هامش: ( 1 ) أضف إلى ذلك أن التعبير بالعلم في صورة النسيان غير مناسب بل المناسب التعبير بتذكر . ( * )
567
اعتبار الطهارة أو مانعية النجاسة ، فالتفصيل المتقدم ضعيف لا لما ذكر آنفا ، بل لما تقدم من الوجه .وأضعف من التفصيل الثاني ، لعدم دليل عليه سوى رواية ميمون الصيقل عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" قلت له :رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل ، فلما اصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة ، فقال :الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وله حد ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الاعادة " ( 1 ) كذا في نسخة الوسائل ومرآة العقول ، وفى الوافى عن الكافى والتهذيب بزيادة " وصلى " بعد " فاغتسل " وفي هامش الوافى " هذا الخبر أورده في التهذيب مرتين ، وليس في أحدهما عليه السلام :" حين " الاول إلى " حين الثاني ( منه ) " انتهى .وفى الوسائل بعد نقله عن الكافي كما تقدم قال :" ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب ، ورواه ايضا باسناده عن الصفار عن الحسن بن علي بن عبدالله ، ورواه ايضا مثله إلى قوله عليه السلام :فلا إعادة عليه " وفي نسخة من التهذيب مقروة على المحدث المجلسي كما تقدم عن الوسائل ، لكن بزيادة " إلى الصلاة " بعد قوله عليه السلام :" حين قام " الاول ، وقد اختلف نقلها في الكتب الاستدلالية أيضا .فهذه الرواية مع هذا السند الضعيف بل المغشوش كما يظهر بالرجوع إلى كتب الحديث وهذا المشوش لا يمكن الاتكال عليها ، سيما مع عدم تحقق عامل بها ، مع أنه على نسخة الوسائل التي ليس فيها قوله :" وصلى " لم يتضح أن الاعادة اعادة الصلاة ، ولعلها اعادةهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 41 - من ابواب النجاسات - الحديث 3 . ( * )
568
الغسل ، ولزوم فساد المتن على هذا الفرض لا يوجب العلم بكون المقدر فيها الصلاة إلا أن يكون ذلك موجبا لترجيح النسخة الاخرى .وعلى النسخة التي ليس فيها جملة " وإن كان حين قام لم ينظر " إلى آخره لا تدل على المقصود إلا بتوهم أن المفهوم لها أنه إذا لم ينظر . . الخ ، وهو غير معلوم ، لان أخذ النظر وغيره من العناوين التي لها طريقته إلى الواقع في موضوع لا يكون ظاهرا في الموضوعية ، ولعل قوله عليه السلام :" نظر فلم ير " أخذ امارة على عدم الجنابة فيه واقعا ، ومقابلها وجودها واقعا فيه ، ومعارضة هذا المفهوم للادلة المتقدمة لا توجب ظهورا فيها .وأما دعوى تقدم أصالة عدم الزيادة على اصالة عدم النقيصة على فرض تسليمها لا تسلم في المقام ، فان المحتمل فيه أن تكون الزيادة عن عمد نقلا بالمعنى وتفصيلا لما أجمل في الرواية ، وهو ليس بممنوع حتى ينافي العدالة ، فيدور الامر بين النقصية السهوية أو العمدية بلا وجه ، وبين الزيادة السهوية أو العمدية مع الوجه ، إلا أن يقال :يحتمل في النقيصة أن تكون عن عمد في المقام ايضا ، لاحتمال اكتفاء الرواي يالمنطوق وإيكال فهم المفهوم على السامع ، لكنه بعيد ، بل ما ذكرناه أيضا كذلك .فالاوجه في الجواب عنها الطعن في السند والهجر في العمل ، وبالاخيرالمجلد:3 من ص 568 سطر: 19 الى ص 576 سطر: 18 يجاب عن سائر الروايات التي استدل بها للمقصود لو سلمت دلالتهما لكنها غير مسلمة ، لان الظاهر من صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبدالله عليه السلام قال :" ذكر المني فشدده وجعله اشد من البول ، ثم قال :إن رأيت المني قبل او بعد ما تدخل في الصلاة فعليك اعادة الصلاة ، وإن انت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا
569
إعادة عليك ، وكذلك البول " ( 1 ) أن الجملة الثانية مفهوم الشرطية للاولى ، ولسيت جملة مستقلة غير مربوطة بها ، فيكون المراد عدم رؤية المني في الثوب ، وقد مر منا أن الجملة المذكورة لبيان المفهوم لا مفهوم لها .وأما مرسلة الصدوق ( 2 ) فهي على الظاهر عين الرواية المتقدمة ، ورواية ميسر ( 3 ) أجنبية عن المقام .ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة فان علم بسبقها وان بعض صلاته وقع مع النجاسة بطلت صلاته مع سعة الوقت ، لبطلان المشروط مع فقد شرطه ، ولجملة من الروايات الآتية عن قريب .وقد يقال :إن مقتضى الروايات في حدوث الدم في أثناء الصلاة كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" سألته عن الرعاف أينقض الوضوء ؟ قال :لو أن رجلا رعف في صلاته وكانه عنده ماء أو من يشير اليه بماء فتناوله فقال :برأسههامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 41 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 .( 2 ) هكذا نصها :قال :" وقد روي في المني أنه ان كان الرجل حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئا فلا شئ عليه ، فان كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته " راجع الوسائل - الباب - 41 - من ابواب النجاسات - الحديث 4 .( 3 ) قال :قلت لابي عبدالله عليه السلام :" آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله ، فأصلي فيه فاذا هو يابس ، قال :أعد صلاتك ، أما أنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليه شئ " راجع الوسائل - الباب - 18 - من ابواب النجاسات - الحديث 1 . ( * )
570
فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها " ( 1 ) ونحوها جملة من الصحاح ( 2 ) وغيرها ، والروايات الواردة في صحتها لو علم بالنجاسة بعدها صحة صلاته في الفرض ، فان الجهل إذا كان في جميعها عذرا يكون في بعضها بالاولوية وإلقاء الخصوصية عرفا ، فصحت صلاته إلى حين الالتفات ، وفى حاله والاشتغال بالتطهير يكون معذورا بمقتضى الروايات المتقدمة في الرعاف ، والعرف لا يفرق بين الحدوث والعلم بالوجود ، لان المانع للصلاة النجاسة لا حدوثها .وبالجملة تصح صلاته هذه بعضها بدليل معذورية الجاهل ، وبعضها بما دل على معذوريته حال الاشتغال بالتطهير ، وبعضها بوجدانها للشرط وفيه منع الاولوية المدعاة ، أما إن قلنا بالعفو فلان العفو في الجميع ربما يكون تخفيفا على المكلف وعدم ارادة اعادة جميع الصلاة دون بعضها ، وإن قلنا بعدم المانعية فكذلك ، لامكان أن يكون للجهل في جميع الصلاة دخالة فيه ، فلا قطع بالمناط ، وهو واضح سيما مع وقوع نظائره في الشرع .ولا يمكن دعوى إلقاء الخصوصية ، لمنع فهم العرف من الادلة ذكر بعد الصلاة من باب المثال مثلا بعد ما يرى أن لتمام الصلاة خصوصية وأحكام في الشرع ليست لبعضها .ومنع القطع بعدم الفارق بين حدوث الدم وحدوث الالتفات اليه لاحتمال أن يكون للحدوث القهري خصوصية لم تكن لغيره ، بل لو كان الدليل في الباب منحصرا بأدلة الرعاف لا يمكن لنا التعدي منها إلىهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 2 - من ابواب قواطع الصلاة - الحديث 11 .( 2 ) المروية في الوسائل - الباب - 76 - من ابواب نواقض الوضوء - والباب - 2 - من ابواب قواطع الصلاة . ( * )
