ولـم يـكـن ذلك بسبب الغفلة او السهو بالتاكيد, لانه قال في ختام المقالة الاولى (قد يقول قائل : لكن قولك هذا قد قال به بعض المستشرقين وهم كفار اوقال به بعض المبتدعة ولعلك توافقهم من حيث
لا تـدري ). وهـذا اسـلوب غير مقبول في الكتابة العلمية , فالمفروض عليه ذكر المصادر بصريح
العبارة .وقد فعل ذلك مع خصومه , فذكر اسماءهم وكتبهم ورسائلهم وجامعاتهم ,فلماذا يلجا الى هذا
الاسـلوب الغامض , ولماذا يسلك هذا الكلام مع الشبهات في آخر المقالة على لسان شخص خيالي
يريد الاعتراض وانظرالى هشاشة الاعتراض في كلمة او وفي كلمة لعلك توافقهم وفي كلمة
من حيث لاتدري .وطـالـمـا انتقد اصحاب الرسائل العلمية والمشرفين والمناقشين , فهلا ابصرالاستاذ هذا القصور
المنهجي الخطير في كلامه .(6) وكان المنتظر منه ان يعقب على عبارة من حيث لا تدري فيصرح بانه يدري , وانه اطلع فعلا
على اقوالهم , ثم يذكر اسماءهم وفحوى كلامهم مع التوثيق اللازم , ويقبل منه ويترك , ليكون القارئ
على بينة من هذا الامرالمهم , وياخذ كل ذي حق حقه .ولكنه عقب على هذه الشبهة الافتراضية بكلام طويل يقوم على التعميم واللهجة الانشائية الخطابية
فـي الـثناء على بحوث المستشرقين والمبتدعة التي هي في غاية الدقة والموضوعية مما لا يتوفر
مـثله عندنا, وخجل البعض من الاعلان عن الاستفادة من هذه الابحاث الجيدة لئلا يتهم , الى آخر ما
قال .ولم يخرج في ذلك من دائرة العموميات , ولم يعترف بان الافكار لغيره . ومن يقرا كلامه كله يجد
انه ينسب الاراء الى نفسه ويتحدى عليها, فيقول مثلافي اول المقالة (وكنت قد قلت في حواري مع
فلان ان سيف بن عمر التميمي هو الذي اختلق شخصية القعقاع ), وهكذا في سائر كلامه , ولا اثر
لهؤلاءالمستشرقين والمبتدعة . ما هكذا تورد الابل ايها الاستاذ الفاضل , وماهكذا يساء الظن باطلاع
القراء.الكشف عن مصدر المالكي :
(7) ولـقـد قـرات هذه الافكار قبل - بضع عشرة سنة , واضحة صريحة في كتابين لرجل اسمه
الـسـيـد مـرتضى العسكري , الاستاذ في احدى الجامعات المذهبية في العراق . واسم الكتاب الاول
(عـبداللّه بن سبا. المدخل ), الصادر في العراق سنه 1375 ه, ثم صدرت طبعته الثانية في مطبعة
الـنـجاح بالقاهرة سنة 1318 ه, واسم الكتاب الثاني (خمسون ومائة صحابي مختلق ), وقدصدرت
الـطبعة الثانية منه في بغداد سنة 1389 ه, فهذه - مع الاسف -البحوث التي يصفها بانها (في غاية
الـدقـة , والموضوعية مما لا يتوفر مثله عندنا) - ولكنه لم يمكن القارئ من الحكم على صحة هذه
الدعوى .وما شككت لحظة منذ قرات اولى المقالات , ان هذه افكار العسكري , لان الدعوى هي نفس الدعوى ,
وهي ان سيفا كان يختلق اسماء الصحابة والبلدان والحوادث . فالتطابق في الافكار الاساسية , وادارة
الـكـلا م عـلـى لفظ الاختلاق , والعدد الكبير من الشخصيات والاشياء المختلقة , والابتداءبالقعقاع ,
وهذا الكلام الغامض في الثناء على بحوث القوم , لا يترك مجالالغير هذه النتيجة .فـمن هو الذي يجد (بعض الابحاث الجيدة عند بعض الكفار والمبتدعة ثم يستحي ان يعلنها حتى لا
يتهم ) الا ينطبق كلامه على نفسه قبل غيره , وقلما انتقدالاستاذ شيئا على غيره الا ووجدت عليه
مثله , وستاتي امثلة اخرى على ذلك .(8) ثـم نـشر المقالة السادسة في 10/3/1418 ه وهي مخصصة للاجابة على الاعتراضا ت بعد
الانتهاء من اصل الموضوع . فمما لفت النظر قوله (ما زعمه الفريح بانني اعتمدت على كتب مطبوعة
وانني لم آت بجديد: (زعم باطل عريض انـكر انني قبل الكتابة عن سيف اوالقعقاع قد اطلعت على ما كتبه الهلابي والعودة والمعلمي والتباني
والـعـسـكـري وطـه حسين وغيرهم من العلماء والباحثين ,لكنني لم اقلد احدا منهم واستخرجت
روايـات سـيف بنفسي وبحثتها رواية رواية سندا ومتنا, واستدركت عليهم اشياء كثيرة فاتتهم , مع
تـقـديري لمن سبق وعدم هضم حقه , الى آخر ما قال . فمن الواضح ان الاستاذ اضطر تحت الضغوط
الى ذكر هذه الاسماء (وعدم انكار) معرفة ما كتبوه .فـلـمـاذا يقول هذا الكلام الروتيني بعد الفراغ من الموضوع لماذا لم يذكر هذه الاسماء في المقالة
الاولى مع الاشارة الموجزة الى اسماء الكتب والطبعات وخلاصة الاراء والفروق بينها ولماذا يكتفي
