- ثم أحضر أبو بكر عمر فقال له: (إني قد استخلفتك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم) وأوصاه بتقوى اللّه ثم قال: (يا عمر إن للّه حقا بالليل ولا يقبله بالنهار، وحقا بالنهار ولا يقبله بالليل وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة. ألم تر يا عمر أنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق، وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا حق أن يكون ثقيلا. ألم تر يا عمر إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم. وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا. ألم تر يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع الشدة، وآية الشدة مع آية الرخاء. ليكون المؤمن راغبا راهبا، لا يرغب رغبة يتمنى فيها على اللّه ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيديه. ألم تر يا عمر إنما ذكر اللّه أهل النار بأسوأ أعمالهم. فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو ألا أمون منهم وإنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم عما كان من سيئ فإذا ذكرتهم قلت أين عملي من أعمالهم، فإذا حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من حاضر من الموت ولست بمعجزة).
خطبة علي في تأبين أبي بكر
- لما سمع علي رضي اللّه عنه خبر وفاة أبي بكر جاء باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وهو يقول: رحمك اللّه يا أبا بكر كنت واللّه أول القوم إسلاما، وأخلقهم إيمانا وأشدهم يقينا، وأعظمهم غنى، وأحفظهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأحدبهم على الإسلام، وأحماهم عن أهله، وأنسبهم برسول اللّه خلقا، وفضلا، وهديا، وصمتا، فجزاك اللّه عن الإسلام، وعن رسول اللّه، وعن المسلمين خيرا، صدقت رسول اللّه حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك اللّه في كتابه صديقا. فقال: (والذي جاءك بالصدق وصدق به) يريد محمدا ويريدك. كنت واللّه للإسلام حصنا، وللكافرين ناكبا، لم تضلل حجتك ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضعيفا في بدنك، قويا في دينك، متواضعا في نفسك، عظيما عند اللّه، جليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى، فالضعيف عندك قوي والقوي عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي وتعطيه للضعيف، فلا حرمنا اللّه أجرك، ولا أضلنا بعدك.
خطبة ابنته عائشة في تأبينه
- نضر اللّه يا أبت وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رزؤك، وأكبر الأحداث بعده فقدك، إن كتاب اللّه عز وجل ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض، وأنا منتجزة من اللّه موعده فيك بالصبر عنك، ومستعينة كثرة الاستغفار لك، فسلم اللّه عليك، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
اعتراف أبي بكر
- قال أبو بكر: إني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت لو أني تركتهن. وثلاث تركتهن وددت لو أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.