59
المحقق وأجاب عنها ، لان الحل ظاهر في حلية اللحم ، ولهذا تختص ببعض السموك .وقد يقال :إن نظر الشيخ إلى صحيحة ابن الحجاج قال :" سأل أبا عبدالله عليه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز ، فقال :ليس به بأس ، فقال الرجل :جعلت فداك إنها علاجي ، وانما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء ؟ فقال الرجل :لا ، قال :ليس به بأس " ( 1 ) بدعوى أن ظاهر التعليل نفى البأس من كل ما لا يعيش إلا في الماء ، فكأنه فهم من ذلك طهارة ميتته ، لعدم معهودية ذبحه وعدم إشعار في الرواية باشتراطه .وفيه أن الشبة في الخز انما هي من قبل عدم تذكيته وإخراجه من الماء وأخذ الجلد بلا ذبح ، ونفي البأس لاجل أن أخذه من الماء ذكاته ، وتشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال :" كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له :جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز ؟ فقال :لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل جعلت فداك إنه ميت ، وهو علاجي وأنا أعرفه ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل :إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني ، فتبسم أبوعبدالله عليه السلام ثم قال :أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فاذا فقد الماء مات ؟ فقال الرجل :صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :فانك تقول :إنه دابة تمشي على أربع وليس هو في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء ، فقال له الرجل :هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 10 - من ابواب لباس المصلي - الحديث 1 . ( * )
60
إي والله هكذا أقول ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته ، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " ( 1 ) .وهي كما ترى ظاهرة في أن الشبهة فيه إنما هي في كونه ميتة لعدم تعارف ذبحه ، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها ، فأجاب بأنه مثلها في ذلك ، ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجاج أيضا حكاية عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور ، فترك ابن الحجاج 1مالا دخالة له في الحكم ، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه ، ولو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أن الشبهة ما ذكرناه ، فتكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده ، ولا أظن أن الشيخ كان متمسكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقق ، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكي .وأما الآدمي منها فهل هي نجسة أم لا ؟ وعلى الاول هل هي نجسة عينا أو حكما ؟ وعلى التقديرين هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية فلا تسري إلا بالملاقاة معها رطبا بنحو يتأثر منه الملاقي أم تسري مع اليبس أيضا ؟ وعلى التقادير هل يكون حال ملاقى ملاقيها كسائر النجاسات أم لا ؟ ربما يتشبث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي ، وهو أن عين النجاسة لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال مع أن الميت بعد الغسل طاهر بلا إشكال .وفيه أن ذلك موجه لو كانت أعيان النجاسات أمورا تكوينية ويكون الميت كالمني والعذرة قذرا ذاتا ، ويكون منشأ نجاسته شرعا قذارته الذاتية ، لكن قد عرفت أن القذارات الشرعية مختلفة ، فمنها ما هي مستقذرة عرفا كالاخبثين . ومنها ما ليست كذلك كالكافر والخمر فان القذارة فيهما مجعولة لجهات أخر غير القذارة العرفية والذاتية ،هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 8 - من ابواب لباس المصلي - الحديث 4 . ( * )
61
ولا مانع من أن تكون نجاسة الميت كذلك ، أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل .ولو قيل :إن الميت ولو كان آدميا مستقذر عرفا ، وكان الناس تستقذره وتتجنب منه ، ولعله منشأ الحكم بنجاسته ، لقلنا :هذا لو صح يوجب بقاء نجاسته حتى بعد الغسل ، فلابد أن يقال بعدم طهارته بالغسل ، لا عدم نجاسته بالموت ، ضرورة أن التجنب الاحتراز والاستقذار باق بعد الغسل أيضا ، والتحقيق أن النجاسة في مثله مجعولة كرافعها ، فلا إشكال عقلي في المقام .وظني أن الاشكالات في خصوص ميتة الآدمي نشأت غالبا من توهم دلالة الروايات على وجوب غسل ملاقيها ولو مع اليبس ، فظن أن الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة ، فمنهم من التزم بعدم النجاسة ومنهم من التزم بالنجاسة الحكمية ، وهو أيضا يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة ، فانه لا معنى للنجاسة الحكمية إلا لزوم ترتب آثارها تعبدا على ما ليس بنجس .وإن قيل إن المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية والذاتية ، قلنا :إن لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر والخمر بل الكلب أيضا مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات ، فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية وكذا الالتزام بعدم سرايتها إلى ما يلاقيها - فلا ينجس ملاقى ملاقيها - لا يبعد أن يكون البناء على لزوم غسل الملاقي ولو مع اليبوسة ، فيقال :إنها لو كان نجسة كسائر النجاسات لكانت نجاسة ملاقيها للسراية كما في سائر أنواعها ، وهي لا تتحقق إلا مع الرطوبة ، وهذه لازم عرفي للنجاسات ، ومع فقده يكشف إما من عدم النجاسة رأسا ولزوم غسل ملاقيه تعبدا لا لتنجسه كلزوم غسل62
