ـ 1 ـ يجب ان يكون شاملا لا جزئي ، لان حالة التداخل بين ابعاد حياة الانسان ثابتة لا يمكن انكارها.ولنتصور مثلا ان المشكلة كانت سياسية وتوجهت الحركة الي حل هذه المشكلة تحديد بصورة من الصور، فهل يعني ذلك ان كل المشاكل قد انتهت ؟ كلا..لان الحالة الاجتماعية اذا كانت فاسدة ، سوف تستدعي بروز جهاز سياسي علي نفس الشاكلة الاجتماعية ، وهكذا بالنسبة لسائر الابعاد.2 ـ ولكن ياتي سوال وهو:الا يعتبر ذلك نوع من الفوضي في نشاط الحركة الاسلامية ، اذ ان ضوابط العمل المرحلي لا يمكن تحديدها علي هذا الافتراض ؟ للاجابة علي هذا التساول يوكد السيد المدرسي ان هذا لا يعتبر فوضي ، بقدر ما هي عملية موازنة ناتجة من الاحاطة بمشكلة الامة من كل جوانها.غاية الامر ان هناك اولويات استراتيجية تحددها الحركة الاسلامية نظر الي مرحلتها الراهنة ، وهي في ذات الوقت تهتم بسائر الابعاد والمجالات اعتماد علي العاملين اللذين ذكرناهما في البداية .وهذه الشمولية في راي السيد المدرسي تعبير عن عمق النظرية وسلامتها في الروية الاسلامية ، بخلاف سائر الاتجاهات الاخري ، لان الذين يحملون شعار البعد الواحد في العمل الثوري كالماركسية مثلا او الوجودية او الليبرالية يساهمون في سقوط الجماهير ضحية الاستضعاف والاستغلال مرة اخري .لان الحالة المقلوبة لابد وان تعود مرة اخري بعد ذوبان النتيجة التي تحققت بالبعد الواحد، بينما الاسلام يريد ان يحل هذه المشاكل من اصلها ودون رجعة ابد .ثم يشير السيد المدرسي الي ان آلية الشمولية وتعدد الابعاد، انما تكون بالبناء الشامل للافراد الحركيين .فاذا كان هولاء الافراد المنتمون للحركة الاسلامية متعددي الابعاد ومتنوعي الاختصاصات ، فان هذا سوف ينعكس ايجاب او سلب علي تكاملية الحركة .وبالاضافة الي ذلك يمكن للحركة الاسلامية ان تخصص تبع لمعطيات الافراد في مجالات متعددة ; فبعضهم يهتم بالسياسة ، وآخرون بالاقتصاد، وآخرون بالثقافة والفكر، وآخرون بالاعلام والصحافة ، وهكذا..وبهذه الصورة تكون الحركة الاسلامية هي الجهاز المنظم للمسيرة المعتمدة علي توفر الامكانات والكفاءات .وهذا العمل يشبة عمل الاجهزة المخلوقة داخل جسم الانسان .فهو ياكل علي مائدة الطعام اصناف مختلفة من الماكولات ، ومن ثم تقوم الاجهزة المذكورة بعملية فرز، فيحول قسم منة الي تقوية الاعضاء وآخر الي الدماغ ، وهكذا.ويستوحي السيد المدرسي فكرة الشمولية للحركات الاسلامية من رسالة الاسلام الذي جاء لتحرير الانسان من العبودية والاستغلال بشتي انواعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .غير ان المشكلة تكمن في ان بعض الحركات ونظر لنشوئها في ظرف معين يصطبغ بالسياسة مثلا.فانها تبع لذلك تعتبر هذا المجال هو العمود الفقري للحركة ، وتتناسي الاهداف الاساسية التي قامت من اجلها اصلا مثل الدعوة الي الاسلام كوحدة متكاملة ، وتحكيمة علي حياة الانسان كاملة ايض ، بما فيها تطبيق التعاليم الدينية والالتزام بالفرائض والواجبات التي من شانها ان تبني الانسان المومن المتكامل الذي يعرف ثوابت الدين ويفهم ظروف الحياة .ثم يوكد السيد المدرسي ان التوجة المتكامل للحركة الاسلامية ، لهو دليل علي سلامة توجهها وعمق برنامجها التغييري ، لان كثير من الحركات تتجة الي القيام بعمل سطحي لا تستطيع ان تصل بواسطتة الي تحقيق مكاسب استراتيجية .وحتي لو انها وصلت الي بعض الاهداف الجزئية ، فان هذه الاهداف سرعان ما يحدث الالتفاف حولها.
الاممية
نشوء الحركات التغييرية عادة ما يرتبط بتحقيق اهداف محدودة في قطر معين وفي منطقة محدودة ، وهذا هو الاطار الطبيعي الذي تتاطر بة هذه الحركات .لكن هذه الحركات اذا كانت اسلامية المنطلق ، فان المعادلة تختلف كثير بالنسبة اليها كما يري آية اللة المدرسي الذي يدعو الي العالمية مقابل القومية والوطنية والاقليمية .وعلي رغم صعوبة هذه الفكرة بالنسبة للحركات الاسلامية الحديثة ، الا ان السيد المدرسي يدعو اليها بكل قوة .وهذه الدعوة ليست مجرد فكرة ، وانما اعتمدها السيد خلال مسيرتة الحركية طوال العشرين سنة الماضية .علي سبيل المثال لا الحصر نذكر مشاركتة البناءة للثورة الاسلامية في ايران قبل عام 9791م حيث كان يشارك في نشاطات متعددة موثرة في بناء الطلائع المومنة خارج ايران او الاتصال ببعض الخلايا العاملة او الدفاع عنها في كثير من المحافل الدولية والاعلامية ، وحتي بعد عام 9791م كان يتداول الراي مع المسوولين الايرانيين حول قضايا متعددة سواء علي صعيد البناء الداخلي او علي الصعيد العالمي .وفي هذا المجال ساهم سماحتة في تاسيس الكثير من القنوات والمحاور التي تهدف بث رسالة الاسلام الصاعد من ايران الي باقي الدول الاسلامية .ولا يخفي ان السيد المدرسي انطلاق من هذا المبدا يرعي كل بذرة ناشئة تمد يدها للتعاون من اجل الاهداف الكبري ، بل ويتفاعل مع اي قضية اسلامية .فعلي الصعيد الثقافي مثلا يخصص الكثير من توجيهاتة ووصاياة لهذه القضايا، ولاجل ذلك فان من يراجع الكتب التي اصدرها في عقد الثمانينات بالذات يلاحظ هذا الامر بوضوح .فكتاب مستقبل الثورة الاسلامية الصادر عام 5891م يبحث تفصيلا بعض البرامج المتنوعة للصحوة الدينية في الوطن العربي .وكذلك كتاب العمل الاسلامي الجزء الثالث يعالج قضايا حركية عامة ، خصوص في فصلة الثالث .ان هذه الاصدارات ما هي الا اشارة واضحة علي التفاعل الثقافي مع تيار الصحوة الدينية .وهو في ذات الوقت يساهم بدعم معنوي كبير تجاة هذه الحركات الاسلامية ، سواء بالدعم الاعلامي او البناء الداخلي او العمل التبليغي وغير ذلك .ويعتمد السيد المدرسي علي هذه الصفة المركزية للحركة الاسلامية انطلاق من اعتبارين :ـ الاول :ـ تعاليم الدين ; اذ ان رسالات اللة عز وجل جاءت لانقاذ الانسان من براثن الجهل والشرك ، ولا يوجد تحديد لهذا الانسان في اي قطر او باي لون .وهذا يعني بصورة اخري ان الحركات الاسلامية مدعوة الي مد يد التعاون الي اي جهد وبادرة من شانها تبليغ رسالة الاسلام الي كل البشرية .وموضوع الحرص علي هداية الانسان اني كان هو ديدن رجالات الاسلام ، وهذا الهدف يتقدم علي سائر الاهداف الاسلامية ، ولعل حديث الرسول الاكرم ص :ـ >يا علي لئن يهدي بك اللة رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولاشك ان توجة الحركات الاسلامية الي مساعدة اخواتها في المناطق الاخري مدعاة الي التاييد الرباني لجهود هذه الحركات .الثاني :ـ تحصيل العمق الاستراتيجي ; ولكي يتوضح هذا الامر لابد ان نعرف ان الزمن الذي نعيش فية تطور سريعا، وهذا التطور في الواقع هو اداة من ادوات القوي الميهمنة علي هذا العالم ، وبواسطة هذه الاداة يمكنها محاصرة اي حركة معارضة بحجة مخالفتها لهذه القوي .وعلي صعيد التيار الديني برز الاسلام وبرزت الحركة الاسلامية علي انها رقم جديدفي الساحة الدولية ، يمكن ان يلعب دور كبير في المستقبل .ولاجل ذلك اتفقت هذه القوي مع سائر القوي الوسيطة علي السعي لتضعيف الصحوة الدينية اني كانت .والمواجهة علي اساس هذه المقدمة ، مواجهة شاملة ; اي ان هناك قرارا دولي يمنع تحقيق اي مكاسب وانجازات للحركة الاسلامية في اي مكان كان .ومن هنا فاننا كحركات اسلامية لا يمكننا تجاة هذا التنادي العالمي ان نواجة ذلك الا بالدعم والتعاون بين الحركات الاسلامية .وهذا التعاون والدعم لة فوائد كبيرة ، ففي الوقت الذي تحاصر فية حركة معينة في زاوية محصورة ، يمكن للحركات الاخري ان تقوم بدور الاعلام النافع في هذا الزمان لصالح تلك الحركة .وهكذا قد نحتاج في فترة من الفترات وعند تصاعد مسيرة حركة من الحركات الي ممارسة الكثير من الضغوط السياسية والاعلامية من اجل انقاذ تلك المسيرة .ولهذا نستطيع ان نقول بضرس قاطع ان هذا العمق الاستراتيجي للحركات الاسلامية يومن لها الكثير من المساعدات ومجالات الدعم المختلفة ، ويجعلها كالجسد اذا اشتكي منة عضو تداعي لة سائر الاعضاء بالسهر والحمي .
