9) الواقدي، محمد بن عمر بن واقد(49)
كنيته أبو عبد الله، و لقبه الأسلمي، و هو مولى لبني سهم من قريش. ولد في المدينة المنورة سنة 130 هـ. طلب العلم منذ صغره، حتى برز فيه. و كانت له طريقة فريدة في طلب العلم. فهو لا يكاد يسمع برجل من أبناء الصحابة و أبناء الشهداء، و لا مولى لهم، إلا ذهب إليه و سأله عما سمعه من أهله عن المشاهد التي شهدها أبوه و أين قتل. فإذا أخبره مضى إلى الموضع فعاينه. فما علم بغزوة إلا و مضى إلى الموضع الذي وقعت فيه ليعاينه. و قد شوهد في مكة و معه ركوة (و هي قربة يوضع فيها الماء) متوجها ً إلى حنين ليرى الموضع و الوقعة. و أكسبته هذه الطريقة شهرة كبيرة، حتى أن ألواحه التي كان يكتب عليها كانت تضيع منه في المدينة، فيعيدها الناس إليه من شهرتها، يقال: هذه ألواح ابن واقد. و في إحدى السنوات حج هارون الرشيد، و معه وزيره يحيى بن خالد البرمكي، فوردا المدينة. فطلب الرشيد من وزيره يحيى أن يأتيهم برجل عارف بالمدينة و المشاهد و كيف كان نزول جبريل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و من أي وجه كان يأتيه، و قبور الشهداء. فسأل يحيى عن رجل مناسب، فدله الجميع على الواقدي. فبعث إليه فأتاه، و تواعدوا إلى ما بعد صلاة العشاء. فقادهما الواقدي فلم يدع مشهدا ً و لا موضعا ً إلا أراهما إياه. فأخذ هارون الرشيد و يحيى البرمكي يصليان و يجتهدان في الدعاء حتى طلع الفجر. و رضيا عنه جدا ً، و كافأه الرشيد بعشرة آلاف درهم، و قال له يحيى: لا عليك أن تلقانا حيث كنا. و بهذه المكافأة توسعت الدنيا على الواقدي، فوسّـع على أهله، و زوّج أولاده. و يبدو أن الناس افترضوا أن الواقدي أصبح من المقربين من الرشيد و البرامكة، فأعطوه أموالهم ليضارب لهم بها، حتى تجمع لديه مائة ألف درهم من أموال الناس، فتاجر في الحنطة. و لكن مهارته في التجارة لم تكن مثل مهارته في العلم، فخسرت تجارته و تلفت الأموال التي أعطاه إياها الناس و أثقلته الديون، و ذلك في سنة 180 هـ. و سافر الواقدي إلى بغداد ليقابل يحيى البرمكي، على حسب الوعد الذي وعده إياه يحيى. و هناك عرف أن الرشيد و يحيى موجودان في الرقة و ليس في بغداد. فسافر إلى الرقة، و لكنه لم يتمكن من الدخول على مجلس يحيى إلا بعد قصة طويلة أصابه خلالها اليأس من مقابلة يحيى، حتى توسط له في ذلك صديقه بكار الزبيري. و تأثر يحيى كثيرا ً لما رآه عليه من خسة الحال و رثاثة الثياب، فأخذ يعطيه كل ليلة خمسمائة دينار و يأمره بالعودة إليه في الليلة التالية، و الواقدي في كل مرة يحسن حاله، و الوزير يقربه أكثر. و كان ذلك في رمضان، حتى إذا كانت ليلة العيد أمره أن يلبس أحسن ما عنده و يتجهز ليراه الرشيد عند خروجه لصلاة العيد، و كانت النتيجة أن عينه الرشيد قاضيا ً و أمر له بثلاثين ألف درهم. عاد الواقدي إلى المدينة و قضى دينه، و أخذ أهله، و انتقل إلى بغداد ليكون قريبا ً من يحيى البرمكي. و عاش عيشة هانئة. و في سنة 187 هـ كانت نكبة البرامكة. و لا نعرف بالضبط ما الذي حدث للواقدي خلالها، و هل تعرض إلى مكروه باعتباره من المقربين إلى البرامكة، أم لا؟ و لكن المؤكد أنه فقد منزلته التي كان عليها، و ابتعد عن واجهة الحياة. و مع ذلك ظل الواقدي محتفظا ً بإخلاصه و49 - مصادر ترجمة الواقدي : أبو نعيم الأصبهاني ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ، ج1 ص82 أبو نعيم الأصبهاني ، كتاب الضعفاء ، ص146 البخاري ، التاريخ الكبير ، ج1 ص178 البخاري ، التاريخ الصغير ، ج2 ص311 البخاري ، الضعفاء الصغير ، ص104 الجوزجاني ، أحوال الرجال ، ص135 الربعي ، مولد العلماء و وفياتهم ، ج2 ص463 ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح و التعديل ، ج8 ص20 الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج9 ص454 - 469 الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج6 ص273 الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ص619 الذهبي ، الكاشف ، ج2 ص205 السيوطي ، طبقات الحفاظ ، ص149 النسائي ، الضعفاء و المتروكين ، ج3 ص87 ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج7 ص521 ابن حجر العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، ج9 ص323 ابن حجر العسقلاني ، تقريب التهذيب ، ص498 ابن العجمي ، الكشف الحثيث ، ص243 العقيلي ، الضعفاء ، ج4 ص107 ابن حبان ، المجروحين ، ج2 ص290 أبو الحجاج المزي ، تهذيب الكمال ، ج26 ص180 - 194 الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص3 - 20 ابن سعد كتاب الطبقات الكبير ، ج5 ص425 - 433 أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص144 .