بـعـبارة (لا انكر) المتوسطة بين الاقرار والانكار كانه مجبر عليها وكانه خشي من تهمة السطو
على الافكارفسارع الى طرد هذا الحاضر بقوله (زعم باطل عريض وانـه بحث واستخرج واستدرك وفعل كذا وكذا. هذا مع ان الدكتور عبد الرحمن الفريح لم يتهمه
بالسطو وانما فقط بانه (اعتمد على كتاب مطبوع يعرفه اهل الاختصاص وربما غيرهم ).والـحـقـيـقة ان هذه الافكار منشورة منذ سنة 1375 ه, وكان ينبغي ان تنسب الى صاحبها بالعبارة
الصريحة والتوثيق اللازم . هذا مع ان كلامه في الثناء على ابحاث المستشرقين والمبتدعة يدل على
انـه وجـد الافـكار لديهم ناضجة متكاملة . وهذا هو الواقع , فكثير مما لديه يوجد في كتب مرتضى
الـعـسكري الذي قتل هذه القضايا بحثا وافرد لها عدة كتب , ولم اجده يخالفه في شي ء اويرد عليه فهذا تناقض واضح بين الثناء على البحوث وانكار الاعتمادعليها.ولقد بذل الاستاذ غاية جهده في هذا الكلام للتعمية على العسكري مرة اخرى ,فانكر الاعتماد على
الكتب المطبوعة , وادرج اسمه بين باحثين اكثرهم من هذه البلاد, ولم يذكر اسمه كاملا ولا اسماء
كـتـبـه الـتي اطلع عليها, وجعل الامرمن باب الاطلاع المعتاد. وهو لا يخفى عليه بالطبع تواريخ
صدور الكتب ولاالمقارنة بين الافكار ومعرفة صاحب النظرية من بينهم , فاذا كان مرتضى العسكري
هو السابق الى اتهام سيف بن عمر باختلاق عشرات الصحابة والبلدان - وعلى راس الجميع القعقاع
الـذي قتله بحثا فلماذا اخفاءالاسماء والمصادر ثم يقول العبارة الروتينية المملولة (مع تقديري لمن
سبق وعدم هضم حقه ), فكيف يكون هضم الحقوق اذن .وكـان الاسـتاذ قد قال في العام الماضي : وقد ياخذ علي الدكتور انني نقلت بعض النتائج التي توصل
الـيها بعض الباحثين كالهلابي والعسكري . وهذا غيرصحيح , لانني رجعت للمصادر نفسها وتاكدت
مـن تلك النتائج بنفسي (كتاب الرياض , ص 81). فهذا خلط في مناهج البحث العلمي لا يوافقه عليه
احـد, فاما النصوص الموجودة في كتاب العسكري فلا باس بالاحالة على المصادر راسا بعد التاكد,
واما راي العسكري في ان سيف بن عمريخترع اسماء عشرات الصحابة وعلى راسهم القعقاع فهذا
لا وجـود لـه فـي الـمـصادر القديمة وانما هو راي جديد سبق اليه , فيجب على من يعيد بحث هذه
الـمـسـالة - سواء بالموافقة او المخالفة - ان يعزو الراي الى صاحبه ولواطلع على الدليل بنفسه .وهـذه الـتفرقة من اوضح الامور لمن مارس البحث العلمي , ولا اظنها تخفى على الاخ المالكي , ومن
الـمـعـلوم انه لا يجد محذورا في الاحالة على كتاب الدكتور الهلابي لانه تلميذه وقد اهدى كتابه
اليه , ولكنه يتهرب من الاحالة على العسكري .وقـد وجـدت فـي كتابات الاستاذ كثيرا من اساليب التعتيم على العسكري , فتراه يذكر اسمه دون
كـتابه , او كتابه دون اسمه , ويقول توصل الى النتائج نفسهاالتي توصل اليها الدكتور الهلابي كان
الابـحـاث متزامنة , مع انه قد توصل اليها منذ خمسين عاما ونشرها منذ ثلاثة واربعين عاما (كتاب
الـرياض , ص 58). وكان الاستاذ عبد الحميد فقيهي قد اوضح ان مسالة القعقاع ووجوده في كتاب
الـعـسـكـري , فـرد المالكي قائلا (اما ربط الفقيهي بين انكارشخصية القعقاع وبين كتاب مرتضى
الـعسكري فان هذا الربط لو صح لماضر البحث شيئا فالحكمة ضالة المؤمن ), الخ (كتاب الرياض ,
270). فقوله لو صح فيه تهرب واضح لانه لا يدل على اقرار ولا انكار.خلاصة افكار العسكري :
(9) امـا كـتاب العسكري الاول (عبداللّه بن سبا: المدخل ) فلم اجد ايما اشارة اليه , لا في مقالات
الاستاذ ولا في الاعتراضات عليها. وقد رجعت اليه وانااكتب هذا الكلام , فوجدت ان العسكري لم
يتطرق فيه الى عبداللّه بن سباكما يوهم العنوان , بل يبحث في سيف بن عمر فقط, لان الغرض منه
اثبات وقوع التزوير الشامل للتاريخ على يدي سيف , تمهيدا للجزء الثاني المخصص لعبد اللّه بن سبا
وهو بعنوان (عبد اللّه بن سبا واساطير اخرى ). واليك بعض كلامه في مقدمة الكتاب لاهميته :
قـال الـعـسكري (في سنة 1369 ه - وبينما كنت اراجع قسما من المصادر الاسلامية - رابني ما
وجدت في بعض الروايات في اشهر الكتب التاريخيه من ظواهرتدل على انها مدسوسة وموضوعه ,
