وأهل العرفان يقولون: بأن الله أصبحمخفياً، لفرط وجوده وكثرته؛ أي أن حيثيةالظهور والخفاء واحدة فيه، هو خفي، لأنهليس له غياب وأُفول وغروب، ولا يخلو منهأيُّ مكان.
يامن اختفى لِفرطِ نورهِ
الظاهر الباطنفي ظهوره
الظاهر الباطنفي ظهوره
الظاهر الباطنفي ظهوره
(كانت سمكة تسبح في الماء، وكان فكرهامثلي ناقصاً.
لم تعرف يوماً الخوف والقلق من الصيّاد،ولم تمر بأوجاع الشباك وآلامه.
ولم تتألّم روحها من العطش، ولم يحترققلبها من الشمس المحرقة.
وفي يوم ما كانت مستغرقة بهذه الفكرة إنالناس يقولون دائماً: الماء، ولكن أينالماء؟
أين ذلك الإكسير الذي يبعث الحياة فيالطير والسمك؟
إذا كانت هذه الجوهرة الفريدة هي غذاءالحياة، فلماذ ياربّ قد أخفيتها عن عيني؟
إنّ هذه السمكة لا يلوح لنظرها غير الماءفي عمرها كله، وتعيش بسلام في أحضانه،ولكن ليس هناك أي خبر عن الماء.
فهل أنها كانت غافلة عن شكر النعمة،ليقذفها الموج من البحرِ إلى الساحل؟
وأخذت الشمس تلسعها، وأخذ البحر يمزّقهالفراق الماء.
وامتدّ لسانها، إلى شفتها من شدة العطش،وارتمت على التراب وخطر الماء في ذهنها.
وحين سمعت من بعيد أصوات البحر وهديره،ارتمت تتلوى على التراب وتقول:
الآن قد عرفتُ ما هي تلك الكيمياء، وذلكالاكسير السحريّ، الذي لا أمل لي فيالحياة بدونه؛ ولكن ـ للأسف ـ إنّني في هذااليوم فحسب، قد أدركت قيمة الماء وأهميته،حيث تقتصر عن الوصول إليه).
فهذه السمكة، كانت تعيش في أحضان الماء،العمر كلّه، ويحيطها الماء من كل جانب،فالشيء الذي لا تدركه ولا تعرفه، ولاتراه، هو الماء، ولكنها في اللحظة التيتخرج من الماء، وترى ما هو ضد الماء، وهوالأرض؛ حينئذ تشعر بوجود الماء وأهميتهلها.
إذن فالغيب، إنما كان غيباً بالنسبة لنا،لقصور قُدراتنا الحسيّة، والادراكية، لالوجود حائل وستار، بين هذه القدرات وبينالغيب؛ وقد كُتبَتْ بحوثٌ ودراساتٌعديدةٌ حول حدود الادراكات ومداها، فيالعصر الحديث؛ وأهمّها ما كتبه عمّانوئيلكانت في كتابيه، (نقد العقل النظري) و(نقدالعقل العملي).
ولكن الفلاسفة الإسلاميّين قد بحثوا هذاالموضوع بصورة أكمل، ولهذا الحديث موضعٌآخر، ويضيق المجال لو تعرّضنا له هنا.
والمولوي قبل قرون قد تعرّض لهذه الفكرة،فكرة قصور الحس البشري ومحدوديّته، وضربلذلك مثلاً: الفيلُ في هذه الأبياتالرائعة:
(جاء الهنود بفيل لعرضه على الناس،وأودعوه غرفةً مظلمةً.
وتهافت الناس لرؤيته في ذلك الظلام.