ويبدا النظام في المعاهد الفقهية بتنوع البرامج الكثيرة التي تشمل كافة مناحي حياة الطلبة في الدراسة والمطالعة وغيرها.
وتتسع روح التقيد بالنظام فتشمل تعليم الافراد اسس النظام السليم كالشوري والطاعة وانتخاب مسوولي الاعمال وتاسيس العديد من اللجان وقنوات العمل ، من اجل ان يتربي الطالب فيها علي الانضباط.
واذا تعلم الطالب علي النظام والانضباط فان ذلك سوف ينعكس علي ثقافة الانسان وعلي نشاطة ، فتكون جهودة منظمة ونفسة مطمئنة ; لا يولي اهتمامة بجانب هام علي جانب آخر الا اذا دعت الضرورة الي ذلك .
ان طبيعة التفاعل مع المجتمع الصغير في هذه الحوزات ، يكون ارضية مناسبة للتعامل السليم ايض مع المجتمع الكبير.
اذ انطلاق من حب الانسان المومن لاخية الانسان ولكل ما يرتبط بة من حقوق وواجبات ، ينفتح العالم علي الخلق ويعيش معهم في وئام وتناغم .
وتنعكس هذه العلاقة في نظر السيد علي ثلاثة اشكال :
ـ 1 ـ الاعتدال .
اذ العدل ليس مفهوم ضيق في القضاء والمحاكمات بين الناس لرد الحقوق الي اهلها، بل انة ينعكس علي اعتدال علماء الدين تجاة مواقف الناس .
وقد فسرت الاية الكريمة التي تقول :
ـ وعباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هون واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام الفرقان ـ 36.
ان الانسان المومن وبالخصوص عالم الدين مدعو الي عدم التطرف سواء في الحب او في البغض ، لان هذا التطرف يخرج الانسان من حدود الشريعة .
وهذا بصريح روايات متواترة عن الرسول ص ، حيث قال :
ـ >انما المومن الذي اذا رضي لم يدخلة رضاة في اثم ولا باطل ، واذا سخط لم يخرجة سخطة من قول الحق 2 ـ ولان علماء الدين معتدلون في حياتهم ومواقفهم تجاة الناس ، فانهم لا يتحزبون في معاملاتهم الاجتماعية ، بل تراهم دائم يسعون الي ان يكونوا شهداء علي الناس .
وهذا ما يوهلهم لان يكونوا دعاة للوحدة ، يدعون اليها في كل الاحوال والظروف .
3 ـ الايجابية في تقييم الناس ، وعدم النزوع الي اتهام الاخرين واساءة الظن بهم .
والسر في هذه الايجابية ان البشر عموم ليس ملاك ولا شيطان ، وانما هو ضغث من هذا وضغث من ذاك .
لكن المشكلة ان الانسان كثير ما يعاني من حالة خطيرة تتركز في جانب الافراط او التفريط في نظرتة للاحداث .
وهذا الذي يسلب منة الموقف السليم تجاة البشر وينزح بة عن توازن الموقف مع الانسان ومع الاشياء.
دروس البناء الحوزوي
قبل البدء في ذكر البرامج التفصيلة ، يوكد آية اللة المدرسي علي ثلاث ملاحظات مركزية :
ـ الاولي :
ـ اتباع منهج التثقيف الذاتي .
فبالمطالعة المستمرة والمركزة ، وبالبحث والكتابة والتاليف ، وبالتدبر والتامل والمباحثة والمناظرة والموتمرات والندوات والمسابقات ..
بكل ذلك يبلغ طالب العلم مستوي متقدم من التثقيف الذاتي .
وهذا ما يجعل المعلم والطالب في آن واحد قادرين علي طي مراحل التعليم بسرعة قصوي .
الثاني :
ـ تعيين التخصص .
اذ ينبغي علي الطالب ان يختار في وقت مبكر من دراستة اتجاهة المناسب متناغم مع ميولة وطاقاتة وقدراتة ، وهذه التخصصات تتراوح بين الاتي :
قائد رباني :
ـ وهي من اكبر مهام المعاهد الدينية ، حيث تبحث عنة وتوفر فرص النمو امامة باية وسيلة ممكنة .
مفكر منظر :
ـ اذ العقول الكبيرة والنفوس المهمة تغني بابداعاتها الفكر الاسلامي ، خصوص في هذه الايام التي يحتاج فيها العالم الاسلامي الي المزيد من الافكار الناضجة التي تتحدي النظرات الشاذة .
وهولاء المبدعون المفكرون يحافظ عليهم ويراعوا بصورة خاصة ، بل قد يجمعوا في مراكز للدراسات ، فيخصص لكل واحد منهم موضوع هام وحساس ، ويتم توفير الوسائل والمصادر والمراجع المهمة لهم .
مبلغ مصلح :
ـ المنبر الحسيني احد اهم الوسائل الدينية لنشر الفضيلة في المجتمعات ، ووسائل تخريج هولاء الخطباء تحتاج الي تطوير كبير، لا يتم الا عبر معهد متخصص في الابعاد الثلاثة التالية :
ـ ا ـ بعد الماساة واثارة العواطف بصورة صحيحة ، بعيدة عن الاخبار الضعيفة والافكار المثبطة والتفسيرات الخاطئة .
ب ـ بعد الجذب والاناقة والجمال في الاداء ببلاغة اخاذة واسلوب بديع .
ج ـ بعد الموضوع المثير والمناسب للظروف .
وهذا من اهم الابعاد، لان الخطباء الرساليين لا يمكنهم بسهولة اختيار الموضوعات المفيدة بصورة تتناسب بالمنبر الحسيني ، حيث الطابع الجماهيري والطابع الديني .
الثالث :
ـ متابعة الدراسة المنزلية والميدانية بعد التخرج ، حيث يحمل البرامج التي تعلمها ويطبقها علي نفسة ، سواء بالمطالعة او استماع الاشرطة او المناظرة والمباحثة مع الاقران ، او حتي الاستفادة من مراكز التعليم المتوفرة بعد تحديد ما ينبغي لة ان يستوعبة من دروس بدقة متناهية .
بعد ذكر هذه الملاحظات ، نشرع في ذكر المنهج الذي وضعة آية اللة المدرسي في هذه الحوزات تفصيلا:
ـ
الدروس الاصلية
1 ـ اللغة العربية :
ـ اني كانت لغة طالب العلم الديني ، فان عليه ان يتعلم اللغة العربية التي نزلت بها الشريعة الغراء كتاب وسنة وتاريخ وحضارة .
وينبغي ان تكون لغة الدراسة والمحادثة والمطالعة في المعاهد الدينية هي لغة القرآن الكريم ، لكي يكون الطالب اكثر قرب الي التماس معانيها واستجابة لاشاراتها.
وهذا يتم في البدء بعد تعلم اللغة العربية بافضل السبل العلمية الحديثة ، وابرزها جعلها اللغة الام وصنع الاجواء بالتحدث بها وسماعها بكل الطرق .
وقواعد الصرف والنحو وعلوم البلاغة تخدم دراسة اللغة العربية ، ولا يجوز فصلها عنها او عن بعضها.
وكذلك يجب ان تتم دراستها من خلال الحوار والكتابة والممارسة الحية ، حتي تبقي راسخة في الذهن ، ولكي لا تفصل القواعد عن روحها وعن الاهداف التي وضعت من اجلها وهي المزيد من وضوح اللغة وادراك معانيها.
اما ان ندرس احوال الفاعل وهيئات الفعل وتراكيب المصدر واسمة وصيغة المبالغة وغيرها، دون معرفة ما تهدف الية هذه الامور، فان ذلك مضيعة للوقت ، بل وقد تزيد ايض من تعقيد اللغة وعدم فهم معانيها واشاراتها.
واخير ولكي تتهيا ذهنية الطالب لفهم باقي العلوم من الفقة والحديث والتفسير، لابد ان يكون المدرس اديب يعلم الطالب فن الادب ، ومن خلالة يعرفة بقواعد اللغة .
2 ـ المنطق :
ـ والمنطق عند المسلمين الاقدمين كان ملحق بدراسة اللغة العربية ، لان العرب قد وضعوا قواعد اللغة من اجل تقويم الفكر.
وحتي ارسطو واضع المنطق المشهور باسمة ، وضعة لمقاومة جدليات السوفسطائيين المشككين ، ومع ذلك اولي اهتمام بالغ باللغة واسماها التعاوين .
لكننا مع ذلك يجب ان نتعرف اثناء دراستنا لتاريخ المناطقة ، علي المنطق الاسلامي الاصيل النابع من الكتاب والسنة ، وهذا المنطق يفوق اي منطق آخر اعتمد علي وضع قوالب محددة لتصحيح فكر الانسان .
وسوف نتعرض بالتفصيل لمزايا هذا المنطق في الفصل الاخير.
3 ـ الاصول :
ـ ودراسة هذا العلم تتصل بعلم المنطق من جهة ، وترتبط بعلم الفقة من جهة اخري .