فاخذت اجمع تلك الروايات المريبة واقارن بينها وبين غيرها, واذا بي اهتدي الى حقيقه كان التاريخ
قـد نـسـيهافانطوت في اثنائه وضاعت في تياراته .. ورايت من الواجب الادبي ان اشهرتلك الحقيقة
الـمـجـهولة , فبوبت مذكراتي الى فصول , وسميتها: احاديث سيف ),الى آخر ما قال ثم ذكر ان احد
عـلـمـاء الـمذاهب اشار عليه بتغيير العنوان الى عبداللّه بن سبا فاستجاب له . وذكر انه احجم عن
نشره سبع سنين خشية اثارة العواطف في الشرق المسلم المؤمن كايمان العجائز وهـذا الـكتاب ملى ء بالطعن في عقيدة جمهور المسلمين والدخول الى ذلك من باب الطعن في التاريخ
والـرواة , وهو اقرب الى التهريج منه الى البحث العلمي الصحيح . والصبغة المذهبية واضحة عليه ,
مـع انـه يـتـسـتـر ويـحـاول اظهارالتجرد لان الغرض اقناع جمهور المسلمين بفساد تاريخهم
ومصادرهم وعقيدتهم , ولم ينتقد شيئا من مصادر مذهبه ولا رجاله ولا رواية التاريخ لديهم , وتجاهل
ان علماء مذهبه عبر العصور لم يتهموا سيفا باختلاق الاشخاص والحوادث والبلدان , وهذه انما هي
تهمة عصرية لم يكن لهاوجود قبل دعوى تزوير الشعر الجاهلي .وكثير من الافكار التاريخية التي ينشرها الاخ المالكي موجود في هذا الكتاب المذهبي , مع الاقرار
بـاخـتـلاف طريقة العرض والاستدلال وبعض الاضافات التفصيلية التي لا اناقشه فيها, واختلاف
الغرض ايضا ان شاءاللّه . واجد من المفيد سرد موضوعات الكتاب لانه ليس من الكتب المشهورة . فقال
فـي الـصفحة 26 (استخرج مترجمو الصحابة اسماء كثيرة من اساطير سيف وترجموا لهم ضمن
تراجم الصحابة , واستخرج (ياقوت )الحموي ايضا من اساطيره اسماء اماكن ترجمها في معجمه ),
فـهذه الجملة هي خلاصة مقالات الاستاذ المالكي الـتـي تـتردد في كتابات المالكي تقريبا ومن الغريب انه ليس فيهااتهامه باختراع الاسماء مرويات سيف عن الموضوعات التالية :
قصة بعث جيش اسامة (الصفحة 29).حديث السقيفة (الصفحة 32).قصة الردة (الصفحة 96).قصة خالد بن الوليد ومالك بن نويرة (الصفحة 114).قصة العلاء بن الحضرمي (الصفحة 122).قصة نباح كلاب الحواب (الصفحة 127).قصة الفاحشة المنسوبة للمغيرة بن شعبة (الصفحة 134).قصة حبس ابي محجن الثقفي (الصفحة 139).قصة استلحاق زياد (الصفحة 142).قصة الشورى وبيعة عثمان (الصفحة 152).تحريفات سيف بن عمر في سني الحوادث التاريخية (الصفحة 158).ثـم عـقـدابـتـداء مـن الصفحة 161 فصلا بعنوان (مختلقات سيف من الصحابة ),وذكر اثنين منهم
بالتفصيل : القعقاع بن عمرو التميمي واخاه عاصم بن عمرو التميمي . اربع وعشرون صفحة لاثبات
ان القعقاع واخاه من مخترعات سيف .ثم ذكرفي الصفحة 185 وما بعدها انه جمع اسماء اكثر من مائة من الصحابة الاسطوريين المترجم
لهم في كتب تراجم الصحابة , وسرد اربعين اسما من غير تفاصيل .ثـم عـقد في الصفحة 190 فصلا بعنوان (الحموي واحاديث سيف ), ذكر فيه الاماكن الاسطورية
الـمـوجودة في معجم البلدان لياقوت بناء على روايات سيف , ومنها: جبار, الجعرانة , شرجة صيهد,
دلـوث , طـاووس , نـعـمـان ,القردودة , ثنية الركاب , القديس , المقر, الولجة , وغيرها. وقد اشار
المالكي الى اختراع اسماء البلدان , واتهم سيفا بهذه التهمة الغريبة , وضرب مثلاببعض هذه الاسماء
وغيرها. ولكنه راى فيما يظهر ان يؤجل الكلام فيهاللتركيز على موضوع القعقاع وهذا دليل قوي
عـلـى الـتـنـاقل , والا كيف عرف ان هذه الاماكن العراقية المجهولة لا وجود لها هذا مع العلم بان
العسكري لم يتحقق من انها اسماء وهمية ولا يظهر عليه انه من علماء الجغرافيا.امـا الـكـتـاب الـثاني (خمسون ومائة صحابي مختلق ) فقد قراته منذ بضع عشرة سنة ولم يتيسر
الرجوع اليه الان . وفحوى الكتابين واحدة , وهو امتدادللكتاب السابق , وقد اعاد فيه ذكر القعقاع ,
واظنه الاول في التسلسل . ومن الواضح ان عدد المائة تضخم الى مائة وخمسين مع مواصلة البحث .ومـن الجائز ان يكون العسكري او تلاميذه قد اصدروا كتبا اخرى او مقالات ,فاطلع عليها المالكي
بـمـقتضى اهتمامه وحرصه على هذه الامور. وليس من المهم استقصاء الامر الى غايته , لان الكتاب
الاول كاف جدا لاثبات المطلوب وهو انها افكار العسكري , وبخاصة دعوى ان القعقاع من مخترعات