571
سائر النجاسات بعد ثبوت التخفيف في الدم بما لا يكون في غيره كالتخفيف في دم القروح والجروح كائنا ما كان ، وكالاقل من الدرهم ، لكن سيأتي ما يستفاد منه العموم لسائر النجاسات .وقد يقال لتصحيح العبادة في الفرض وسائر الفروض في المقام :إنه لا دليل على مانعية النجاسة في جميع الصلاة أفعالا وأكوانا ، لقصور أدلة الاشتراط أو المانعية عن شمول الاكوان ، ومع الشك مقتضى الاصل البراءة ، فتكون الصلاة صحيحة إلى حين الالتفات بأدلة الجهل كما تقدم وفي حينه وحين الاشتغال بالتطهير بأصالة البراءة .وفيه ما مر من عدم الدليل على معذورية الجاهل مع الالتفات في أثناء الصلاة ومنع فقدان الدليل على اعتبار الطهارة أو عدم النجاسة في الاكوان لعدم قصور صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال :" لا صلاة إلا بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأما البول فانه لابد من غسله " ( 1 ) عن إفادته ذلك ، لان الظاهر منها أن الصلاة باطلة مع فقد الطهور ، فاذا فقدت الطهور في بعضها لم تكن هي بطهور ، وبالجملة الظاهر منها اعتباره في جميعها .إن قلت :نعم لكن الاكوان ليست بصلاة ، بل هي عبارة عن التكبير إلى التسليم أى الاجزاء الوجودية من الاذكار وغيرها ، والسكوتات المتخللات بينها ليست من الصلاة .قلت :مضافا إلى إمكان أن يقال :إن المصلي من اول صلاته إلى آخرها لا يخلو من التلبس بفعل من افعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال :إن النهوض للقيام والهويهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 9 - من ابواب احكام الخلوة - الحديث 1 . ( * )
572
للسجود أيضا من اجزائها لا من مقدماتها فاجزاء الصلاة متصلة إلى آخرها ، تأمل :ان المرتكز لدى المتشرعة أن المصلي اذا كبر يكون في الصلاة إلى ان خرج عنها بالسلام ، فتكون الصلاة عندهم أمرا ممتدا يكون المكلف متلبسا بها في جميع الحالات أكوانا أو أفعالا ، ودعوى أن الاكوان خارجة عنها مخالفة لارتكازهم ، مع ان التعبير بالقاطع في جملة من الموارد يدل على أنها أمر ممتد في الاعتبار يقطعها بعض القواطع .والقول بأن التعبير بالقاطع لاجل ابطاله الاجزاء السابقة وسلب صلوح اتصالها بالاجزاء اللاحقة خلاف ظاهر القطع والقاطع ، مع أن اعتبار الطهور وسائر ما يعتبر في الصلاة في جميع الاجزاء والاكوان مما لا ينبغي الشك والترديد فيه ، ومن هنا لا يجوز الاتيان بالموانع عمدا في الاكوان ورفعها للافعال ، وهو كالضروري ، وليس إلا لبعض ما تقدم فتحصل مما ذكر أن مقتضى القاعدة بطلان الصلاة في صورة العلم بسبق العروض ، سواء علم بسبقه عن الدخول في الصلاة أو سبقه عن الرؤية مع إتيان بعض الصلاة مع النجس .هذا مضافا إلى دلالة صحيحة زرارة الطويلة عليه قال :" قلت له :أصاب ثوبي دم رعاف او غيره أو شئ من مني فعلمت اثره - إلى أن قال - :قلت :إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال :تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدرى لعله شئ أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك " ( 1 ) ولا ريب في أنه يستفاد منها حكم مطلق النجاسات ، ضرورة أنهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 44 - من ابواب النجاسات - الحديث 1 . ( * )
