إذن، فالانسان لا يترك لوحده دائماً،فهناك يد غيبية، تطلّ عليه أحياناً، ووفقشروط خاصّة، لتنقذه من الضلال والعجز،واليأس، والضعف والضياع.
الإمدادات الغيبية الاجتماعية
كان حديثنا حول توفّر المدد الغيبي،بالنسبة للفرد الواحد، ولكن، هل يتم ذلكللبشر جميعهم، فتتدخل اليد الغيبيةأحياناً لتنقذهم، وتأخذ بأيديهم إلى شاطيالنجاة؟والملاحظ أن الأنبياء الكبار، أمثالابراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلّى اللهعليه وآله وسلّم) إنما ظهروا في الظروفالصعبة، التي كانت البشرية فيها بأشدالحاجة لوجودهم، فكانوا اليد الغيبيةالتي أنقذتهم، وكانوا كالمطر الذي يهطل فيالصحراء الظامئة العطشى؛ إنهم مصداقالآية الشريفة: (ونريد أن نمنّ على الذيناستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهمالوارثين)(1).
والامام علي (عليه السلام) يحدّد المناخوالأرضية، التي بعث فيها الرسول (صلّىالله عليه وآله وسلّم): «أرسله على حينفترة من الرسل، وطول هجعة من الاُمم،وانتفاض من المبرم، وانتشار من الاُمور،وتلظ من الحروب، والدنيا كاسفة النور،ظاهرة الغرور، على حينِ اصفرار من ورقها،واياس من ثمرها».
لقد ظهر الأنبياء في فترة كانت فيهاالبشرية، أو محيطهم الاجتماعي على الأقلتعيش حالةً خطيرةً، وكانوا هم السبب فينجاة المجتمع واصلاحه؛ والقرآن الكريميخاطب المجتمع الذي بُعث فيه الرسول (صلّىالله عليه وآله وسلّم): (وكنتم على شفا حفرةمن النار فأنقذكم منها)(2).
وهناك أمثال سائرة، يتداولها الناس؛أمثال: عند انتهاء الشدة يكون الفرج، أوالفرج بعد الشدة؛ وهناك أمثال أيضاً فياللغة العربية بهذا المعنى؛ وهذه كلهاتعبّر عن التجارب البشرية في هذا المجال،وإنّ حركة العالم ومسيرته، ليست كمايتخيّلها المادي، حركة عبثية وعشوائية.
المهدوية في الإسلام
إن مسألة المهدوية في الاسلام، وبالخصوصعند الشيعة، لها فلسفة كبيرة؛ ان الاعتقادبظهور المخلص والمصلح، ليس بمعنى ظهوره فيمنطقة جغرافية معيّنة، أو لجماعة وقبيلةخاصّة، أو عنصر خاص، أو لانقاذ المسلمينفحسب؛ انه يظهر لانقاذ البشرية عموماً فيالعالم كله، وتغيير الأوضاع الحياتيةللبشر، بما فيه صلاحهم وسعادتهم.
ربما يتخيّل البعض، بأنه في عصرنا عصرالعلم، العصر الذي تعرّف فيه الإنسان علىأسرار الأرض وحقائقها، وسخّرها؛ والآنيرتقي إلى السماء ليتعرف عليها ويسخّرها،فلا تحتاج البشرية حينئذ للمدد الغيبي، إذانه يصبح بذلك أكثر تكاملاً واستقلالية،فلا يحتاج للمعونة الغيبية، أو أنه أقلاحتياجاً لذلك، فإن العقل والعلمبالتدريج، سوف يملآن الفراغ، ويستجيبانلمثل هذه الاحتياجات والرغبات.
(1). القصص: 5.
(2). آل عمران: 103.