تطلع أمة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تطلع أمة - نسخه متنی

عباس عبد الغنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



ومرت اكثر من ثلاثين عام علي تزعم هذه التيارات لمجالات التحرك والمعارضة ، الا ان ذلك لم يسفر عن حدوث طفرات نوعية في الوطن العربي ، بل وزادت الهزائم وخارت العزائم خصوص بعد هزيمة الجيش العربي في حربين عسكريتين متتاليتين مع الصهاينة الغزاة في عام 7691م ، 3791م .

وافاقت الجماهير المسلمة علي قناعة واحدة لا يمكن التنازل عنها، وهي قناعة العودة الي الدين باعتبارة منهج متكاملا يمتلك بين دفتية تنوع منسجم من البرامج والاستراتيجيات التي ينفرد بها، مما يودي الي تحقيق الامة لاهدافها وتطلعاتها.

وكانت هذه هي بداية عودة المسلمين الي الدين بصورة اقوي في عقد السبعينات ، حيث انتبهت الامة الي انها بعيدة عن تعاليم الدين وبرامج الرسالة ، مسلوبة الحرية ، مسحوقة الكرامة ، مغتصبة الحقوق ، ومنتهكة السيادة ..

وكما يري آية اللة المدرسي فان هناك عوامل موضوعية اربعة دشنت بداية هذه المرحلة الجديدة ، وهي التالية :

ـ اولا:

ـ انحراف شامل في الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي والاخلاقي .

ثاني :

ـ شعور عميق بهذه الاوضاع .

ثالث :

ـ ارادة حازمة لتغيير هذا الوضع .

رابع :

ـ برنامج عمل يعني بتحويل الارادة الحازمة الي عمل حقيقي علي الارض .

ولقد تفاعلت العوامل الثلاث الاخيرة في اعماق الكثير من المخلصين الواعين لهذه الامة ، فتشكلت علي صورة طلائع وفئات منظمة ، نذرت نفسها لانقاذ الامة من فساد هذه الاوضاع ، وعقدت العزم علي تحقيق اهداف وطموحات هذه الامة .

ومن هنا بدات مسيرة تاسيس الحركات الاسلامية في كل من شمال افريقيا وفي البلاد العربية ، بل وفي كل مكان تتواجد فية جاليات اسلامية واسعة .

وانطلقت الحركة الاسلامية في ظروف صعبة يحدوها الامل في تغيير هذه الاوضاع ، اعتماد علي امرين رئيسيين :

ـ الاول :

ـ ان النظريات الجديدة التي تريد ان تبرز في هذا العالم ، لابد ان تبدا بفكرة قادرة علي احتواء المشاكل المتزايدة التي تعاني منها الامم والشعوب ، بل البشرية اجمع .

واذا دخلت في مرحلة مواجهة هذا الواقع ، فانها تتحول من اطار قوة القيم والمبادي نظري الي اطار الفعل والقوة والمكاسب الظاهرية .

وما من شك في ان الحضارة الغربية التي جمعت جزء ضئيلا من الاطار الاول والاطار الثاني باجمعة ، تبدو علي وشك الافول الحضاري .

وهذا التنبو والكلام ليس من عنديات الاسلاميين فحسب ، بل استناد علي تنبوات الكثير من مفكريهم الاستراتيجيين .

هذا بالاضافة الي ان مصدر الاشعاع في الثقافة الغربية قد تلاشي .

وعلي سبيل المثال كان آباء الثورة الفرنسية الشهيرة يحلمون ببناء عالم حر وعادل ، اما احفادهم المعاصرون فهم يبحثون عن المزيد من الراحة ويحلمون باشهي الماكولات .

وكذلك اكد الاميركيون في دستورهم قبل اكثر من 051 عام علي ضرورة حمل مشعل الحرية للعالم بما في ذلك دعم حركات التحرر في مواجهة الطغيان ، لكنها سرعان ما اصبحت غولا يبتلغ الاخرين ، تحارب من اجل السيطرة والسيادة ، ولا تعير انتباة يذكر الي انتصارات معنوية روحية .

لذلك فان هذه الحضارة العرجاء لا يمكن لها ان تستمر، والبديل الحقيقي والواقعي عن هذه الحضارة هو الاسلام القادر علي مواجهة التحديات الكبيرة بواسطة بعث وصنع انسان مومن يبني حضارة راشدة ويحكم قيم سامية .

الثاني :

ـ ان حضارة الغرب بهرت المسلمين علي الخصوص ، وهذا النبهار انعكس علي صورة فقدان الثقة بالدين والجري وراء كل ما يرتبط بهذه الحضارة باعتبارة حبل القوة والقدرة .

لكن هذا الانبهار زال تمام حينما سقطت الحجب بين المسلمين واسلامهم ، وبعد ان عرفوا القوة الكامنة في هذا الدين قرروا ان يبداوا مسيرة طويلة وشاقة من اجل بناء حضارة اسلامية راشدة ، يعود فضلها العميم وخيرها الوفير علي كل محروم مستضعف في هذا الكون .

من هنا وعلي ضوء هذه المقدمة بدات الحركات الاسلامية مسيرتها المباركة انطلاق من ان وجودها وجود هام وضروري ، وياتي في سياق تاريخي حساس حيث الاتجاة الخاطي الذي تسير فية ونحوة قافلة العالم ، وحيث الواقع السي ء للامة الاسلامية .

ومع هذه البداية ايضا كان آية اللة المدرسي يهتم اهتمام كبير بهذه الحركات ويوليها عناية خاصة ايمان منة بالضرورة الدينية والحضارية لوجود الحركة الاسلامية ولدورها الفعال .

ولاجل ذلك ساهم سماحتة في تاسيس العديد من الحركات الاسلامية في العراق مثل منطمة العمل الاسلامي ، وحركة العلماء وقام بدور الاشراف للعديد منها في بلاد اخري ، فكانت تسترشد بارائة وتعتمد علي افكارة وتهتدي باستراتيجياتة .

ولاشك ان هذه المسيرة كما يصفها آية اللة المدرسي مسيرة موفقة علي رغم النقد والاشكالات التي قد توجة اليها.

ولعل اهم ما حققتة ، كان في قدرتها علي اثبات نفسها كرقم مهم وحساس بدا يفرض سيطرتة علي مسار الاحداث ليس الاقليمية فقط، بل وحتي العالمية .

نظر لعمق تاثيرها وقوتها علي تغيير معادلات كانت حاكمة لفترات طويلة .

ولعلة لاجل ذلك لاحظنا خلال العقد المنصرم اتفاق غير معلن ضد هذا الاتجاة .

هذا الاتفاق الذي نبع من تصور غريب في نظرة مصادر القرار العالمية اليها، مما دعاهم الي محاولة ضربها دون فهم وادراك ما تدعو الية وما تريد ان تحققة بعيد عن العصبيات وعن الاتهامات التي دابت اجهزة الاعلام خلال الفترة الماضية علي توجيهها الي هذا الجيل الجديد، حتي وصفتها فية باوصاف ذات معاني ودلالات خاصة مثل الزحف الاسلامي ، الاسلام الاصولي ، الاصوليون المتشددون .

واهم دلالة في هذه الاوصاف انها توحي بان الحركة الاسلامية خطر علي الجميع .

لكن الحقيقة غير ذلك ، لان هذه الحركات لها مطالب واهداف خاصة .

اذا تحققت اهدافها، فانها سوف تسعي الي ممارسة الاصلاح الشامل في داخل بلدانها، ومن ثم الي العمل الايجابي في شتي المجالات .

لكن هذه المسيرة الموفقة في نظر آية اللة المدرسي تعرضت الي رد طبيعي ومنظم من قبل الكيانات والقوي القائمة .

ولاجل اتساع هذا الرد يري سماحتة ضرورة ارتباط الحركة الاسلامية ببعضها، وبالتالي ارتباطها بسائر الفعاليات القائمة ، لان ذلك يمثل العمق الاستراتيجي اليها.

فكما ان هذه القوي تنادت للوقوف امامها بكل طرق ، فهي كذلك عليها ان تتداعي لتشكيل تحالف مع ما يوافقها في المنطلقات والاهداف .

وهذا الراي لا يتبناة السيد المدرسي تنظير فحسب ، وانما يوجة علي حسابة كفاءات وقدرات وجهود طائلة وكبيرة .

فهو يمد يدة الي كل مشروع اسلامي من شانة تعزيز الثقافة الاسلامية الحقيقية في اي بلد كان ، بل وفي اي مكان يتواجد فية مسلمون موحدون .

ومن الجدير بالذكر ان الفضل يعود الية في تاسيس الاذاعة العربية في ايران عام 0891م ، وهذه الاذاعة كانت عبارة عن رسالة الاسلام الصاعد في بداية تاسيسها الي كل البلاد الاسلامية .

والاهم من كل ذلك ان آية اللة المدرسي اهتم ببناء القاعدة الثقافية للحركات الاسلامية عموم ، وللحركات التي تسترشد بنظرياتة وافكارة .

ويتمثل هذا البناء القاعدي في اطروحاتة ودراساتة وخطاباتة الاسبوعية التي تبين الاطروحة الحركية والاستراتيجية المرحلية تجاة الحوادث المتجددة .

ولهذا فان سماحتة يتفاعل ويتواصل مع كل حدث يقع في الوطن الاسلامي مباشرة .

يتفاعل معة بالتحليل والتوجية والكشف عن النقاط المضيئة .

ولهذا ايض فهو يحرص علي ان تكون هذه الخطابات المستمرة حتي الان رسالة حركية يوجهها الي جميع المنتمين للحركات الاسلامية وفي كل مكان .

وعلي سبيل المثال في عام 7891م لما تعرضت الحركة الاسلامية في تونس الي مواجهة عنيفة من قبل نظام بورقيبة بعد استغلالة لحوادث مفتعلة يبرر بها اقدامة علي القيام بضربة قاصمة لهذه الحركة ، في هذه الاثناء مثلا وجة سماحتة خطاب سياسي بمناسبة تطور الاوضاع اكد فية علي ان دور الحركة الاسلامية في تونس لابد ان يسير تحت مظلة تخطيط استراتيجي حكيم يعتمد علي ما يلي :

ـ 1 ـ فهم جبهة العداء، لان الحركات في بعض الاحيان تلجا الي جهات متعددة ، وللاسف فان هذه الجهات لا تشكل ملجا آمن ، لا للمعارضة ولا للديمقراطية ايض ، مما يحتم علي هذه الحركة معرفة العدو من الصديق .

2 ـ سياسة الرد الموازي ، ذلك لان الحركة الاسلامية ينبغي ان لا تحرم نفسها من اية طريقة للدفاع عن مكتسباتها، وهذا يكون بالاستعداد التام للتصعيد الذي تقوم بة الجهات الاخري .

والقرآن الحكيم يامر بالاستعداد الدائم تحسب لاي طاري :

ـ واعدوا لهم ما استطعتم من قوة .

3 ـ تطوير اساليب العمل الاسلامي .

فالحركة الاسلامية في تونس مدعوة الي اتباع كافة الاساليب الرامية الي تكريس هذا التطوير، سواء بانشاء اجهزة اعلامية تبين حقيقة ما يحدث في الشارع التونسي ، وتدعو للدفاع عن حقوق الانسان المسلم ، والفئات الاجتماعية ايض مدعوة الي القيام بدور يساعد في احداث تطورات حقيقية لصالح هذا الاتجاة ، والشباب ايض يستطيعون تكوين خلايا سرية صغيرة تتكاثر ضمن استراتيجية واسعة ومتنوعة ، والمراة ايض تاخذ دور متقدم يناسب خصوصياتها والمرحلة .

انما اوردنا هذا كمثال واحد فقط، والا فان الذي يراجع بيبلوغرافيا الكتب والمحاضرات يعرف حقيقة هذا الامر.

فمثلا كتاب مستقبل الثورة الاسلامية يتحدث عن المفاصل والمنعطفات التي مرت بها الحركة الاسلامية في كثير من البلاد، وكتاب آفاق الحركة الاسلامية يتحدث عن استراتيجية الحركة ومنطلقاتها في مناطق متعددة ، وكتاب البعث الاسلامي يتحدث عن نظرية متكاملة للعمل الاسلامي .

ان متابعة ما يجري في الوطن الاسلامي جعلت آية اللة المدرسي يتفاعل مع كل حدث ومع كل تطور يصب في مصلحة الحركة الاسلامية ، هذه الحركة التي حققت مكاسب وانجازات كبري خلال فترة قياسية .

ومن اجل هذا الدور الكبير فان سماحتة يحاول النهوض بمستوي هذه الحركات داخلي وخارجي ، لانها تاتي في مقدمة الركب .

وبهذا فانة يدعو الجماهير الي الحفاظ علي هذه الحركة ، حيث يقول :

الحركات الاسلامية حصن هذه الامة ، فحافظوا علي هذا الحصن .

ان هذا الاهتمام الحركي جعل كثير من الحركات الاسلامية في افريقيا وفي الوطن العربي تندفع الي الالتزام ببرامجة الحركية ، لما فيها من ارضية خصبة وبرنامج عميق يتزامن مع قيم الدين وينسجم مع تطور الحالة الاسلامية عند الجماهير المسلمة .

وقد اصبحت هذه الاطروحة هي البرنامج الداخلي لبناء الكادر الحركي عند كثير من الحركات .

وخلال الصفحات المقبلة سوف نتطرق بقليل من التفصيل الي معالم نظريتة في العمل الحركي ، سواء المنطلقات الاستراتيجية التي تتعامل مع المتغيرات دون ان تتعارض مع البرامج المرحلية ، او الاصالة والبعد الديني والاستفادة من العالم المتطور بالاضافة الي خصائص ثقافتها وطريقة تعاملها مع المتغيرات العالمية الجديدة .

خصائص الحركة الاسلامية

ان تصاعد المد الاسلامي في الوطن العربي وفي العالم اجمع يعود بلاشك ولا ريب الي الجهود الحثيثة التي قامت بها الحركة الاسلامية في ظروف صعبة للغاية .

وصعوبة هذه الظروف تكمن في ان هذا العالم كما هو معروف عالم القوة ، ومن يمتلكها يستطيع ان يمسك بزمام الامور وان يسيرها كيفما يشاء.

والحركة الاسلامية انما استطاعت ان تقوم بهذه الجهود الكبيرة بعد ان اوجدت في نفسها القوة ، فاستطاعت ان تثبت وجودها، وان تفصل الحواجز السميكة بينها وبين الجماهير، وانطلقت بكل قواها الي الاصلاح الشامل اعتماد علي قوتها، فصنعت تيار الصحوة الدينية ، وتعاضدت جهودهما من اجل احداث قفزات حقيقية في مسيرة التيار الديني .

وهذا التطور هو الذي جعلها تتعرض لهجمات متولية وجهت اليها خلال عقد كامل من الزمن ، ولكنها ايض بقوتها تصدت لهذه المحاولات .

وهنا ياتي السوال :

ـ ما هي القوة التي وفرتها الحركة الاسلامية في نفسها وهيات لها تحقيق هذه المكاسب والانجازات ؟ انها كما يقول آية اللة المدرسي قوة المنطق ومتانة البناء الثقافي الذي تعتمد عليه هذه الحركات ، لان هذه هي القوة الحقيقية التي تفتح المجال امام الفرد والمجتمع لسائر القوي والقدرات .

ولاجل ذلك فان الحركات الاسلامية توجهت اليها في بداية الامر، حيث حرصت علي بناء الارضية المناسبة للجيل الحركي الصاعد.

فهي تزرع في وسط المجتمع بذور صالحة ، لا تكاد الاعين تشعر بها، وسرعان ما تتحول هذه البذور الي نباتات صالحة تربي مجاميع واسعة من الجماهير يصبحون بعدئذ قاعدة لانطلاق الفكر الحركي البناء.

هنا يكمن الفرق بين الحركات الفاشلة والحركات الناجحة ، حيث ان الفاشلة منها لا تهتم ببناء القاعدة الايمانية .

ولهذا فهي تستعجل في استثمار النتائج باية صورة كانت حتي ولو كان بجمع افراد مختلفي التوجهات والانتماءات .

ومن ذات المنطلق ايض تستفيد من كل بحر قطرة ، وتلتقط من هنا ضغث ومن هناك ضغث آخر، فتصنع من ذلك مزيج غير متوائم وغير منسجم من الافكار والتوجهات تبتعد بسببة عن القيم الدينية .

ووصل قطار هولاء الي قناعة غريبة مفادها ان الماركسية منهج فكري يقرب الافراد الي الاسلام .

اننا لكي نمنع تكرار مثل هذه التجارب الاليمة التي كرست التخلف في واقع الامة الاسلامية ، لابد ان نتفق علي قاعدة ايمانية تصلح ان تكون منطلق للحركة الاسلامية ، باعتبارها اسلامية المنشا وتسعي الي حكومة الاسلام علي سائر المبادي والاتجاهات .