سـيـف . فلو رآها لقال : اهلا وسهلا, بضاعتنا ردت الينا 1369 ه, ونشرها قبل ان يولدالمالكي بكثير ومفهوم كلامه انه لم يسبق اليها لانه يقول (و اذا بي
اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها), مع ان هذه المسالة بحاجة الى تحقيق ,ولعله التقط الخيط من
كتابات الدكتور طه حسين او غيره .واقول للقارئ الكريم : لقد نظرت في كلام العسكري قبل بضع عشرة سنة ,ونظرت فيه الان , لاني
لا ارضى لنفسي ان اعيش في عالم الاوهام والاساطير, والحمد للّه الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا.فـوجدت ثرثرة كثيرة وطبلا اجوف , تسمع بالمعيدي خير من ان تراه لا احتقارا له ولاانتقاصا من
عـلـمه , ولكن لانه راغ عن الطريق فلم يتناول دعوى الاختلاق ولم يبحثها اصلا , وانما قال (واذ
ابـي اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها) لا غير, كانه الهام نزل عليه انـه يـرى الحاجة الى اثبات هذا الوسواس , فما قيمة الكتب - والمقالات ايضا - اذا لم تتضمن بحث
هـذا الامر والعبور به من الافتراض الى الحقيقة التا ريخية المؤكدة وفي كتب العسكري كلها
مغالطة عظمى , فهو يستخدم اقوال المحدثين لرد روايات سيف , فليس لهذا من معنى الا اذا كان يسلم
بصحة مافي الصحيحين ولكن اخانا المالكي مر على هذا مرور الكرام .والـحـقيقة ان موقف العسكري مفهوم بعض الشي ء, لان هذه النظرة للصحابة من ضروريات مذهبه ,
فـمـن الطبيعي ان يضيق ذرعا بالفضائل والبطولات المنسوبة اليهم في كتب التواريخ , ويجزم بانها
مخترعة من غير حاجة للاثبات , ويبحث عن شخص لاتهامه باختراعها. ولكن , ما عذر اخيناالمالكي
في متابعته على ذلك ولا سيما انه لم يتناول هذا الجانب بالصراحة اللازمة بحيث يتضح الفارق بينهما.(10) ولـعـل الـقارئ الكريم يسمح لي باستطراد خارج موضوع القعقاع , لانه مفيد جدا لبيان امانة
الـعسكري وهو يتهم سيفا بهذه الفرية العظمى . قدتجاهل ان عبد اللّه بن سبا مذكور مذموم في كتب
مـذهـبـه لان عـلـماء المذهب كانوا قديما يستنكرون آراءه المتطرفة , فكان الواجب عليه ان يبدا
بـنقدالذات الـعـلامـة العسكري ذلك في كتابه عبد اللّه بن سبا الجزءالثاني وقد اشار اليه الدكتور العودة في
كتابه عبد ابن سبا واثره في احداث الفتنة في صدر الاسلام ), ومنها مثلا قول اعشى همدان شاعر
قحطان والعراق يهجو المختار الثقفي واصحابه من غلاة الشيعة , بعد ثلاثين عاما من الفتنة الاولى :
شهدت عليكم انكم سبئية ----- واني بكم يا شرطة الشرك عارف
فـمن هؤلاء السبئية الغلاة الا ان يكونوا اصحاب ابن سبا, وهل كان الاعشى ليقول هذا لولا ان هذه
الطائفة كان لها شان كبير في الفتنة الاولى وهل كان يقوله لولا انه مفيد في تثبيط معتدلي الشيعة عن
نصرة المختار وهذا نفرواحد من نصوص كثيرة تدل على وجوده ودوره في الاحداث وبقاءافكاره
وانـصـاره الـى ان صـار الـغلو هو القاعدة . فياتي هذا الغيور على التاريخ ويدعي زورا وبهتانا انه
اسـطـورة افـتـراها سيف , ثم يجعل الكلام على سيف واختلاق الصحابة الخمسين ومائة فرعا عن
الـكـلام عـلـى هـذه الاسطورة العظمى ومدخلا للقول فيها. فاذا ثبت وجوده وصدق سيف فيه فما
قيمة الكلام على بقية الاساطير .وانـا اسـتغرب - وقد تبين الان انه ليس من اساطير سيف - ان اخانا المالكي لايجهر بهذه الحقيقة
ولا بنقض مزاعم العسكري , بل يلتمس المخارج وحيل الكلام , فيقول في المقالة السادسة (السبئية
لا تـعـنـي مجرد الخروج على عثمان ,وقد انتهى الدكتور عبد العزيز الهلابي الى انه اسطورة
والـدكتور سليمان العودة الى عكس ذلك , ولعلهما يلتقيان ويتحاوران , وانا اميل الى انه اسطورة ولا
اجـزم بـذلـك ), انتهى مختصرا. كلام مطاط لا زمام له ولا خطام ممن تعمق في دراسة تلك الفترة :
السبئية موجودة ولكن ابن سبا الاقرب انه اسطورة فـي الـروايـات الاخرى واشعار الشعراء وفي كتب الشيعة يعتبر نقطة لصالح سيف وتاييدالروايته
ودافـعا الى التاني في اتهامه باختراع اسماء الصحابة . ولا علاقة لاصل وجوده بموضوع دوره في
الـفـتنة ومدى تاثيره والكلام على المؤامرة اليهودية , اذ هما شيئان مختلفان . ولقد فتحت الفتنة باب
الـصـراع الـمـخـيـف ,ومـعلوم ان الدعاية والافتراء والمبالغة من ادواته المعروفة , فلا يستبعد
مـن الـحـزب الامـوي ان يبالغ في امره ويتهم جمهور الثائرين بالانصياع له . ولكن من المستبعد ان
يـخـتلقوا شخصا من العدم وينسبوا اليه هذا الدور, فهذا من الكذب الساقط المكشوف الذي لا فائدة
لاصحابه منه . فمجرد وجود التهمة دليل على وجود الرجل , ولا نار بلا دخان . ولعل القارئ الكريم
يـلاحظ ان الاستاذ المالكي ههنا ايضا يصرح مرة اخرى باسم الهلابي والعودة ,ويتجاهل العسكري
الـذي صـنف كتابين او اكثر عن عبداللّه بن سبا.(11)وههنا مسالة تتردد بين السطور في كتابات
الاسـتـاذ الـمـالـكـي وكـتابات خصومه , ولا بد لي من الحرص التام في التعبير عنها لان الغرض
ليس الاتهام بقدر ما هو الحث على تناولها بالوضوح اللازم . وربما تصورت لهاتخريجا ما, ولكن ليس
من المصلحة ان يتولى ايضاح هذا الامر ومعالجته احد غيره . وما احسن الوضوح والصراحة في مثل
هـذه الامـور. فـلـقـد اوضـح ان اهـل الـسـنـة يجب ان يكونوا منصفين للجميع , وانهم وسط بين
الـروافض والنواصب (كتاب الرياض , ص 41). ولكن هذا الكلام النظري ليس له صدى على ارض
الـواقـع مـثل اشياء كثيرة , فالكتب والمقالات تترى , وفي كل واحد منها عشرات الاراء التفصيلية ,
وكـلـهـا تـقـريبا تصب في خانة واحد من الفريقين بعينه ولا نرى لدى الاستاذ شجاعة مماثلة في
نقدروايات الطرف الاخر, ولا حرصا على التعرض لها, وقد اشرت الى بعض ذلك فيما مضى , ولعله
ان شاء اللّه امر غير مقصود. وهو لا يتردد في اتهام ابن حزم والخضري والخطيب وغيرهم بانهم
نـواصـب , ويـقـول ان الـنـصـب سبع مراتب , اما مرتضى العسكري فيقول عنه هذه العبارة اللطيفة
(رغـم مـيوله العقدية ), فاين العدل والتوازن والوسطية (كتاب الرياض , ص 58)فمن الطبيعى ان
يـقابل هذا الميل باتهامات مضادة من بعض المخالفين . ولايخفى ان هذا النوع من الحوار مضر جدا ,
لانـه يـسـمـم الاجواء ويفسد الهواءويحول دون الاستفادة العلمية المطلوبة ويدفع كل طرف الى
الاستفزازوزيادة التطرف .ولا اقـول انه هو المسؤول عن ذلك وحده , ولكنه المسؤول الاول فيما ارى . وقداشرت الى اشياء
مـن اسـلوبه في التعبير, وادعائه ان التزوير تجاوز جميع الحدود بحيث تنفر منه العقول السليمة
ومـع ذلك جازعلى كثيرمن علماءالاسلام , وطريقته في التعتيم على المصادر التي حالت بينه وبين
ايـضاح الفروق في الاغراض والمناهج , وعدم التوازن في الموضوعات التي يختارهاوالامثلة التي
يضربها, فهذه الامور لها دور كبير في سوء التفاهم . واذا كانت نظرته متوازنة كما يقول , فينبغي ان
يـظـهـر اثـر التوازن عمليا في الموضوعات والكتابات والاراء والعبارات , وهذا غير موجود مع
الاسف .كتاب التباني :
(12) ومما يتصل بموضوع المصادر ان الاستاذ المالكي اثنى , بحرارة على كتاب تحذير العبقري
من محاضرات الخضري للشيخ محمد العربي التباني رحمه اللّه , واثنى على المؤلف في غير مكان ,
وقال : اكاد اقطع قطعا انه لم يؤلف مثله في موضوعه (كتاب الرياض , 37). فاذا كان الامر كذلك
فـلـماذا لا نرى ذكر التباني وكتابه في مقالات القعقاع وغيرها اولا باول لماذا لا يجعل كلامه تبعا
لـكـلام الـتـبـانـي وامثاله في الاراء التي سبقوه اليها كما تقتضيه الامانة العلمية والاعتراف بفضل
السابقين
ويـظـهر لي ان الاخ المالكي يكتفي في الدراسات المقبولة لديه . بالاشارات العامة الواضحة و غير,
الـواضحة , بمعزل عن مواضع الاستفادة التفصيلية . وهذاالامر غير مقبول لانه يؤدي الى استيلائه
على جهود العسكري والتباني وغيرهم ممن سبقوه بجيل او جيلين , فينسخهم ويحل محلهم بدلا من
ان يـكـتـب مؤيدا لهم . وقد وقع ههنا في اعظم مما عاب على غيره , واكتفى بتذكيره بما قاله لاخي
الـدكـتور عبد اللّه العسكر, الذي اخذ عدد الروايات من احد المصادر, فقال الاستاذ (وهذا خلاف
الامـانـة الـعـلـمـية ) وقال لباحث آخر (وهذا خلاف الامانة العلمية في نسبة كل قول الى قائله )
(كتاب الرياض , 81 و 181). وهوعلى حق في ذ لك كله , اما هو فياخذ الاراءالاجتهادية وينشرها
تحت اسمه ويقول (لو صح لما ضر البحث شيئافالحكمة ضالة المؤمن ).
