جعفر الطيار
لستُ زاعماً أن الصحابة كلهم في الفضل سواء ، أَوَ يكون هذا وقد فضّل الله الرسل ـ وهم أكرم الخلق وأقربهم إليه تعالى ـ بعضهم على بعض فقال :
}
تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض
{
(1) والتفضيل حالة توافق طبيعة الأشياء؟
فإن كان هذا الزعم ليس من حقّي بل ليس من حق الجميع ـ كما هو الحقّ ـ إلاّ أني استطيع وبقوة أن أقول : إنّ الصحابة ـ بعضهم ـ صناعة خاصة أعدّتهم السماء وتفضّلت بهم علينا جميعاً ; ليصوغوا لنا تأريخاً مليئاً بالخير، وليصنعوا حاضراً كلّه عطاء ، ويبنوا مستقبلا زاهراً بالأمل مشرقاً بالحبّ ، بعيداً عن العداوة والبغضاء فكانوا جيلا لا نظير له فيما مضى من تأريخ الرسالات .
فقد نجح هؤلاء وهم النخبة الطاهرة من الأصحاب في تبليغ أعظم رسالة سماوية استطاعت أن تغير أمّة جاهلية بل أمماً أخرى فغيرت بذلك وجه التأريخ ، فاستحقوا بذلك الفوز في الدنيا والآخرة .
كانوا من ورثة جنة النعيم ، يتبوّأون منها غرفاً ، وينعمون بها ، ويمرحون في بحبوحة منها .
ولا غرابة في ذلك بعد أن أحبوا الله ورسوله ، وطلبوا رضوانه تعالى وملئوا شوقاً إلى لقائه ، فقد كانوا يطلبون الموت ويتحاثون عليه .
كم كانت تربيتك يا رسول الله لهذه الزمرة الطيبة مجدية نافعة خالدة! وكم كان حبّهم لك عظيماً صادقاً شهد بها أبو سفيان وهو يعيش العداء كلّه لرسول الله ولدينه ولمن معه : ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كما يحبّ أصحاب محمد محمداً!
وجعفر من هذه النخبة الطيبة الصادقة . كان صحابياً متميزاً في دينه وولائه وفي فصاحته وبيانه وحلمه ، كما كان مثلا رائعاً للشجاعة والفداء ، أبى إلاّ أن تكون ساحات الوغى أرضاً له ، وإلاّ ظلال السيوف سقفاً له حتى كان شهيداً ، ولكن متى؟! بعد أن قطعت يداه وبعد أن تحمل جسمه وضمّ بدنه أكثر من سبعين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم .