذا ادعى ما ينسخه و هو البيع في الدين فلا يصدق في ذلك الا بحجة و إذا أقر بالبيع قال الراهن بعته بمائة و قال العدل بعته بتسعين و قال المرتهن بعنه بثمانين و قد تقابضا فالقول قول المرتهن و يرجع على الراهن بعشرين درهما لتصادقهم على ما ينسخ حكم الرهن في العين و هو البيع و إنكار المرتهن للزيادة فيما استوفى من حقه و البينة بينة الراهن لانه هو المدعى لزيادة إيفاء الدين على المرتهن فان أقام العدل البينة انه باعه بتسعين و أعطاها للمرتهن و قال الراهن لم يبعه و أقام البينة انه لم يبع و انه مات في يده قبل أن يبيعه لم تقبل بينة الراهن على
(87)
هذا لانهم لم يشهدوا على فصل ماله و انما شهدوا على انه لم يبع و هذا لا تجوز شهادتهم فيه لان البينة للاثبات فلا تقبل على النفي و لا بلفظ النفي و ان كانت هذه البينة بلفظ الاثبات فقد بينا الخلاف بين أبى يوسف و محمد رحمهما الله في ترجيح احدى البينتين على الاخرى فيما سبق و إذا ارتد العدل ثم باع الرهن ثم قتل على ردته فبيعه جائز لان نفوذ بيعه باعتبار الوكالة وردته لا تنافي ابتداء الوكالة فلا ينافى البقاء بطريق الاولى و انما لا يجوز أبو حنيفة تصرفه في ملك نفسه إذا قتل على الردة لان محل تصرفه حق ورثته و ذلك موجود هنا فانه ليس بمالك للرهن و خلف وارثه فيه انما هو وكيل ببيعه و ان أسلم فذلك أجوز لبيعه و ان لحق بدار الحرب فلحاقه بمنزلة موته و لهذا يقسم القاضي ميراثه فان رجع مسلما فهو على وكالته و قد نص على الخلاف بين أبى يوسف و محمد رحمهما الله في الوكيل إذا ارتد و لحق بدار الحرب فقيل حكم العدل على ذلك الخلاف و قيل بل هذا قولهم جميعا و أبو يوسف يفرق بينهما فيقول ردته و لحاقه موجب عزله بمنزلة ردة الوكيل و عزله نفسه و ذلك يصح من الوكيل و لا يصح من العدل بعد القبول بحق المرتهن فكدلك يبقى حكم التسليط على البيع بعد لحاقه فإذا رجع فهو على وكالته و هذا لان هذه الوكالة تعلق بها الاستحقاق لكونها في ضمن الرهن على ما بينا و إذا ارتد الراهن و المرتهن فلحقا بدار الحرب أو قتل على الردة ثم باع العدل الرهن جاز بيعه لان لحاقهما كموتهما و القتل موت و قد بينا أن موتهما لا يبطل الرهن و لا حكم التسليط على البيع فكذلك هنا قال و إذا كان العدل عبدا محجوار عليه فان وضعا الرهن على يديه باذن مولاه فهو جائز لانه من أهل يد موجبة لتتميم العقد لو كان العقد معه باذن مولاه فكذلك إذا كان العقد مع غيره قلنا يتم العقد بيده على أن تكون يده نائبة عن يد المرتهن كما في الحر فان وضعا على يده بغير اذن مولاه فهو أيضا جائز لان الاهلية للعبد يكون آدميا مميزا أو مخاطبا بوجود الاذن من المولى و انما الحاجة إلى الاذن فيما يتضرر المولى به و لا ضرر على المولى في جعل يد العبد نائبة عن يد المرتهن و لكن عهدة البيع لا تكون عليه لان المولى يتضرر به من حيث انه يتوى ماليته فيه و انما العهدة على الذي سلطه على البيع لانه لما تعذر إيجاب العهدة على العاقد تعلقت بأقرب الناس اليه و هو من سلطه على بيعه و كذلك الصبي الحر الذي يعقل إذا جعل عدلا فهو و العدل العبد سواء ان كان أبوه أذن له فالعهدة عليه و يرجع به على الذي أمره و ان لم يكن أبوه أذن له فاستحق البيع من يد المشترى
(88)
فان شاء المشترى رجع بالثمن على المرتهن الذي قبض المال لانه هو الذي ينتفع بهذا العقد حين سلم الثمن له و إذا رجع المرتهن على الراهن بماله و ان شاء على الراهن لان البائع كان مأمورا من جهته و انما حصل بيعه و قبض الثمن له فكان له أن يرجع بالعهدة عليه و لو ذهب عقل العدل لم يجز بيعه في تلك الحالة أما إذا صار بحيث لا يعقل البيع فلا اشكال فيه و ان كان بحيث يعقل البيع جازت الوكالة و نفذ البيع فقياس تلك المسألة هنا يدل على جواز بيعه في هذه الحالة و الاصح أن يفرق بينهما فيقال لما وكله و هو صحيح العقل فهو ما رضى ببيعه الا باعتبار رأي كامل و قد انعدم ذلك بجنونه و أما إذا كان وكله و هو بهذه الصفة فقد رضى ببيعه بهذا القدر من الرأي فيكون هو في البيع ممتثلا أمره فان رجع اليه عقله فهو على وكالته لان حكم الرهن و التسليط باق بعد ذهاب عقله و لكنه عجز من تحصيل مقصود الراهن بعارض و ذلك على شرف الزوال فإذا زال ذلك صار كان لم يكن و إذا كان العدل صغيرا لا يعقل أو كبيرا لا يعقل فجعل الراهن على يده لم يجزه و لم يكن رهنا لانه ليس من أهل اليد اذ هو مميز و قبض مثله لا يكون معتبرا شرعا و ما هو المقصود بالقبض لا يحصل بقبضه فلا يمكن تتميم الرهن باعتبار اقامة قبضه مقام قبض المرتهن و لو كبر و عقل و باع الرهن جاز البيع لتسليط الراهن إياه على البيع لان الموكل ينفرد بالتوكيل و نفوذ تصرف الوكيل يعتمد علمه به فإذا باعه بعد ما عقل فقد وجد شرط نفوذ تصرف الموكل بعد صحة التسليط فهو نظير ما لو و كل غائبا ببيع شيء فبلغه و باعه و ذكر الخصاف رحمه الله ان هذا قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله أما عند أبى حنيفة فلا يجوز بيعه بعد البلوغ لان التسليط كان لغوا لانعدام الاهلية عنده فلا ينعدم بحدوث الاهلية بخلاف الغائب فهو أهل للتصرف فيصح تسليطه و علمه به شرط فإذا وجد نفذ تصرفه و إذا كان العدل ذميا أو حربيا مستأمنا و الراهن و المرتهن مسلمين أو ذميين فهو جائز لان المستأمن في المعاملات بمنزلة الذمي أو المسلم و هو من أهل يد معتبرة شرعا و هو من أهل ان ينفذ بيعه بتسليط المالك كما ينفذ بيعه باعتبار ملكه فان لحق الحربي بالدار لم يكن له أن يبيع و هو في الدار لان المرهون في دار الاسلام رجع إلى دار الحرب عاجز عن تسليم ما في دار الاسلام لحاجته في الرجوع إلى أمان جديد فلهذا لا ينفذ بيعه فان رجع فهو على وكالته بالبيع لما بينا في المرتهن اللاحق بدار الحرب و ان كان الحربي الراجع إلى دار الحرب هو الراهن و المرتهن أو العدل ذمى أو حربى مقيم في دار
(89)
الاسلام باذن فله أن يبيعه لان لحاق الراهن و المرتهن بالدار كموتهما و ذلك لا يمنع نفوذ بيع العدل ان كان قادرا على التسليم لبقاء الرهن و التسليط و إذا باع العدل الرهن و قبض الثمن فهلك عنده ثم رد عليه المبيع بعيب فمات عنده أو استحق أو هو باق في يده و قد أخره بالثمن حتى أداه فله أن يرجع على الراهن في ذلك كله لانه في البيع كان عاملا للراهن بامره و لا يكون له أن يرجع على المرتهن لان رجوعه عليه باعتبار قبضه الثمن منه و لم يوجد و ان كان الراهن مفلسا و العبد في يد العدل فله أن يبيعه و يستوفى الثمن الذي غرمه لان بالرد بالعيب عليه انفسخ البيع فيبقى التسليط على البيع كما كان و إذا باعه فالثمن ملك الرهن و قد استوجب الرجوع على الراهن بما غرم فإذا ظهر حبس حقه من ماله كان له أن يأخذه و هو أحق بذلك من المرتهن لان دينه وجب بسبب هذا العبد و دين المرتهن في ذمة الراهن لا بسبب هذا العبد و كان صرف بدل العبد إلى دين وجب بسبب العبد أولى و لانه لو كان دفع الثمن إلى المرتهن كان له أن يرجع فإذا لم يكن دفعه اليه فلان يكون هو أحق به و لا يلزمه دفعه اليه أولى و إذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا أو ربا لم يجز بيعه كما لو باشره المالك و لا يضمن العدل لانه وكيل و انما يضمن الوكيل بالاخلاف لا بالفساد فكل أحد لا يهتدى إلى التحرز عن الاسباب المفسدة للعقد كما إذا كان الرهن خمرا أو خنزيرا و الراهن و العدل ذميين و المرتهن مسلما و باعه العدل فبيعه جائز بالوكالة و الرهن باطل لان المرتهن مسلم و المسلم من أهل العقد على الخمر و لكن بطلان الرهن لا يبطل الوكالة بالبيع و ان كان مسلما و العدل و المرتهن ذميين فالرهن باطل لما قلنا و بيع العدل ينفذ بالتوكيل في قول أبى حنيفة بمنزلة المسلم يوكل الذمي ببيع الخمر و الخنزير و ينبغي له أن يتصدق بالثمن فان قضاه العدل المرتهن ففعله كفعل الراهن بنفسه فينبغي ان يصدق بمثله لانه قضى دينه بمال يثبت فيه حق الفقراء فعليه أن يتصدق بمثله و ان كان العدل مسلما فبيعه باطل لان المسلم ليس من أهل العقد على الخمر و ليس له أن يباشره لنفسه أو لغيره و الله أعلم ( باب الرهن الذي لا يضمن صاحبه ) ( قال رحمه الله ) و إذا ارتهن عبدا بألف درهم و قبضه و قيمته ألف درهم ثم وهب المرتهن المال للراهن أو أبرأه منه و لم يرد عليه الرهن حتى هلك عنده من أن يمنعه إياه
(90)
فهو ضامن في القياس قيمته للراهن و هو قول زفر و فى الاستحسان لا ضمان عليه و هو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وجه القياس أن بقبض الرهن ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن و يتم ذلك بهلاك الرهن و صيرورته مستوفيا بهلاك الرهن بعد الابراء بمنزلة استيفائه حقيقة بعد الابراء فليزمه رد المستوفي و لا يقال انما يصير مستوفيا من وقت القبض حتى تعتبر قيمته من ذلك الوقت فيكون بريئا بعد الاستيفاء و هذا لان الابراء بعد الاستيفاء صحيح موجب لرد المستوفي كالبائع إذا قبض الثمن ثم أبرأ المشترى عن الثمن و قد قال بعد هذا في الرهن بالصداق إذا طلقها الزوج قبل الدخول بها ثم هلك الرهن لا يلزمها رد شيء على الزوج بطريق الاستحسان و لو كان الطريق فيه هذا للزمها رد النصف لان الطلاق قبل الدخول بعد استيفاء الصداق يلزمها رد نصف المستوفي و لا وجه لاسقاط الضمان الفائت في مالية الرهن بسبب الابراء عن الدين لان ضمان العقد بالقبض فيبقى بعد القبض و ان سقط الدين كما لو استوفى الدين حقيقة أو اشترى بالدين عينا أو صالح منه على عين أو احاله على إنسان آخر بقي ضمان الرهن و ان برئت ذمة الراهن عن الدين و كذلك لو تصادقا على أن لا دين بقي ضمان الرهن لبقاء القبض و ان انعدم الدين و لو تبادلا رهنا برهن بقي ضمان الاول ما لا يرده على الراهن لبقاء القبض و المشترى إذا قبض المبيع فهو بالخيار ثم فسخ البيع بقي مضمونا بالثمن لبقاء القبض و ان انفسخ البيع و إذا كان الخيار للبائع ففسخ البيع يبقى مضمونا بالقيمة على المشترى لبقاء القبض كما في الابتداء و لا يقال لو وجب الضمان على المرتهن انما يجب بسبب الابراء و هو متبرع فيه فلا يوجب عليه ضمانا لان وجوب الضمان عليه ليس بالابراء بل الاستيفاء بهلاك الرهن الا أنه قبل الابراء كانت تقع المقاصة و بعد الابراء لا يمكن إثبات المقاصة فيبقى المستوفي مضمونا عليه كما لو استوفاه حقيقة بعد الابراء و يلزمه ضمان المستوفي و ان كان لو لم يسبق الابراء لم يكن عليه شيء و للاستحسان وجهان أحدهما أن ضمان الرهن يثبت باعتبار القبض و الدين جميعا لانه ضمان الاستيفاء فلا يتحقق ذلك الا باعتبار الدين و بالابراء عن الدين انعدم أحد المعنيين و هو الدين و الحكم الثابت بعلة ذات و صفين ينعدم بانعدام أحدهما ( ألا ترى ) انه لو رد الرهن سقط الضمان لانعدام القبض مع بقاء الدين فكذلك إذا أبرأ من الدين يسقط الضمان لانعدام الدين مع بقاء القبض و هذا بخلاف ما لو استوفى حقيقة لان هناك الدين بالاستيفاء لا يسقط بل يتقرر فان ما هو المقصود يحصل بالاستيفاء و حصول