الاستقلال
من اولويات الركائز التي يعتبرها آية اللة المدرسي للحركات الاسلامية ركيزة الاستقلال ، والاستقلال مفهوم شامل يدخل في مجال الدعم والامكانات الي السياسة ومن ثم الثقافة والفكر.وما من شك في ان الحركات المستقلة تعاني من صعوبات عديدة ، لاسيما وان تاثيرات القوي الضاغطة تحاول في هذا الزمن بشتي الطرق وضع الخناق علي هذه الحركات من اجل فرض ما يريدون عليها، خصوص وان عالم اليوم اصبح عالم المصالح لا يعطي الا اذا اخذ.ومن هذا المنطلق يرفض السيد المدرسي فكرة الوصاية علي الحركات ، لان هذه الوصاية تعني فقدان القرار السياسي والحركي .واذا ما فقد هذا القرار، فان الحركة ـ آنئذ ـ لا تعدو ان تكون نسخة مشابهة لاتجاهات اخري ، وحينها لا داعي لوجودها، لانها لا تضيف جديد علي ارض الواقع .ويوكد السيد المدرسي ان الحركة الاسلامية باعتبار منطلقها الديني تمتلك قوة هائلة يمكنها من الاعتماد علي نفسها وعدم الخضوع الي ضغوطات القوي الاخري ، وهذه القوة هي التوكل علي اللة سبحانة وتعالي .ان اهم ما في التوكل من فائدة هو انة يكون مساعد للحركات الاسلامية في جهودها المتعددة ، سواء مع البناء الداخلي او مع الصراع الخارجي .وفي كل هذه الابعاد يكون التوكل مصدر للقوة والتحدي ضد كل شي ء من شانة سلب استقلال القرار.وبخلاف ذلك فاننا اذا راجعنا تاريخ الحركات التي كانت تعتمد علي غير اللة عز وجل وتنتظر المعونة من جهة والغطاء من جهة اخري ، مثل هذه الحركات لا تلبث ان تزول ، لان التبعية بالنسبة اليها حاجة ماسة لا تستطيع الحصول علي شي ء الا بها.ويتدرج سماحتة في الحديث عن الاستقلال ، فيقول :ان الجماهير هم افضل من يوفر الاستقلال للحركة الاسلامية .فاولا تستطيع الجماهير توفير الدعم المالي والقدراتي ، مما يجعلها سند قوي للحركات امام المشاكل والهزات العنيفة .وهنا يوكد سماحتة ان من واجب الجماهير دعم الحركات الاسلامية بكافة الامكانات ، لانها الحصن المتقدم في المواجهة مع الاعداء التقليديين .ومع واجب الجماهير هذا ايض فانة لا ينسي التاكيد المتواصل علي ابناء الحركات الاسلامية في السعي لتحصيل الاستقلال والمحافظة عليه .وهذا يتحقق بامور:ـ الاول :ـ قوة المال ; فالحركات الاسلامية هم اولي الجماعات في حاجتها الي بناء القوة المالية من اجل انجاز المشاريع الاسلامية المتعددة .وهنا يدعو سماحتة الحركات الاسلامية الي السعي نحو تقوية هذا المجال بنفسها معتمدة علي همم ابنائها وتخطيطهم للحاضر والمستقبل ، فيسعون الي تاسيس الشركات وانشاء التجمعات الاقتصادية المختلفة حتي تضمن تحديد موارد ثابتة للحركة الاسلامية .هذا مع التاكيد علي ان للانسان الحركي ايض برامج خاصة تساعدة علي استقلالة ، مثل برامج الزهد والتقشف التي دعا اليها الدين .وفي هذا المجال يشيد سماحتة بتجربة الاسلاميين في مصر، اذ انهم بعد معاهدة كامب ديفيد عام 8791م وبعد الانفتاح الاقتصادي في مصر توجهوا الي القيام باستثمارات اقتصادية عبر انشاء بنوك اقتصادية اسلامية لاربوية ، وقد نجحت هذه الفكرة وتعامل معها الكثير من الشعب المصري ، لذلك فان مثل هذه المشاريع يبارك اللة عز وجل فيها وتساهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي .الثاني :ـ قوة الرجال ; وهي المادة الاساسية الثانية المودية للاستقلال .ولاشك ان هذه القوة تاتي بعد تراكم التجربة ، هذه التجربة التي تجعل شخص واحد يحمل بين جنبية قوة امة .وبالطبع المقصود من قوة الرجال قوة النوع لا الكم .بهاتين القوتين يمكن للحركة الاسلامية ان تتحصن بمبدا الاستقلال ، وحينها فقط نستطيع ان نقول ان الحركة الاسلامية تمتلك قرارها السياسي والحركي .وهنا لابد ان نشير الي مسالة هامة ، هي ان الايمان بالاستقلال لا يعني الانكفاء والانعزال عن العمل ضمن الموسسات القائمة .كلا..بل باعتبارنا حركة اسلامية فاننا نومن بالعمل السياسي ، بل وحتي التفاوض مع القوي الاخري ، شريطة عدم التراجع عن المرتكزات الثابتة لنا نحن كاسلاميين .ثم يوكد سماحة السيد علي ان الاستقلال في الثقافة والفكر هو اساس الاستقلال الشامل ، والاستقلال الثقافي واضح كالبديهة في عقيدة الاسلام الذي يعتبر منظومة فكرية متكاملة في المتغيرات والافكار والخطط.واذا تم هذا النوع من الاستقلال ، فان الحركة الاسلامية سوف تكون قادرة علي تحصيل الاستقلال الاقتصادي الذي تحدثنا عنة في قوة المال .وبتوفير هذين الاستقلالين تكون الارضية مهياة لتحصيل الاستقلال السياسي .واخير فان السيد المدرسي يضع للاستقلال ثلاث مراحل :ـ الاولي :ـ الاكتفاء الذاتي بداية الاستقلال ، لان الاستقلال عن الاخرين يعني تدشين عملية جديدة تهتم بعملية التنمية الحقيقية التي تستخرج الامكانات الذاتية ، وتبدا مرحلة جديدة للصناعة الوطنية .الثانية :ـ بناء التنظيم الاجتماعي .ويوكد السيد في هذه المرحلة علي ان تكون الحركة الاسلامية قوية .اذ كلما قويت شوكتها، كلما كانت قادرة علي تحصيل الاستقلال .وهذا هو الذي يعتبر البداية لبناء اسس الحضارة الاسلامية .الثالثة :ـ بعث الهمم في نفوس ابناء المجتمع عبر ايجاد روح التقدم في الامة .وهذه الروح يمكن اثارتها بعد معرفة مجمل الموثرات التي توثر عليها، ويمكن لهذه الروح ان تتجاوز حالة التواكل واللائقة بثلاث صفات :ـ 1 ـ ان السير نحو مسيرة الاستقلال يبدا من الزراعة ، وهذا ما اثبتتة مسيرة الحضارات القائمة .2 ـ الثقة بالذات والتوكل علي اللة سبحانة وتعالي .3 ـ الاعتزاز بالصناعات التقليدية التي من شانها تحقيق الاكتفاء الذاتي دون اللجوء الي الاخرين .
الوحدة
يتحدث السيد المدرسي في كثير من توجيهاتة الي الحركات الاسلامية عن الوحدة الاسلامية بمراحلها المتعددة ، وهو حين يتحدث عنها يوكد ان الوحدة ليست شعار مجرد ترفعة بعض الجهات للاستهلاك الاعلامي .كلا..انما هو تجسيد لمجموعة حقائق حاكمة علي استراتيجية هذه الجهة ، فهي ترفض الخلافات والتحزبات ، وتدين العصبيات والمحوريات .وهنا يكون سعي هذه الحركة سعي جاد نحو الوحدة ومسالة الوحدة مسالة حساسة بالنسبة للحركة الاسلامية ، وبالنسبة للامة ايض ، لما لهذه الوحدة من منطلق ديني ، ولما لها من حاجة ضرورية في مسيرة العمل الاسلامي .ويوكد السيد المدرسي ان الوحدة بين الحركات الاسلامية مطلب استراتيجي وهام في هذه المراحل بالذات .ونحن حينما نطالب بالوحدة ، فان هذه المطالبة تمس كل شخص ينتمي الي هذه الحركات ، لان الحركة في الواقع هي انعكاس لطبائع الافراد.والاسلام حينما يدعو الي الوحدة ، فانة يكلف الانسان المومن بعدة برامج تجعل الارضية مهياة للوحدة ، وتبدا هذه البرامج من حسن الظن بالاخرين والتعامل الحسن معهم والتخلق بالاخلاق الفاضلة تجاههم وتنتهي بالتقوي .وبهذه البرامج يستطيع الانسان ان يقاوم هوي التفرق والاختلاف الذي تنزع نحوة نفسة في كل حين ، وعلي ذلك نستطيع ان نقول ان الوحدة لا يمكن ان تتحقق الا بالتقوي .ولكن ما هي الدوافع نحو وحدة الحركة الاسلامية ؟ يجيب آية اللة المدرسي عن ذلك بالاشارة الي ان وحدة المنطلق ووحدة الاهداف بالتالي تدعوان الحركة الاسلامية الي الوحدة .فمنطلقها هو الدين ، وهدفها اعادة الاسلام الي مسرح الحياة .وهذان هما اساس تعاون الحركات الاسلامية واساس وحدتها.وعلي الرغم من هذا الامر، كيف تتم الوحدة بين الامة الاسلامية ؟ القرآن الحكيم اشار مرار الي مسالة الامة الواحدة ، ولعل الاية الشريفة التي تقول :ـ ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون .هذه الاية فيها اشارة واضحة الي موضوع الوحدة ، بيد ان الانسان عموم علي هذا الكوكب تتنوع افكارة ومصالحة عن الاخرين ، مما يجعل وجود الاختلاف حالة طبيعية وغير شاذة .ومع هذا الاختلاف الحاصل والتنوع الموجود، الا ان الانسان اذا كان طاهر النفس فانة سوف يسعي بالتاكيد الي تقوية العلاقة مع الاخرين ، خصوص اذا دعت الحاجة الي ذلك .ثم يتطرق سماحتة الي الحديث عن علاقة الحركات الاسلامية ببعضها البعض .وقبل ذلك يفرق السيد المدرسي بين الصراع والتنافس ; فالصراع هو ان تقوم حركة علي سبيل الفرض ببناء ذاتها وبهدم مكتسبات الاخرين ، حسد منها او جهلا.بينما التنافس هو عملية بناء فقط تتوجة فية الحركة لبناء الذات وتلافي الاخطاء من دون السعي لهدم انجازات الاخرين .ولكن للاسف عادة ما يكون الصراع هو الدائر بين بعض الجهات ، ونحن لا نشك بان وجود الصراع بدلا من التنافس انما هو موروث من موروثات الامة المتخلفة الذي يمنع من الوحدة والتجانس بين هذه الحركات .اذا عرفنا هذه المقدمة ، فان التنافس يجب ان يكون حاكم في علاقة الحركات الاسلامية ببعضها البعض .وهنا نصل الي الالية التي يمكننا بواسطتها توحيد الامة الاسلامية .فاية اللة المدرسي يري بان وحدة الحركات الاسلامية هي الطريق الاقصر لوحدة الامة ، وهذه الفكرة نابعة من ان الموسسات الاجتماعية الطاهرة هي التي يجب ان تتصدي لهذا الدور، وافضل هذه الموسسات هي الحركات الاسلامية .وبالطبع نحن حينما نقول ذلك ، فاننا نقصد الحركة الاسلامية المتصفة ببرامج التقوي التي هي عبارة عن ارضية الوحدة وعدم تاثيرها بموروث الامة المتخلف الداعي الي التفرقة .هذا مع اننا نومن بان الحركة الاسلامية لكل الامة وليست الي جهة معينة تتحزب اليها فقط، لانها ان تحزبت لا يمكنها ان تكون داعية للوحدة .ومن هنا صح لنا ان نقول ان الحركة الاسلامية داعية للوحدة ، لا موكدة لواقع التجزئة والفرقة .واخير فان السيد المدرسي يضع ثلاث مراحل تدريجي لتحقيق الوحدة بين الحركات الاسلامية وبالتالي لوحدة الامة الاسلامية ، وهذه المراحل هي التالية :ـ الاولي :ـ الدعوة الي العمل الجمعي ، ذلك لان روح الجمع والفريق تكرس الخبرة وتزيد من العمق .لكن المشكلة ان واقع التخلف المسيطر يدعو عادة الي العمل الفردي الي الحد الذي لا يستطيع فية احد ان يعمل مجموع .ونظر لان الكفة الراجحة هي كفة الاعداء التقليديين ، فاننا لا يمكن ان نقابلهم بجهود بسيطة متناثرة هنا وهناك ، بل المطلوب التوجة الي العمل الجمعي لكي يكون التاثير اكبر.وهذه الدعوة لابد ان تجد طريقها بين الحركات الاسلامية والطلائع ، ومنهم تنتقل الي باقي الموسسات والتجمعات .الثانية :ـ تاكيد القواسم المشتركة ، وهذه القواسم بين الحركات الاسلامية اكثر من ان تحصي .واهمها وحدة المنطلق ووحدة الاهداف ، وهذه الوحدة لابد ان توثر تاثير مباشر علي تحديد الاستراتيجيات وسلم الاولويات .واذا تم تحديد ذلك بالنسبة للحركة الاسلامية ، فانها يمكن ان توجد حد ادني علي اقل الاحتمالات من الروي الموحدة وطريقة العمل المشترك .وفي هذا المجال يدعو سماحتة الي التواصل الثقافي بين الحركات الاسلامية ، سواء عبر الحوارات او الموتمرات او اللقاءات الثنائية ، حتي يكون هذا التواصل رسول الحوار والتشاور والاتفاق علي الحد الادني من القواسم المشتركة .كما ان هذه الرسل تتكفل بمناقشة مشاريع الحاضر والمستقبل ، لا ان تحاكم الماضي .الثالثة :ـ الدعوة الي قيادة موحدة للحركات الاسلامية ، سواء لشخص او لموسسة .وضرورة هذه الموسسة تنبع من قدرتها علي ادارة العمل المشترك ،وامتصاص الخلافات بين الاطراف .واخير فان الوحدة مطلب ديني استراتيجي ، ومن اجل ذلك لابد من امتصاص الازمات وعوامل التناقض المفتعلة وصولا الي الاهداف الكبري التي يتفق عليها الجميع .
الحركة الاسلامية والتطورات الدولية
المتغيرات التي تطرا علي حياة الانسان والامم تعتبر جزء من حركة التاريخ .فهي تحدث من فترة لاخري بصورة عنيفة احيان ، وبصورة عادية في احيان كثيرة .وهذا ما يستدعي من الجميع ان يضعوا هذه الحقيقة في الحسبان ، حتي لا تسير الامم علي حالة من الروتين القاتل يجعلها تسترسل علي ثوابت خاصة وضعتها لنفسها دون ان تتاثر بالخير او الشر من جراء هذه المتغيرات .وما من شك في ان العالم منذ بداية عقد التسعينات يعيش معالم عصر جديد، تحول فية تحولا عميق وجذري عما كان عليه من قبل .وسوف نذكر هنا تدليلا علي عمق هذه التحولات شاهدين يدلان علي ذلك :الاول :ـ انهيار نظام الاستقطاب الثنائي .فما ان حطت الحرب الكونية الثانية اوزارها بانكسار الالمان ، الا وقد برزت قوتان اساسيتان في هذا العالم ، هما الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي .وقد دشنت هذه المرحلة بالاجتماع الشهير الذي عقد في يالطا عام 5491م تحت رعاية كل من روزفلت ـ ستالين ، وتم بموجب هذا الاجتماع تقسيم مناطق النفوذ العالمي بين الكبار.ومنذ هذا التاريخ تحكم نظام الاستقطاب الثنائي في كل زاوية من زوايا العالم .وهذا النظام تنقل من مرحلة التعايش السلمي الي الحرب الباردة ، واخير الي الوفاق الذي حدث بعد تنامي الصحوة الدينية وانتصار الثورة الاسلامية في ايران .وعلي الرغم من ان نظام الاستقطاب الثنائي كان سيئ تجاة حقوق الشعوب المستضعفة ، الا ان النظام الجديد الذي جاء علي انقاض هذا النظام هو الاشد سوء من سابقة .ذلك لان ما جري من تحولات جذرية في المعسكر الشرقي والاتحاد السوفياتي والذي ادي بالنتيجة الي مسحة من الخارطة السياسية للعالم ، فتح الباب علي مصراعية امام الولايات المتحدة الاميركية للتفرد بزعامة هذا العالم تحت غطاء الشرعية الدولية .ويبدو ان هذا النظام سوف يصعد من درجات السوء الي اعلاها، لان هذا النظام هو القاضي والجلاد في آن واحد تجاة الضحايا البريئة .ويعتقد السيد المدرسي ان الذي حدث سواء في اوروبا الشرقية او في الاتحاد السوفياتي يرجع الي عودة الانسان والمجتمع الي الفطرة السليمة .ذلك لان الاوضاع كانت تخالف الفطرة بصورة كبيرة ، والفطرة بدورها تميل الي الدين ، ولعل هذا هو السبب الاكبر لانهيار الشيوعية .والاوضاع كانت ترفض الحرية التي هي جزء لا يتجزا من طبيعة الانسان .ولقد حاول النظام الحاكم المحافظة علي منظومة الافكار الشيوعية بعدة خطوات تنازل فيها عن كثير من المسلمات ، لكن العاصفة كانت اقوي من كل ذلك ، فسقطت الشيوعية بعد سبعين عام من ثورتها.اذن الفطرة هي سبب ما حدث من تغيرات عالمية .وذات السبب ايض يبدو انة يغير الاوضاع في المعسكر الغربي ايض خلال السنين القادمة ، لان انسان الحضارة الغربية ابتعد عن فطرتة ابتعاد كبير .وهذا سوف يدعو كما يوكد آية اللة المدرسي الي ان يقف يوم مستفيد من عناصر الفكر والعقل لدية ، ومن تجارب التاريخ عندة لمحاكمة الواقع والقيام باصلاحات جذرية تشبة الشيوعية ، لكن بالصورة التي تتناسب وظروف العالم الغربي .ويوكد سماحة السيد ان هناك عدة ارهاصات للتغيير الذي قد يحدث في المستقبل المتوسط او البعيد نوع ما، وهذه الارهاصات هي التالية :ـ ا ـ وجود احزاب تسمي بالاحزاب الخضراء، تدعو الي الحفاظ علي البيئة .وفي راي سماحة السيد ان نشوء هذه الاحزاب ، هو ردة فعل لتحويل الانسان الذي خلق من جسد وروح الي حجر وآلة .ب ـ الصيحات المتتالية في الغرب ، وبالاخص في الولايات المتحدة .الداعية الي الاسرة ، والتي سئمت حالة التفكك الاسري والاجتماعي .هذا التفكك الذي تشهد عليه نسب الطلاق الهائلة .وهذه الصيحات في الواقع هي دعوة ناشئة من طبيعة الانسان وفطرتة ، لان الكيان الاسري مصدر غني لثروات متنوعة من القيم والتاريخ والتجارب .ج ـ ظاهرة تنامي حقوق الانسان في الغرب بالذات ، والتي هي عبارة عن محاولة لفك عقدة الذنب تجاة الشعوب الاخري ، لان حضارة الغرب وامكاناتها وثرواتها..انما نمت ووصلت الي ما هي عليه الان علي حساب تلك الشعوب ، وعلي حساب التخلف الذي فرضتة عليها.وهذه الظواهر كما يقول السيد المدرسي قد لا تكون ذات دلالات عميقة بمفردها، الا انها من حيث المجموع اذا اضيفت الي كل ما يجري تدل علي ان رياح هائلة ، بل زوبعة عاصفة تنتظر الغرب .الثاني :ـ وعلي ضوء انهيار نظام الاستقطاب الثنائي ، كثر التبشير بنظام دولي جديد يعتمد علي ثلاث مرتكزات ; هي الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، بعد ان كانت هذه المطالب الثلاثة خلال الاربعين عام الماضية منطقة محرمة .وبالطبع لا نجانب الحقيقة اذا قلنا بان اعتراف النظام الدولي اساس بهذه الحقوق يعتبر انجاز من انجازات الشعوب المستضعفة التي ناضلت طوال الفترة الماضية من اجل ذلك .لكننا مع ذلك لانزال نشك في صدق نوايا النظام الجديد لاجل هذه المطالب ، بدلالة وجود مفارقة ومقارنة بين حدثين ; الاول :غزو العراق للكويت في الثاني من آب اغسطس عام 0991م ، حيث استنفر هذا النظام لانهاء الازمة .الثاني :الصمت علي ما حدث في الجزائر بعد ان اعلن الشعب عن خيارة السياسي في انتخابات جرت في ظل النظام القائم .ان هذه المفارقة توكد بما لا مجال فية للشك بانة سوف لن يسعي الي تحقيق هذه العناوين ، الا اذا كانت نتائجها منسجمة مع سلسلة المصالح الحيوية للنظام الجديد.اما اذا كانت في عكس هذا الاتجاة ، فانها سوف تبقي معقلة بدون حل .هذان اهم متغيرين حصلا في ما يسمي بالعالم الجديد، وكلنا مدعوون سواء كافراد او كحركات الي تحديد طريقة للتعامل مع هذه التحولات الدولية ، لاننا شئنا ام ابينا سوف نكتوي بنارها في يوم من الايام .ونحن هنا في صدد الحديث عن الاستراتيجية المطلوبة من جانب الحركات الاسلامية ، باعتبارها وجة بارز كان لها اكبر الاثر في ريادة الشعوب لتحقيق مكتسبات اجبرت النظام الدولي علي الاعتراف بحقوق مشروعة وتغيير نمط الاعلام والشعارات علي اقل الفروض .وقبل ان ندخل في توضيح معالم الاستراتيجية المقترحة ، لابد اولا من التوجة الي مسالة هامة يعتبرها آية اللة المدرسي الاساس في التعامل مع المتغيرات .وهذه المسالة هي وعي الذات الذي يعتبر طريق الي وعي التحولات الدولية وما يجري من احداث عموم .ونحن حينما نتحدث عن وعي الذات هنا، فاننا نرفض نمطين من التعامل مع ما يجري حولنا من احداث كبري .النمط الاول :ـ هو الانغلاق علي الذات ورفض تبديل الاستراتيجة السابقة ، بحجة الاستمرار علي ذات الثوابت الموضوعة سلف .وهولاء لاشك في ان الزمن سوف يضعهم في خبر كان ، لان عالم اليوم المذهل يسير بخطي سريعة ، ومن يتوقف فان مصيرة الي الانهيار والزوال .النمط الثاني :ـ الانفتاح علي الاحداث الجديدة بصورة تنسي الذات والمنطلقات والاهداف .ومخاطر هذا الافراط ان الحركة سوف تذوب وتتلاشي مع هذه التحولات العميقة ، بل وسوف تصبح جزء من الواقع عديمة الفاعليه والتاثير المستقل .وعلي ذلك يصبح الحل الاصوب والاقوم للتعامل مع المتغيرات الدولية ، هو ان نقوم بعملية دراسة متوازنة للذات هنا نقصد الحركة الاسلامية ، من اجل اعادة مراجعة للاهداف والمنطلقات والمبادي والتطلعات التي علي اساسها تشكلت هذه الحركات .واذا تمت هذه المرحلة ، ننتقل الي مرحلة اخري عمادها التفكير في الزمن الذي نعيش فية ، وندرس في هذه المرة الشروط الموضوعية لهذا الزمن والبيئة والمحيط والاجواء وانعكاساتها، ومن ثم نقوم بعملية موازنة دقيقة بين دراسة الذات ودراسة الواقع ، لنضع علي اساسها استراتيجية تاخذ بعين الاعتبار المنطلقات والاهداف من جهة ، ومن جهة اخري تلاحظ ما يحدث حولنا من تطورات .