عن القعقاع و سيف بن عمر (2/3)
د. محمد بن عبد اللّه العزام
صحيفة الرياض - 2 ربيع الاخر - 1418 هـبين العسكري والمالكي :
(13) لا يـخـفى على القارئ الكريم ان المسالة عند مرتضى العسكري لاتقف عندالقعقاع ولا حتى
عند سيف , وانما هو فتق واسع او ثقب اسود نعرف اوله ولانعرف آخره , لان هذه الدعوى تقوم على
نظرة مبدئية خاصة الى التاريخ والمؤرخين , واتها م واحد منهم بالتزوير الشامل للتاريخ الاسلامي ,
واتهام سائر علماء الامة الى يومنا هذا بالجهل او الغفلة او التستر واشاعة الاباطيل والانتصار لها او
مـا وراء ذلك من اتهامهم بضعف وسائل التمحيص والنقد,حتى انهم لم يفطنوا طيلة ثلاثه عشر قرنا
الى اختراع اسماء الصحابه بالجملة .والاخ الـمـالـكي من جهته يتحدث عن انقاذ التاريخ الاسلامي لا عن تصحيح غلطة معينة , ويضرب
الـمـثـل باربع مدن اسطورية لا بمدينة واحدة , ويقول :(هذه باختصار قصة سيف بن عمر مع عدد
كـبـيـر من الشخصيات الذي اختلقها), ويقول : (عشرات المدن التي لم يسمع بها احد ولم ينطق بها
لسان ولاسمعت بها اذن ولا خطرت على قلب بشر) وهكذا في سائر مقالاته ,وهو كلام يشبه كلام
العسكري من جهات كثيرة , ولا سيما عدد الاشخاص والاشياء التي يقولان انها مخترعات سيفية .ولقد كان العسكري صريحا بعض الشي ء, فلم يحذف شيئا من المسائل التاريخية التي يرى ان سيف بن
عـمر قد افسدها, ومنها حديث السقيفة وما وقع لفاطمة رضي اللّه عنها وحروب الردة والشورى .ومـعـلوم ان هذه المسائل من ضروريات مذهبه , فلا يستغرب منه بحثها اما الاستاذ المالكي فاخذمن
هـذه الـمـسائل وترك , ومن المكن ان ياخذ غدا ما تركه اليوم فليس في ابحاثه ما يسوغ الجزم بانه
يختلف عن العسكري , ولم يخالفه في شي ء,واضح .نظرتهم الى التاريخ
(14) وانـا اتـحـف الـقـارئ الكريم ببحث آخر من هذا النوع , فقد زعم احد الكتاب - من جماعة
الـعـسكري , وبحثه منشور في مجلة المورد العراقية سنة 1977 -ان ابا الفتح عثمان بن جني قد
كـذب عـلـى ابـي الطيب المتنبي حين زعم للناس انه لازمه وقرا عليه ديوانه واستفسر عن معاني
شـعـره , فـقال ان ذلك نوع من احلام اليقظة , وملا المقالة بتحقير الرواية والطعن في الرواة وهذا
الـكلام ايضا فحواه ودوافعه مذهبية واضحة مع الاسف , ولا يتسع المقام للخوض فيها ولا للاتحاف
بامثلة اخرى .فاذا كان ابن جني شيخ العربية يكذب على المستوى , ثم يروي الجم الغفير من العلماء والادباء ديوان
الـمـتـنـبـي مـتـنا وشرحا عنه ولا يفطنون الى هذه الاكذوبة الهائلة , بل يساعدونه على تحقيقها
وتـخـليدها, و يقع مثل ذلك , مع اكاذيب سيف كما زعم العسكري والمالكي . ومع الشعر الجاهلي كما
زعم الدكتور طه حسين , واحاديث ابي هريرة رضي اللّه عنه كما زعم ابو رية ,وغيرها وغيرها
وغـيـرهـا - فكل شي ء يجوز ان يكون مختلقا, وقل على العلم السلام . وما الذي يمنع ان ياتي الدور
عـلـى كـبـار المفسرين والمحدثين والفقهاء, فيقال - وقد قيل فعلا - انهم كانوا يخترعون المتون
والاسـانـيـدفـيـصـححها اللاحقون غفلة وبلاهة ويضعونها في كتب التفسير والقراءات والعقيدة
والحديث والفقه والسيرة النبوية وغيرها.والـحـق مـن اطـلع على كتابات العسكري وجماعته لن تفاجئه طريقتهم في تكذيب الرواة والعلماء
واتـهـامهم بشتى التهم لاغراض يعرفها الجميع , وانماالمفاجاة ان يتبنى الاخ الاستاذ حسن المالكي
هذه الافكار وينشرها علينابهذه الطريقة الملتوية .(15) قـد يقول المالكي ولكني لم اتحدث الا عن سيف بن عمر غـيـرك فـي الـمستقبل - وقد تمدد الطريق واستقرت القاعدة - عن غيره , وهل تستطيع ان تمنع
الـنـاس مـن التصرف في الفكرة اوتطبيق نفس القاعدة على مئات المسائل الاخرى ؟ ولا يخفى ان
الـصعوبة تكمن في تاسيس القاعدة , ثم ينفتح الباب على مصراعيه , ويصبح من ايسر الامور ادعاء ان
العلماء انخدعوا بعشرات الاساطير الاخرى او مئاتهااو آلافها, وبخاصة الامام الطبري كما سياتي
فـمن حقنا اذن ان نلفت الانظارالى حقيقة الموضوع من جميع ابعاده . والمالكي قد كفانا المشقة لانه
يتحدث عن امور لها اول وليس لها آخر مثل انقاذ التاريخ الاسلامي والمناهج والجامعات , الخ .ان الـنتيجة الخطيرة المترتبة على هذه الاراء ما يلي : ان الامة تعيش منذ اربعة عشر قرنا في عالم
الاوهـام والاكـاذيـب , ولـيس لديها حصانة مناعية ضدالاساطير الكبرى , فكان من الممكن ان ياتي
قـصـاص مـتـعـصـب لا قـيمة له في نفسه ,فيختلق من نسج الخيال اسماء عشرات الاسماء والمدن
والـمـعـارك والاحداث الخاصة بعصر الصحابة وغيره . مما لم يسمع به انسان ولم يخطرعلى قلب
بـشـر قبله , والبلاد من حوله تمور بالعلماء الغافلين , ثم تقع هذه الاساطير موقع القبول بعد جيل او
جـيلين وتصبح حقائق مقررة يتناقلهاكبار العلماء والحفاظ, و لا تدرك الامة انها اكاذيب مختلقة الا
بعد بضعة عشر قرنا, ربما على ايد المستشرقين والمبتدعة .واذا تـحقق ان الخط الدفاعي لم يكن موجودا في تلك القرون الاولى فما ايسرتوجيه المطاعن الى
كل شي ء حتى الى القرآن الكريم والسنة النبوية اذا كان العلماء يسكتون على اختراع اسماء الصحابة
فلماذا لا يسكتون ايضا على اختراع احاديث الصحابة , ونحن نعلم مثلا ان الدكتور طه حسين ادعى
في نفس الكتاب ان ذكر اسماء الانبياء في القرآن الكريم لا يكفي للجزم بوجودهم التاريخي , فالفاصل
رقـيـق جـدا بـيـن الـطـعن في الشعر الجاهلي وبين الطعن في اركان العقيدة . وما لنا نذهب بعيدا,
فـالـعـسـكـري طبق نظريته اولاعلى قضايا خلافية ذات صبغة عقائدية اخطر بكثير من مسالة
القعقاع ,واهمها بيعة ابي بكر الصديق رضي اللّه عنه في سقيفة بني ساعدة .ولا ادري ماذا يبقى من تاريخ الطبري - والتاريخ الاسلامي كله - اذا القيناسبعمائة وثلاثين خبرا
مـن اخـبـاره في مهملات التاريخ ومنكراته كما طلب الاستاذ (كتاب الرياض , 62) من غير حاجة
لـلـنـظـرفـي مـتونها ومن غيراشتراط وجود روايات احسن منها ولا اعني النسبة العددية لانها
قليلة بالقياس الى حجم الكتاب , بل منزلة الكتاب والثقة به وبصاحبه , فسيكون كالرجل الشريف , الذي
لحقه العار او الصدوق الذي جرب عليه الكذب .ولا يـلـزم من قولي هذا ان المالكي يرى ذلك كله , ولا ندري ماذا سيكون موضوع الكتابات القادمة ,
ولكنه نتيجة حتمية لكلامه .انه كما قلت فتق واسع نعرف اوله ونجهل آخره .بين الحديث والتاريخ
لـقـد لاحـظ العلماء الفوارق بين الحديث والتاريخ منذ العصور الاولى , فتشددوا في رواية الحديث
وتـساهلوا بعض الشي ء في رواية الاخبار والوقائع , فقبلواروايات امثال سيف بن عمر في التاريخ ,
وهـشـام بـن محمد الكلبي في الانساب , وابي عبيدة في ايام العرب , وكثير من الادباء واللغويين في
مـجال اختصاصهم ولا يعقل ان يشترط في رواية فتح الاندلس مثلا ما يشترطفي رواية غزوة بدر
ولـيـس مـن الصعب التفريق بين سيف المحدث وبين سيف المؤرخ او بين هشام المحدث وبين هشام
الاخـبـاري النسابة , فاذا روواالحوادث والاخبار والانساب واللغة والشعر فلا باس , واذا رووا
شيئا من الحديث والاحكام الشرعية فلا.واليك مثالا على هذه التفرقة , فقد ترجم الحافظ ابن عبد البر للقعقاع بن عمروفي الاستيعاب فقال
(القعقاع بن عمرو التميمي قال شهدت وفاة النبي (ص ),فيما رواه سيف بن عمر عن عمرو بن تميم
عـن ابـيـه عنه قال ابن ابي حاتم :سيف متروك الحديث , فبطل ما جاء من ذلك . قال ابوعمر هو اخو
عاصم بن عمرو التميمي , وكان لهما البلاء الجميل والمقامات المحمودة في القادسية ,لهما ولهاشم بن
عـتبة وعمرو بن معديكرب ). فمن الواضح ان كلمة ذلك في قول ابن ابي حاتم تعني ما مر في اول
الـكـلام مـن قول القعقاع انه شهد الوفاة ,واذن فقوله (سيف متروك الحديث , فبطل ما جاء في ذلك )
مـعناه انه لايؤخذ بقوله في مسالة الصحبة لان هذا الامر يتعلق بالدين والسيرة النبوية . ولم يتعرض
ابـن ابي حاتم لمسالة وجود القعقاع ولا حضوره لمشاهد الفتوح , ولاراى ضعف سيف سببا للتشكيك
فـي هذه الامور. وقداوضح ابن عبدالبر هذا غاية الوضوح في تعقيبه على كلام ابن ابي حاتم ,وهو
لم يخالفه في شي ء, ولكنه حاصل كلامه ان الشك في الصحبة لاعلاقة له باخباره الاخرى . ولو كان
يـريـد الـتـسوية بين التاريخ والحديث , او ان يردرواية سيف ردا شاملا, او ان يشكك في وجود
الـقـعقاع واخيه من الاساس , او ان سيفا يخترع الاسانيد, او ما الى ذلك من الدعاوى , فهذا هوالمقام
المناسب لذلك .ولقد استغربت قول المالكي لم يتعقبه بشي ء, فالتعقيب واضح (كتاب الرياض .ص 54). نعم , انه لم
يـخالفه في نفي الصحبة بناء على ضعف سيف في الحديث ,ولكنه عقب بما يفيد جزمه بوجود القعقاع
واخـيـه . وهـذا الـتـعـقيب واضح الفائدة في توثيق سيف فيما يتعلق بوجود القعقاع ورواية التاريخ
اجمالا,وهو موطن النزاع بيت القصيد في مقالات الاستاذ.واغـرب من ذلك قوله عن شهود القعقاع وفاة الرسول (ص ) مسالة تاريخية بحتة (كتاب الرياض ,
ص 95). والـغـرض مـنـه التسوية بين التاريخ والحديث ,وادعاء ان قول ابن ابي حاتم رحمه اللّه
سـيـف مـتـروك الحديث معناه سيف متروك الحديث والتاريخ . فمن الواضح ان الاستاذ لم يتدبر