المس ، أو من النجاسات الحكمية التي ترجع إلى عدم النجاسة .فالاولى عطف الكلام إلى ذلك ، فنقول :لولا الاجماعات المنقولة المتكررة في كلام الاصحاب على عدم الفرق بين الآدمي وغيره ، كمحكي ظاهر الطبريات وصريح الغنية والمعتبر والمنتهى ونهاية الاحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس والروض والدلائل والذخيرة وشرح الفاضل بل ومحكي الخلاف لامكن المناقشة في نجاستها لو خلينا والروايات .بل يمكن المناقشة في الاجماع أيضا ، بدعوى تخلل الاجتهاد والجزم بعدم شئ عندهم إلا تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع ولهذا اختلف الآراء في أصل النجاسة ، فان القول بالنجاسة الحكمية ، وعدم السراية إلى ما يلاقيها يرجع إلى عدم النجاسة كما مر .بل لازم محكي كلام الحلي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية ، قال فيما حكي عنه في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة أيضا :" لان هذه النجاسات حكميات وليست عينيات ولا خلاف بين الامة كافة أن المساجد يجب أن يجتنب النجاسات العينية ، وأجمعنا بغير خلاف على أن من غسل ميتا له أن يدخل المسجد ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك ، ولان الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف . ومن جملة الاغسال غسل من مس ميتا ، ولو كان ما لا قى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا " انتهى فكأنه ادعى الاجماع بالملازمة على المسألة ، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتي له ذلك .وليس المقصود في المقام تصحيح كلامه وصحة دعوى إجماعه حتى يقال :إن للمناقشة فيه مجالا واسعا ، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة ، وفتح باب احتمال اجتهاديتها .63
وأما الروايات فما يمكن الاستدلال عليها للنجاسة كثيرة :منها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال :يغسل ما أصاب الثوب " ( 1 ) ورواية ابراهيم بن ميمون قال :" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال :إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ، يعني إذا برد الميت " ( 2 ) .وفيهما احتمالان :أحدهما قراءة الثوب بالفتح على أن يكون مفعول أصاب ، فيكون المعنى :إغسل ما وصل إلى ثوبك من الميت والمراد غسل الثوب مما أصابه منه وعلى هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لاجل السراية ، ويكون المتفاهم منه عرفا بل عند المتشرعة نجاستها عينا كسائر النجاسات .ثانيهما قراءته بالضم على أن يكون فاعله ، ويكون الموصول كناية عن موضع الاصابة ، ويرجع الضمير المجرور إلى الميت مع حذف العائد ، فيكون المعنى إغسل موضع إصابة الثوب من الميت ، نظير صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال :" وسألته عن الرجل يعرق في الثوب ولم يعلم أن فيه جنابة ، كيف يصنع ؟ هل يصلح أن يصلي قبل أن يغسل ؟ قال :إذا علم أنه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب من ذلك " الخ ( 3 ) .والمظنون وإن كان الاحتمال الاول ، لكنه ظن خارجي غير حجة * ( هامش ( 1 ) و ( 2 ) الوسائل - الباب - 34 - من ابواب النجاسات الحديث 2 - 1 .( 3 ) الوسائل - الباب - 7 - من ابواب النجاسات - الحديث 10 . ( * )64
ولا يوجب الظهور ، نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطا أدبا ، كما قد يدعى لتعين الاول ، لكنه غير متضح .إن قلت لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميت بعد كون الارتكاز على أن الغسل انما هو بالسراية والرطوبة ، ومعه تدلان على نجاسته عينا كباقي النجاسات .قلت :ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرعة أن ملاقي النجس لا ينجس إلا مع السراية والرطوبة السارية ، وأما ارتكازية أن الامر بغسل ملاقى كل شئ للسراية فغير معلومة ، فان علم أن الكلب نجسالمجلد:3 من ص 64 سطر: 9 الى ص 72 سطر: 9 وقيل :إغسل ثوبك إذا أصاب الكلب ، يفهم منه أن الغسل لدى السراية كسائر النجاسات ، وأما لو احتمل عدم نجاسة شئ ولزوم تطهير ملاقيه تعبدا ، فلم يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغسل إلا بالسراية .ومنها رواية الاحتجاج قال :" مما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام :إلى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال :يؤخر ويتقدم بعضهم ويتمم صلاتهم ، ويغتسل من مسه ، التوقيع :ليس على من مسه إلا غسل اليد " الخ ( 1 ) .وعنه عليه السلام قال :" وكتب اليه عليه السلام وروى عن العالم عليه السلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحال لا يكون إلا بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو ؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع :إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه
هامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 3 - من ابواب غسل المس - الحديث 4 . ( * )