إسلامه
كان جعفر الثاني من الرجال الذين أعلنوا إسلامهم ، وهناك رواية تقول : إنّه الثالث بعد علي
(عليه السلام)
وزيد بن حارثة(3) .
كما وردت في كيفية إسلامه روايتان تصرحان بأنّه ممّن أسلم باكراً ، والدعوة لا تزال في مهدها ، وكان إسلامه بأمر من أبيه أبي طالب ، حيث كان جعفر برفقة أبيه حينما كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
يؤدي صلاته وإلى جنبه ابن عمّه علي بن أبي طالب ، فلما رآهما يصليان التفت إلى جعفر قائلا : انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك ، أو أي بني ، صل جناحَ ابن عمّك . وقد وفق جعفر لأن ينال ثواب أول جماعة عقدت في الإسلام ، وكانت تأريخاً لبداية إسلامه .
وفي هذا عثرتُ على روايتين تبينان إسلام جعفر ، ودفاع أبي طالب عن النبي
(صلى الله عليه وآله)
وعما هو عليه من أمر الدعوة الجديدة . كانت الرواية الأولى عن علي
(عليه السلام)
يقول فيها :
بينما أنا مع النبي
(صلى الله عليه وآله)
في حَيْر(4) لأبي طالب أصلي ، أشرف علينا أبو طالب ،
فنظر إليه النبي
(صلى الله عليه وآله)
فقال : يا عم ألا تنزل فتصلي معنا؟ فقال : يا بن أخي ، إني لأعلم أنك على الحق ، . . ، لكن انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك .
قال : فنزل فصلى عن يساري . فلما قضى النبي
(صلى الله عليه وآله)
صلاته ، التفت إلى جعفر فقال : أما إنّ الله تعالى وقد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة ، كما وصلت ابن عمّك(5) .
وفي رواية ثانية يذكرها أيضاً صاحب مختصر تاريخ دمشق عن صلصال بن الدلهمس يقول فيها : . . فكان الذي بينهما ـ بين أبيه الدلهمس وأبي طالب ـ في الجاهلية عظيم (عظيماً) ، فكان أبي يبعثني إلى مكّة لأنصر النبي
(صلى الله عليه وآله)
مع أبي طالب قبل إسلامي ، فكنت أقيم الليالي عند أبي طالب لحراسة النبي
(صلى الله عليه وآله)
من قومه ، فإني يوم من الأيام جالس بالقرب من منزل أبي طالب في الظهيرة وشدّة الحر ، إذ خرج أبو طالب شبيهاً بالملهوف فقال لي : يا أبا العصيفر ، هل رأيت هذين الغلامين فقد ارتبت بإبطائهما عليّ؟
فقلت : ما حسست لهما خبراً منذ جلست ، فقال : اِنهض بنا فنهضت ، وإذا جعفر بن أبي طالب يتلو أبا طالب ، قال : فاقتصصنا الأثر حتى خرج بنا من أبيات مكّة ، قال : ثمّ علونا جبلا من جبالها ، فأشرفنا منه على أكمة دون ذلك التل ، فرأيت النبي
(صلى الله عليه وآله)
وعلياً قائماً عن يمينه ، ورأيتهما يركعان ويسجدان قبل أن أعرف الركوع والسجود ، ثم انتصبا قائمين ، فقال أبو طالب لجعفر : أي بني ، صل جناح ابن عمّك ، قال : فمضى جعفر مسرعاً حتى وقف بجنب علي ، فلما أحسّ به النبي
(صلى الله عليه وآله)
أخّرهما وتقدم ، وأقمنا موضعنا حتى انقضى ما كانوا فيه من صلاتهم ، ثمّ التفت إلينا النبي
(صلى الله عليه وآله)
فرآنا بالموضع الذي كنّا فيه ، فنهض ونهضنا معه مقبلين ، فرأينا السرور يتردّد في وجه أبي طالب ، ثمّ انبعث يقول :
إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
لا تخذلا وانصُرا ابن عمِّكمَا
واللهِ لا أُخذلُ النبيَّ
ولا يَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذُو حَسبِ
عِندَ مُهِمِّ الأمورِ والكربِ
وابنَ أمّي من بينهم وأبي
ولا يَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذُو حَسبِ
ولا يَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذُو حَسبِ
(صلى الله عليه وآله)
عن تيك الصلاة ، فقال : نعم ، يا صلصال هي أول جماعة كانت في الإسلام(6) .