الجزء الثّاني عشر
[تتمة ربع المنجيات]
[تتمة كتاب التوبة]
[تتمة الركن الثالث]
بيان أقسام العباد في دوام التّوبة
اعلم أن التائبين في التوبة على أربعطبقات:
الطبقة الأولى: أن يتوب العاصي و يستقيمعلى التوبة إلى آخر عمره.
فيتدارك ما فرط من أمره، و لا يحدث نفسهبالعود إلى ذنوبه، إلا الزلات التي لاينفك البشر عنها في العادات مهما لم يكن فيرتبة النبوة. فهذا هو الاستقامة علىالتوبة. و صاحبه هو السابق بالخيراتالمستبدل بالسيئات حسنات. و اسم هذهالتوبة التوبة النصوح. و اسم هذه النفسالساكنة النفس المطمئنة، التي ترجع إلىربها راضية مرضية. و هؤلاء هم الذين إليهمالإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلّم[1]«سبق المفرّدون المستهترون بذكر اللهتعالى وضع الذّكر عنهم أو زارهم فوردواالقيامة خفافا» فإن فيه إشارة إلى أنهمكانوا تحت أوزار وضعها الذكر عنهم.
و أهل هذه الطبقة على رتب من حيث النزوعإلى الشهوات، فمن تائب سكنت شهواته تحتقهر المعرفة، ففتر نزاعها، و لم يشغله عنالسلوك صرعها، و إلى من لا ينفك عن منازعةالنفس، و لكنه ملى بمجاهدتها وردها.
ثم تتفاوت درجات النزاع أيضا بالكثرة والقلة و باختلاف المدة، و باختلاف الأنواعو كذلك يختلفون من حيث طول العمر. من مختطفيموت قريبا من توبته، يغبط على ذلكلسلامته و موته قبل الفترة، و من ممهل طالجهاده و صبره، و تمادت استقامته و كثرتحسناته، و حال هذا أعلى و أفضل، إذ كل سيئةفإنما تمحوها حسنة، حتى قال بعض العلماء.إنما يكفر الذنب الذي ارتكبه العاصي أنيتمكن منه عشر مرات، مع صدق الشهوة، ثميصبر عنه، و يكسر شهوته خوفا من اللهتعالى. و اشتراط هذا بعيد، و إن كان لا ينكرعظم أثره لو فرض.
و لكن لا ينبغي للمريد الضعيف أن يسلك هذاالطريق، فتهيج الشهوة، و تحضر الأسباب حتىيتمكن، ثم يطمع في الانكفاف، فإنه لا يؤمنخروج عنان الشهوة عن اختياره، فيقدم علىالمعصية، و ينقض توبته. بل طريقها الفرارمن ابتداء أسبابه الميسرة له، حتى
_
[1] حديث سبق المفردون المستهترون بذكرالله- الحديث: الترمذي من حديث أبي هريرة وحسنه و قد تقدم