تمهيد
موضوع البحث: الإمدادات الغيبيّة في حياةالبشر
وقد أحسستُ بأن هذا العنوان، سوف يثير فيالأذهان الكثير من التصورات، فإنهمسيتخيلون بأنّني سأطرح مجموعة منالخرافات؛ وهو إنما يدل على سذاجة مثل هذهالذهنيات، التي تتصور بأنّني سأبحث هناحول تسخير الجنّ، والطلسمات وغيرها.
ويقيناً انّ البعض حين يطرق سمعه هذاالعنوان: (الإمدادات الغيبيّة)؛ سيقول: مامعنى البحث حول المدد الغيبي في هذاالعصر، عصر العلم والتجربة الذي اخضع كلّشيء فيه للمشاهدة والحسّ واللمس، لا مجالللبحث في عصر النور حول الغيب وما وراءالستار وكل ما وراء الطبيعة.
ولكن الأمر على العكس من ذاك؛ فإن هذهالاعتراضات والتصورات، والإدّعاءات،بأنه لا معنى للبحث حول مسائل الغيب،والإمدادات الغيبية، في عصر النوروالعلم، وإنّ هذا البحث لا يتلاءم معالعلم والروح العلمية؛ إن هذه الإعتراضاتناشئة من الجهل؛ بل، ممّا هو أقبح منالجهل.
أجل إنه الجمود، كما هو الأمر في المجالالمالي، فهناك ماهو أكثر تعاسة من الفقر؛وهو الغرور، وثقة الإنسان المفرطةبممتلكاته؛ أي: اعتقاده بأنه لا يحتاج معهذه الثروة لكل شيء حتى العمل والفكر،وهذه الحالة أتعس من الفقر، فإن مستقبلهاأكثر خطورة من مستقبل الفقر.
الجهل قبيح، لأنه عدم العلم وفقدانه؛ولكن هناك الكثير من الجهلاء، والفاقدينللعلم والمعرفة الذين يندفعون لتحصيلالعلم بكل شوق؛ وهناك الكثير من العلماء،الذين يصيبهم الغرور والخُيلاء بعلمهم،وهذا الغرور يؤدي إلى وجود عالم مليبالجهل والظلام، فإن علم البشر ضئيلجدّاً، بالنسبة للحقائق التي يحفل بها هذاالكون.
قال تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلاّقليلا)(1).
إن العالم الحقيقي، هو الذي يعترف بجهله،وعدم معرفته للكثير، إنه لا ينكر وجود شيءبدون دليل؛ إذا كان العالم جامداًمغروراً، فهو ليس بعالم.
إن العالم الذي يتقبل الشيء، أو يرفضهبدون دليل؛ مثل هذا العالم لا يمتلك الروحالعلمية؛ إنه مجرد مستودع، فحسب لمجموعةمن المعارف، وآلة تسجيل، قد سجّلت كل ماتعلمته وعرفته؛ ولكن لا يوجد في روحه، ذلكالنور، والمقياس السليم للقبول والإنكار،إذن فليست روحه علمية.
إذا رأيتم قد حاز على العديد من الشهاداتالعلمية في مختلف العلوم، ولكنه يتقبلالآراء أو يرفضها بدون دليل؛ فاعلموا بأنهليس عالماً حقيقياً، فإن العلم في ذاته لايلازم الجمود والغرور، إن العالم يخضعويستسلم للحقائق، ويتأنّى بشدة في القبولوالإنكار.
(1).الإسراء: 85.