وبمعني مختصر نقول :ان اعيننا في شتي الاحوال والظروف لابد ان تكون مسمرة علي اهدافنا.وكمثال علي ذلك نقول ان العمل السياسي المتداخل مع الموسسات الدولية مطلوب من الحركات الاسلامية في هذا العصر بالذات من اجل التاثير من الداخل ، لكن هذا لا يعني التنازل عن الاهداف الكبري ، والا فاننا سوف نستيقظ ذات يوم ونحن نري انفسنا قد اعتنقنا اتجاة آخر بعيد كل البعد عن الاهداف والمنطلقات .وعلي ضوء وعي الذات اولا، كيف يمكن للحركة الاسلامية تفصيلا ان تتعامل مع التطورات الجديدة في عالم اليوم ؟ للاجابة علي هذا التساول الذي يطرح علي اكثر من صعيد هذا اليوم ، يذكر آية اللة المدرسي اربع استراتيجيات تتفرع منها امور كثيرة ، وهي كالتالي :الاستراتيجية الاولي :ـ توسيع دوائر التاثير الحركية .وهذا يعني ان تكون للحركات الاسلامية اهتمامات عالمية ، فتكثف من نشاطها وجهودها بهذا الاتجاة .وتبرز اهمية هذه الاستراتيجية بلحاظ التطور والانجازات العالمية ، وبلحاظ النظام الدولي الجديد الذي تمتد ايادية الي كل منطقة من مناطق العالم ..لانة مهما استطاعت هذه الحركات تحقيق انجازات هنا وهناك في اقليم او في منطقة جغرافية معينة ، فانها لا يمكن ان تنهض في مواجهة تاثيرات النظام الدولي الجديد الذي سوف لن يدخر اي جهد لمواجهة ذلك ، سواء بمجالاتة الاعلامية او الاقتصادية او السياسية ، بل وحتي الاجتماعية .ومن اجل ذلك فان كل حركة تبتعد عن اطارها العالمي ، فهي في الواقع تفقد عمق استراتيجي يسندها وقت الازمات ويعزز قوتها وقت الانتصارات .الاستراتيجية الثانية :ـ اعطاء الاقتصاد دور اكبر من جانب الحركة الاسلامية ، ذلك لان التطور التقني والتكنولوجي تقدم خلال هذا القرن بصورة لم يسبق لها مثيل .وهذا يعني مستقبلا ان كل قوة تريد ان تكون الي جانب القوي الكبري ، لابد ان يكون اقتصادها قوي يوهلها الي مجاراة هذا التطور والتفاعل مع المعطيات الحضارية لهذا العصر.هذا مع العلم ان هناك بعض التنبوات توكد ان القرن القادم سوف يكون عصر الاقتصاد، وليس عصر القوة والسلاح .ان هذا الامر يتطلب من الحركة الاسلامية التفكير في المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي ، موضحة بالاضافة الي ذلك معالم الاقتصاد الاسلامي المحاكي لتطورات الزمن المعاصر.ولا يخفي ان للاسلام برنامج اقتصادي متكاملا لا يقتصر فية علي علاج المشاكل الاقتصادية منفردة ، وانما بالاستفادة من سائر الجوانب الاخري .الاستراتيجية الثالثة :ـ الاهتمام الكبير بالاعلام الاسلامي .ويبدو ان الوضع العالمي خلال السنين القادمة موهل لهذا الامر، اذ ان ضعف هيمنة القوي العسكرية فتح الباب علي مصراعية من اجل المحاكمات الاعلامية بين الاتجاهات الفكرية ، خصوص مع التطور الرهيب الذي طرا علي وسائل الاتصال الاعلامي .والمطلوب من الاعلام الاسلامي اليوم ان يسعي الي ايجاد عملية تجديد في الخطاب الاعلامي الاسلامي علي جميع الاصعدة ، ينسجم مع تطور الفكر والثقافة العالميين .وبالطبع لابد للاعلام الاسلامي ايض ان يتطور في ادواتة وآلياتة ، سواء المسموعة او المقروءة او حتي استخدام التقنية الكومبيوترية .الاستراتيجية الرابعة :ـ الظهور بصورة البديل الحضاري للانظمة المعاصرة ، واهمية هذه الاستراتيجية تكمن في ان الحركة الاسلامية بعد ان حققت انجازات في بعض المناطق كما في ايران ـ مثلا
الفصل الثالث: نظرية في الحوزات الدينية
الحوزات الدينية والمجاميع العلمية تقوم بدو كبير ووظيفة اساسية ، كونها تمثل مصدر الاشعاع الفكري والديني ، بل وقد يتطور هذا الدور كما حصل مرار الي دور الريادة السياسية والتاثير اليومي في مجريات الاحداث .وليس غريب ان تقوم هذه الموسسات الدينية بهذه الادوار المزدوجة في الفكر والسياسة ، والتاريخ شاهد علي ذلك ، بالخصوص في ايران والعراق حيث شاركت الموسسة الدينية في انتفاضتين شعبيتين كان لهما الاثر الاكبر في تبديل الخارطة السياسية في هذين البلدين .ومن هنا تبرز اهمية الحديث عن الموسسات الدينية .بيد ان المشكلة الرئيسية التي حدثت في هذه الموسسات ، هو انها انفصلت عن مسيرة الامة ، سواء علي صيعد الثقافة الدينية منها او السياسية .وهذا الانفصال تطور الي حالة من انعدام التاثير الذي يقوم بة علماء الدين .وبالطبع لم يعلن عن هذا الانفصال فجاة وبدون مقدمات ، بل انة حدث بالتدريج ، حيث انحصرت بسبب العقود الطويلة الي العلوم التقليدية اولا، ومنة ابتعدت عن التفاعل مع الواقع ، حتي انها تركت العلوم الحديثة كالتاريخ والاجتماع والثقافة المعاصرة واحداث السياسة اليومية ، حيث اصبحت هذه المجالات حكر علي الاخرين من المصلحيين والسياسيين الذين يديرون هذا العالم انطلاق من عوامل المصلحة والواقعية المادية ، دون الاخذ بعين الاعتبار ابعاد الروح والغيب الذي ياخذ حيز كبير في حياة الانسان شاء ام ابي .وبسبب هذا الفصل والانفصال تطورت هذه الحالة خلال الخمسين عام الماضية ، تطورت حتي وصلت الي مرحلة الطلاق .ومن اجل ذلك سعي آية اللة المدرسي منذ اواسط عقد السبعينات الي اعادة العلاقة بين هذه الموسسات الدينية وبين مسيرة المجتمع .وكان هذا السعي منصب علي الاشراف علي حوزة علمية في الكويت ، كان لها تاثير واضح في احداث الصحوة الاسلامية في بلاد الخليج بالتحديد.واستمر سماحتة في تاسيس الحوزات العلمية في مختلف البلاد الاسلامية ، بدء من ايران الي سوريا ولبنان ، مرور بالهند وبعض البلاد الافريقية .والشي ء الذي لا ينكر ان هذه الحوزات الدينية قامت بادوار رائدة في بلاد كثيرة من الوطن الاسلامي ، ولاتزال اياديها البيضاء مبسوطة لكل عمل صالح وجهد بناء.وهي تركز في ذلك علي اعادة العلاقة بين الحوزات الدينية وبين المجتمعات ، وبالتالي احياء الدين في اذهان هذه المجتمعات بصورتة الحقيقية لا بما علق بة من آثار وتراكمات سلبية .وبالطبع لابد ان نشير الي ان الدور الهام الذي تقوم بة هذه الحوزات الدينية هو تعميق الروح الدينية في النفوس ، مستفيدة في ذلك من الصحوة الدينية التي عمت العالم خلال العقد الماضي .وهذه الروح ليست محصورة في اتجاة واحد فحسب ، وانما هي متعددة الابعاد تهدف بالنتيجة الي اظهار الاسلام والمسلمين كقوة عظمي يمكن لها ان توثر علي مجريات الاحداث بشتي اختلافاتها.وتنوع التاثير هذا يعود ايض الي تنوع اساليب البناء في هذه الموسسات الدينية .لكن وصول هذه الموسسات الي تادية هذا الدور الكبير، لابد ان يعتمد علي برنامج متقدم من اجل تحقيق هذه الاهداف .وفي الصفحات القادمة استقراء لمعالم منهج جديد اعتمدة آية اللة المدرسي لبناء الطليعة والعلماء اجريناة علي المنهج الذي تسير عليه بعض الحوزات التي اسسها واستفدنا من توجيهاتة الخاصة بالعلماء.ـ اصبحت وجة لوجة امام ازمات معاصرة ، وعليها ان تثبت جدارتها في حل ازمات الحضارة البشرية ، لانها ان استطاعت حل معضلة بشرية ترعرت في ظل الانظمة السابقة .فان ذلك مدعاة الي الوثوق بها في حل سائر المشاكل الاخري .لاسيما واننا نومن بان الاسلام ـ الذي هو بديل حضاري عن الانظمة المعاصرة ـ تتوفر فية منظومة فكرية متكاملة .وهنا لابد ان نشير الي ان الظهور بصورة البديل الحضاري عملي ، يعني ان الحركة الاسلامية خرجت من اطار النظريات والشعارات الي مجال العمل والتاثير المباشر.وهذا بذاتة كما هو معلوم يعني ايض رفضنا لفكرة الانعزال عن تادية الدور الكبير لصالح عقيدة الاسلام ، بل لابد في مقابل ذلك من استباق الاحداث والتسلح بالشجاعة الكافية والدخول بحيوية فائقة يمكن بها تقديم الاسلام علي انة ايديولوجية بديلة عن الايديولوجيات الموجودة .
