الإفتراء على عليّ (عليه السلام) في مسألة المتعة
حينئذ يضطرّون إلى الافتراء، لأنّ المخالف الأوّل عليّ، وعليّ هو الإمام العالم بالأحكام الشرعيّة، الحريص على حفظها وتطبيقها بحذافيرها، فالأولى أن يفتروا على علي، ويضعوا على لسانه أحاديث في أنّ رسول الله حرّم المتعة، فخرج عمر عن العهدة وشاركه في الحكم بالتحريم والنقل عن رسول الله علي (عليه السلام).وهذه طريقة أُخرى بعد أن فشلت المحاولات في إثبات أنّ الرسول هو الذي حرّم، وإثبات أنّه حرّم ولم يعلم بهذا التحريم إلاّ عمر، وأيضاً فشلوا في نسبة التحريم إلى عمر، لعدم تمكّنهم من إثبات حديث عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين، فماذا يفعلون؟ حينئذ يفترون على من؟ على عليّ بن أبي طالب، فلو أنّ عليّاً وافق عمر في فتواه في التحريم في قول، حينئذ ينتفي الخلاف ولا يبقى نزاع في البين.لكن المشكلة هي أنّ المفترين على علي لمّا تعدّدوا، تعدّد الوضع عليه والافتراء، فجاء أحدهم فنقل عن علي أنّ التحريم من رسول الله، وكان في الموطن الكذائي، وجاء الآخر ـ وهو جاهل بتلك الفرية ـ وافترى عليه أنّ رسول الله حرّم في موطن آخر، وجاء ثالث وهو لا يعلم بأنّ قبله من افترى على علي في موطنين، فوضع موطناً ثالثاً، وهكذا عادت المشكلة وتعدّدت الروايات، فمتى حرّم رسول الله المتعة؟ عادت المشكلة من جديد، عندما يتعدّد المفترون، وكلٌّ لا علم له باختلاق غيره، حينئذ يتعدّد الاختلاق، وإذا تعدّد الاختلاق حصل الاختلاف، حتّى لو كانت الأحاديث موجودة في الصحيحين، إذ الخبران حينئذ يتعارضان، لأنّ التحريم من رسول الله واحد.فمنهم من ينقل عن علي أنّ رسول ألله حرّم المتعة في تبوك، ومنهم من ينقل عن علي أنّ رسول الله حرّم المتعة في حنين، ومنهم من ينقل عن علي عن رسول الله أنّه حرّم المتعة في خيبر، عادت المشكلة من جديد، وقد أرادوا أن يجعلوا عليّاً موافقاً لعمر في التحريم، فتورّطوا من جديد!!لاحظوا الأسانيد بدقّة، فالسند واحد، السند الذي يقول عن علي التحريم في تبوك هو نفس السند الذي يقول عنه أنّ التحريم في خيبر، وهو نفس السند الذي يقول أنّ التحريم في حنين، فلاحظوا كيف يكون!!.الحديث الأول:قال النووي: وذكر غير مسلم عن علي أنّ النبي نهى عنها في غزوة تبوك، من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمّد بن علي عن أبيه عن علي: أنّ رسول الله حرّم المتعة في تبوك.إذن، الراوي من؟ الزهري، عن عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه محمد بن الحنفية، عن علي: إنّ رسول الله حرّم المتعة في تبوك(1).الحديث الثاني:أخرج النسائي: أخبرنا عمرو بن علي ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم قالوا: أنبأنا عبدالوهّاب قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني مالك بن أنس، أنّ ابن شهاب ـ أي الزهري ـ أخبره أنّ عبدالله والحسن ابني محمّد بن علي أخبراه، أنّ أباهما محمّد بن علي بن الحنفيّة أخبرهما أنّ علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله يوم خيبر عن متعة النساء، قال ابن المثنّى [ هذا أحد الثلاثة الذين روى عنهم النسائي، لأنّه قال عمرو بن علي ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم ] قال ابن المثنّى: حنين بدل خيبر.نفس السند ابن المثنّى يقول: حنين، قال: هكذا حدّثنا عبدالوهّاب من كتابه.1- المنهاج في شرح صحيح مسلم 6/119 هامش القسطلاني.