يا نفس:
فكوني بهذه المناقشة والمحاسبة راضية، ولهذه النصيحة والموعظة واعية،
ولا تنسي ما ذكرت، ولا تأمني ما حذرت (1).
فإن قادك الهوى والصبوة، وغلبتك (2) عن قبول ذلك القسوة، فاستعيني
على زوال ذلك بدوام التهجد والقيام، فإن لم يزل فبالمواظبة على الصيام، فإن
لم يزل فبصلة الأرحام والتلطف بالأيتام، فإن لم يزل فانظري هل تسمح عينك
من الدمع بقطرة؟ أو هل يأخذك على مصيبتك حزن وحسرة؟
فإن سمحت عينك بالبكاء، فقد بقي فيك موضع للرجاء، فاطلبي من
الله التوفيق والإعانة، وادمني الاستغفار وطول الاستكانة، لعله أن يرحم ضعفك،
ويجبر معصيتك (3)، ويعز ذلك، ويقبل توبتك، فلا ملجأ إلا إليه، ولا متكل
إلا عليه، فإنه يفك الأسير، ويقبل اليسير، ويعفو عن الكثير، لا يخيب من
أمله ورجاه، ويجيب المضطر إذا دعاه.
فاطلبي من الذي عنده مفاتح الغيب، أن يغفر لك قبائح العيب.
وليكن مقامك مقام البائس الفقير، وسؤالك سؤال المسكين الحقير،
وادعيه (4) دعاء الهالك الغريق، فهو أرأف من كل شفيق، والمسؤول جواد
والمطلوب منه كريم، ورحمته واسعة وعفوه عظيم، وهو القائل: (يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
(1) في ب: ولا تنسي ما ذكرتك ولا تأمني ما حذرتك.
(2) في ج، د: وغيبتك.
(3) في أ: مصيبتك.
(4) في ج، د: وأدعيتك.