معاهد الروح
الهدف الرئيسي من تاسيس الحوزات الدينية في نظر آية اللة المدرسي ، هو تزكية الروح قبل ان يكون تنمية العقل .لكن الدائرة المغلقة التي بقيت فيها هذه الموسسات خلال عقود من الزمن حصرت من الاهداف والطموحات شيئ فشيئ ، حتي وصل الهدف نهاية الي ان العلم فقط ولا شي ء غيرة هو الهدف الاسمي من هذه الموسسات الدينية .وغاب علي ضوء ذلك الحس التربوي البناء، وتبع هذا الغياب بالطبع فقدان كثير من الاهداف والغايات التي كانت وراء تاسيس هذه الحوزات في التاريخ الغابر.ان الحديث الشريف المروي عن الرسول الاكرم ص :>العلماء ورثة الانبياء يجسد الوظيفة المركزية الملقاة علي عاتق علماء الدين .فهم دعاة رسالة قبل ان يكونوا حملة علم .وهم بناة الروح قبل ان يكونوا كاشفي معلومات .ولعل هذه الوظيفة تستند بصورة مباشرة علي الاية الواردة في سورة الجمعة ، حيث تقول : هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتة ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين الجمعة 2.وعلي ذلك تصبح هذه المعاهد الدينية معارج روحية يتربي فيها رجال كرام .ولهذا حق ان تكون هذه الموسسات بيوت اللة علي هذه الارض ، وبما انها بيوت اللة ، فان علماء الدين الداخلين فيها يتخذونها معراج لمعرفة اللة وتزكية النفس وتعلم المعارف الالهية ولدراسة الفقة ايض ، وهذا انما يكون مقدمة طبيعية لرسالة التبليغ الديني .ومن هنا نعرف ان ذكر اللة عز وجل هو الاساس في هذه المعاهد الدينية ، ومن دونة لا فقة ولا دين .لان البيوت التي يسودها ظلام الثقافات الجاهلية البعيدة عن قيم الغيب وروح الدين وحتي لو تزخرفت ببعض النقوش القرآنية وتزينت بالشعارات الدينية ، فانها سوف لن تصبح بيوت للة ، وبالتالي لن تكون مصدر للاشعاع الروحي والكمال المعنوي ، حيث عروج الروح الي الخالق ، فتتعايش النفس مع حقائق الحياة الاخرة وتتوثق صلة القلب بالرب .وهذا هو المطلب الرئيسي الذي جاء من اجلة الدين .ان استيقاظ الروح بهذه الصورة ورحلة القلب الي ماوراء المادة ، هي التي تجعل مجالس العلماء روضة من رياض الجنة ، اذا دخلها الانسان راي بعينية مجالس الذكر، فيستنشق عبق الايمان ويرتوي بعلوم القرآن ويصل فيها الي رحاب الحقائق الكبري .ومن هنا تبدو صعوبة هذا الامر، حيث انة يتطلب الامساك بزمام النفس الامارة بالسوء، حتي يتمكن من الحصول علي البركة الالهية في نشاطات الانسان المختلفة .ولهذا فان طالب العلم اشد حاجة من غيرة الي اصلاح نفسة وتزكيتها.وهذا الترتيب بذاتة ايض يجري عند القيام بعملية الاصلاح الاجتماعي ، فتهذيب النفوس وتنقيتها من الامراض والاغلال اهم بكثير من تزويدها بالعلوم والمعلومات .وكما يبدو فان هناك ثلاثة برامج تتبعها الحوزات الدينية التي اسسها آية اللة المدرسي لجعل هذه الموسسات بيوت عامرة بذكر اللة عز وجل .الاول :ـ حسن انتخاب الطلبة ، حتي لا يكون فيهم من يريد الدين للدنيا.وهذا الامر يتم عبر مزيد من المحطات لاصطفاء الصالحين ، كما ان تقليل هذه الموسسات من الاغراءات المادية يكون بذاتة عامل تصفية ايض .الثاني :ـ تكثيف البرامج الروحية بدء من صلوات الجماعة والمجالس العامرة بتلاوة القرآن والدعاء والكلمات الوعظية ، وباحياء ذكر الرسول واهل البيت الاطهار ع والسعي الي زيارة المراقد المقدسة والمقابر، وانتهاء باشاعة جو التواصي بالحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بسائر الاعمال المستحبة الاخري .وفي هذا الضمن يوكد سماحتة علي مدرسي هذه الحوزات ، علي ان تزكية النفس اعظم اجر عند اللة عز وجل من تعليمهم .ومن هذا المنطلق فان المدرس ملزم بان يحول قاعدة الدرس الي محفل للذكر تنمو فية روح وتقوي .الثالث :ـ ربط العلوم بالسلوك .فلكي يستطيع طالب العلم ان يتخذ من دروس الاخلاق والتفسير والحديث وحتي الفقة والتاريخ مدرج لذكر اللة ولتربية النفس ، لابد ان تمزج هذه الدروس بالنصيحة والموعظة الحسنة ، حتي تتداخل هذه الدروس مع الحياة ، وتبتعد عن جو الهزل والقشرية ، وتجعل الطالب ينظر الي المعاني والحقائق بنور القلب ، ولا ينشغل بالكلمات الفارغة والمصطلحات الرنانة والمفاهيم المجردة ..لان علوم الدين بالذات تحمل في طياتها تعاليم عديدة ، لا يمكن تجريد هذه التعاليم وابعادها عن سلوك النفس القويم .بهذه الخطوات فان طالب العلم وحامل الرسالة سوف يسود قلبة الخشوع والايمان .هذه هي البرامج التي وضعها آية اللة المدرسي في الحوزات التي اسسها من اجل تخريج عالم الدين المهتم بالروح اولا وبالعلم ثاني ، لان الحديث الذي صدرنا بة هذا القسم يدلنا صراحة علي ان الدور التربوي والاصلاح الروحي الذي بعث من اجلة الانبياء، هذا الدور نفسة هو الاهم بالنسبة لعلماء الدين .واعتماد علي ذلك فان الحوزات الدينية مدعوة الي العمل في اتجاهين :الروح والعلم .لاسيما وان عالم الدين بمثابة الرسول المبعوث الي المجتمعات لارشادها الي قيم الدين ، ولاثارة عقولها واعادتها الي الفطرة السليمة .ومن هذا المنطلق تكثر المحاضرات الاسبوعية التي يلقيها آية اللة المدرسي او التي يلقيها مسوولو هذه الحوزات من اجل بناء الروح واشاعة الجو الايماني المناسب لتخليص طالب العلم المنتمي من الرواسب والسابقيات التي حملها من مجتمعة .