والاصول هو جسر شيدة الاقدمون لمعرفة الاحكام الشرعية وطرق الوصول اليها.
واهم ما يحتاجة الطالب عن دراستة لهذا العلم ، هو معرفتة لفائدتة من خلال حشد هائل من الامثلة الفقهية الغير مكررة في كل باب من ابوابة ، والا كان مثلة مثل قواعد اللغة العربية التي لو عرفها الطالب دون ربطها بالمعاني ما كان فيها فائدة .
4 ـ الفقة :
ـ واهمية دراسة الفقة تنبع من كون طالب العلم ملتزم بالشريعة ، فلابد لة ان يعرفها ليطبقها علي نفسة ، ولكي يلبي احتياجات الناس في ذلك .
ويمكن تقسيم دراسة الفقة الي مرحلتين :
ـ الاولي :
ـ مرحلة ابتدائية ، الهدف منها دراسة دورة فقهية يحتاجها الطالب ، من خلال تدريسة الكتاب الذي يعتمدة الفقية الذي يرجع الية في تقليدة .
وفي هذه المرحلة ينبغي الاهتمام بامور:
ـ ا ـ التركيز علي المسائل العملية التي يحتاجها الناس ، وليست الفرضيات والجدليات والمسائل الي لا يبتلي بها الناس الا نادر .
ب ـ الدراسة الميدانية التي تجعل دراسة الفقة محور لحركة فعليه ، فالطهارة مثلا تدرك من خلال تعريف الاشياء الطاهرة او النجسة بقاموس مصور وتعريف الوضوء بصورة عملية .
وينبغي ان تتم لطلبة الفقة بالخصوص زيارات الي مراكز التطبيق كالسوق والمتاجر لمعرفة مسائل الناس العملية ، او المحاكم والقضاء لمعرفة طريقة الشهادة والحكم والحدود.
بالاضافة الي ذلك جدير بادارات هذه الموسسات التعليمية توفير الاجواء المناسبة لتعلم الفقة العملي بكل وسيلة ممكنة ، لانها تساهم في تعميق فهم الدين بموازاة الحاضر ونضج الطالب وحيوية الدرس .
ج ـ دراسة هذه المرحلة بطريقة تساهم في تسهيل المراحل التالية .
فكلما وجد الاستاذ ذهنية متفتحة ، القي فيها افكار من المراحل المتقدمة حتي تتسارع خطوات الدراسة الي الامام .
الثانية :
ـ وفي هذه المرحلة يجب التركيز علي وعي الفقة وحفظ مسائلة ونصوصة ومتابعة الدراسة الميدانية ، بالاضافة الي الامور التالية :
ـ ا ـ لكي نجعل الدرس حيوي لابد ان نجعل الطالب يساهم فية ويري نفسة جزء منة ، وذلك يكون بتكليفة بكتابة موضوع ما والبحث عن نقطة غامضة فية ثم القاوة .
ب ـ لابد ان نعرف ان احكام الفقة هي حدود الشريعة الغراء، اما روح الشريعة فهي تلك البينات والزبر والهدي والبصائر التي يزخر بها الدين اصلا.
ومعرفة الحدود والاحكام بلا التفات الي ما تحافظ عليها من قيم لا تنفع ابد .
فالصلاة تزكية من الكبر، والزكاة تطهير من البخل ، والصوم معراج الي التقوي ..
وتدريس احكام الصلاة دون الاشارة الي الحكمة والفلسفة ، تحول الشريعة عموم الي قشور فارغة .
وهذا التحول هو الذي افرز اعظم رزايا المسلمين ، وهي تفريغ الدين من محتوياتة ، تتحول الشريعة كما لو كانت قانونا مدسترا يدرس دراسة حرفية .
وهذا يعني تفكيك اوصال الشريعة عن بعضها كما لو كنا علماء تشريح ، فندرس عقائد الدين بلا دراسة لقيمة الجهاد.
والفقة بلا روح التوحيد.
وهذه الدراسة التجزيئية تجعل طلبة العلوم يتعايشون مع دروس ميتة ، ويمكننا تلافي هذا الفصل بالعودة الي روح الدين و ربط الفقة بهذه الروح ـ وهنا بالطبع يبرز دور المدرس الذي يحول قاعدة الدرس الي محراب العبادة ويحملهم الي افاق التوحيد.
ج ـ باعتبار ان هذه المرحلة للفهم والعلم ـ فعلي المدرسين ان يمهدوا الاجواء للطلبة نحو استنباط الاحكام الشرعية من مصادرها الاصلية ، وفي سبيل ذلك يفتح لهم المجال واسعا من اجل تطوير ذهنية النقد عندهم ، و لا تقمع افكارهم و اسئلتهم واستفساراتهم كما يشاع عند البعض من اننا لا نتجاوز حدود الكتاب او غير ذلك ، لان الكتاب الذي يدرس اني كان عظيما، فهو ليس الا اداة للدراسة و معرفة العلم .
اما الكتاب فهو ليس هدفا بذاتة ، ومن هنا يكون علي المدرسين في هذه المرحلة الاعداد لهذه الدروس بالصورة التي تثار فيها قوة البحث و النقد و الاضافة عند الطالب .
دروس البناء الثقافي
وتستهدف هذه المرحلة تخريج عالم مفكر يتفاعل مع الحياة ومع احداثها المتجددة ، وبواسطتها يستطيع ان يدلي براية في اي مجال كان .
ونظر لشمولية هذه الدروس ، فانها تمكن طلبة العلوم من مواكبة المجتمعات ، بل وحتي مسايرة الوضع الثقافي العالمي المتطور.
وتنقسم هذه الدروس الي ثلاث مجالات :
ـ
المجال الاول : ـ بصائر الرسالة
وتتكفل هذه النوعية من الدروس بمعرفة روح الدين وادراك جوهر الشريعة ولباب الاسلام ، مستقاة من القرآن الحكيم والسنة النبوية .
ا ـ القرآن الحكيم :
ـ ان اعظم ما يثير العقل وينير القلب هو دراسة القرآن الحكيم ، لانة يعالج سائر المشاكل النفسية والعقلية التي يعيشها الانسان ويعاني منها.
وبالاضافة الي ذلك يستطيع القرآن مداواة كافة الامراض ، وحل كل الاشكالات والمعضلات التي تقف عقبة امام الانسان .
ولذلك فان العودة الي هذا السفر العظيم كفيل بتحقيق انطلاقة الامة .
لكن للاسف الشديد كانت الحوزات في الماضي لا تهتم بتدريس القرآن الحكيم مباشرة ، وتستعيض عن ذلك بكتب الفلاسفة والكلاميين التي لا تعالج مشاكل البشرية ، وانما تذهب الي بعض الحقائق باساليب بعيدة عن فطرة الانسان ووجدانة .
من هنا فان آية اللة المدرسي اقر دراسة القرآن في هذه الحوزات عبر اطروحة جديدة ، هي اطروحة التدبر التي ذكرناها في الفصل الاول ، وسنتعرض لها تفصيلا في الفصل الخامس .
اذ بالتدبر في كتاب اللة تتجلي سنن اللة الحاكمة في الخليقة ، وعندما نبحث عن تاويلها نهتدي الي اسرار هذه السنن ، فنعرف الحق من الباطل ونسير علي هدي القرآن العزيز.
ويقول آية اللة المدرسي في هذا الصدد:
ان من يجهل قدر التدبر يغلق علي نفسة اوسع منافذ العقل والمعرفة ، لهذا لابد من خرق الحجب الشيطانية التي تقفل القلب عن خطاب الرب ، لان التدبر هو هدف اساسي من نزول القرآن ومن دراستة ، بدلالة الاية الكريمة :
افلا يتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها .
وبالاضافة الي اطروحة التدبر، هناك ثلاث توصيات اخري :
ـ 1 ـ التشجيع علي حفظ القرآن في المعاهد الدينية ، واعطاء درجات عليا لمن يحفظ سور كاملة عبر اجراء مسابقات للحافظ.
2 ـ ان يتخذ المعلم من درس التدبر وسيلة لتنمية حوافز الخير عند الطالب ، فيزكي نفسة ويوسع نطاق ادراكة ويركز ثقافتة الدينية .
3 ـ اعطاء الطالب اكبر قدر ممكن للمساهمة في الدرس بتدبرات ناضجة يلقيها ثم يناقش فيها.
وكل هذه الجوانب تجعل من الاهمية بمكان ان يتصدي لدرس التدبر افضل العلماء في الحوزات ، حتي يكون القرآن محور لشخصية الطالب ومادة لثقافتة ودافع لجهادة ومدار في حياتة .
ب ـ السنة الشريفة :
ـ والتاكيد علي دراسة السنة من كونها نمير صافي فاض من نبع الوحي ، ورافد قوي انبعث من ينبوع الكتاب .
