فيصرف بقية العمر إلى ما يشتهي أهل القبورالعود لأجله، ليكون ذلك معرفة لنعم اللهتعالى في بقية العمر، بل في الإمهال في كلنفس من الأنفاس. و إذا عرف تلك النعمة شكربأن يصرف العمر إلى ما خلق العمر لأجله، وهو التزود من الدنيا للآخرة.
فهذا علاج هذه القلوب الغافلة لتشعر بنعمالله تعالى فعساها تشكر. و قد كان الربيعابن خيثم مع تمام استبصاره، يستعين بهذهالطريق تأكيدا للمعرفة. فكان قد حفر فيداره قبرا، فكان يضع غلا في عنقه، و ينامفي لحده ثم يقول: رَبِّ ارْجِعُونِلَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ثم يقوم ويقول: يا ربيع، قد أعطيت ما سألت، فاعملقبل أن تسأل الرجوع فلا ترد. و مما ينبغي أنتعالج به القلوب البيعدة عن الشكر أن تعرفأن النعمة إذا لم تشكر زالت و لم تعد، ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول:عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمةزالت عن قوم فعادت إليهم: و قال بعض السلف:النعم وحشية فقيدوها بالشكر. و في الخبر[1]ما عظمت نعمة الله تعالى على عبد إلا كثرتحوائج الناس إليه، فمن تهاون بهم عرض تلكالنعمة للزوال و قال الله سبحانه و تعالىإِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍحَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْفهذا تمام هذا الركن
الركن الثالث من كتاب الصبر و الشكر فيمايشترك فيه الصبر و الشكر و يرتبط أحدهمابالآخر
بيان وجه اجتماع الصبر و الشكر على شيءواحد
لعلك تقول ما ذكرته في النعم إشارة إلى أنللَّه تعالى في كل موجود نعمة، و هذا يشيرإلى أن البلاء لا وجود له أصلا. فما معنىالصبر إذا؟ و إن كان البلاء موجودا فمامعنى الشكر على البلاء؟ و قد ادعى مدعونأنا نشكر على البلاء، فضلا عن الشكر علىالنعمة،
_
[1] حديث ما عظمت نعمة الله على عبد الاكثرت حوائج الناس إليه- الحديث: ابن عدى وابن حبان في الضعفاء من حديث معاذ بن جبلبلفظ الا عظمت مئونة الناس عليه فمن لميحتمل تلك المؤنة الحديث: و رواه ابن حبانفي الضعفاء من حديث ابن عباس و قال انهموضوع على حجاج الأعور