573
ذكر الدم والمني من باب المثال ، كما يظهر مضافا إلى وضوحه من سائر فقراتها ، كما لا شبهة في أن المراد بالفرع الاول من الفرعين مورد العلم بسبق النجاسة على زمان الرؤية ، وقوله عليه السلام :" اذا شككت في موضع منه ثم رأيته " لتنقيح موضوع الاطمئنان بكون ما رآه هو المشكوك فيه قبلا ، كما يظهر ذلك من تقييد المرئي في الفقرة الثانية بكونه رطبا ، فانه مع رفض اليبوسة يعلم بسبقه ، ويؤيده بل يشهد عليه قوله عليه السلام :" لانك لا تدري لعله شئ اوقع عليك " فانه لالقاء الشبهة بحدوث النجاسة .وبالجملة لا ينبغي الاشكال في ظهورها في أنه مع العلم بوجود النجاسة قبل الرؤية تبطل الصلاة ، ومع الشك لا تبطل ، وحمل الفقرة الاولى على مورد العلم الاجمالي مخالف للظاهر من وجوه .فيبقى سؤال الفارق بين الفرعين ، حيث تمسك في الثانية بالاستصحاب دون الاول ، مع أن جريان الاصل انما يفيد لحال الجهل لا الالتفات بوجود النجاسة ، وفي الفرع الاول أيضا كان المصلي شاكا في عروضها ، وتبين الخلاف غير مضر به ، كما أجراه في صدر الصحيحة بالنسبة إلى من صلى في الثوب ثم علم بالنجاسة ، وبالجملة كما انه في الفرع الثانى يجري الاستصحاب ويفيد بالنسبة إلى حال قبل الالتفات كذا في الاول بالنسبة اليه ، ولابد في تصحيح حال الالتفات والعلم من دليل آخر غير الاستصحاب .والجواب عنه ما ذكرناه من احتمال عدم العفو عن النجاسة الموجودة قبل حال الرؤية في حالها ، لقصور الادلة الدالة على حدوث الرعاف بين الصلاة عن اثباته ، وهذه الصحيحة شاهدة على ما ذكرناه من اقتضاء القواعد ، وانما تمسك في الفرع الثانى بالاستصحاب لاصلاح574
حال الجهل لا حال الالتفات ، وأما في حال العلم فلما شك في وقوعها من الاول أو حدوثها في الآن يشك في حدوث المانع ، فأصالة البراءة عقلا وشرعا جارية ، ومع التطهير تصح صلاته ببركة الاستصحاب وأصالة البراءة والطهارة الواقعية .هذا اذا كان المراد من الاستصحاب في الرواية استصحاب عدم عروض النجاسة ، وانما تمسكنا بأصالة البراءة دون أدلة الرعاف ، فان استصحاب عدم عروض النجاسة إلى زمان الرؤية لا يثبت حدوثها في الحال حتى ينقح به موضوع الادلة الاجتهادية ، فالاصل لاثبات الحدوث مثبت ، وأما إن أريد استصحاب عدم عروض المانع أو استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية للصلاة على فرض جريانهما فالامر واضح .وأما الفرع الاول فلا يمكن تصحيحه بالاستصحاب ، لانه مع انكشاف أن النجس عرض سابقا يحرز عدم اندراج المورد في أدلة العفو الظاهرة في حدوث النجاسة لدى الرؤية ، فتبقى أدلة اعتبار الطهور في الصلاة بلا مقيد .وتدل على المطلوب ايضا صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ، قال :عليه أن يبتدئ الصلاة ، قال :وسألته عن رجل يصلى وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم ، قال :مضت صلاته ولا شئ عليه " ( 1 ) .واحتمال أن يكون المراد فرض نسيان النجاسة في غاية البعد لو لم نقل مقطوع الخلاف ، سيما بملاحظة ذيلها الذى لا شبهة في أن المراد منه الجهل لا النسيان .هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )