وقد استوحى فلاسفة الإسلام من هذاالتعبير القرآني، فاصطلحوا على الطبيعةبعالم الشهادة، وعالم الملكوت بعالمالغيب.
وتكفي حواسنا في الإعتقاد والإيمان بعالمالشهادة؛ بل، إنما سُمّي هذا العالمبالشهادة، لعلاقته الوثيقة بحواسنا، فهومحسوس وملموس لنا، فلا نحتاج إلى الدراسةوالتعلم، لتكوين الإيمان بوجود هذاالعالم.
وإنما نحتاج إلى الدراسة والتحقيق،للتعرف أكثر على حقائقه، ولكن، هذه الحواسلا تُجدي وحدها، في التعرف والإيمان بعالمالغيب، بل نحتاج في ذلك للعقل، الذي هومرتبة من الغيب في وجودنا، ونحتاج أيضاً،إلى قوّة أكثر خفاءاً لشهود الغيب.
يقول المولوي: الجسم ظاهر، والروح خفيّة،الأجسام كالأكمام، والأرواح كالأيدي،والعقل أكثر خفاءاً من الروح، والحسّ يصلإلى الروح بصورة أسرع، وروح الوحي أكثرخفاءاً من العقل، فانه غيب، بينما العقليطلع رأسه ويبرز.
إن الحسّ الذي نتعرّف به على الحق،ويتجلّى من خلاله الحق، ليس هو الحسّالدُنيوي، هو من نوع آخر.
للانسان فهم وروح أخرى، غير الروح والفهملدى الحمار والبقر، وأيضاً غير الفهموالروح الآدمية، هناك فهم آخر مختصّبالنبي والولي.
وقد بُعث الأنبياء لتوجيه البشر ودفعهمإلى الاعتقاد بعالم الغيب، ولم يكتفِالأنبياء بتوجيه البشر إلى الاعتقادبوجود الغيب؛ بل، إنهم بُعثوا لتكوينالعلاقة بين البشر والغيب، هم حلقة الوصلبين البشر وعالم الغيب، بُعثوا لأجل أنيؤمن البشر بالامدادات الغيبية،والفيوضات الغيبية الخاصّة، التي تُفاضوفق شروط خاصّة، ومن هذا الجانب تكونلمسألة الغيب علاقة بالواقع العمليالتطبيقي للانسان.
ستار الغيب
قلنا: بأن الغيب يعني ما وراء الستار،فكيف اُسدل الستار بيننا وبينه؟
وما هو هذا الستار؟
وهل يوجد ستارٌ وحجاب حقّاً، لابدّ منانكشافه حتى نطّلع على الغيب، أو أنّ هذاالتعابير كنايات عن مفاهيم أخرى؟
وقد استعمل هذا المعنى في القرآن الكريمحول القيامة، كما في قوله تعالى:
(فكشفنا عنكَ غطاءك فبصرك اليوم حديد)(1)،والإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقولـ كما نسب إليه ـ:«لو كُشِف لي الغطاء لماازددتُ يقيناً».
ومن المسلّم به أن هذا الستار ليس مادياًوجسميّاً؛ بل، هو حجاب المحدودية،محدودية الحواس، فإن حواسنا لا تُدرك إلاّالأمور النسبية المحدودة.
(1) ق: 22.