وقبل ان نخوض في منطلقات وخصائص الحركة الاسلامية ، لابد اولا من توضيح التصور الاسلامي الوارد في آيات القرآن الحكيم حول مسالة التغيير والثورة والنهضة .

ويمكننا القول بان التصور الاسلامي في التغيير يعتمد علي القيام بعملية تصحيح لمسيرة الانسان واعادتة الي الفطرة السليمة وسنن الحياة التي تتمثل في قاعدة التوجية .

وعملية التصحيح التي ترمي اليها برامج الاسلام تتناول عدة ابعاد; ففي البعد السياسي تعني هذه العملية رفع السيطرة والهيمنة التي تفرضها بعض القوي علي شعب معين ، ويطلق المصطلح القرآني علي هذه القوي المسيطرة مصطلح الطاغوت ، ويوكد علي ان منهج هذا الطاغوت سوف يوصل بالنتيجة الي الشرك باللة عز وجل .

ومن ثم يبين القرآن الوظيفة الشرعية قبال هذا الانحراف السياسي المتجلية في التصحيح والتغيير وحمل لواء المعارضة ، حتي يتم فتح الطريق امام عبادة اللة الحقيقية بدلالة الاية الكريمة :

ـ ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا اللة واجتنبوا الطاغوت النحل ـ 63.

والبعد الاخر الذي يتحدث عنة القرآن هو الانحراف في البعد الثقافي ، حيث يتخذ رجال العلم والفكر منحي المصلحة والانانية والوصولية ومسايرة مصالح القوي القائمة سياسية كانت ام اجتماعية .

وهذا المنحي في الواقع هو افراز لحالة اكبر، هي الحالة السياسية .

والتصحيح المطلوب في هذا المجال هو القيام بنهضة ثقافية ، وتكمن ضرورة القيام بهذه النهضة في صعوبة تطبيق المنهج التوحيدي في ظل الثقافة المنحرفة .

ثم ياتي الانحراف في البعد الاقتصادي ، ويمكن تصحيحة بالتوظيف السليم لدور المال في حركة المجتمع ، هذا التوظيف الذي ياخذ علي يد كل سفية يبذلة من اجل الاستغلال او السيطرة او التبذير، ومن ثم يوضع كوسيلة للتنمية والتعاون البناء من اجل سعادة الانسان .

ولا توتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللة لكم قيام النساء ـ 5.

اذن المتتبع بعمق لهذه الابعاد، يدرك بان الاسلام هو تعبير عميق للفكر التغييري الذي يعتمد القيام بعملية الاصلاح تجاة كل الخطوات الداعية الي الباطل والمناقضة لفكرة التوحيد.

وهذا يعني ان عملية الاصلاح عملية دائمية في الفكر الاسلامي ، ولا يمكنها ان تتخلي عنة لاي سبب من الاسباب .

لكن يا تري هل ان هذا التعبير عن التغيير والاصلاح يصب في قنوات علمية ممنهجة ، ام انة يسير اينما سارت بة الريح ؟ يجيب آية اللة المدرسي بالقول :

ان الحركة الاسلامية تسعي الي امتلاك نظرية علمية في مسارها العام وفي حركتها المرحلية ، الا ان هذه العلمية لا تتنافي مع الوحي والشرع ، او تتناقض مع التجارب والعلوم ، وانما هي تتكامل بهما.

فالوحي مصدر لرسم الاستراتيجية العامة و الخطوط العريضة للحركة الاسلامية .

فالوحي بذاتة ايض يدعونا الي الاستفادة من العلم والتجارب باعتبارهما رصيدين هامين في صنع مستقبل زاهر.

وبالطبع ان مصدري الوحي والعقل يعني بصورة اخري ان برنامج الحركة الاسلامية لابد ان يكون واضح المعالم ، محدد الخطي ، ثابت الاستراتيجية .

وهذا لا يتنافي مع التفاصيل ، حيث تضع الحركات عادة اهداف مرحلية توفر لها الامكانات الموجودة والامكانات الموملة .

وبهذه الصورة يمكن للحركة الاسلامية ان تمتلك منهجية متكاملة ، توثر بدورها علي سائر المراحل المختلفة .

وسوف نسعي في هذا الفصل الي توضيح خصائص الحركة الاسلامية ومعالم الاستراتيجية الحكيمة حسب منهج آية اللة المدرسي ، معتمدين في الضمن علي ذكر بعض العوامل المساعدة التي من شانها تحقيق مكاسب جوهرية .

التنظيم والجماهيرية

يوكد آية اللة المدرسي ان الحاجة الي التنظيم حاجة اساسية واستراتيجية للحركة الاسلامية ، وهي تنبع من جهتين :

الجهة الاولي :

ـ داخلية ; من اجل لملمة الطاقات والقدرات المتوفرة ، ومن ثم صبها في مسار واحد ولكن في اتجاهات مختلفة ، تصب بالتالي في تحقيق الاهداف الاستراتيجية للحركة الاسلامية .

وبهذه الصورة فقط يمكن لنشاطات هذه الحركة ان تصبح كالسيل الهادر تصل الي اهدافها بسهولة .

الجهة الثانية :

ـ خارجية ; فالحركة الاسلامية تواجة بخطط مدروسة ومبرمجة ، ولا يمكن لها في هذه الحالة مواجهة هذا الكم والكيف من دون التنظيم ، الذي يعني كما اسلفنا تركيز القدرات وتوجية الطاقات وتربية الكفاءات التي تتناسب ومراحل المواجهة .

من اجل هاتين الجهتين يعتبر التنظيم حاجة ماسة ، وعامل مساعد لجهود الحركة الاسلامية .

بيد ان الاشكال الهام الذي يطرا عادة حين الحديث عن فكرة التنظيم ، هو اشكالية العلاقة بين التنظيم وبين الجماهير، ذلك لان دور التنظيم عبارة عن اهتمام مجموعة باخرين تربية وتثقيف وتوجية من اجل الوصول الي اهداف حركية معينة .

ومن اهم فوائد هذه العملية نقل التجارب بين الاجيال الحركية اختصار للزمن ، وحتي يبقي افراد التنظيم الواحد تحت مظلة توجية معين يدفعهم الي التعاون والتنسيق والاشتراك في الاهداف .

ويري آية اللة المدرسي ان هذا الاشكال ينبغي ان ينتفي في الحركة الاسلامية ، ذلك لان التنظيم ليس بديلا عن الجماهير، وانما هو ذراعها الضارب وقلبها النابض وعقلها المفكر.

وبمعني آخر ان وجود الحالة الحركية عند التنظيم لا يعني انحصارها فية فقط، كلا..

وهو لا يعني ايض ان الاعضاء المنتمين الي حركة هم الذين يقومون بواجب الجهاد والتحرك .

كلا ايض ، لان الصحيح هو ان الحركة تقوم بهذا الدور في البداية ، لكنها تسعي في كل مراحل نشاطها الي اشراك الجماهير في عملية الاصلاح والتغيير.

ولاجل ذلك يرفض آية اللة المدرسي الحالة النخبوية ، لان هذه الحالة دلالة علي وجود حدود فاصلة بين التنظيم وبين الجماهير.

ويطلق سماحتة علي ذلك تعبير الطليعة الذي يعني انها ولدت وانبثقت من رحم المجتمع ، وهي تتحرك من اجلة ومعة ومن دون فواصل .

وكشاهد علي ذلك ان الحركة الاسلامية تبحث دائم عن طريقة تحويل النمط الثقافي الذي تتبناة الي فكر جماهيري يمكن لها ايض ان تومن بة وتتبناة .

وبمعني اوضح ; ان الثقافة الحركية لابد ان تتحول الي ثقافة جماهيرية تتحدث بلغتهم وبمشاعرهم وعلي قدر عقولهم حتي يمكن ان يتفاعلوا معها، اما ان تتحدث مع الجماهير بلغة الكتاب والدراسة والبحث فان ذلك سوف يكون مدعاة الي حدوث حالة من الانفصال بين الجماهير وبين الحركات .

ومن هنا يري آية اللة المدرسي ان الحركة الاسلامية عليها ان لا تترك منفردة ، وانما لابد ان تواجة اعداءها التقليديين بالجماهير، وبكل الجماهير بلا استثناء.

وعلي هذا تكون مهمة التنظيم البعيدة المدي ربط افراد المجتمع بهذا التوجة ، وهذا الربط يتم بواسطة العوامل التالية :

ـ 1 ـ الاهتمام بداية بتشكيل خلايا متعددة يمكن ربطهم بقنوات تنظيمية مباشرة ، وهولاء يكونون بمثابة القلب لنشاط الحركة الاسلامية .

2 ـ ربط ابناء المجتمع بهذه المسيرة عبر ايجاد العديد من الموسسات التي تتكفل بادخالهم في هذا الاطار.

وهذا الربط يمكن ان يتم كما يري السيد المدرسي عبر تشكيل موسسات ثقافية واجتماعية واقتصادية ، بل وحتي رياضية ..

من شانها ضمان دخول كافة الطبقات في الامة ، من مفكرين وكتاب وتجار وموظفين ومومنين صالحين .

وتبقي المهة الاصعب امام ابناء الحركة الاسلامية الذين ينتمون مباشرة اليها، من اجل القيام بالنشاطات السياسية والجهادية .

ولاجل هذه العلاقة الفاعلة بين التنظيمات الاسلامية وبين الجماهير، فان هناك محاولات متكررة وتحت صور مختلفة لاحداث حالة من الانفصال بين هذين الطرفين .

وهذه المحاولات تستثمرها وسائل الاتصال المتطورة عالمي ، لكي تدق علي اوتار حساسة عند الجماهير، لتكريس حالة الانفصال ، مستفيدة في ذلك من تراكم تجربتها السياسية والاعلامية .

ومقابل هذه المحاولات ، لابد ان تكون الحركة الاسلامية ذكية جد لاكتشاف هذه المحاولات والتحركات ، وبالتالي وضعها امام الجماهير حتي تلتحم العلاقة بين الطرفين .

وفي هذا الاتجاة يوكد السيد المدرسي علي ان الحركة الاسلامية يجب ان تكون بعيدة عن وصاية القوي الضاغطة ، وبدلا من ذلك تعود الي بحر الجماهير ليكون سندها وقت الازمات .

وهو هنا ايض يحمل الجماهير مسوولية احتضان الحركة الاسلامية .

وهذا الاحتضان لا يكون بالقاء اللوم والعتاب والتانيب علي جهود الحركة الاسلامية ، وتحميلها مسوولية ما يجري من احداث .

كلا..

انما يكون بتقييم ما يجري من تطور في مسار المجتمعات ، تقييم حضاري ياخذ بالاعتبار المكاسب والانجازات التي حققتها هذه الحركة ، قياس بوضع هذه المجتمعات سابق ومقارنة بالظروف الخانقة التي تطارد هذه الجهود من كل حدب وصوب .

ان معرفة الانجازات الحضارية التي حققتها هذه المسيرة كاف لتوجة الجماهير الي احتضان هذه الحركات ، بل ودعمها.

وفي هذا الضمن لا تعني الصفة الجماهيرية في الحركة الاسلامية مجرد رفع شعار تتضمن بها الادبيات والاصدارات الثقافية ، وانما هو يقيد الاستراتيجية الحركية لكي تصب في مصلحة الجماهير، ولتحقيق اهداف الجماهير وتطلعاتهم ، بل ولحل مشاكلهم ايض .

وبهذه الصورة تعني الحالة الجماهيرية في الحركة الاسلامية تبلور حاجاتهم الضرورية ، بحيث يري هولاء وكانها الناطق الرسمي لما يريدون ولما يحتاجون ، غاية الامر ان التنظيمات الناجحة هي التي تحمل الجماهير مسووليتها تجاة الاوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية المتخلخلة .

ولتوضيح هذه العلاقة بالتفصيل يضع آية اللة المدرسي طرق اربع لتفادي حدوث طلاق بين هذين الطرفين ، وهي كالتالي :

ـ 1 ـ نقل الرصيد الحركي من التجارب والافكار الي الجماهير، خصوص في المجالات التي تعتبر فيها الحركات اكثر وعي واكثر ادراك واكثر ملامسة للاحداث .

2 ـ ان لا تتعالي الحركات علي الجماهير في اي مرحلة من المراحل ، لان للجماهير انماط ثقافية خاصة بها، ولها نضالات واساليب وطرق خاصة يمكن ان تستفيد منها الحركات ، لاسيما اذا عرفنا انة في بعض الحالات تتقدم الحالات الجماهيرية لاسباب متعددة علي الحركات في المبادرات ، وتصبح هي الرائدة للحركات كما حدث في انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 8891م .

3 ـ ان يكون هدف توعية الجماهير والعمل في اوساطهم هدف استراتيجي بالنسبة للحركات الاسلامية لا يمكن التنازل عنة ، وهذا يعني في الضمن فتح المجال امام كل مشاركة جماهيرية .

4 ـ التوسع والانتشار الحركي في عموم الجماهير دون الاعضاء في طبقة معينة كالاتحادات الطلابية او الشرائح المثقفة في المجتمع ، لان المطلوب في نظر الحركة الاسلامية هو اشراك الجماهير لكافة فئاتة وشرائحة وقطاعاتة .

باعتبار ان الحركة التي تعمل في وسط قطاع معين من الجماهير سوف تصل في الاخير الي حركة تخدم هذا القطاع ، وحتي لو انتصرت فان الديكتاتورية لا محالة عائدة ، حيث سيتسلط هذا القطاع علي مصائر الفئات الاخري اولا، وثاني سوف تحرم هذه الحركة نفسها من جهود وكفاءات تلك القطاعات بسبب الحالة القصرية التي تحكمها.

وتلافي لهذه الحالة يجب ان تكون الحركة الاسلامية متفاعلة مع كل الطبقات في المجتمع ، لاسيما الطبقات الضعيفة التي لا تمتلك قدرة وقوة علي التعبير عن آرائها.

وملاحظة اخيرة يوردها آية اللة المدرسي بقولة :

ان ادامة النظرة الي الاهداف تصلح الوسائل ، والتنظيم بذاتة وسيلة من الوسائل واطار من الاطر التي توصل الحركات والجماهير الي اهدافها الاسلامية المقدسة .

ومن اجل ذلك فان التنظيم لا يدور حول نفسة ، وانما هو وحدة اجتماعية منظمة تتعاون مع سائر الوحدات الاخري في اطار كبير من التعاون والتنسيق المشترك .

وهكذا تتواصل هذه الوحدات ، حتي تصبح دائرة واسعة يشترك فيها كل ابناء المجتمع وينضوون تحت رايتها من اجل تحقيق اهداف مشتركة .

الاصالة والمعاصرة

بمجرد ان يقرا الانسان هاتين المفردتين يتصور حدوث تعارض ومنافاة بين الاصالة والمعاصرة ، لان المعاصرة ومواكبة ما يجري من جديد وحديث حسب هذا الزعم تتعارض مع الاصالة التي هي تعبير عن الانماط التقليدية والماضوية في التعامل مع الاشياء.

الا ان آية اللة المدرسي يرفض هذا الانسياق الذهني ، وقد تحدثنا عن ذلك في محلة عند الحديث عن الركائز الفكرية التي يعتمد عليها في التعامل مع الاشياء ومع الافكار، حيث يوكد سماحتة علي ضرورة عرض الافكار والقناعات الجديدة علي ثوابت مركزية وضعها الاسلام ، حتي تكون هذه الثوابت هي الحارس والضامن من ان الحديث والجديد لن يجري تحولات اساسية وجذرية علي هذه الثوابت والاصول .

واما ذا لم توجد ثوابت ومحاور، فان قبول الانسان آنئذ بالافكار والاشياء يصبح مائع ، بحيث يحمل افكار متناقضة ويجمع ما بين خليط لا يمكن جمعة تحت اطار واحد.

وانطلاق من هذه المقدمة علي اساس فكري ايض ، ينطلق آية اللة المدرسي في تحديد قيمة الاصالة والمعاصرة بالنسبة للحركة الاسلامية ، اذ المكونات العقائدية والتاثيرات التاريخية لا تتعارض مع عصرنة الحركة وانفتاحها علي الجديد والحديث بشرط الحفاظ علي الثوابت والمرتكزات .

ولكي تتوضح الصورة ، يذكر السيد المدرسي ملاحظتين في هذا المجال :

ـ الاولي :

ـ ان علماء الدين هم الذين يقومون عادة بتمييز الافكار، لانهم اكثر الفئات الاسلامية ارتباط بالجذور، واكثرهم بالتالي استيعاب لروح الاسلام .

وهذا ما يجعلهم قادرين علي عرض الافكار الحديثة علي اساس المقاييس الاسلامية السليمة .

وقد اكد المستشرق الفرنسي جب علي دور العلماء هذا في الاصالة والتطور في كتابة وجهة الاسلام ، حيث قال :

ان التطور الحضاري في الشرق الاوسط لن يتم الا علي ايدي علماء الدين .

الثانية :

ـ ان الحضارة الغربية الحديثة في بداية انطلاقتها، احدثت عند الكثيرين ، لاسيما الضعفاء منهم حالة من الانبهار بكل شي ء في هذه الحضارة بخيرها وشرها.

لكن بعد ان دخلت هذه الحضارة في صراع مع الزمن ، بدا واضح ان لديها فجوات وثغرات واسعة ، كان ابرزها نشوب الحرب العالمية الاولي والثانية اللتين جرتا علي البشرية ويلات وماسي كبيرة .

هذا بالاضافة الي بروز تيارات من داخلها تدعو الي الاصلاح والتغيير.

ومن هنا فاننا يمكن ان نستفيد من الانفتاح والمعاصرة مع ما يجري من حولنا في اتجاهين :

ـ الاول :

ـ اتجاة التقنية العلمية ، حيث ان انجازات العلم ليست حكر علي احد، باعتبار ان كل انجاز علمي نتاج علوم عديدة يعود بعضها الي قديم الزمان ، وهذا هو الذي يجعلها متاحة المنال للجميع :

الثاني :

ـ اتجاة الاستفادة من التجارب البشرية المتراكمة في مختلف الحقول الانسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ وغيرها.

وهنا لا ينسي السيد المدرسي التاكيد علي ان الانفتاح ومواكبة العصر لا تعني التقليد الغير واعي ، لان التقليد يعني اخذ ما توصل الية الاخرون صالحة وطالحة .

بينما الانفتاح المطلوب هو الاقتباس علي قدر الحاجة ، بحيث لا يمس الثوابت الاسلامية ، وبشرط ان لا تكون التجربة منقولة من جو لا يتناسب مع الجو المنقول الية .

علي سبيل المثال المانيا الغربية بعد هزيمتها العسكرية في الحرب العالمية الثانية توجهت الي البناء الذاتي ، واستطاعت بعد فترة من الزمن انتشال اقتصادها المتردي ، حتي وصلت الي تقدم ملموس في الصناعات الثقيلة .

والتقليد الاعمي ونقل التجربة من المكان الخطا في شاهدنا هذا يتمثل في ان بعض الدول الاسيوية اندونيسيا بعد ان حازت علي استقلالها استدعت القائمين علي مشروع الصناعات الثقلية في المانيا، ناسية ظروفها كدولة ناشئة وخبرتها ومواردها.

فكانت النتائج مروعة ، حيث ادي هذا التوجة الي اضرار فظيعة في الاقتصاد الاندونيسي .

من اجل ذلك لابد من الموازنة في المعاصرة والتقليد بدراسة الظروف الاخري ، حتي لا نقع في اخطاء لا يمكن تجاوزها الا بعد قرون !!.

هذا فيما يختص بالمنظار الفكري تجاة الاصالة والمعاصرة .

اما بالنسبة للحركيين الاسلاميين ، فان هذا المصطلح يمكن تحديدة بعد ذكر ثلاث مراحل للعمل الحركي ، وهي :

الايديولوجية والاستراتيجية والتكتيك .

فالايديولوجية هي عبارة عن الافكار العامة الموجهة للانسان ، وهذا يعني في عرف الحركة الاسلامية انطلاقها من مبدا الايمان بالغيب الذي ينعكس بدورة علي شتي مجالات الحياة كما هو واضح في احكام الشريعة الاسلامية .

وبعد ذلك تاتي الاستراتيجية التي هي توضيح للافكار العامة بالقياس الي الزمان والمكان والقدرات ، بينما التكتيك هو تفصيل الاستراتيجية قياس علي الواقع والظروف .

اذا عرفنا ذلك ، فاننا ندرك ان ايديولوجية الحركة الاسلامية ثابتة لا يمكن التبديل فيها، وهذا هو الذي تعنية الاصالة في الحركة ، حيث لا تتجاوز المبادي والقيم لاي سبب كان .

وعلي ذلك تبقي امكانية العصرنة في المجالين الاخرين في الاستراتيجية والتكتيك .

ثم يوكد السيد المدرسي علي ان الاصالة يجب ان تكون واضحة في الثقافة والافكار اكثر من اي شي ء آخر.

ويشرح سماحتة هذه الاهمية بالقول :

ان البلاد الاسلامية تضم ثلاثة تيارات ثقافية متداخلة ومختلطة ، وهي التيار السطحي والمتغرب والمصلحي .

ولتوضيح معالم هذه التيارات الثلاثة ، نذكر نظرتها حول مسالة العمل والسعي ; فالتيار الاول يدعو الي عدم التحرك اصلا ويترك الظروف حسب زعمهم لكي تفعل فعلتها.

والتيار الثاني يدعو الي العمل ، لكن بشرط وبقيد بناء المستقبل الشخصي ـ مثلا ـ دون الانتباة الي مصائر الاخرين .

اما التيار المصلحي فانة يدعو الي العمل دون التقيد بضوابط او قوانين معينة ، مستفيد من النظرية الذرائعية التي تعتبر النفع هدف مقدس لا يوازية اي هدف .

ان هذه التيارات الثلاثة لا يمكن لها والحال هذه بناء مجتمع متقدم وحيوي ، اذ الاشكالات الواردة عليها واضحة لا تحتاج الي بيان .

لكننا كحركة اسلامية وايمان منا بالاصالة الثقافية بالذات ، لابد ان تقوم بايجاد تيار ثقافي يستوعب التيارات الممكنة ، فنواجة التيار السطحي بمفهوم السعي في الاسلام الذي يعتمد علي الاية الكريمة :

ـ وان ليس للانسان الا ما سعي ، وان سعية سوف يري .

النجم ـ 93 ـ 04.

اما التيار الغربي والاخر المصلحي والواقعي ، فاننا نقوم بالبحث عن اساليب هادئة ترشد افكارهما.

وبهذا يمكننا ان نستنبط من ثقافة الاسلام ثقافة التحرك والعطاء ضمن المجموع في مقابل ثقافة الجمود وثقافة الغرب وثقافة الهروب .

وهنا ياتي سوال يتبادر الي ذهن الكثيرين ، وهو:

هل ان الثقافة الاسلامية ثقافة حيوية قادرة علي بناء مجتمع حيوي ؟ للاجابة علي هذا السوال يقول آية اللة المدرسي :

ان الثقافة الاسلامية تتميز بكل ذلك ، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انها تعرضت لعملية تضعيف وقلب ، تحولت بموجبها مفاهيم حيوية كالتقية والانتظار والشفاعة الي عناصر ضعف بفضل التفسيرات الخاطئة .

فالتقية اصبحت تعبير عن الجمود والانتظار بات يدعو الي السكون ، والشفاعة فسرت باللامسوولية .

واذا استطعنا تلافي التفسيرات الخاطئة تجاة الثقافة الاسلامية ، فاننا نكون قد وضعنا الخطوة الاولي للمسيرة الصحيحة .

لان ثقافة الدين عموم وثقافة الاسلام بالتحديد ثقافة حيوية اثبتتها تجارب التاريخ .

فمثلا الذين اعتنقوا الديانة البراهمية في فترة من الفترات ارادوا ان يطوروا انفسهم ومجتمعهم ، فتنادي بعضهم الي التخلي عن هذه الديانة كونها مانع اساسي عن التقدم ، بينما نادي البعض الي ضرورة التمسك بهذه الديانة مع الاستفادة من عناصر القوة وتحاشي عناصر الضعف .

وفعلا بدا المشوار بين الاتجاهين ، وكانت النتيجة ان الذين التزموا بالديانة البراهمية سبقوا الطرف الاخر وتقدموا في سائر الحقول العلمية والحضارية .

علي ضوء ذلك اذن تعتبر الثقافة الدينية ثقافة قادرة علي البناء والتقدم .

فكيف يمكن للانسان المسلم في نظر الحركة الاسلامية ان ينظر الي ثقافتة ؟ يجيب آية اللة المدرسي بالتاكيد علي ضرورة النظرة الايجابية للثقافة الاسلامية ، وهذا يتم بالاتصال بمنابع الثقافة الاصلية كالقرآن الحكيم الذي تحدثنا عنة بالتفصيل في الفصل الاول .

وهذا الاتصال يتم علي ايدي القمم المضيئة الذين يخوضون غمار التحدي ومجالات العمل والتحرك ، لان هولاء ونظر لادوارهم هذه يستطيعون استنباط معالم ثقافية جديدة لكافة الامور.

وتاخذ هذه الثقافة بعين الاعتبار تصحيح نظرة الانسان الخاطئة للاشياء، بحيث تساهم في ابراز عناصر القوة في الثقافة الاسلامية ، مثل التاكيد علي السعي وعلي مسوولية الانسان والتعاون والثقة بالذات وبالطاقات وبالقدرة علي تجاوز العقبات والاستقامة والصبر..

بالاضافة الي هذه العناصر هناك عناصر قوة اخري تحتاج الي تدقيق وتمعن اكثر في الثقافة .

وفي هذا الضمن يدعو السيد المدرسي الي تشكيل لجنة عليا من كبار العلماء والمفكرين لرسم استراتيجية فكرية واعطاء ثقافة متجددة .

وهذا ما يطلق عليه عملية التجديد في الثقافة الحالية ، وتحديد مقاييس ومعايير سليمة وثابتة .

واهمية هذه اللجنة تكمن في خروجها بتحديد واضح لهذه المقاييس ، واذا تم ذلك فان مصادر التوجية في المجتمع من الكتاب والصحفيين والخطباء وواضعي مناهج التربية في المدارس والجامعات سوف تعتمد علي تلك المقاييس والضوابط.

هذه الضوابط نفسها هي التي تحدد اساس تعاملنا مع الثقافات الاخري ، حيث يدعو سماحتة في هذا الاطار بالتحديد الي دراسة مصادر التفكير وينابيع الثقافة عند الغرب دراسة موضوعية ، نستطيع بواسطتها تمييز الغث من السمين .

فلا ناخذ كل شي ء ولا نرفض كل شي ء، لان الضوابط والمقاييس هي الحكم وهي القاعدة التي يتم علي ضوئها الاقتباس ، والا اذا لم تتوفر هذه القاعدة ، فانة لا يسمي اقتباس وانما هو اخذ بالكامل لافكار جاهزة .

وهذا خطا فظيع .

القيادة الاسلامية

ما من شك في ان مسالة القيادة الاسلامية من اعقد المسائل التي وقف عندها الكثير من المفكرين والعلماء المسلمين ، ذلك لان مفهوم القيادة الاسلامية انما تحقق في عهد الرسول الاكرم ص والائمة المعصومين ع .

ومنذ ذلك الحين الي الان لم تتح الفرصة الي الوصول الي هذه المرحلة ، مما ادي الي كثرة التاويلات حول الصيغة القيادية التي تتناسب والتعقيد السياسي والاجتماعي الحاصل الان .

من اجل هذه التداخل المعقد وقف الكثير عاجزين عن ابداء راي مناسب لهذا الموضوع الحساس ، مما دفعهم الي رفض فكرة القيادة من الاساس .

والحركة الاسلامية باعتبارها داعية الي الالتزام بمنهج اللة سبحانة وتعالي وبمعارف القرآن الحكيم ، كانت سباقة الي اجراء دراسات متعددة حول هذا الموضوع ، لانة يعطيها شرعية الوجود وشرعية في التفاصيل ايض .

ويعتبر آية اللة المدرسي من اوائل الذين بحثوا موضوع القيادة الاسلامية في العصر الحديث في اوائل عقد السبعينات ، وقد صدر في هذا الشان كتاب القيادة الاسلامية عام 1791م الذي يعتبر خلاصة راية في هذا الموضوع .

وفي بداية الحديث يوكد السيد المدرسي ان صرح الدين الاسلامي يرتكز علي قاعدة التوحيد تكوين وتشريع وعقيدة ونظام .

وهذه الصفات الاربع انما تتوفر في اللة جل جلالة ، ولذلك فان الولاية والسيادة لة فقط لا لاحد غيرة ، وذلك لان اهم هدف للقيادة والولاية هو تقييم الحقوق وتحديد الواجبات .

والقيام بهاتين العمليتين لا يمكن الا بعد اجراء عملية موازنة بين معرفة الحق حتي لا يحدث الظلم ـ ومعرفة الحياة المنسجمة مع الفطرة وبين ان يكون المشرع والتشريع مستند علي هاتين المعرفتين بعيد عن موثرات البيئة وضغوط السابقيات ونوازع الشهوة ـ وهذه الاشياء ايض لا تتوفر الا لة سبحانة وتعالي ، وهي التي توكد السيادة القانونية لة سبحانة ، اذ الولاية بصيغتها الذاتية الاصلية لة فقط لا غير، بينما يمكن ان تكون الولاية اعتبارية مجعولة كما هو الحال بالنسبة للرسول والامام .

وهنا يحدد سماحتة علي موهلات القائد الاسلامي ، وهي سبعة شروط:

ـ 1 ـ الايمان .

2 ـ الحرية .

3 ـ الذكورة .

4 ـ البلوغ والرشد.

5 ـ طيب الولادة .

6 ـ الفقة .

7 ـ العدالة .

ولا يخفي ان هذه الشروط في القيادة الاسلامية هي صمام الامان للحفاظ علي مصير الامة .

ويرد سماحتة علي بعض الانماط القيادية المعاصرة ، مثل الديمقراطية التي تعني في كثير من الاحيان حكومة الشعب علي نفسة .

يرد ذلك اولا بان هذه الصورة من الحكم عجزت عن انتخاب قيادة حكيمة رشيدة تهتم لمجالات الانسان كلها، لا جزء منها.

هذا بالاضافة الي ان حكومة الشعب علي نفسة تتناقض مع عدم قدرتة علي التحصن ضد الدعاية والاعلام الموجة ، خصوص اذا كانت شروط القيادة غير محددة بمقاييس الدين وشروطة ، حيث يعني حكومة الاهواء والشهوات وسيادتها.

بينما اذا كانت القيادة ملتزمة بهذه الشروط، يمكن لهذه الصورة من الحكم ان تحكم خصوص مع صعوبة الظروف .

ثم يذكر سماحتة الصيغة التي يتبناها وهي رجوع الامة الي قيادة متمثلة في فقية عادل ، اعتماد علي الصفة الاعتبارية التي اضيفت لة من قبل الدين وضمن الحدود التي رسمتها الشريعة ، شريطة ان يكون الرئيس تحت امرة الدين ، لا ان يكون الدين مطية لة ولمصالحة .

والحكم الاسلامي بهذه الصورة سوف يكون الوسيلة المثلي لتنظيم شوون المسلمين كامة وككيان اريد لة ان يكون شاهد علي الامم الاخري .

وقد اسهب سماحتة في ذكر النصوص التشريعية الدالة علي قيادة الفقية العادل ، اذ كما هو معروف ان ولاية هذا القائد ليست لة بذاتة ، وانما ولاية للفقة والعدالة التي يتمتع بهما وبباقي الشروط المذكورة .

ويذكر ايض ادلة وجوب اتباعهم ، لانهم الحجة التي يحتج اللة بها علي العباد يوم القيامة .

فسلطتهم هي حدود سلطة الامام ، اي بنفس الشمولية والقوة التي كانت للامام .

ثم يحدد سماحتة وظائف الفقية العادل ، ويعدد ثلاث وظائف هامة :

ـ

1 ـ القيادة الاسلامية والتوجية الثقافي

وهذه المهمة من المهام الكبيرة التي تقع علي عاتق القيادات الاسلامية في نظر آية اللة المدرسي ، الذي يعتبر من اوائل الذين تطرقوا الي هذه الوظيفة .

ولكي تتوضح هذه المهمة لابد ان نتحدث قليلا عن الوضع الثقافي في العالم الاسلامي منذ الصدر الاول ، حيث تداخلت ثلاث عوامل هي الثقافة الجاهلية واليونانية والاوربية الحديثة .

ولاشك ان هذه العوامل عكرت صفو الثقافة الاسلامية .

وكل هذه العوامل تضعنا امام حقيقة لابد من الاعتراف بها، وهي اننا بحاجة الي ثورة ثقافية تصحح الاخطاء وتتلافي الانحرافات .

ولكي تتم هذه الثورة نحتاج الي اجراء تقييم مرحلي للوضع الثقافي في خمسة مجالات :

ـ 1 ـ دراسة الزيادات التي دخلت في الفكر الاسلامي سابق وحاضر ، وما يمكن مستقبلا.

2 ـ واذا حذفت الزوائد، يمكن ان يقع فراغ في المنظومة الثقافية ، ولكننا يمكن ان نقوم بسدة بواسطة عملية الاستنباط من مصادر التشريع الموثوقة .

3 ـ التمييز بين الثابت والمتطور في الثقافة الاسلامية .

4 ـ التدقيق في اعطاء العلاجات المرحلية للثقافة الحاضرة .

5 ـ ان الامة الاسلامية اليوم بحاجة الي ثقافة ناهضة ، وميزات هذه الثقافة انها جماهيرية وقوية وموحدة وسريعة الهضم .

لكن السوال الذي يتبادر الي الذهن هو:

ما هي آلية وظيفة الفقية العادل في هذه الثورة الثقافية ؟ للاجابة علي ذلك نذكر ثلاث نقاط:

ـ الاولي :

ـ ان الثقافة الاسلامية وحدة متناسقة بين الاصول والفروع ، وافضل من يحيط علم بهذا التناسق هو الفقية العادل .

الثانية :

ـ الثقافة الاسلامية علي صورتها الانية خليط من الصالح والفاسد، والقادر علي التمييز بين هذين الامرين هو الفقية العادل الذي التصق لفترة مديدة من الزمن بالاحاديث الشريفة والقرآن الحكيم اثناء استنباطة للاحكام الشرعية .

الثالثة :

ـ العدالة شرط ضروري لتصفية الثقافة ، لان من تتلاعب بة رياح الشهوة لا يجد بدا من اضافة افكار تومن لة شهواتة واهواءة .

2 ـ القيادة والسلطة التشريعية والقضائية

يولي الدين الاسلامي زمام السلطة التشريعية الي الفقية العادل ، وهذه السلطة هي المسوولة عن وضع النظام للناس .

ونحن باعتبارنا مسلمين نعتقد ان اللة عز وجل هو افضل من وضع نظام للبشر، وهذا النظام جاء علي شكل قواعد عامة تطبق علي ظروف خاصة .

وكما هو معروف فان الفقية العادل هو الذي يختص بهذا العمل .

وللسلطة التشريعية ثلاثة ابعاد يختص بها الفقية :

ـ ا ـ وضع الدستور; وهو المبادي العامة والخطوط العريضة التي تبني عليها سائر الاشياء.

وعلي الرغم من ان القرآن الحكيم تكفل بهذه المهمة ، الا ان الذي يستطيع التعامل مع القرآن تفسير وتاويلا هو الفقية .

ب ـ القانون ; وهو المنهاج المفصل الذي يحتوي علي سائر ما يحتاجة الانسان من الاحكام ، وباجماع المسلمين ان هذا الامر يجوز للفقية العادل .

ج ـ اللائحة ; وهي القرارات المنتزعة من احكام القانون .

وتاتي هذه القرارات في التعبير الاسلامي بلفظ الحوادث الواقعة ، وهي الحوادث التي تجددت مع تطور الزمن ، وتوجد لها قوانين كلية لا نصوص خاصة .

ان السلطة القضائية ، ونظر لحساسيتها فهي بحاجة ماسة الي رجل فقية يستطيع وحدة استنباط الاحكام القضائية .

3 ـ القيادة والسلطة التنفيذية

وتعتبر هذه السلطة من اقوي السلطات في البلاد، لانها تمسك بزمام الحكم الحقيقي .

وحتي لو كانت السلطة التشريعية والقضائية صائبة ، مع وجود الانحراف في السلطة التنفيذية ، فان ذلك يعني فشل هذه السلطات جميعها.

فكيف يمكن تحصين هذه السلطة من الانحراف ؟ يجيب آية اللة المدرسي :

ان القوة التنفيذية لا يمكن ان تحصن بقوة تنفيذية عليا، وانما الذي يتمكن من ذلك وجود قوة فوق المادة ، وهذه القوة مفقودة في النظم الاخري ، وموجودة في نظام الاسلام عبر الفقة والعدالة .

فالفقة تبصير للواقع ، والعدالة تعني السير وفقة .

ولو لم توجد في الشريعة نصوص خاصة تعتبر هذين الشرطين في القوة التنفيذية ، لوجب علينا ان نعتبرها اعتماد علي بصيرة العقل ومقياس الدين ، حيث ان النصوص الشرعية التي تنهي عن طاعة الجاهل في ابسط الاشياء، لا يمكن ان تفتح المجال امام طاعة القوة دون فقة وعدالة .

ثم ياتي التساول الهام :

ما هو الداعي الذي يستدعي وجود القيادات الاسلامية بهذه الصورة وبهذه الصيغة ؟ يتسلسل آية اللة المدرسي في الاجابة علي هذا التساول تدريج ، فيوكد ان قيمة القيادة الاسلامية نابعة من قيم المجتمع المومن .

فهي انبثاق عن تلك القيم التي تحكم المجتمع ، وهذا يعني ان القيم التي تحكم حياة الافراد وطبيعة شخصياتهم ونظرتهم الي الدين .

ولكي نعطي الموضوع حقة من البحث نذكر هنا نمطين من تعامل المجتمعات مع القيادة :

ـ النمط الاول :

ـ النظرة السطحية ، وتعتمد هذه النظرة علي الاعتقاد بان القيادة مبعث للرزق ومصدر للعطاء المادي .

وقد جاء هذا الصنف في كثير من الايات القرآنية حينما نظروا الي الانبياء بهذه الصورة .

تقول الاية الكريمة :

ـ وقالوا لن نومن لك حتي تفجر لنا من الارض ينبوع ، او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجير الاسراء / 09 ـ 29.

النمط الثاني :

ـ النظرة الرسالية المعتمدة علي الايمان بالغيب .

وعلي هذا الفرض لا تهتم هذه النظرة بالحالة البشرية والمعيشية ، وانما يكفيها ان تستمد هذه القيادة شرعيتها من القيم الالهية .

وتفصيلا لذلك يري السيد المدرسي ان الاسلام لة منظومة فكرية متكاملة هرمية الشكل ، يقع في قمتها توحيد اللة سبحانة وتعالي التي ترتكز عليه كل تعاليم الاسلام .

ومن هذا التوحيد تنبثق القيم الاساسية للدين التي هي عبارة عن الايمان باللة عز وجل بمعناة الاوسع ، وهو تسليم النفس البشرية للة رب العالمين .

والاية الكريمة تدل علي ذلك :

ـ اذ قال لة ربة اسلم قال اسلمت لرب العالمين .

ان التسليم للحقائق الغيرية القائمة باللة سبحانة وتعالي كالتسليم للقيادة المجعولة .

ولهذا التسليم عدة مراحل :

ـ الاولي :

ـ الاذعان وهو الاعتراف بالوجود مقابل الانكار.

الثانية :

ـ الاعتراف بالحقوق ، حيث ان الاعتراف ليس مطلوب لذاتة ، وانما هو مقدمة لمعرفة هذه الحقوق والاذعان اليها.

فالاذعان للة عز وجل يعني الخضوع لة ، وللحقوق التي هي امتداد طبيعي للمرحلة الاولي .

الثالثة :

ـ التعامل مع هذه الحقوق ، وهي حقوق متعددة من حب اللة عز وجل وحب عبادة ، وحب المخلوقات ..

باعتبارها اشعاعات لنور الايمان .

وبعد وجود هذه المراحل الثلاث ، ينعكس الايمان الي صور تعتبر خلاصة القيم الدينية ، وهي ثلاث امور:

ـ ا ـ حق الامن للانسان ، حيث يضمن عدم الاعتداء ويامن من الظلم ويمنع عنة التجاوز ويعطية الامان في الحق والجهد والعرض وحرية المعتقد.

ب ـ حق الطعام ، وهي توفير الغذاء كونة جزء مهم لاستمرار حياة الانسان .

ج ـ حق استمرار النسل وبقاء النوع .

وهنا ياتي السوال :

ما هي القوة التي تستطيع ضمان هذه الحقوق للانسان ؟ يقول السيد المدرسي :

من هنا تنبع ضرورة القيادة الاسلامية في تامين هذه الحقوق والسهر علي تحقيقها، ولهذا ايض يشترط في القائد ان يتمتع بدرجة عالية من التقوي التي تعبر عن قربة لروح الشريعة السمحاء، وان يكون في ذات الوقت قادر علي تنفيذ هذه القيم وتحمل المسووليات .

لان ثمرة القيادة الاسلامية سوف تظهر اذا توفر هذان الشرطان :

التقوي والاقتدار.

وهذه هي النظرة الرسالية لدور القيادة الاسلامية .

ان الذي ذكر هو عبارة عن صورة القيادة الاسلامية المثلي الذي نسعي الية في الظروف الطبيعية .

لكن اذا لم نتمكن من تحقيق هذه الصورة المثلي من القيادة التي تتمتع بشرعية مطلقة ، فان هناك نوع من القيادات التي تمتلك شرعية نسبية .

وقد ذكر القرآن الحكيم عند حديثة عن قصة بلقيس او ذي القرنين او طالوت ، نعرف ان هناك شرعية نسبية للملك الغير رسول ، لكن هذه الحالات استمدت شرعيتها من اللة سبحانة وتعالي .

بينما اذا وجدت في هذا العصر، فانها لابد ان تستمدها من عبادة المومنين واعتماد علي مبدا الشوري كما هو الحال في قصة بلقيس .

وليست الشوري في بداية انتخابة فقط، انما هي الشوري استمرارية بدلالة ان بلقيس استشارت قومها حينما جاء رسول ملك سليمان :

ـ قالت يا ايها الملا اني القي الي كتاب كريم ، انة من سليمان وانة بسم اللة الرحمن الرحيم الا تعلوا علي واتوني مسلمين ، قالت يا ايها الملا افتوني في امري ما كنت قاطعة امر حتي تشهدون النمل / 82 ـ 13.

اذن الشوري تعني ان تكون هناك مجموعة اجتماعية رقيبة ، يعود اليها الفضل في استمرار الحكومة العادلة .

اما الاقوال الشائعة بان الناس يصلحهم حاكم مستبد، فانها لا تجد نص مويد في الشرع ولا تجربة تاريخية ناجحة ، لان حكومة الاستبداد غالب ما تنحرف عن اهدافها.

ثم يتحدث السيد المدرسي عن الالية التي يمكن بها الوصول الي القيادة الاسلامية في الظروف المعاصرة ، ولاجل ذلك يذكر ثلاث ملاحظات تفك كثير من العقد التي دارت وتدور حول هذا الموضوع عند البعض .

الملاحظة الاولي :

ـ ان انتخاب القائد الاعلي لا يكون هو البداية ، وانما اذا تكرست القيم الدينية في المجتمع ، فان القيادات الميدانية او الوسيطة هي التي تقوم بانتخاب القائد.

اذ من المعلوم ان تركيبة كل مجتمع تعتمد علي مجموعة من الموسسات والتجمعات والخلايا المتعددة ، وكل موسة من هذه الموسسات تنتخب قائد لها.

فموسسة المساجد تنتخب الرجل الكفوء والقادر والتقي ، وهكذا الموسسات السياسية والتنظيمات .

وعلي اساس هذه القيادات الميدانية التي تلعب دور كبير في توجية المجتمع نحو الخير والصلاح ، فانها ايض تقوم بدور انتخاب الاصلح .

الملاحظة الثانية :

ـ ان القيادة السياسية هي التجلي الابرز لطبيعة المجتمع .

واعتماد علي هذه الحقيقة ، فاننا لابد ان نسعي الي تكريس القيم الدينية في المجتمع اولا، حتي يتم توجهها الي القيادات الربانية .

هذا التوجة الذي تفرضة علاقة التفاعل والتكامل بين ابناء المجتمع علي الاساس القيمي والديني وبين القيادة الرسالية .

ومن هنا فان الذين يسعون الي الوصول الي القيادة بالقفز علي مرحلة الاصلاح الاجتماعي خاطئون لا محالة ، لانهم حتي لو وصلوا الي بناء قيادي سليم ، الا انة يقف علي اساس مهتري سرعان ما يزول .

الملاحظة الثالثة :

ـ وياتي الحديث في هذه الملاحظة عن تفاصيل الشان القيادي ، بدء من كيفية تركيبها وطريقة انتخابها ومنهجيتها في الحكم والادارة .

ولتوضيح هذه التفاصيل نورد في البداية فكرة مركزية توثر علي نظرة الانسان للاشياء، وهي الاعتقاد بان ثوابت الدين الاسلامي اكثر من متغيراتة .

ويمكن لنا تفنيذ هذا الاعتقاد بالرجوع الي الشريعة ، حيث نري بان الاصول العامة والقيم المركزية ثابتة وقليلة يمكن احصاوها، بينما الفروع والمتغيرات كثيرة وهي عادة ما تخضع للاجتهاد، وهذا يعني للعقل ، وبصورة اوضح خضوعها للمصالح والظروف .

ولذلك فان منهجية الحكم وكيفية القيادة وطريقة الانتخاب ومدتة ، كل هذه الامور خاضعة لحكم العقل وتبع للظروف وطبيعة المجتمعات .

وهذا الذي يعطي الفكر الاسلامي صبغة عقلانية تتدخل لرسم هذه الاطر حسب الظروف الخاصة .

واخير يبين السيد المدرسي نقاط القوة في القيادة المرتكزة علي القيم والتي تجعل المجتمع المومن سابق لغيرة من المجتمعات .

1 ـ ان القيادة التي تستمد قدرتها من الامكانات المتاحة تربي ابناءها علي الكسل والخمول وتجعلهم بالتالي شعب مستهلك ، بينما القيادة الرسالية تربي ابناءها وجماهيرها علي الشجاعة والاقدام والعطاء والانتاج .

والفرق بين التربيتين ; ان الاول همة الاستهلاك يبحث عن الاستيراد ولا يسال الا عن الواردات ، في الوقت الذي يكون فية الانتاج المحلي محاصر لا يحصل علي حماية اقتصادية ، بينما الثاني يكون همة تشجيع حالة الانتاج والعطاء.

2 ـ ان القيادة الرسالية تصب اهتماماتها في مجال التربية الاخلاقية لاتباعها، وهذه التربية هي التي تدفع المجتمع الي مجالات التقدم والرخاء والابداع .

بينما القيادات الاخري محافظة تخشي الافكار الجديدة ، ولهذا توقف مسيرة التطور الجماهيري تحت عناوين متعددة كالقداسة والاصالة والتراث .

3 ـ القيادة الرسالية القائمة علي القيم ، تكون قيادتها سليمة وحكيمة ، لانها تقود المجتمع تجاة القيم الصالحة من العدالة والمساواة ونصرة المستضعف ..

بينما القيادات الاخري وباعتبار منطلقاتها اللاقيمية لا تستطيع ان تقود الناس الا الي الظلم والعدوان والتمييز والتعالي علي الاخرين .

تكامل الابعاد

تكامل الحركة الاسلامية يعني التفاتها الي جميع الابعاد والتوجهات .

ففي الوقت الذي تقوم فية الحركة بنشاط في الجانب الثقافي ، فهي مدعوة في نفس الوقت الي تطوير قدراتها وكفاءاتها في المجالات الاخري السياسية والاجتماعية والاقتصادية ..

ويوكد السيد المدرسي علي وجود هذه الصفة في الحركة الاسلامية لاعتبارين اساسيين :

ـ الاول :

ـ ان تعدد الابعاد وتنوع الاختصاصات في الحركة الاسلامية يعتبر امان لها من المفاجات والانعطافات المرحلية .

وبمعني آخر ان الحركة علي هذا الفرض تكون مستعدة لاي منعطف مرحلي ، سواء الانتقال من البناء الداخلي الي العمل السياسي او التنظيم الثقافي او غير ذلك ، خصوص وان اختلال ميزان القوي لصالح الاعداء التقليديين يجعل من الضرورة بمكان اخذ الاحتياط والتحسب بالبناء المتكامل الابعاد.

الثاني :

ـ لقد شهد الوطن الاسلامي العديد من الحركات ذات البعد الواحد، وعلي الرغم من انها اصلحت جوانب مهمة في حياة الامة الاسلامية ، الا انة لم يكتب لها النجاح في المحصلة النهائية .

وهذه الحركات بدات منذ اوائل عقد الخمسينات من حركة الشيخ محمد عبدة الثقافية الي حركة السيد جمال الدين الافغاني السياسية او حركة الشهيد نواب صفوي العسكرية .

ولعل السبب الاساسي في عدم وصول الحركات ذات البعد الواحد الي تحقيق اهداف استراتيجية ، هو ضعفها في التحليل والتشخيص لواقع المشكلة في الوطن الاسلامي .

وهذا هو الذي يدفعهم الي الاهتمام ببعد واحد فقط دون سائر الابعاد.

والخطا الذي يكتنف هذا التشخيص ، هو ان حياة الامم والشعوب كل متكامل ، ولا يمكن حل مشكلة دون الالتفات الي سائر الجوانب .

ذلك لان المشكلة في الوطن الاسلامي كما بحثنا ذلك في الفصل الاول هي حضارية بالدرجة الاولي ، ولا تختص بجانب من الجوانب .

ولهذا فان حل هذه المشكلة :

/ 13