الـفـرق بين الحديث والتاريخ . ومن التحامل والاندفاع وضعف الموضوعية ونقص المنهجية ان ياخذ
جزءا من قول ابن ابي حاتم لانه يصلح للغرض المطلوب ,ولايشير الى اقراره الضمني بانه شخص
حقيقي , ولا الى سكوته عن اتهام سيف بتزييف التاريخ بالجملة ومـا لنا نذهب بعيدا في الاستدلال , فمن اوضح الادلة على تفريق علمائنا بين الامرين كثرة روايات
سيف وابي مخنف والهيثم وابن الكلبي في كتبهم التاريخية , وانعدامها في الصحاح والسنن وقد اوضح
الاخ المالكي اكثار ابن حجر من الرواية عن سيف في الاصابة ولكنه لم ينقل عنه شيئا في فتح الباري
(كتاب الرياض , 105 - 106) فالتفسير الواضح لذلك ان الاول كتاب تاريخ والثاني كتاب حديث .ولا يـخـفـى ان هـذا الـمسلك في التفريق غير ممكن اذا كان الذي بين ايدينا انما هورواية هؤلاء
الـضـعفاء في الحديث , وهذا هو الواقع ههنا لاننا لانجد في الصحيحين مثلا شيئا عن القعقاع اما اذا
وجـدنـا فـي الصحيحين او غيرهمارواية اقوى من مثيلاتها عند سيف او غيره فلا شك انه يجب
تقديمها عليها,ولا اعرف من يخالف في ذلك او يجادل في اعتبار الروايات الصحيحة في كتب الحديث
اقـوى مـن غـيـرها عند الاختلاف , وان تخلف التطبيق في كثيرمن الاحيان . وهذه النقطة - اعني
تـخلف التطبيق فقط - مهمة جدا يشكرالاخ المالكي عليها, لانه قد اوضحها وضرب لها امثلة جيدة
عـلـيهاويلاحظ ان كثيرا من المتخصصين في العلوم التاريخية والادبية لا يكادون يفقهون شيئا في
مـصـطلح الحديث , ولايعرفون دراسة الاسانيد والترجيح بين الروايات على منهج السلف , وهذا من
آثار مناهج التعليم الغربية من غير شك .فمن المغالطة اذن ان يلبس العسكري لباس التشدد, فيقول سيف ضعيف متهم بالكذب وقد قيل فيه كذا
وكذا, ويسرد اقوال المحدثين ويوهم ان المقصودبها رواياته التاريخية التي لا مقابل لها اقوى منها
هذا مع انه في واقع الامر لايعبا بالصحيحين وقـد ذهـب الاخ المالكي الى ان الحديث والتاريخ شي ء واحد لا فرق بينهما(كتاب الرياض , 97 -
101), وجـعل الخلاف بينهما من باب الاولى بمعنى ان الذي يكذب في الحديث احرى به ان يكذب
فـي التاريخ (كتاب الرياض ,92) ولم يات بدليل الا الاستنباط العقلي , وقد سبق ان انتقد هذا الامر
بـعـيـنـه عـلى الاخرين (نفسه , 22) وهذا الاحتجاج العقلي غير مستقيم , وليس هذاهو التصور
الـصـحـيـح لـلمسالة , فان رواية حديث الرسول - (ص ) لا بد فيهامن الاحتياط وزيادة الشروط
والـمـواصـفـات لان الـخلل فيها عظيم الاثر في حياة الامة دينا ودنيا, ومن المعلوم بالضرورة ان
الانـسـان قـد يـوثـق بـه في الامور الصغرى والمبالغ المالية القليلة ولا يوثق به فيما وراء ذ لك ,
فـالقول بان الكذب على الرسول في (ص ) يعني بالضرورة الكذب على سائر الناس ليس بصحيح , وما
كـنـت اظـن هـذا يخفى على الاستاذ فالحاصل انه يريدايضا اعتبار متون سيف كالاحاديث النبوية ,
ويستشهد باقوال المحدثين لردرواياته في التاريخ من غير اشتراط وجود روايات اقوى منها.بين النقل والتوثيق
مـن الـمـلاحظ ان الاستاذ المالكي لا يتصور ان احدا يمكن ان يوثق سيف بن عمرسواء في رواية
الـحـديث او في رواية التاريخ , وقد بذل غاية جهده في نقل الاقوال في تضعيفه حتى عن بعض اهل
عصرنا, مع الايهام بانها تنطبق على التاريخ كما تنطبق على الحديث لانهما كالشي ء الواحد. فاذا وجد
شيئالا يتفق مع المطلوب بذل غاية جهده لازاحته عن الطريق . واكتفى من ذلك باربعة امثلة :
قوله : ان الطبري يعتبر ممن ضعف سيف بن عمر (كتاب الرياض , 52) .قـوله : عن شهود القعقاع وفاة الرسول في (ص ) مسالة تاريخية بحتة , لتوجيه كلام ابن ابي حاتم
بحيث يشمل التاريخ , ومضى بيانه .قوله عن الحافظ ابن عبد البر: (لم يعقب بشي ء), ومضى بيانه .محاولة اسقاط كلمة الحافظ الذهبي كان اخباريا عارفا باوهى الحجج (كتاب الرياض , 84)..محاولة اسقاط كلمة الحافظ ابن حجر الصريحة ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ بشتى الحجج
(كتاب الرياض , 55 و 105 - 108).فلما راى كثرة دوران رواياته التاريخية في كتاب الحفاظ والعلماء الاثبات , لم يجد من حيلة الا بتر
الـصـلـة بـيـن النقل والتوثيق فهذه النقول الكثيرة لا تعني شيئا, لا تحسب له بل عليه , لانها كاقوال
الـشـياطين والكفار والمنافقين في القرآن الكريم (كتاب الرياض , 83). وما كان له ان ينحدر في
الـتحامل الى هذا الحد, ولا اعتقد ان انسانا لديه ذرة من عقل يوافقه على ان كلام سيف الموجود في
تاريخ الطبري ككلام الشياطين الموجود في القرآن الكريم وفي تاريخ الطبري ايضا.