الاجتهاد
العلم الديني من ازكي العلوم ، لان لة اهداف سامية ترتبط بالقيم الدينية التي هي قيم انسانية يطمح الي تحقيقها كل عاقل .ولاجل ذلك نجد الحث المتواصل التي جاءت بها الايات الشريفة والروايات المتواترة علي هذا النوع من العلم بالذات ، اذ ان اهدافة تصب في تحكيم القيم المناسبة مع الكون والحياة .والاهداف السامية للعلم الديني تدفع عالم الدين الي مزيد من الجد والاجتهاد، لان التقصير في الواقع ليس بحق نفسة فقط او بحق المجتمع ، وانما هو تقصير تجاة مسوولية دينية مرتبطة باللة عزوجل .لذا فالتقصير والكسل والهم والقلق لا يجد طريق الي شخص يحمل هذه الاهداف السامية .ليس ذلك فحسب ، وانما توافة الدنيا وصغائر الاعمال تصبح من الامور التي يتحاشاها طالب العلم .فهو يبذل كل طاقتة ويستفرغ كل وسعة من اجل ان يطوي المراحل طي سريع ، خصوص وان ذلك يعتبر تقرب الي اللة عز وجل ، فتسمو نفسة وتعلو همتة وتنتابة الخشية من التقصير بخدمتة والتباطو عن بلوغ مرضاتة .ولذا لولا روح الاجتهاد عند طلبة العلوم الدينية لما بلغ احدهم الي معرفة الدين ، ولما سمي الفقهاء بالمجتهدين .وعبر عنهم القرآن الحكيم الذين يستنبطونة منهم .فالاستنباط لغة هو استنباط الماء من الابار العميقة والتي تتطلب جهود كبيرة .ومثلها تمام تبدو صعوبة الاستنباط بالنسبة لطلبة العلوم ، اذ قبل ان يصلوا الي تحديد حكم شرعي معين يكونون قد بحثوا كثير في القرآن الحكيم وفي الرويات الشريفة وفي سائر العلوم من اجل تصحيح هذا الحكم .ان هذه الروح الاجتهادية يجب ان تكون نصب اعين العلماء والناشئين ، لان الحوزات الدينية مكان الجد والاجتهاد، ومكان الاصلاح والتصحيح .اما الذين لا يقدرون علي ذلك فليفتشوا لانفسهم عن مجالات عمل اخري .ومن لا يضحي اليوم بنومة او شهوتة من اجل جدة وطلبة الحثيث للعلم ، سوف لن يضحي غد بوقتة او بسمعتة او حتي بدمة من اجل تحقيق هذه الاهداف العليا.وهذا الاجتهاد ينعكس في حياة طلبة العلوم علي ثلاثة امور:ـ الاول :ـ كثافة البرامج الذاتية التي تساهم في انجاح البرامج المقررة ، وبالخصوص المطالعة والبحث والدراسة الميدانية .والعلماء الكبار انما نبغوا بمثل هذه البرامج الاخري ، ولهذا تعتبر اهم صفة يتصف بها كثير من العلماء هو انهم يدرسون بلا معلم ، ويدركون مختلف الوسائل المساعدة بلا وسائط عديدة .وتكثيف البرامج الذاتية يعود الي تفاعل الصفات الكريمة في روح الفرد واجتماعة ، لهذا يولي آية اللة المدرسي اهتمام بالغ بضرورة بداية هذه البرامج منذ اللحظات الاولي التي يلتحق بها الي سلك طلبة العلوم الدينية .الثاني :ـ اعتماد منهج الاثارة والتفكير لا منهج الحفظ والتقليد، وتنمية ثقة الطلبة بعقولهم وافكارهم وابداعاتهم ، وتشجيعهم علي المساهمة باي قدر ممكن في المادة المدروسة ولو بمثل جديد او تعبير عن حقيقة قديمة بلغة جديدة اخري .واذا اتبعنا هذا المنهج الذي كان يتبعة كبار الفقهاء مع طلابهم ، حيث كانوا يطرحون السوال قبل الجواب ، ويطالبون الطلبة بالتحقيق والبحث ، وياخذون بيدة في ميادين الدراسة والتعليم لكي يري الحقائق هو بنفسة .وبهذا يكون المرتكز الاساسي في منهج التعلم هذا هو اعمال الفكر واثارة العقل ، ولذلك لا يركزون علي تعليم الطالب المعلومات بقدر ما يعطونة المنهج الذي يهدي الي سبل المعرفة النافعة .ولعلة لاجل ذلك حررت الكتب الفقهية السابقة بتعابير موجزة بالغة التعقيد، لان ذلك يعتبر وسيلة لاعمال الفكر واثارة العقل .وانطلاق من هذا الامر يركز السيد المدرسي علي اتخاذ اغلب المناهج الدراسية وسيلة لاثارة العقل .فدرس التاريخ يجب ان يتبعة منهج للتحليل حتي يفكر الطالب في عبر التاريخ ودروسة ، مستفيد منها في حياتة الراهنة .وعلم السياسة ايض لابد ان ينمي قدرة الطالب علي تفسير الاحداث والتنبو بتطوراتها القادمة ، وبالتالي تحديد طبيعة العمل تجاة ذلك .وهكذا علم النفس والاجتماع وسائر العلوم الانسانية ..فان اقرب المناهج لاثارة العقل والفكر فيها هو منهج التامل الذاتي ، حيث يجعل الطالب نفسة محور للبحوث ومادة للدراسة .الثالث :ـ السعي نحو الابداع ، حتي لا تستريح النفس الي مناهج جامدة .لانها ان استراحت اليها تحولت هذه الوسائل التي لم تكن الا مجرد مقدمات لتحقيق اهداف في زمن ما وفي ظروف خاصة ، تحولت الي وسيلة ثابتة في كل الظروف ، ولا يمكن للعلم ان ياتي الا عبرها وبواسطتها.ان المطلوب تجاة هذا الجمود هو الابداع في طرق التعلم والوصول الي الاهداف ، ومن اجل اتاحة الفرصة لذلك لابد ان نعطي للطلبة ابعد مدي ممكن من الحرية في ابداع السبل الكفيلة بتحقيق هذا الامر، شريطة ان يتم الاتفاق عليها مع مسوولي هذه الحوزات حتي لا تعم الفوضي .ومن جهة اخري فان المسوولين الاداريين مطالبون بالمبادرة الي تطوير الوسائل بين الفينة والاخري ، حتي يعيش الطالب طراوة الجديد ولذة التطوير، بالطبع مع المحافظة علي استمرارية القيم .اذن الابداع مطلب مهم في الدراسة الدينية ، لانة يمكن صاحبة من اكتشاف حقائق مجهولة من اشارات خفية يوحي اليها دليل او اوصل .وهذا لا يتم الا اذا امتلك العالم بصيرة في الدين يوهلة للخروج من سجن التقليد للانطلاق نحو آفاق الابداع والتجديد.وهناك عوامل شتي لتحصيل هذه البصيرة ، ابرزها اثنان :ـ الاول :ـ ان العقل الكبير يتطلب قلب كبير ، اما اصحاب القلوب الصغيرة والضيقة فانهم يفشلون في وعي الحقائق الكبيرة .ذلك لان القلب اذا اتسع تسامي فوق الحقائق يتبصرها من مواقع عالية ، تساندة فيها قوي الغيب ، فيشرف علي كل سهل وجبل مكتشف كل واردة وشاردة .يقرب البعيد من الحقائق بنفاذ بصيرتة ، ويري القريب علي حقيقتة .اذ المهم عندة اكتشاف الحقائق سواء كانت قريبة او بعيدة ، ظاهرة او باطنة .وكل ذلك انما يتم بشوق الانسان الي العلم ، ويساعد هذا الشوق والفهم قلب روحاني كبير يقتفي آثار المعرفة حتي لو تعلقت فوق جبال عالية ، لان ثقة الانسان وقلبة الكبير يهديانة الي السبيل الاقوم لاكتشاف انوار العلم .الثاني :ـ اصحاب القلوب الكبيرة والاهداف البعيدة والبصائر المستمرة يبلغون الحقائق الكبري في هذا الكون علي صورة اشجار باسقة تتفرع منها سائر المعارف ، حيث يصلون الي اصول العلم والقواعد العامة التي يسميها البعض بالحكمة العالية حسب تعبير الفلاسفة ، اما حسب تعبيرات الكتاب والسنة فهي السنن الالهية في الخليقة التي بمعرفتها يسهل ربط الحقائق ببعضها البعض في دائرة تلك السنن ، وحينها ايض يسهل انتزاع حكم الفروع من الاصول اعتماد علي معرفة السنن والقواعد العامة .
