وهناك أمرٌ ثان نلفت إليه نظر القارئ، وهو الفرق الواضح بين العقيدة والاحكام الشرعية العملية، فإنّ المطلوب في الاُولى هو الاعتقاد الجازم، ومن المعلوم أنّ الاذعان بشيء متوقّف على ثبوت مقدّمات بديهية أو نظرية منتهية إليها حتى يستتبعها اليقين والاذعان، وهذا بخلاف الاحكام الشرعية، فإنّ المطلوب فيها هو العمل وتطبيقها في مجالات الحياة، ولا تتوقّف على القطع بصدورها عن الشارع، وهذا الفرق بين العقائد والاحكام يجرّنا إلى التأكّد من صحة الدليل وإتقانه أو ضعفه وبطلانه في مجال العقائد أكثر من الاحكام، ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الاحاد في مجال الاحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطعَ أو اليقينَ، وهذا بخلاف العقائد التي يُفترض فيها اطمئنان القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس، فيرفضون خبر الاحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حدٍّ يورث العلم.
3 ـ خضوعها للبرهان العقلي:
وهناك أمر ثالث وراء هذين الامرين، وهو أنه لا يمكن لايّ باحث إسلامي أن يرفض العقل ويكتفي بالنص إذا أراد أن يعتمد الاُسلوب العلمي في مجال العقيدة; لانّ الاخذ بالنص متوقف على ثبوت أُصول موضوعية مسبقة تتبنّى نبوّة الرسول الاكرم وحجيّة قوله، فما لم يثبت للعالم صانع حكيم، قد بعث الانبياء والرسل بالمعجزات