هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 12 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 .( 2 ) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 . ( * )
146
بل لو أغمض عن ذلك يمكن منع الاطلاق في المستثنى ، بدعوى عدم كونها في مقام بيان حكمه ، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي وأنه لم يوجد غير المذكورات محرم ، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتى يؤخذ باطلاقها في المشتبهات ، إلا أن يقال :إن تقييد الدم بالمسفوح وتعليل المذكورات بقوله ( ع ) :" فانه رجس " دليل على كونها بصدد بيان المستثنى وعنايتها بحكمه أيضا ، فيؤخذ باطلاقها ، وفيه تأمل . لان القيد على فرض قيديته لعله لاجل تعارف أكل المسفوح ، ويحتمل أن يكون التعليل لبيان أن حرمتها ليست إلا لنجاستها لا لعناوينها ، تأمل .وأما الروايات فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتكال على اطلاقها إلا النبوى " يغسل الثوب من المني والدم والبول " ( 1 ) ورواية دعائمهامش: ( 1 ) قال الشهيد في الذكرى :" الثالث والرابع المني والدم من كل ذي نفس سائلة وان كان مائيا كالتمساح ، لقول النبي صلى الله عليه وآله :انما يغسل الثوب من المني والدم والبول " وقال المحقق في المعتبر حول نجاسة الدم ( ص 116 ) ما هذا لفظه :" الدم كله نجس عدا دم مالا نفس له سائلة - إلى أن قال - :لنا قوله صلى الله عليه وآله :انما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ، وانما للحصر ، ولم يرد حصر الجواز ولا الاستحباب ، فتعين حصر الوجوب ، وكأنه قال :لا يجب غسل الثوب إلا من هذه " وقال في موضع آخر منه ( ص 119 ) في بيان عدم العفو عما بلغ الدرهم :" فلان مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل النجاسة وكثيرها لقوله صلى الله عليه وآله :انما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ، وهذا اللفظ باطلاقه يقتضي وجوب إزالة الدم كيف كان ، فيترك منه ما وقع الاتفاق على العفو ( * )
147
الاسلام عن الباقر والصادق عليهما السلام " أنهما قالا في الدم يصيب الثوب :يغسل كما تغسل النجاسات " ( 1 ) وهما ضعيفان سندا ، إذا لم يحرز اتكال القوم عليهما ، بل الظاهر عدم استنادهم اليهما ، وربما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله ، وهو كما ترى سيما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير .وأما سائر الروايات فلا إطلاق فيها ، لكونها بصدد بيان أحكام أخر كموثقة عمار بن موسى عن أبى عبدالله عليه السلام ، وفيها :" فقال :كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما ،هامش: عنه وهو ما دون الدرهم " وعن العلامة في المنتهى في مسائل نجاسة المني والدم :" وما رواه الجمهور عن عمار بن ياسر ان النبي صلى الله عليه وآله قال له حين رآه يغسل ثوبه من النجاسة :ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء ، انما يغسل الثوب من خمس :البول والغائط والدم والقئ والمني ، وروى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله قال :سبعة يغسل الثوب منها :البول والمني . . " وقريب منهما ما أورده الشيخ في الخلاف ( ص 69 ) ونقله في مستدرك الوسائل الباب 12 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 ، ولكنه ما ذكر لفظ " القئ والدم " وأورده في جمع الجوامع للسيوطي - ج 5 ص 83 - الحديث 1757 مع أدنى تغيير في العبارة ، وكذلك في كتاب بدايع الصنايع ( ؟ للكساني ؟ ج 1 ص 60 - وبما نقلناه يظهر وجه ما قاله صاحب الجواهر من أن الحديث مروي في كتب الفروع لاصحابنا وان لم اجده من طرقنا ، وظني أنه عامي ، بل ظاهر المنتهى او صريحه ذلك .( 1 ) المستدرك - الباب - 15 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )
148
فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب " ( 1 ) فانها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم ، فكأنه قال :سؤر الطير لا بأس به إلا أن يتنجس بالدم .ونظيرها رواية زرارة قال :" قلت لابي عبدالله عليه السلام :بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ؟ قال :الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، فان غلب الريح نزحت حتى تطيب " ( 2 ) فانها في مقام بيان حكم البئر لا الدم ، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة والماء والمكاسب المحرمة وآنية أهل الكتاب وغيرها مما لا مجال لتوهم الاطلاق فيها .وأما رواية السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" إن عليا عليه السلام لا يرى بأسا بدم ما لم يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل :يعني دم السمك " ( 3 ) فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يذكى لانه بصدد بيان نفي البأس عما لم يذك ، لا إثبات البأس فيما يذكى .ثم إن قلنا بعدم الاطلاق في الروايات فكما لا يمكن التمسك بها لاثبات نجاسة مطلق الدم لا يمكن التمسك بها لاثبات نجاسة دم ماله نفس سائلة ، فلو شك في نجاسته ما دام كونه في الباطن ، أو في نجاسة العلقة إن قلنا بأنها لذي النفس ، أو في بعض أقسام الدم المتخلف ، كالمتخلف في القلب والكبد ، أو في العضو المحرم ، أو المتخلف في الحيوان الغير المأكول لا تصلح تلك الروايات لرفع الشك فيها .ودعوى أن الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الابواب المختلفةهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاسئار - الحديث 2 .( 2 ) الوسائل - الباب - 15 - من ابواب الماء المطلق - الحديث 3 .( 3 ) الوسائل - الباب - 23 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )
149
لا يشك في أن نجاسة الدم مطلقا كانت معهودة مفروضة التحقق لدى السائل والمسؤول عنه ، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال :" دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي فقال لي قائدي :إن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له :إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما ، فقال :إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرء " ( 1 ) في غير محلها لان المسلم من معهوديتها انما هو بنحو الاجمال لا الاطلاق ، كما هو واضح . وأما الرواية فلا تدل على معهوديتها مطلقا ، فان الدم في ثوبه لم يكن إلا من دمه الشريف عادة أو نظيره ، ولم يحتمل الناظر غير ذلك ، كدم العلقة أو المخلوق آية .كدعوى إلغاء الخصوصية عرفا من الروايات الواردة في دم الرعاف وحكة الجلد وغيرهما ، فان إلغاء الخصوصية انما هو فيما لا تحتمل خصوصية عرفا ، وأما مع احتمال أن للدم الظاهر أو في الاجزاء الاصلية خصوصية فلا مجال لالغائها ، مع امكان أن يقال :إن إلغاء الخصوصية انما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم ، وأما بعد مفروضية نجاسته والسؤال عن حال الابتلاء به فلا مجال لالغائها .فتحصل مما ذكرناه أن الاصل في الدم الطهارة إلا أن يدل دليل على نجاسته .والظاهر أن دم ماله نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر مما لا كلام ولا إشكال في نجاسته ، وقد ادعي الاجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكي المختلف والذكرى وكشف الالتباس وشرح الفاضل ، وعن الغنية والتذكرة لا خلاف فيه ، وعن المنتهى ونهاية الاحكام والمعتبرهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 ( * ) .
150
والمدارك والدلائل هو مذهب أصحابنا مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الاخيرة ، ونقل عنه :الدماء كلها تنجس الثوب بحلولها فيه ، وأغلظها نجاسة دم الحيض .لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح ، فعن الحلي الاستدلال على طهارة دم السمك ونحوه بأنه ليس بمسفوح ، وعنه أيضا :الدم الطاهر هو دم السمك والبراغيث وما ليس بمسفوح وقد نسب العلامة في المنتهى التقييد به إلى علمائنا قال :" قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة - أي يكون خارجا بدفع من عرق - نجس ، وهو مذهب علماء الاسلام ، لقوله تعالى :" قل لا أجد " الخ - وقال - :دم السمك طاهر وهو مذهب علمائنا - إلى أن قال - :وقوله تعالى :" دما مسفوحا " ودم السمك ليس بمسفوح " والظاهر أن كل من قيد الدم به انما هو بتبع الآية الكريمة ، كما ترى تمسك العلامة بها ، فالاولى عطف الكلام إلى مفادها .فنقول :إن في بادئ النظر وان احتمل أن يكون التوصيف بالمسفوح للاحتراز عما لا يخرج من العرق صبا واهراقا بدفع في مقابل الرشح كدم السمك وغيره مما لا نفس سائلة له ، أو للاحتراز عن الدم المتخلف في الذبيحة ، أو للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر ، أو للاحتراز عن جميع المذكورات ، لكن الاقرب عدم قيدية الوصف ، لان ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء ، ومعه لا يصلح القيد للاحتراز ، مضافا إلى أن الاستثناء لما كان من حرمة الاكل لا يراد بالقيد الاحتراز عن المذكورات واثبات الحلية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح ، ولا أظن من أحد احتمال حلية دم خرج من عرق حيوان بلا صب ودفع تمسكا بالآية الكريمة .151
نعم لو قيل بأن المراد بغير المسفوح هو ما اختلط باللحم مما لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن لكان له وجه ، لكنه خلاف ظاهر القيد ، فان الظاهر منه كما مر في كلام العلامة هو ما خرج بدفع من العرق .والانصاف أن فهم القيدية واحترازية الوصف مشكل ، ومعه لا يجوز التمسك لطهارة ما في الباطن أو المتخلف في الذبيحة ، وإن لا تدل على نجاستهما أيضا ، لان عدم احترازية القيد لا يلازم الاطلاق وبعبارة أخرى ان المدعى أن الآية حرمت ما يتعارف بينهم أكله ، أي الدم المسفوح ، والتقييد للمتعارف للاحتراز ، فتكون ساكته عن حكم غيره اثباتا ونفيا .هذا كله مع عدم المفهوم للوصف ، فلا تدل على حلية غير محل الوصف فضلا عن طهارته ، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلف بالآية في غير محله ، سيما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعا لللحم ، وبهذا كله ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالى :" حرمت عليكم الميتة والدم " ( 1 ) وللمسألة محل آخر .ثم أن المتفاهم أو المتيقن من معاقد الاجماعات نجاسة الدم الخارج عن حيوان له نفس سائلة ، والتقييد بالمسفوح في كلام الحلي والعلامة وغيرهما ليس لاخراج مثل دم الرعاف والدماميل بالضرورة ، بل لاخراج المتخلف وما لا نفس له ، ضرورة نجاسة المذكورات نصا وفتوى ، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي فرضا ليس مشمولا لها ، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة ، فانه ليس دم الحيوان ، والاصل فيه الطهارة .هامش: ( 1 ) سورة المائدة :5 - الآية :3 . ( * )
152
ودعوى غلبة الظن بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة عهدتها على مدعيها ، مع أن الظن لا يدفع الاصل إلا أن يكون حجة شرعية ، كدعوى مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرعة بحيث أمكن دعوى تلقيه من الشارع الاقدس ، فانها بلا بينة .وكذا العلقة غير معلومة الشمول للاجماع لان الظاهر من دم الحيوان غيرها فانها نطفة تبدلت بالعلقة فلا تكون دم الام عرفا ، ولادم الحيوان الذي تنقلب اليه بعد حين ، لكن الشيخ ادعى في الخلاف إجماع الفرقة على نجاستها ، واستدل لها أيضا باطلاق الادلة ، ويظهر من المحقق والعلامة ومحكي غيرهما التمسك لها بأنها دم أو دم ذي نفس ومن ذلك ربما توهن دعوى إجماع الخلاف ، ولعل مراد القاضي في محكي المهذب من أنه الذي يقتضيه المذهب ظاهر الادلة ، لكن مع ذلك الاحوط نجاستها بل لا تخلو من ترجيح .وأما العلقة في البيضة فغير معلومة الشمول لاجماع الخلاف ، بل الظاهر عدم إطلاق العلقة عليها حقيقة ، ولا أقل من انصرافها عنها ، فالاقوى طهارتها .كما أن الحكم بطهارة الدم المتخلف لا يحتاج إلى إقامة برهان بعد قصور الادلة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذى النفس ، وعدم دليل آخر على نجاسته ، وإن قام الدليل على طهارته ، كما عن المختلفالمجلد:3 من ص 152 سطر: 19 الى ص 160 سطر: 18 وكنز العرفان والحدائق وآيات الجواد دعوى الاجماع عليها وإن كان في معقد بعضها قيد ، وعن المجلسي وصاحب كشف اللثام والذخيرة والكفاية عدم الخلاف فيها ، بل هو الظاهر من الجواهر أيضا ، وعن أطعمة المسالك أن ظاهرهم الاتفاق عليه .نعم استثنى بعضهم ما في الجزء المحرم كالطحال ، بزعم أن حرمة