ودراستها دراسة كاملة توضح الزمان الذي طبقت فية احكام الدين ، حتي يتمكن عالم الدين من تطبيقها علي الحياة الراهنة .
وهذا البند تتم دراستة بدراسة كتاب تحف العقول الذي يحوي غرر وصايا الرسول واهل بيتة الاطهار صلوات اللة وسلامة عليهم اجمعين ، وعبر دراسة نهج البلاغة لامير المومنين ع بما يحوية من منهج للتقوي والجهاد، ومن سبيل للوعي السليم للانسان وللكون للحياة ، وثالث عبر الادعية الماثورة والتمعن فيما تحوية من كنوز ومعارف كبري .
وينبغي اتخاذ طريقة وسطي بين صورتين في دراسة السنة ; بين من يقرا السنة كقطعة اثرية بالية لا تتصل بالحياة اليومية ، وبين من يتخذ منها مطية لافكارة واهوائة ، بل يذكرها علي سبيل الاضافة للتغطية علي ما اعدة من افكار جاهزة مسبق .
ان السبيل الاقوم لدراسة السنة الشريفة هو قراءة الواقع الراهن في ضوء السنة ، وقراءة السنة للتعرف علي الواقع .
اذ السنة هي المحور، والواقع مجال تطبيقها.
المجال الثاني : ـ الفكر الرسالي
وهذه المرحلة الثانية في سلسلة البناء الثقافي ، وعماد هذه المرحلة دراسة ما يصلح ان يكون ارضية لفهم الواقع المعاصر، اقتباس من بصائر الوحي .
وعادة ما تدرس في هذه المرحلة ثلاثة كتب اساسية هي التالية :
ـ اولا:
الفكر الاسلامي ; مواجهة حضارية وهذا الكتاب يعني بمقارنة موجزة بين اصول الفكر الاسلامي وبين النظريات البشرية الوضعية ، ابتداء من نطريات المعرفة ، ومرور بفلسفتهم في الميتافيزيقيا وعقائدهم في الدين ، وانتهاء بفلسفتهم الاجتماعية .
ودراسة هذا الكتاب اذا تمت بصورة سليمة ، تصلح ان تكون مادة خصبة لمقارنة الفكر الاسلامي بما يخالفة من التصورات البشرية في سائر الحقول الفلسفية الفكرية .
ثاني :
ـ المنطق الاسلامي ; اصولة ومناهجة وياتي هذا الكتاب مكملا لكتاب الفكر الاسلامي ، ويستهدف امرين اساسيين :
الاول :
ـ مقارنة المنهج الاسلامي في اجتناب الخطا وكيفية تحصيل المعرفة ، ومقارنة ذلك بالمناهج الوضعية ، ابتداء من منهج ارسطو وانتهاء بالمناهج الحديثة بيكون ـ كانت ـ ديكارت وغيرهم .
وقد اهتمت هذه الدراسة بتبيين الخطوط العريضة للمنهج الاسلامي في المنطق ، وبنقد سائر المناهج الاخري شريطة الاستفادة مما يصلح منها حسب معيار العقل والدين .
والثاني :
ـ تكون ارضية لنقد سائر العلوم الحديثة نقد يتناول اساس هذه العلوم الذي يعبر عنة بمنهج التفكير، وهذه الارضية هي المنطق الاسلامي .
والجدير بالذكر ان الحضارة الحديثة ذات جانب سلبي وآخر ايجابي ، ولا يمكن الوصول الي معيار ثابت يميز بين هذين الجانبين الا بدراسة الركائز الاصلية فيها.
وهذا الامر تكفلت بة هذه الدراسة المعمقة عند البحث عن اهم جوانب الحضارة الانسانية الحديثة فيما يتصل بالتاريخ والاجتماع والعلوم الانسانية .
ثالث :
ـ العرفان الاسلامي ويتخصص هذا الكتاب في ذكر طائفة من النظريات الفلسفية التي راجت موخر في بعض الحوزات العلمية ، مما فرض التصدي لها، وبالذات في مجال العرفان المعتمد علي بعض المصادر الغربية .
وبدراسة هذا الكتاب في المراحل المتقدمة يعطي روية واضحة تجاة نظريات كثيرة ، ابرزها نظرية الفيض التي قامت عليها جملة افكار الفلاسفة والعرفانيين .
والجدير بالذكر ان هذه الدراسات كتبها آية اللة المدرسي في اوقات متفاوتة ، لكنها تصلح كمادة للدراسة .
المجال الثالث : ـ الثقافة الرسالية
الثقافة في الواقع تعني الافكار الموثرة في السلوك وفي مسيرة الانسان اليومية .
ويعتمد هذا المجال في الدراسات الثقافية علي معلم قدير، يقدر وضع الطلبة ومدي استيعابهم حسب مستوياتهم ، ساعي من اجل ذلك الي توعيتهم بدلا من تعليمهم مفاهيم مجردة .
وابرز الروي الثقافية التي تتم في السنوات الاولي لدراسة الطالب ، هي الاتي :
ـ ا ـ برنامج ثقافي عبارة عن خلاصة الفكر الرسالي الذي يتكفل ببناء شخصية اسلامية حضارية .
ب ـ دراسة التاريخ وسرد بعض مقاطع التاريخ الاسلامي وتاريخ الامم الاخري بهدف امتلاك الافراد بصائر نافذة تنفعهم في الحاضر والمستقبل .
ج ـ السياسة وتتم بدراسة الاوضاع السياسية واعطاء الروي الرسالية تجاهها.
وهذه الروي هي عبارة عن حجر الزاوية في صياغة الشخصية الرسالية الناظرة الي ما يجري حولها.
ومن ضمن مفردات هذه الصياغة بناء سياسي يتصل اتصالا وثيق بدراسة التاريخ والثقافة .
د ـ فقة الحركة الاسلامية ، وهذا المجال من ابرز المجالات المعاصرة ، ويتم فية اعطاء دراسات مطولة عن تاريخ الحركات الاسلامية واستراتيجياتها وطرق معالجتها للعقبات وتعاملها مع المنعطفات وتحديدها لطرق التحدي .
وتنبغي الاشارة الي ان مناهج الثقافة الرسالية هذه يتفق علي تغييرها وتطويرها في موتمرات متعددة تاخذ بعين الاعتبار التطور الزمني الفصل الرابع
نظرة علي الواقع السياسي ـ العراق مثالا ـ
معاناة العراق والعراقيين ، معاناة طويلة امتلات بالاضطهاد والارهاب والعذاب وسلب الحقوق ، ان لم نقل سلب كل شي ء.
وهذه المعاناة بدات في السابع عشر من تموز عام 8691م ، هذا اليوم الذي لا ينسي بالنسبة للشعب العراقي حيث وصلت آثار المعاناة وقمة الماساة الي كل طبقة والي كل قطاع من هذا الشعب ، حتي صح ان نقول ان الجميع تضرروا من هذا النظام بلا استثناء.
ونتيجة لذلك ايض يصح لنا ان نقول ان الشعب كلة معارض ، حيث حاولوا الانضمام الي انتماءات وتيارات واتجاهات من اجل اسقاط هذا النظام ، لكنة مع ذلك لم يستطع التوصل الي نتيجة حاسمة ينقذ بها نفسة .
فيا تري لماذا استمر نظام بغداد اذن حتي هذه اللحظة ؟ جواب هذا السوال واضح بديهة عند كل عراقي ، حيث الارهاب والوحشية والمطاردات البوليسية ، لم تترك مجالا للقيام بنقلة نوعية لاسقاط النظام ، ولهذا استمر الي الان .
ولكن اذا اردنا الاجابة تفصيلا عن ذلك ، لابد من دراسة الظروف الموضوعية السياسية والاجتماعية عبر اجراء اطلالة علي ثمانية وعشرين عام عاشها الشعب العراقي في ظل البعث العفلقي .
وتسهيلا قسمنا البحث الي ثلاث مراحل تبع للمفاصل والانعطافات التي حدثت خلال هذه الفترة .
وبما ان مشروع الكتاب دراسة الادوار السياسية لاية اللة المدرسي ، فاننا سوف ندرس هذه الادوار تناسب مع هذه المراحل .
المرحلة الاولي:
في البداية كانت السيطرة 8691 ـ 9791م يربط آية اللة المدرسي الانقلاب الذي قام بة حزب البعث العفلقي في السابع عشر من تموز لعام 8691م بحدث اقليمي شاركت فية اطراف دولية عديدة .
وهذا الحدث هو انتكاسة حزيران التي تعرض لها العرب في عام 7691م علي يد الصهاينة الغزاة .
ففي الوقت الذي كانت فية الامة العربية تلملم جراحات هزيمتها العسكرية بعد هذه الانتكاسة ، كان النظام الدولي يسعي الي تكريس الهزيمة النفسية لدي الشعب العربي ، وبالخصوص فيما يتصل بـاسرائيل ، حيث حاولوا اقناع العرب بان اسرائيل حقيقة قائمة وواقعة ، لا يمكن التنازل عنها لاي سبب كان .
وقد استخدموا وسائل عديدة لتمرير هذه القناعة ، فعلي الصعيد الاعلامي ركزت وسائل الاتصال الاعلامي العالمي او العربي الحليف علي اسطورة الجيش الذي لا يقهر.
هذا في الوقت الذي يدقون فية علي وتر حساس ، هو وتر انعدام التوازن العسكري بين العرب واسرائيل ، لاسيما من جانب ابراز اغداق النظام الدولي علي اسرائيل بصفقات عسكرية مهمتها تزويدها باحدث الاسلحة المتطورة ، حتي اصبحت ثكنة عسكرية محصنة في وسط الوطن العربي .
وكان من اهم الاساليب التي اتبعها النظام الدولي آنذاك من اجل تكريس هذه الهزيمة ، هي استثمار وتوظيف مجاميع عديدة انبهرت ثقافي بالغرب وحملت افكار ليبرالية ووطنية او قومية بعيدة عن الفكر الاسلامي الاصيل .
وما من شك في ان هذه المجاميع تخفي وراء هذه الاتجاهات الفكرية انتماءات سياسية مشبوهة ، تساهم في ترسيخ الهزيمة من الداخل العربي حتي لو لم يكن هذا هدفها في البداية .
وكان من ضمن هذه المجاميع حزب البعث العفلقي العراقي الذي جاء بافكار علمانية سافرة بقيادة عناصر مشبوهة رفضها الشعب العراقي في عام 8691م بعد التجربة المريرة والقاسية التي عاشها في عام 3691م عندما تسلم احمد حسن البكر رئاسة الوزراء في عهد عبدالسلام عارف لمدة تسعة اشهر، اذاق فيها الشعب ماساة تكفية لفترة طويلة .
وتنبغي الاشارة الي ان حزب السلطة هذا اسفر عن نجاح الفئة المتطرفة في هذا الحزب بقيادة البكر وصدام حسين ، واقصاء علي صالح السعدي رمز الخط المسالم .
هذا من جهة ، ومن جهة اخري فان الاسهام في وصول هذا النظام عبر انقلاب عسكري في بلد كالعراق لة اسبابة الخاصة والهامة .
فالعراق في تلك الفترة كان يعتبر دولة مواجهة ذات قدرة جيدة علي تحدي اسرائيل ، خصوص وانها لم تتضرر بالحروب العربية السابقة معها، لانها لم تدخل بصورة مباشرة في هذه الحروب بعكس الدول العربية الاخري .
فالاردن كانت مثلا دولة مواجهة اقتطع منها نصفها تقريب ، وسوريا ومصر ايض .
وقد تبين ان الاستراتيجية الصهيونية كانت تستخدم هذه الاراضي المحتلة كاوراق ضغط مستقبلية لتحييد القرار السياسي لهذه الدول .
هذا كلة في الوقت الذي كان فية العراق قادر علي القيام بدور فعال في تقوية دول المواجهة ، خصوص وانة ثاني دولة في مجموعة الاوبك ، ويملك من المعادن والمواد الخام ما لا تملكة اية دولة قريبة من موقع المواجهة .
هذا بالاضافة الي موقعة الاستراتيجي الهام ، حيث يربط بين دول المواجهة ومنطقة الخليج ذات الموقع الحساس في العالم .
هذا ما يرتبط بالتطورات الاقليمية والعالمية ، بينما في المقابل كانت الحركات الاسلامية في العراق قد استعادت نشاطها وحيويتها بعد انقلاب عبدالكريم قاسم عام 8591م ، وكان من المتوقع ان تقوم هذه الحركات بدور قيادة الشعب لتحقيق مطالب عادلة ومشروعة .
وكانت مظاهر قوة التيار الديني واضحة في كل مناطق العراق ، فتارة تتجلي هذه القوة في الاحتفالات الجماهيرية الواسعة التي تقام في المناسبات الدينية .
كربلاء المقدسة علي سبيل المثال تشهد في مولد الامام علي ع في الثالث عشر من شهر رجب حضور جماهيري واسع من كل محافظات العراق ، وهكذا النجف الاشرف في مولد الامام الحسين ع في الثالث من شعبان .
هذا بالاضافة الي الحركة الاجتماعية الناشطة ، سواء من تشكيل الموسسات الخيرية ذات النفع الاجتماعي او المنتديات الادبية والثقافية التي توكد وجود صورة مناقضة للنظام السياسي الحاكم .
ان هذه القوة في التيار الديني في العراق تزامنت مع ضعف نظام عبدالرحمن عارف الذي كان من الممكن ان يهتز لاية بادرة من هذا التيار.
ولاجل هذا الوضع الداخلي بما يحوية من قوة في التيار الديني والمصلحة الخارجية المرتبطة بوضع الصراع العربي ـ الاسرائيلي ، عمدت القوي الخارجية الي تغيير نظام عبدالرحمن عارف مهما كلف الامر، وكانت النتيجة مجي ء حزب البعث العفلقي في هذا التاريخ المشووم .
وهكذا بدا حزب البعث العفلقي مرحلة السيطرة بوضع حدود سميكة بينة وبين الشعب .
فقام بمطاردات بوليسية شديدة ، اردفها بالسجن والاعتقال واحكام طوق من الحصار المحكم علي القوة الفاعلة داخل الشعب .
وازداد هذا التوجة بعد انعقاد اول موتمر للحزب بعد وصولة للسلطة ، والذي حددت فية اولويات المهام الحزبية ، وكان في مقدمة هذه الاولويات القضاء علي الرجعية الدينية .
وهذا بالطبع يعني اعلان الحرب علي الدين وعلي من يمثلونة ، وبالخصوص الحركات الاسلامية .
وقد قام النظام بخطوات عديدة في هذا المجال ، فعمد الي سياسة النيل من المرجعية الاسلامية التي كانت متمثلة آنذاك في آية اللة العظمي السيد محسن الحكيم رضوان اللة تعالي عليه ، واعتقل المفكر الاسلامي آية اللة السيد حسن الشيرازي والشيخ عبدالعزيز البدري وجماعة كبيرة من المومنين والحركيين في آيار 3791م .
وتواصلت الي اعدام كوكبة من العلماء عام 5791م ، وهي مجموعة الشيخ عارف البصري ، وتلت ذلك موجة تصفيات وتسفير عنيفة لابناء الحركة الاسلامية .
واتجاة هذا التصعيد من قبل حزب البعث العفلقي ، قام علماء الدين بادوار رائدة في مقابلة هذا التصعيد، وكان من ابرز هولاء آية اللة السيد حسن الشيرازي الذي حمل علي عاتقة فضح هذا النظام وتحرك لايجاد برنامج عمل جدي لاسقاطة معتمد في ذلك علي تشكيل جبهة عريضة ضد النظام تشمل الحركيين بمختلف توجهاتهم وابناء المرجع الحكيم .
لاسيما وان العلامة الشهيد السيد محمدمهدي الحكيم كان يقوم بدور رائد من النجف الاشرف في تصدية للنظام .
غير ان النظام لاحق هاتين الشخصيتين مما اضطرهما الي هجرة العراق ومواصلة مشوار المعارضة من الخارج .
آية اللة المدرسي في هذه الاثناء كان دورة يتواصل مع الجهاز المرجعي المتثل في الامام الشيرازي ، الذي اوجد في كربلاء المقدسة وبالخصوص في الحوزات الدينية نشاطات جهادية وسياسية جعلها سباقة علي صعيد الحوزات في هذا التحرك ، تحرك البناء الذاتي والمواجهة السياسية .
ولما شن النظام حملات اعتقال كبيرة في اوائل السبعينات اعتقل فية آية اللة الشيرازي والكثير من علماء الدين ، كان السيد المدرسي يمارس كافة انواع الضغوط السياسية والاجتماعية من اجل اجبار النظام علي اطلاق سراح العلماء المعتقلين .
وتحت هذه الضغوط، اضطر النظام للافراج عن سراحهم ، حتي ان الشيرازي اطلق سراحة بعد ستة اشهر، بعد ان حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات .
غير ان لاية اللة المدرسي دور اكبر من ذلك واعمق ، وهذا الدور هو توضيح معالم نظرية سياسية في مواجهة النظام ، بعد ان كانت المواجهة تقليدية .
بمعني ان الشعب كان معارض للنظام ، وبهذا المقدار من المعارضة ايض كانت الحوزة العلمية تمثل رقم معارض منذ زمن بعيد.
لكن هذه المعارضة لم تخرج من اطار المعارضة الدينية وتتجسد في مشروع سياسي اسلامي يقابل مشروع سياسي لحزب السلطة .
وهذا كان دور السيد المدرسي حيث داب علي البحث عن النظرية السياسية الدينية والمعارضة السياسية .
ويعتبر سماحتة من اوائل الذين تحدثوا في هذا المجال واوجدوا في الساحة العراقية تيار يودي هذا الدور، واول خطوات هذا النشاط كان نقل العمل الاسلامي الي ماتحت الارض معتمد علي السرية .
وايمان منة بان مواجهة هذا النظام لا يمكن ان تتم الا ببناء تحتي مركز، فقد داب علي العمل في اوساط المثقفين العراقيين والجامعيين بالذت .
عقد الكثير من ندوات الحوار والجلسات والهيئات من اجل توضيح معالم المواجهة الشاملة بين التيار الاسلامي والنظام القائم ، ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة .
وكان هدفة من هذه الخطوات بناء الشخصية المومنة الموهلة لمرحلة المواجهة .
وبالاضافة الي هذا الدور كان سماحتة يشرف شخصي علي العديد من الاصدارات الثقافية من المجلات والصحف والمنشورات والكراسات ، مثل اشرافة علي سلسلة منابع الشخصية الاسلامية التي تصدر شهري كتاب اسلامي ، او اصدارة لكتاب مع الرسل علي الطريق الشائك الذي كتبة وهو في السابعة عشر من عمرة ويوكد فية علي ضرورة التحرك والجهاد.
ونظر لدورة الفعال ، داومت السلطة العراقية علي ملاحقتة ومطاردتة حتي هاجر من العراق الي الكويت عام 1791م ، وبدا من هناك ادارة العمل في الداخل علي اختلاف اشكالة ، وكان اذا استلزم الامر زار العراق متخفي في كثير من الاحيان .
اذن يمكننا ان نعبر عن نشاطات آية اللة المدرسي في المرحلة الاولي الممتدة من 8691م ـ 9791م بانها نشاطات ثقافية تنظيمية سياسية .
اما العمل السياسي فقد تجسد في طرح النظرية السياسية الاسلامية وتوضيح معالمها والعمل من اجل تنفيذها علي الارض ، والنشاط التنظيمي المتمثل في العمل التربوي وبناء كيان مكون من خلايا متعددة موجهة بنمط حركي خاص يعتمد علي ثقافة خاصة ايض تنسجم مع روح الدين وحالة المعارضة السياسية .
هذه الخلايا شكلت فيما بعد البذور الاولي لتشكيل منظمة العمل الاسلامي في اواسط عقد السبعينات .
لكن هذا النشاط السياسي والتنظيمي كما يري السيد المدرسي لا يمكن ان يتم دون تاسيس تيار ثقافي يومن بثقافة خاصة كما قلنا.
وقد استطاع سماحتة في هذه المرحلة بلورة ثقافة خاصة بالخط الحركي العامل ، وهذه الثقافة بالطبع تعود في جذور كثيرة منها الي معالم المدرسة الفكرية التي يتميز بها سماحتة ، والتي ذكرناها مفصلا في الفصل الاول .
الا ان ما يهمنا في هذا الفصل هو ان سماحتة اتبع اسلوبين متوازيين من اجل بلورة هذا الاتجاة الفكري .
وقبل ان نذكر هذين الاسلوبين ، لابد من القول ان رسالات اللة عز وجل جاءت لتهدم بناء وتبني آخر علي انقاضة .
فهي حركة نحو البناء ايض ولا تقتصر علي ازالة رواسب وقناعات خاطئة فقط، بل تتعداة الي الطموح في اقامة نظام حياتي متكامل قائم علي اساس العقل المستنير بالوحي .
وايمان من السيد المدرسي بهذه الفكرة اتبع هذين الاسلوبين :
ـ الاول :
ـ ادرك المدرسي ضرورة القيام بعملية تاصيل للثقافة الاسلامية .
ذلك لان هذه الامة تتعرض دوم لتهديدات حقيقية ، خصوص بعد ملاحظة التطور الهائل الذي احدثتة الحضارة القائمة .
وعملية التاصيل هذه لا يستطيع ان يقوم بها الا من امتلك حس تحليلي عالي ، معتمد في ذلك علي القواعد العريضة التي بينها الاسلام .
وتنبغي الاشارة الي ان ساحة مثل ساحة العراق التي تعتبر مسرح للتيارات الثقافية حتي مجي ء حزب البعث العفلقي ، جعلت امام الاسلاميين تحدي كبير لمواكبة هذه التيارات والاطروحات .
وتزامن مع ذلك ومن اجل اثبات ان للاسلام نظرات عميقة وعصرية يستطيع بها الاسلاميون مواكبة هذه الاطروحات الثقافية ان لم نقل تجاوزها، داب المدرسي في الحديث عن ثلاث مواضيع هامة وحساسة خلال عقد السبعينات لتاصيل الثقافة الاسلامية ولتنمية الروح الحركية ، وهذه الدراسات هي التالية :
ـ
1 ـ المنطق الاسلامي ; اصولة ومناهجة
كان لسان حال الكثيرين ان لا منطق للاسلام ، والمسلمون اعتمدوا تاريخي علي المناطقة اليونانيين .
ويجيب السيد المدرسي مفصلا عن هذا السوال بان من يتوخي جانب الانصاف قليلا، يومن بوجود منطلق اسلامي متميز.
ذلك لانة من غير المعقول ان تبني منظومة الفكر في الاسلام الا علي اساس منطقي ، ساعدها علي الاسهام في بناء حضارة اسلامية راشدة ومتميزة .
اذن لماذا لا يعرف الكثيرون هذا المنطلق ؟ يقول سماحتة :
ان استكشاف معالم المنطق الاسلامي عملية شائكة تحتاج الي امتلاك حس تحليلي عبر دراسة الروايات وفهمها.
والذي جعل المسلمين لا يتوجهون الي القيام بهذه العملية امران :
ـ ا ـ التعصب لمناهج فكرية حكمت طويلا في الفكر البشري كالمنطق اليوناني .
ب ـ وهو السبب الاهم ، الجهل بلغة خطاب المصدر الاساسي للفكر الاسلامي ، هو القرآن الحكيم .
ولو ان المفكرين الاسلاميين استنطقوا هذا المصدر لوجدوا مطلبهم الضائع بين دفتية ، اذ ان قوام التفكير المنطقي الاسلامي هو العقل .
وليس قليلا حديث الاسلام عن العقل وجنودة ، وعن الجهل وجنودة .
هذا بالاضافة الي ان الاسلام يضع للمسلم مناهج متعددة من اجل تثبيت منهجية معينة مسندة بالغيب ، وبهذا يستطيع ان يتغلب علي جذور الخطا.
وهكذا يواصل آية اللة المدرسي حديثة حول معالم المنطق الاسلامي ومرتكزاتة ، منتقد منطق اليونان والمنطق الحديث .
وهذا الكتاب يدرس في كثير من الحوزات العلمية الان .
2 ـ القيادة الاسلامية
وهذه الدراسة حساسة للغاية ، يبحث فيها المولف استلهام من فكر السيد المدرسي عن القيادة الاسلامية .
وحول هذه المسالة اثار الكثير من الكتاب والمفكرين شكوك كثيرة حول وجودها في الاسلام بما يتناسب مع هذا العصر.
وينطلق آية اللة المدرسي في حديث عن القيادة بقولة :
ان لكل نظام سياسي في العالم روح تحقق جوهرة وتمثل مظهرة ، ولاريب ان المظاهر ليست بذات اهمية مقابل تلك الروح .
لكن هذه الروح في النظام الاسلامي السياسي التبست علي الكثيرين ، لذلك اعتقدوا بان النظام الاسلامي يميل الي الجمهورية او الملكية او الوراثية او الديمقراطية وغيرها من اشكال الحكم القائمة .
ثم يخرج المولف باطروحة ولاية الفقية التي سبق بها الكثيرين ، اذ ان القيادة ليست وقف علي المعصومين ، وانما الفقية العادل يملك نفس الصلاحيات التي يملكها المعصوم ، الا تلك التي كانت لة بصفتة التكوينية .
وهذا لاعتقادنا بان الفقية العادل هو امام المسلمين ليس في المرجعية الدينية فحسب ، بل حتي في الشوون السياسية والاجتماعية .
وقد ذكر سماحتة ادلة عامة تثبت استخلاف الاسلام لكل فقية عادل تتوفر فية الشروط المذكورة في صفات القائد الاسلامي .
ثم ذكر ايض ادلة خاصة تخول الفقية العادل هذه الصلاحيات .
وتعتبر هذه الدراسة جزاء كبير من النظرية السياسية الاسلامية التي داب سماحتة علي توضيحها والسعي لتطبيقها في هذه المرحلة .
الثاني :
ـ اما الاسلوب الاخر الذي توجة الية السيد المدرسي ، فكان هدم القناعات التي لا تمت الي الاسلام بصلة ، والكشف عن جذورها ودوافعها، وبالتالي فضحها امام الملا وتوضيح المنظومة الحقيقية للفكر الاسلامي بلحاظ العصر الراهن .
وهذه الخطوة في الواقع تدل علي عمق التشخيص للمرض الثقافي والاجتماعي الذي كانت تعيشة الامة ، والذي كان عبارة عن مجموعة افكار تشل حركة الانسان وتحاول ان تثبط اية مبادرة ايجابية يقوم بها هذا الانسان .
وفي هذا المجال صدرت دراسة في اوائل السبعينات باسم الثقافة الرسالية استلهام من فكر السيد المدرسي ، وكانت هذه الدراسة عبارة عن نقد اجتماعي لاذع وعنيف للمبتنيات الفكرية التي ترتكز عليها شخصية الانسان المتخلف .
ومن هنا نكتشف ضخامة المسوولية التي تحملها هذا الكتاب ، حيث كشف آليات الافكار الجلادة التي تسجن الانسان في قوالب ضيقة ومحدودة ، كما وضع اساليب جديدة في التعامل مع القرآن الحكيم ، ومع التاريخ ، ومع القيم التي تستهدفها الاحكام .
فالقرآن الحكيم في الواقع هو دستور الهي ومشروع متكامل لا يصح ان يتعامل معة الانسان المسلم علي انة كتاب بلاغي او عملي بحت .
كما ان دراسة التاريخ ـ كما اشرنا ـ مادة للانطلاق والحيوية ، وليست الي تحكيم الاغلال وتبديد الفاعليه .
اما الشعائر الاسلامية فان لكل منها هدفا حضاريا يجب ان نسعي الي تحصيلة ، لا ان نجعلها ممارسة سطحية دون ادراك الحكم التي وراءها.
ومن اراد تفصيل هذه الدراسات فليراجع الفصل الاخير.
اذن دور آية اللة المدرسي في هذه المرحلة هو دور ثقافي تنظيمي سياسي ، تميز بطرح نظرية سياسية اسلامية في المعارضة والتحرك .
المرحلة الثانية :
التصعيد والرد 9791 ـ 7891م شهدت بداية هذه المرحلة حدث اقليمي ودولي هام ، كان لة الاثر الاكبر في تبديل مسيرة التيار الديني في عموم المنطقة ..
وهذا الحدث هو انتصار الثورة الاسلامية في ايران .
وهذا الانتصار عد اكبر تطور شهدة هذا التيار، وتتابعت انجازات التيار الديني بعدئذ في عموم الوطن الاسلامي الكبير، واهم انجاز كان هو الصحوة الاسلامية التي لم تكن وليدة ساعتها وبنت لحظتها الراهنة ، وانما كانت ثمرة نشاط اسلامي ضارب في التاريخ وتعاقب علي فصولة المصلحون وكثير من رجالات الحركة الاسلامية المخلصة .
وتجاة هذا التطور في مكاسب التيار الديني ، لم يقف النظام الدولي مكتوف الايدي ، بل انة سعي بكل طريقة من اجل الحفاظ علي مصالحة الحيوية ، بالخصوص في منطقة مثل منطقة الشرق الاوسط.
وهذا يعني ان كل نظام وطني يساهم في ابراز قوة معينة لا تصب في خدمة هذه المصالح ، يجب ان يموت او تقلم اظافرة او لا اقل يشغل عن تحقيق اهدافة .
ولقد قالها صراحة وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجر; ان امامنا فرصة حتي عام 0891م لترويض الثورة الايرانية .
وفعلا تتابعت هذه الخطوات ، واهم خطوة كانت في هذا المجال تحمل نظام بغداد نيابة عن النظام الدولي بالوقوف سد منيع امام امتدادات فكر الثورة الاسلامية في ايران .
وعلي هذا الاساس بدات الحرب العراقية ـ الايرانية في /22ايلول سبتمبر0891/م التي كانت تستهدف الايحاء الي الدول المجاورة بان امتداد الثورة الايرانية يشكل خطر علي الامن والاستقرار فيها، ومن جهة اخري تضطر الحكومة الايرانية الي تكريس جهودها الاستراتيجية والسياسية والاعلامية والتعبوية علي الحرب ، وهذا بالاضافة الي الاعباء الهائلة التي يجب علي حكومة ايران الفتية الانتباة والتوجة اليها.
ان النظام الدولي القائم علي حالة الاستقطاب الثنائي آنذاك فهم درس الثورة الاسلامية في ايران ، وايقن بوجود ثغرات في هذا النظام ، بحيث يمكن لقوي ناشئة تحت الرماد ان تستغل هذه الظروف لتبني لها كيان وسط الصخور المتكلسة .
ونظر لذلك تبدل هذا النظام او بالاصح تحول الي نظام احادي ذي اهداف متحدة .
ولقد كانت الحرب اساس من اجل اعادة القنوات الي مجاريها او ما يسمي بيت الطاعة الدولي .
ولاشك ان الدعم العالمي اللامحدود الذي قام علي قاعدة اتحاد الاهداف ، دعم نظام بغداد دعم شاملا سياسي وعسكري واقتصادي .
وهذا ما كان لة اكبر الاثر في رجحان كفة القوة العسكرية العراقية في بادي الامر.
وعلي الرغم ، ان هذه الحرب اخذت وسام اطول حرب اقليمية حدثت في التاريخ ، الا ان الشعب الايراني استفاد منها خير استفادة فاستجاب للتحدي ، وهذه الاستجابة كان لها دور كبير في حلحلة مشاكل عضال علي صعيد الاقتصاد او علي صعيد الجهد العسكري ..
ولهذا فان مجرد مقاومة الشعب المسلم في ايران لاثار هذه الحرب التي شارك فيها نظام دولي باكملة ، المقاومة ليوم واحد فقط جهد كبير فكيف بثمان سنوات ؟!.
ان هذا لهو دليل واضح علي قوة الاسلام وصلابة المعدن الاسلامي الذي تثيرة روح التحدي .
بالطبع لا يمكن انكار الخسائر الجسيمة التي حدثت جراء هذه الحرب من الارواح والممتلكات ، ففي بداية الحرب دخل الجيش العراقي 0002 قرية ايرانية دمر كل ما فيها وذبح كل من عليها، وخرب بالاضافة الي ذلك مرافق حيوية في كثير من المدن الايرانية .
كان هذا دور حزب البعث العفلقي علي صعيد الخارج .
اما بالنسبة لحركة النظام داخل البلاد فقد كانت تتسم بالارهاب والقسوة ، لاسيما مع الخوف المتزايد من آثار الانتصار الاسلامي في الدولة الجارة ايران ، الذي يمكن ان يتعاضد مع العلاقة التاريخية والديموغرافية بين الشعبين المسلمين .
للوقوف امام ذلك جعل نظام بغداد من نفسة مانع وكابح لهذا الدور المرتقب لشعب العراق ، وكانت اولي خطوات ذلك تعزيز الخط المتشدد داخل الحزب .
وهذا ما يدركة اي مراقب سياسي عندما يتابع ما يجري في العراق .
فقد استقال احمد حسن البكر وجاء صدام حسين في نهاية تموز 9791م الذي يعتبر رفيق سياسي للاول ، لكنة اكثر تشدد منة .
وفور ما جاء بدا باجراء تغييرات صارمة داخل الجهاز الحكومي ، فاعدم رياض كامل وزير الصحة في بداية الثمانينات ، واعاد تشكيل مجلس قيادة الثورة ، فبعد ان كان عددة 12 شخص وصل الي 8 اشخاص هم اقرب المقربين الي الرئيس الجديد.
واستمرت سياسة الحذر والتطهير هذه ولم تنقطع داخل حزب السلطة .
وكان الهدف الاكبر منها هو ان يكون صدام مركز القرار في العراق .
واستفاد من الحرب ايض بهذا الاتجاة ، حيث اتخذت سياسة اسكات الاصوات وتكميم الافواة في مواجهة الهم المشترك ومن اجل تسخير كافة الجهود للحرب المستعرة .
في هذه الاثناء وفي علاقتة مع الشعب ، جاء صدام بنظرية مقننة للارهاب تتجسد في قمع اية قوة تنمو داخل المجتمع ، مع غض النظر عن ان هذه القوة تعارض النظام او لا، لان المطلوب كما يزعم النظام هو قلع جذور المعارضة ، بل قلع جذور امكانية المعارضة .
ان خطورة هذا النظام تكمن في ديكتاتوريتة وتمرسة في الجريمة ، ولاجل ذلك تعرضت الحركات المعارضة لة الي قمع شديد ومعاناة كبيرة طالت لاكثر من اربع وعشرين عام ، ويكاد يتحول هذا الارهاب الي اسطورة اذا استمعنا الي هذه القصة .
نام رجل ليلا، وهاجت بة الاحلام الي ان وصلت الي حدوث انقلاب عسكري في العراق .
صباح نقل ما رآة في نومة الي بعض الاصدقاء.
انتقل الخبر حتي وصل الي مدير الامن في منطقتة ، جاووا الية واعتقلوة .
سالوة :
لماذا تحلم هكذا؟ فقال :
ـ لقد كان من دون ارادتي .
فطلبوا منة اسماء المشاركين في الانقلاب .
قال :
ـ انة لم يعرف احد منهم .
