هامش: ( 1 ) المستدرك - الباب - 19 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 8 . ( * )
284
نعم ظاهر المعتبر أنه خمر اسما وإن لم يكن مسكرا ، متمسكا بالتسمية الشرعية وأصالة الحقيقة ، وهو كما ترى . وبقول أبي هاشم الواسطي المحكي في الانتصار :" الفقاع نبيذ الشعير ، فاذا نش فهو خمر " وهو أيضا غير وجيه لان الظاهر أن مراده من كونه خمرا أنه مسكر ، لا أنه مسمى بها ، مع أن التعويل على قوله مع ما عرفت في غير محله ، ولهذا لم يعول عليه علم الهدى ، وإلا لاستدلال على حرمته بظاهر الكتاب ، إلا أن يقال :إن الكتاب منصرف عنه ، وهو غير معلوم ، بل ممنوع بعد الصدق حقيقة .ثم أنه بعد العلم بعدم خمريته حقيقة لابد من حمل الروايات الحاكمة بأنه خمر بعينها ( 1 ) أو من الخمر ( 2 ) أو خمر استصغره الناس ( 3 ) على نحو من التنزيل ، فيدور الامر بين احتمالين :إما البناء على التنزيل باعتبار الحكم ، بمعنى أن الائمة عليهم السلام لما رأوا ثبوت جميع آثار الخمر له أطلقوها عليه إدعاء ومجازا ، وإما البناء علىهامش: ( 1 ) كرواية محمد بن سنان قال :" سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع فقال :هي الخمر بعينها " راجع الوسائل - الباب - 27 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 7 .( 2 ) كرواية حسين القلانسي قال :" كتبت إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال :لا تقربه فانه من الخمر " ونحوها رواية محمد بن سنان راجع الوسائل - الباب - 27 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 6 .( 3 ) كرواية الوشا عن أبي الحسن عليه السلام قال :" هي خمرة استغصرها الناس " راجع الوسائل - الباب - 28 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 1 . ( * )
285
التنزيل باعتبار الخاصية ، وأنه لما كان عاقبته عاقبة الخمر وفعله فعلها نزلوه منزلتها .والفرق بينهما أنه على الاول يحكم بترتب الاحكام بمجرد صدق الفقاع وان لم يكن مسكرا ، لان التنزيل ليس بلحاظ إسكاره ، وعلى الثاني يترتب الاحكام على قسم المسكر ، لان التنزيل باعتبار مسكريته .ولا شبهة في أن مقتضى إطلاق الاخبار البناء على الوجه الاول ، ولا وجه لرفع اليد عن إطلاقها بلا دليل مقيد ، ودعوى الانصراف إلى القسم المسكر ممنوعة ، فالاقوى حرمته ونجاسته وترتب سائر الآثار عليه بمجرد صدق الاسم ولو لم يكن مسكرا كما نص عليه الاصحاب في كلماتهم المتقدمة وأرسلوه إرسال المسلمات .نعم الظاهر عدم ترتبها قبل الغليان ، لصحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال :" كان يعمل لابي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله ، قال ابن أبي عمير :ولم يعمل فقاع يغلي " ( 1 ) والظاهر أن ابن أبي عمير كان بصدد دفع توهم عمل الفقاع الحرام ، وموثقة عثمان بن عيسى قال " كتب عبدالله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام إن رأيت أن تفسر لي الفقاع ، فانه قد اشتبه علينا أمكروه هو بعد غليانه أم قبله ؟ فكتب :لا تقرب الفقاع إلا ما لم يضر آنيته أو كان جديدا ، فأعاد الكتاب إليه كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني :إشربه ما كان في إناء جديد ، أو غير ضار ، ولم أعرف حد الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسر ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة والزجاج والخشب ونحوه من الاواني ؟ فكتب عليه السلام يفعل الفقاع في الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ، ثم لا يعدهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 39 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 1 . ( * )
286
منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد والخشب مثل ذلك " ( 1 ) .والظاهر منها أن النهي عن هذه الظروف لاجل حصول النشيش والغليان له إذا نبذ فيها ، ويمكن أن يكون لحصول الاسكار له ، لكن هذا مجرد احتمال لا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الادلة وكلمات الاجلة ، وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال :" سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدرى كيف عمل ولا متى عمل أيحل أن أشربه ؟ قال :لا أحبه " ( 2 ) .والظاهر منها وجود قسمين منه :حلال وحرام ، والظاهر من الروايتين المتقدمتين أن الحلال منه قبل غليانه ونشيشه والحرام بعده ، وكذا الاخيرة أيضا لاشعار قوله :" متى عمل " أو ظهوره في شكه في بقائه إلى حال التغير والنشيش ، ولا يبعد حمل إطلاق كلمات الاصحاب على ما بعده كما مر ما عن الاستاذ في حاشية المدارك أنهم صرحوا بأن حرمة الفقاع ونجاسته تدوران مع الاسم والغليان .بل الظاهر من اللغويين عدم صدقه على ما لم ينش ، قال في القاموس " الفقاع كرمان :هذا الذي يشرب ، سمي به لما يرتفع في رأسه من الزبد " ونحوه في المنجد ومعيار اللغة ، وفي المجمع :" قيل :سمي فقاعا لما يرتفع في رأسه من الزبد " ويظهر من الشهيد في محكي الروض اعتباره في الصدق .ثم ان المتيقن منه ما أخذ من الشعير ، والظاهر عدم الكلام فيه وانما الكلام والاشكال فيما يؤخذ من سائر الاشياء كالقمح والذرة والزبيب وغيرها ، وقد مر كلام الطريحي في المجمع في انحصاره بماهامش: ( 1 ) و ( 2 ) الوسائل - الباب - 39 - من ابواب الاشربة المحرمة الحديث 2 - 3 . ( * )
287
يؤخذ من الشعير ، وهو ظاهر السيد في الانتصار حيث استدل على حرمة الفقاع مطلقا بعدم استفصال النبي صلى الله عليه وآله فيما يؤخذ من الشعير دون ما يوخذ من القمح ، فما نسب إليه من أخذه من القمح أيضا مخالف لذلك .نعم حكى هو من طريق الناس عن أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وآله " أن أناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله ليعلمهم الصلاة والسنن والفرائض ، فقالوا :يا رسول الله إن لنا شرابا نعمله من القمح والشعير ، فقال :الغبيراء ؟ قالوا :نعم ، قال :لا تطعموه " الخ ، ثم حكى تفسير زيد بن أسلم الغبيراء بالاسكركة ، وهي بالفقاع .ولعل الغبيراء في كلام النبي صلى الله عليه وآله كان مربوطا بالمتخذ من الشعير المتأخر في الذكر في كلام السائل لا منه ومن القمح ، تأمل ويظهر من السيد اختصاص الغبيراء بما يؤخذ من الشعير ، فراجع الانتصار بتعمق .وعن المدنيات أنه شراب معمول من الشعير ، وحكى السيد عن الواسطي أن الفقاع نبيذ الشعير ، وإذا نش فهو خمر ، وعن بعض آخر عدم الاختصاص به ، فعن رازيات السيد والانتصار كان يعمل من الشعير ومن القمح ، وقد عرفت حال ما في الانتصار ، وليس عندي الرازيات ، وعن مقداديات الشهيد :" كان قديما يتخذ من الشعير غالبا ، ويحصل ( 1 ) حتى يحصل فيه التنشر ، وكأنه الآن يتخذ من الزبيب " انتهى . كذا في مفتاح الكرامة ، ولعل مراده أنه يبقى حتى ينش ، وعن أبي عبيدة أن السكركة من الذرة ، وعن مخزن الادوية " أن الفقاعهامش: ( 1 ) كذا . ( * )
288