الجهاد
ان اختيار اللة سبحانة وتعالي بشر من عبادة ، ليصبحوا مجاهدين في سبيلة ولينقذوا عبادة من الضلالة والجهالة الي ظل الهدي ونور العلم .هذا الاختيار شرف عظيم وتوفيق كبير ومجد اثيل لا يبلغة الانسان عبث ، ودون ان يمتلك قدر عالي من طيبة القلب والهمة العالية والارادة العملية من اجل تحقيق ذلك .واذ فضل اللة المجاهدين علي القاعدين اجر ودرجة كبيرة وصفهما اللة عزوجل في كتابة الحكيم بالعظمة ، فان ذلك يعني ان الوصول الي هذا الهدف الارفع لن يكون بسهولة ، وانما هو بحاجة الي مزيد من السعي والعمل علي تغيير النفس .والموسسات الدينية هي بيوت الجهاد الحقيقية ، فهي المنطلق .القرآن الحكيم والتعاليم الدينية حثت علي الجهاد بالذات لعلماء الدين ، لماذا؟ لان الجهاد يرتبط بالعلم ارتباط وثيق ، ذلك لان الجهاد في سبيل اللة نافذة واسعة لاشعاع نور الهدي واليقين في افئدة العلماء.وهذه الحقيقة جاءت صريحة في قولة تعالي :ـ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان اللة لمع المحسنين العنكبوت ـ 961.وكذلك الرواية الواردة عن امير المومنين علي بن ابي طالب ع :>اذا علمتم فاعملوا، واذا ايقنتم فاقدموا او قول الرسول الاكرم ص .>العلم يهتف بالعمل ، فان اجابة والا ارتحل عنة علي ضوء ذلك جعل آية اللة المدرسي من المهام الاساسية لطالب العلم في الحوزات التي اسسها، هي مهمة الجهاد.ولا يخفي ان كثير من المساوي التي وردت علي الامة كانت تعود الي هذا السبب ، اذ ان كثير من الحوزات العلمية تناست هذا الدور الكبير، واعتقدت خطا ان العلم او اشياء اخري هي الهدف الاسمي في هذه الحوزات .وهذا ما جعل وضع الامة يسير بخطوات بطيئة ان لم تكن معدومة ، بسبب ان القدوات وهذه الفعاليات لا تسير ضمن اطار الجهاد والعمل ، لذلك جعل سماحتة للجهاد اطر وقنوات من اجل ان يكون التحاق طالب العلم ببيوت الذكر هذه ومعاهد الفقة التحاق لمعسكر الحق من الساعة الاولي ، ويبقي مدافع مستميت عن قيم الدين .واعتماد سماحتة علي هذه الاطروحة في الحوزات ليست شاذة عن قيم الدين او مخالفة لسيرة العلماء القدامي .ويوكد سماحتة علي ذلك بالقول :ان الاية الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة التفقة في الدين ، كانت في سياق سورة البراءة الصارخة بالدعوة الي الجهاد والنفر مع رسول اللة ولتادية هذه المهمة .ولذا فان القرآن الحكيم يري حقيقة ان طلاب الفقة كانوا يتخرجون من مدارس الجهاد، من سوح المعارك مع الرسول ص . فلولا نفر من كل طائفة منهم .ومن نافلة القول ان نذكر هنا القنوات التي تهتم بتطبيق قيمة الجهاد في هذه الحوزات ، واهم هذه القنوات التبليغ الديني ، حيث تستنفر هذه الموسسات في المواسم الرمضانية وفي مواسم شهر محرم ، وينتشر رسلها في اغلب اقطار العالم سواء في اوربا واميركا او افريقيا والدول العربية ، وعادة لا يبقي من الطلبة احد في هذه المواسم الا ويذهب لتادية زكاة العلم والتربية .وتعتمد استراتيجية التبليغ هذه علي مسالة هامة ، هي ان هذه الرحلات تحدد حسب الحاجة ، ولهذا لا ينحصر التبليغ في صورة معينة ، بل يتعدد بتعدد هذه الحاجات .فمرة يكون ارتقاء منابر الوعظ هو الحاجة الماسة في بلد ما، ومرة سيكون العمل الاجتماعي كالاشتراك في اقامة المشاريع الدينية كبناء المساجد ومساعدة الفقراء والمساهمة في حملات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومرة تكون قيادة الجماعات العاملة وخدمتهم باية طريقة ممكنة ..وهذا ما يسمي بالعمل التربوي والبنائي ، حيث يتم خلال هذه المواسم بناء المجاميع المومنة وتهيئتهم للعمل الاسلامي .ولقد اهتم سماحتة بتعليم طلاب هذه المدارس كل ما يستفيدون منة في امورهم الجهادية كالخطابة والادب والحوار الموثر والمعارف التي يحتاجها عالم الدين في مواقع الجهاد، بل وحتي التدريب الجسدي الذي يستهدف قوة البنية وسلامة البدن .وسنذكر هنا مثالا واضح علي تعدد هذه الكفاءات ، وهو السعي لبناء كفاءات اعلامية وصحفية متخرجة من هذه الحوزات ، حيث كانت تقام العديد من الدورات المركزة علي ايدي كفاءات مجربة وخبيرة مارست العمل الاعلامي والصحفي .وبفضل هذه الدورات نما جيل كبير من الكتاب الصحفيين يلاحقون قضايا الامة ويحللونها ويبدون آراءهم فيها وفق قيم الدين .وهولاء قاموا بادوار كبيرة ، حتي انهم في عام 5891م شاركوا في اصدار اكثر من 33 مطبوعة ، بين مجلة وصحيفة ونشرة .ولاريب ان هذه المطبوعات كانت تساهم في التبليغ لثقافة خاصة تدعو الي الجهاد، وتبعث نحو الفاعليه والابداع ، وتحث علي ان يودي كل واحد دورة بحسب قدرتة وطاقتة .وركزت هذه المطبوعات علي اظهار القضايا الاسلامية والاهتمام بها، لاسيما وان الاعلام العالمي عموم كان يتغافل عن ذكر هذه القضايا، او لا اقل يمارس نوع من التشوية والتوجية انطلاق من المصالح والعداء التقليدي لهذه القضايا.والجدير بالذكر ان قسم من هذه المطبوعات لايزال يودي دورة في هذا المجال ، ولا تقتصر مجالات الكتابة علي هذا الامر فقط، وانما يزداد دورها الي الحديث عن الثقافة الدينية المعاصرة والسياسة والقضايا المتجددة وعن حالة النهضة الاسلامية وما تحتاجها هذه النهضة من الاسباب والشروط والمقدمات التي تساعد علي تحقيق ما تصبو الية .واخير لابد من القول ان هذه الحوزات الدينية لعبت دور رئيسي خلال هذه الفترة القياسية التي تاسست فيها.وهذا بالطبع انما يعود الي تبنيها اطروحة الجهاد، والتفاعل مع مسيرة الامة الاسلامية .
روح الاجتماع
يوكد السيد المدرسي ان ذات المنهج الذي يعتمد علي تربية الروح وعمل الجهاد، ينساب منة بالضرورة روح النظم والاجتماع .ذلك لان من الصفات المثلي التي يتمتع بها المومنون الصادقون ـ وبالاولي علماء الدين ـ هي حبهم العميق للانسان كانسان ، وسعيهم الحثيث من اجل انقاذة .وقد جسد الانبياء والمرسلون صلوات اللة وسلامة عليهم ذلك في حياتهم مع شعوبهم .وآيات الذكر الحكيم وبالذات في سورة القصص التي تتجلي فيها تضحية الانبياء من اجل الانسان والانسانية وتجردهم عن ذاتهم وتفانيهم الهائل من اجل انقاذ البشر.ان روح الاجتماع هذه هي الكفيلة بتذويب حواجز التفاخر والتدابر التي تبعث نحو التنابز والتهمة والاغتياب ، واختلاق الفوارق المصطنعة الداعليه للتحزب الي العنصر او الارض او العشيرة او الطائفة .وهذه المساوي انما تنشا في النفس اذا نزعت نحو الفردية والذاتية والانطواء والانغلاق ، بينما اذا مالت روح الانسان نحو الانبساط والعفوية ، فان سلوكة هذا سوف يكون المناخ الملائم لمكارم الاخلاق ومعالي الاداب .وهذه المنافيات هي التي تدفع علماء الدين الي الاجتهاد في تزكية النفس من الجذور التي تميل بالانسان الي الفواحش الظاهرة من الكبر والحسد والغرور والعجب والانانية واتباع الهوي ..واذا تخلص الانسان من ذلك ، فان شجرة الفضيلة سوف تقضي علي آفات الفرقة والتفرق ، وتزرع بدلا من ذلك حب الاخرين واحترامهم وتقدير آرائهم ، بل والتعاون معهم .ومن اجل ذلك حرص آية اللة المدرسي علي اتباع اسلوب علمي في تنمية الروح الاجتماعية ، وهو اسلوب العمل كفريق متكامل يعبر عنة بالعمل الجمعي ، سواء في العمل او حتي في الفكر والثقافة .وهذا يبدو واضح من التشجيع علي تادية الصلاة جماعة ، والاقامة في غرف مشتركة ، وترتيب رحلات مشتركة ..ويتطور هذا الامر الي القيام بالاعمال وكتابة البحوث المشتركة .ومن ابرز معالم الحياة الاجتماعية التقيد بالنظام الذي يعد من اسمي صفات الانسان المومن ، كما يعتبر اليوم من سمات التقدم الحضاري .