فوجهوا الية تهمة التستر وايواء المعارضين ، وحكموا عليه بالاعدام .
وكان النظام في تلك الفترة قد اصدر عفو فتحول الاعدام الي سجن موبد وبقي فترة ، نزل حكمة الي سبع سنوات .
وهكذا سجن صاحبنا بتهمة الحلم المعارض ؟!.
ان لائحة العقوبات عند نظام بغداد تبدا بالاعدام وتنتهي الي ما هو اشد منة .
ولم يكن اعضاء الحركة الاسلامية المنتمون الوحيدين الذين تعرضوا لديكتاتورية النظام الشرسة ، بل حتي عوام الناس تعرضوا الي مثل ذلك لاسباب بسيطة .
احد المعارضين في قرية الدجيل اطلق قذيفة آر.
بي .
جي واحدة علي موكب الرئيس صدام اصيبت فيها سيارتة باضرار.
مر علي الحادثة ايام واذا بالنظام يغير علي هذه القرية ويفنيها عن بكرة ابيها!! وهكذا كان الشعب ضحية لاسباب تافهة ; مثلا في بداية السبعينات قام النظام بعملية تهجير واسعة النطاق الي ايران بحجة ان اصولهم ايرانية من علماء الدين والرجالات الفاعلة من طبقة الشعب العادية ، ناسي العلاقة التاريخية الوطيدة التي كانت بين الشعبين .
يسفر الانسان وهو يري بام عينية ما شيدتة يداة خلال عمر مديد.
فماذا يكون شعورة آنذاك ؟ ولكي ندرك خلفية ما يقوم بة هذا النظام ، لابد ان نذكر ملاحظتين :
ـ الاولي :
ـ ان الحكم في العراق لم يتبلور في اجواء الحرية والديمقراطية ، وانما ظهر الي الساحة السياسية بواسطة انقلاب عسكري بقيادة احمد حسن البكر وبنائبة ـ آنذاك ـ صدام حسين .
ومنذ السابع عشر من تموز وقت هذا الانقلاب ، لم تجر في العراق اية انتخابات حرة او نزيهة ، يستطيع فيها الشعب تقرير نظامة السياسي .
الثانية :
ـ ان هذا النظام لم يحترم حقوق الانسان ، واي حق اهم من حق الحياة عند الانسان ؟! لقد اصبح من السمات البارزة لهذا الحكم اراقتة للدماء، حتي ان مجموع من قتل في ظل نظام بغداد بلغ اكثر من 0000021 انسان ، بما في ذلك الذين قتلوا في الحرب العراقية الايرانية .
اي بمعدل سبعين شخص في اليوم الواحد.
وهذا عدا الذين قتلهم صدام بيدة او شنق بواسطة رفاقة واعضاء ما يسمي بمجلس قيادة الثورة .
ان العراقيين اعتادوا سماع جملة كل من يخالف ذلك يعرض نفسة للاعدام ، ذلك لان العقوبة السياسية تبدا بالاعدام واللة العالم بماذا تنتهي !! وقد اشار صدام حسين الي ذلك حين قال علن :
انة سفر المعارضين الي عالم الاخرة ، بينما سفر من كان مرشح للمعارضة الي خارج العراق .
ونستطيع ان نحصي الاجراءات التي قام بها هذا النظام طوال حكمة باستثناء ما حدث بعد الانتفاضة الشعبانية في 51/8/1141هـ واعتماد علي احصاءات المنظمة الدولية لحقوق الانسان في العراق والذي ورد في كتاب الانتفاضة الشعبانية ; الاسباب والنتائج ننقل هنا الاتي :
ـ 1 ـ عدد الشهداء يزيد عددهم 000004 شخص اعدموا او اختفت آثارهم .
2 ـ المعتقلون يزيد عددهم عن 000001 شخصا.
3 ـ المهجرون ويقارب عددهم 0000001 شخصا يتوزعون في ايران وسوريا وباقي دول العالم .
4 ـ المهاجرون ويزيد عددهم عن 00001 شخصا وقد زاد هذا العدد بعد قيام الانتفاضة الشعبانية بصورة كبيرة جد .
اذن الملاحظ ان دور النظام كان دور تصعيدي علي الصعيد الداخلي ، وخارجي وقف عقبة كاداء امام المد الاسلامي المتنامي .
ماذا كان الرد؟ قبل ان نذكر الرد المباشر للحركة الاسلامية عموم تجاة خطوات النظام التصعيدية ، لابد ان نعود قليلا الي خلفية الحركة الاسلامية المعارضة في العراق ، والتي تعود بالتحديد الي ماقبل العشرين حيث الثورة المشهورة التي قادها المرجع الشيرازي في عام 0291م .
بيد اننا اذا اردنا الحديث عن الحركة الاسلامية الحديثة في العراق ، والتي تميزت بتوجيهات ثقافية ونشاطات سياسية وربما عسكرية في بعض الاحايين ، فقد ظهرت كيانات متميزة في نهايات حكم العائلة الهاشمية الذي انتهي عام 8591م بعد مقتل فيصل في انقلاب عسكري .
وحينها عمت العراق موجة اشلامية مسيسة ، نشات تحت ظلها حركات اسلامية في جنوب العراق ووسطة ، فنشات حركة الاخوان المسلمين في الموصل وهي امتداد لما نشا من هذا التيار خارج العراق ، ونشا حزب التحرير في بغداد متاثر بصاحبة الذي نشا في الاردن عام 2591م .
وبالاضافة الي هذه الاحزاب ، ولدت حركات اسلامية نابعة من ارض العراق مثل حركة جماعة العلماء في النجف الاشرف ، وحركة جماعة المبلغين في كربلاء المقدسة ، وتطورت هذه الحركات بصورة اكبر وعلي صعيد اوسع بعد صعود حزب البعث العفلقي عام 8691م .
ولعلة كما ذكرنا ان من اهم اسباب الدعم الاميركي والبريطاني لهذا الحزب هو اضطلاعة بمهمة ايقاف التطور المتواصل الذي شهدتة الحركة الاسلامية في عقدي الخمسينات والستينات ، وقد اشار الي ذلك حزب السلطة بالرجعية الدينية والمقصود بها في اعلام النظام الحركة الاسلامية .
ولهذا كان التصعيد كبير من قبل النظام دون ان نلحظ رد مباشر لهذا التصعيد.
ينطلق آية اللة المدرسي في تقييم هذه المرحلة الحساسة التي كان يعيشها الشعب العراقي والحركة الاسلامية من فكرة المناسبة بين الرد وبين التصعيد الشامل الذي اتخذة النظام استراتيجية ثابتة لة .
ذلك لان هذا التناسب هو دلالة علي سلامة التشخيص لعمق المشكلة وتحديد العلاج النافع .
ويكرر السيد المدرسي كثير هذه الفكرة وهي :
ان المسيرة البشرية حين تنحرف عن الصراط الالهي المستقيم انحراف كبير فانها تكون بحاجة ماسة الي عمل كبير يشبة تغيير جذري او تطور نوعي يضمن عودة هذه المسيرة الي رشدها الطبيعي .
وقد تجلي هذا العمل الكبير في التاريخ ببعثة الانبياء عليهم افضل الصلاة والسلام ، والتي احدثت بدورها تغيير نوعي في مسيرة الاقوام البشرية السالفة بما هي مجتمع وبما هي فرد ايض .
لان الانسان الواحد اذا انحرف عن مسيرة الحق ، فان امكانية اعادتة الي الطريق الطبيعي تكمن في عدة طرق منها النصيحة او الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او حتي الضغط عليه ، ومن ثم فرض عقوبات متزايدة عليه ترجعة بالتالي الي رشدة .
بينما اذا انحرف مجتمع باكملة عن الطريق السليم ، فانة سوف يدعم بعضة بعض لتكريس حالة الانحراف في اوساطة ، ذلك لان علماء الاجتماع يقولون بان ديناميكية المجتمع الداخلية تكون قوة ضاغطة لاشعورية من اجل تكريس هذه المسيرة .
علي ضوء ذلك ، فانة في بعض الاحيان تكون الشعوب الرازحة تحت ظلم الانظمة الديكتاتورية بحاجة الي مثل هذه الحركة النوعية للتخلص من حالة الاستضعاف .
فمثلا بالنسبة للشعب العراقي والاوضاع المحيطة بة من نظام متمرس في الديكتاتورية ومن الدعم اللامحدود الذي لقية من النظام الدولي ـ اننا تجاة هذا التداخل والتقاطع في المصالح لا يمكننا ـ كما يقول السيد المدرسي ـ ان نقوم بحركة بسيطة لتبديل مجمل الوضع المتردي في العراق ـ مثل الحديث مع هذا وذاك ، او كتابة منشور او رفع بندقية واحدة تواجة النظام .
كلا..
ان هذا الوضع الفاسد بحاجة الي نهضة تغييرية شاملة تبدا من انفسنا، لتنتهي الي كل افراد الامة .