اسم لنوع من النبيذ مركب طعمه من حلاوة قليلة وحموضة ومرارة ، ويصنع من أكثر الحبوب كالشعير والارز والدخن والذرة والخبز الحواري والزبيب والتمر والسكر والعسل ، وقد يضيفون اليه الفلفل وسنبل الطيب والقرنفل " انتهى .والمتحصل من الجميع أن ما يؤخذ من الشعير فقاع بلا ريب ، وصدقة على ما عداه مشكوك فيه ، ومقتضى الاصل الحلية والطهارة بعد كون الشك في المفهوم والوضع ، ومجرد إطلاقه في الازمنة المتأخرة على المأخوذ من غير لا يفيد ، وأصالة عدم النقل والاشتراك على فرض جريانهما لا تفيد في إثبات الوضع ولو كانت عقلائية .العاشر :الكافر بجميع أنواعه ، ذميا كان أو غيره ، أصليا او مرتدا ، إجماعا كما في الانتصار والناصريات مع التصريح بالكلية ، وفى الخلاف دعواه في المشرك الذمى وغيره . وفي الغنية ادعى الاجماع المركب ، وقال :" التفرقة بين نجاسة المشرك وغيره خلاف الاجماع " وادعى الاجماع صريحا في المنتهى ، وظاهرا في التذكرة ، وهو المحكي عن السرائر والبحار والدلائل وشرح الفاضل وظاهر نهاية الاحكام ، وعن التهذيب إجماع المسلمين ، ولعل مراده المؤمنين الذين هم المسلمون حقا ، وحكى تأويله عن الفاضل الهندى بما هو أبعد مما ذكرناه .وعن حاشية المدارك أن الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماءالمجلد:3 من ص 288 سطر: 19 الى ص 296 سطر: 18 العامة منهم ، بل وعوامهم يعرفون أن هذا مذهب الشيعة ، بل ونساؤهم وصبيانهم يعرفون ذلك ، وجميع الشيعة يعرفون أن هذا مذهبهم في الاعصار والامصار ، وعن القديمين القول بعدم نجاسة أسئار اليهودي والنصارى ، وكذا عن ظاهر المفيد وعن موضع من النهاية .لكن عن حاشية المدارك لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من المخالفين
289
مع تخصيصه عدم النجاسة بأسئارهم . لانه لا يقول بانفعال الماء القليل ، والسؤر هو الماء الملاقى لجسم حيوان ، قال :" والكراهة في كلام المفيد لعله يريد منها المعنى اللغوي " انتهى . وهو حسن ، وأما ما نسب إلى نهاية الشيخ ففي غير محله جزما ، قال فيها :" ولا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء ، وكل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله ، لانهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه - قال بعد أسطر: - :ويكره أن يدعو الانسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل منه ، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه " انتهى .وهو كما ترى محمول عن نكتها على الطعام اليابس ، كالتمر والخبز ونحوهما ، بقرينة ما تقدم ، والامر بغسل يدهم لدفع القذارة العرفية ، وأماما عن ابن إدريس بأنه ذكر ذلك إيرادا لا اعتقادا فبعيد والظاهر استناد الشيخ فيما ذكره إلى صحيحة عيص بن القاسم ، فانها بمضمون ما ذكره ظاهرا ( 1 ) .ولم يحضرني كلام ابن الجنيد ، وما نقل عنه غير ظاهر في المخالفة ونسب إلى صاحب المدارك والمفاتيح الميل إلى طهارتهم ، لكن لم يظهر من المدارك ذلك فراجع ، ولم يحضرني المفاتيح ، نعم قد يظهر من الوافي ذلك ، لانه بعد ذكر الاخبار قال :" وقد مضى في باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي ، والتطهير من مسهم مما لا ينبغي تركه " وفيه إشعار على رجحان التطهير منه لا لزومه .وكيف كان فالعمدة هو الاجماعات المتقدمة ، والمعروفية بين جميع طبقات الشيعة صار شعارهم عند الفريقين ، كما تقدم عن الاستاذهامش: ( 1 ) سيأتي البحث عنها في ص 301 . ( * )