المحدود واللامحدود
الموجود على قسمين ـ بحسب الإفتراضالأولي العقلي ـ: المحدود والّلا محدود؛وإذا تعرفنا على المحدود، سيتضح الّلامحدود بنفسه.
أنت تجلس هنا، فتشغل نقطة معيّنة،ومقداراً معيّناً من الفضاء، فلا توجد فينقطة اُخرى، وفي مكان آخر؛ وإذا رغبت في أنتوجد في موضع آخر، فعليك بترك هذا الموضعوالإنتقال. فلا تستطيع في الوقت الواحد،أن توجد في موضعين؛ لذلك تكون من حيثالمكان محدوداً بمكان خاصّ، وهكذا الأمرمن حيث الزمان، فنحن موجودن في هذاالمكان، ولكنّنا غير موجودين في الأزمنةالسابقة، أو الّلاحقة.
ولكن، لو كان هناك موجود، غير محدود، منحيث المكان والزمان أي لا يخلو أيّ زمانومكان منه؛ فهو موجود في كل زمان ومكان، بلهو محيط بالزمان والمكان، فمثل هذاالموجود تكون حواسنا عاجزة عن ادراكه،وإنما نرى شيئاً معيّناً؛ لأنه موجودمحدود، وله جهة معيّنة، ويقبل الإشارةإليه، وله شكلٌ معين.
وأما لو كان غير محدود، وليس له شكل ولاجهة معينة، فإننا لا نتمكن أن نراه أبداً،وإنما نسمع صوتاً خاصاً؛ لأنه قد يوجد،وقد لا يوجد.
وأما لو وجد صوت ممتد، مستمرٌ لا يسكتأبداً، ويطرق أسماعنا دائماً؛ فلا يمكنلنا أن نسمع مثل هذا الصوت.
يقول الغزالي ما توضيحه: بأننا نرى النورونعرفه، لأنه قد يوجد وقد لا يوجد؛ هوموجود في مكان، وغير موجود في مكان آخر؛وأما لو كان النور شائعاً في العالم كله،وبصورة دائمة، ومستمرة، وشاملة؛ فلا توجدأي ظلمة، أو اُفول أبداً، فحينئذ يكونالشيء الذي لا نعرفه هو النور، الذي هوأظهر الأشياء، والمظهر والمعرِّف، لسائرالأشياء الأخرى؛ إذن فإننا نعرف النوربمعونة ضدّه، وهو الظلمة.
يقول محمود شبستري العارف المعروف: (إذاكانت الشمس في حالة واحدة، وتشرق بصورةدائمة ومستمرة؛ لكان شعاعها على منوالواحد، ولم يعلم أحدٌ بأن هذا شعاعها، ولميكن هناك تفاوت بين الجلد والعقل.
العالم كله فيض من فيوضات الحق، ولكنلكثرة ظهور الحق مخفيّ.
وبما أن نور الحق ليس فيه انتقال وتحول،لذلك يلزم أن لا يكون فيه تغير وتبديل).
وهذا ما يعنيه قولهم: (تُعرف الأشياءبأضدادها)؛ فإن ذلك مختصٌ بالأمور الخاضعةللحواس، والتي نتعرّف على وجودها بواسطةالحواس.