وهذا التطور النوعي والحركة الحضارية تعتمد بشكل اساسي علي الاستلهام من بصائر التاريخ المتمثلة في نهضة الانبياء، واذا لم يحدث هذا التطور فان مسيرة الليل المظلم ونفق الارهاب الواسع سوف تزداد وتتكشف .
وبمعني واضح ان مسيرة التغيير سوف تتاخر مع وجود بعض الجهود المخلصة لتبديل الوضع الفاسد في العراق ، لان شمعة صغيرة واحدة لا تستطيع تبديد امواج متلاحقة من ظلام النظام ، فهو بحاجة اذن الي شمس ذات تاثير اكبر واوسع .
وهذا يعني ان ابناء الحركة الاسلامية في العراق مدعوون الي التفكير الجدي بحجم القضية التي يعايشونها، حتي ينعكس ذلك علي استراتيجياتهم لها.
ومن هذا المنطلق ومن اجل مناسبة رد الحركة الاسلامية للتصعيد الشامل الذي قام بة النظام ، جاءت منظمة العمل الاسلامي التي تسترشد فكر وسياسة والتي تشكلت في اواسط السبعينات ، جاءت لتعيد نوع من التوازن بين رد الحركة الاسلامية وبين تصعيد النظام .
فلقد كان النظام ممسك بخيوط المبادرة والفعل داخل العراق ، وهذا ما وضع فصائل المعارضة الاسلامية في مازق حرج للغاية ، حيث كان لابد من دفع ضريبة باهظة التكاليف لاعادة زمام المبادرة بيد هذه الحركة .
وهنا نشير الي ناحية هامة من خصائص الفكر الاسلامي ، وهي خاصية تطور الاسلوب بلحاظ تطور الواقع ، خصوص اذ كانت ركائز اساسية مهددة مثل الانسان الذي هو مقدس في كل شي ء كذات وبما يرتبط بة من حقوق .
والمستقري للتاريخ الاسلامي يلحظ بوضوح التوازي بين الحكم والواقع ـ فنهضة الامام الحسين ع كانت دلالة علي ان ضخامة الفساد القائم لا يمكن ان يواجة الا بنهضتة المقدسة ـ وهذا يعني ان الحركة الاسلامية عليها ان لا تحرم نفسها من استخدام اي اسلوب بشرط تناسبة مع الواقع ، وبشرط توافقة مع قيم الدين .
وفي هذا المجال قامت المنظمة بعشرات العمليات الجهادية داخل العراق وخارجة من اجل التقليل من تصعيد النظام ، ومن اجل كسر حاجز الخوف السميك عند الشعب .
ولقد ادت هذه الاستراتيجية دور كبير لا يمكن ان ينكر علي ساحة العراق وعلي خارجة ، خصوصا وانها اوصلت ظلامة الشعب الي مسامع الراي العام العالمي .
وفي هذا الوقت ايض كان آية اللة المدرسي يراقب عن كثب ما يجري داخل العراق ، وعادة ما يتطرق في خطاباتة الاسبوعية المستمرة منذ ثلاثة عشر عام عن التطورات الواقعة وعن واجب العراقيين بالتحديد وعن متطلبات المرحلة التي يعايشونها..
ونستطيع ان نقول ان السيد المدرسي وزع جهودة باتجاهين هامين :
ـ الاتجاة الاول :
ـ كان يوجة فية نداءاتة دائم باتجاة جماهير الشعب العراقي باعتبارهم الرقم الغائب والاكبر عن المعادلة ، داعي اياهم الي رفع العوامل الذاتية والموضوعية التي ادت بهم الي هذا الحد.
وفي هذا الضمن يركز سماحتة علي نقطتين :
ـ 1 ـ عامل الانتظار الساذج .
الانتظار بحد ذاتة امر مهم لاية حركة اسلامية معارضة ، ذلك لانة تعبير عن الامل بالنصر وامكانية الخلاص من هذا الوضع القائم .
لكن المشكلة ان يتحول هذا الانتظار الي عامل للجمود وانعدام الحركة ، وحينها سوف تصب النكبات والنكسات علي رووس هذا الصنف لانهم يخالفون سنة الجزاء في الحياة .
ان مراجعة بسيطة لواقع الشعب العراقي في عقد الثمانينات ترسم لنا عشرات الامثلة التي تدل علي حالة الانتظار السلبي .
مثلا كان البعض ينتظر دخول القوات الايرانية وقيامها باسقاط نظام صدام ، اما البعض فكان ينتظر حلول اجل الرئيس ولذلك تسمع في كل يوم شائعة جديدة في هذا المضمار.
ان الانتظار بهذه الصورة دلالة علي العجز والكسل والتردد والخوف ، لان الجيش الاسلامي مثلا حتي لو خرج من الحرب العراقية ـ الايرانية منتصر واسقط نظام صدام بجهودة العسكرية ، فانة في الواقع لم يتغير شي ء، لان ذات العوامل التي ساهمت في صعود نظام كنظام صدام مرشحة لان توجد نظام يختلف في الاسماء لكنة ينكر ذات المبادي والافكار ويقوم بذات الخطوات التي يقوم بها النظام الحالي .
وكذلك تجلت حالة الانتظار في صورة اخري اشد، وهي ان بعض ابناء الشعب العراقي سلم زمام العمل والتحرك الي الحركة المعارضة ، علي الرغم من ان هذه الحركات ما هي الا صاعق التفجير للمادة الاصلية ، والمادة هي جماهير الشعب العراقي .
وحتي لو ان بعض الاعضاء الحركيين تصور ذلك ، فهو مخطي في تصورة .
اذن لكي نحل هذا الاشكال من اصلة لابد ان نومن كما يوكد السيد المدرسي بان القضية ليست قضية شخص او حركة او جماعة مخصوصة ، بل قضية شعب باكملة .
والانتظار من اي جهة كان وباي لون تشكل خطا فادح ، لانة انما يدل علي حقيقة واحدة هي السلبية والتهرب من المسوولية والنوم علي فراش التبرير القاتل وعدم مواجهة الحقيقة .
لهذا لابد ان تكون لدينا الارادة الكافية والشجاعة والثقة لمواجهة نظام بغداد، لان هذه الاشياء هي رهان المستقبل الواعد.
ان الجهاد تكليف عيني علي الكل ، كل حسب موقعة واستطاعتة ; فالجندي في معسكرة ، والبائع في بقالتة ، والموظف في ادارتة ..
كل هولاء مكلفون بالقيام بدور، والا فان ليالي سوداء تنتظر العراق ، بل ان الماسي والالام ستزداد الي الحد الذي لا تصدق .
واذا لم نبادر من الان ، فبقدر تاخير هذه المبادرات ستزداد المحنة والويلات .
وهذا يعني ان علي كل فئة ان تختار طريقة النضال المناسبة والممكنة ، بدء من النضال السلبي و انكار شرعية وجود النظام ، و مرورا بعدم ترك المجال مفتوحا لاستمرار هذا النظام لا اقل عبر كشف العناصر الموثرة في الامن والمخابرات ووضعها امام المجاهدين والمعارضين .
اما عامة الناس فان عليهم ان يفكروا في مراحل طويلة من العمل والجهاد تدفعهم الي الاستعداد الدائم لتحمل المسوولية وتموين المجاهدين وايواء الهاربين والتكفل بعوائل الشهداء، ليس لانها واجبات دينية فحسب ، بل لانها ضرورات انسانية ايض .
ومن جهة اخري تقع علي الشباب مسوولية اكبر من ذلك ، هي توعية الجماهير وتنظيم انفسهم في خلايا تتكاثر وتتواصل الي ان تدق ساعة المواجهة ، وحينها سيبقي شعب العراق حر كريم يتمتع بكافة حقوقة المشروعة .
2 ـ الجمود الفكري وانعدام الابداع .
ان الجمود الفكري وانعدام الابداع امام الابتكارات المستمرة والاساليب المتطورة التي يبتكرها الاخرون من اجل توظيف ثرواتنا واستثمار جهودنا سبب هام في تفوقهم علينا.
اننا نلاحظ بصورة جلية الضغط الكبير وانعدام الابداع في اتخاذ الطرق الكفيلة بمقاومة نظام بغداد، فضلا عن ان نتفوق عليه .
انك تري علي الارض ان نظام بغداد يصدر مبادرات عديدة لكسب الوقت ولاحراج الاخرين ، لكن وفي ذات الوقت اوساط المعارضة العراقية لا تتحلي بهذه الصفة ، صفة الانتقال من اسلوب الي آخر لاحراج النظام ولاجل تحصيل مكاسب استراتيجية .
ويرجع آية اللة المدرسي انعدام الابداع هذا الي استلاب الشخصية العراقية الذي مارسة نظام صدام لفترة طويلة ، حتي افقد العراقيين ثقتهم بانفسهم وقدراتهم علي التغيير والتحرك وامكانية وصولهم الي وضع افضل .