وَ تَوَكَّلْ عَلَى الله و قال تعالى وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا و قالتعالى وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَيَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَفَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ الآية، و قالتعالى وَ لَتَسْمَعُنَّ من الَّذِينَأُوتُوا الْكِتابَ من قَبْلِكُمْ وَ منالَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّذلِكَ من عَزْمِ الْأُمُورِ أي تصبروا عنالمكافأة. و لذلك مدح الله تعالى العافينعن حقوقهم في القصاص و غيره، فقال تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ماعُوقِبْتُمْ به وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْلَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ و قال صلّىالله عليه وسلّم[1] «صل من قطعك و أعط منحرمك و اعف عمّن ظلمك» و رأيت في الإنجيل:قال عيسى بن مريم عليه السّلام: لقد قيللكم من قبل إن السن بالسن و الأنف بالأنف. وأنا أقول لكم. لا تقاوموا الشر بالشر. بل منضرب خدك الأيمن فحول إليه الخد الأيسر. ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك. و من سخّركلتسير معه ميلا فسر معه ميلين. و كل ذلك أمربالصبر على الأذى. فالصبر على أذى الناس منأعلى مراتب الصبر، لأنه يتعاون فيه باعثالدين و باعث الشهوة و الغضب جميعا
القسم الثالث: ما لا يدخل تحت حصرالاختيار
أوّله و أخره كالمصائب. مثل موت الأعزة، وهلاك الأموال، و زوال الصحة بالمرض، و عمىالعين، و فساد الأعضاء و بالجملة سائرأنواع البلاء. فالصبر على ذلك من أعلىمقامات الصبر. قال ابن عباس رضي الله عنهماالصبر في القرءان على ثلاثة أوجه. صبر علىأداء فرائض الله تعالى فله ثلاثمائة درجة،و صبر عن محارم الله تعالى فله ستمائةدرجة، و صبر على المصيبة عند الصدمةالأولى فله تسعمائة درجة. و إنما فضلت هذهالرتبة مع أنها من الفضائل، على ما قبلها وهي من الفرائض، لأن كل مؤمن يقدر على الصبرعن المحارم. فأما الصبر على بلاء اللهتعالى فلا يقدر عليه إلا الأنبياء لأنهبضاعة الصديقين، فإن ذلك شديد على النفس. ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم
«أسألك من اليقين ما تهوّن علىّ به مصائبالدّنيا» فهذا صبر مستنده حسن اليقين
_
[1] حديث صل من قطعك- الحديث: تقدم
[2] حديث أسألك من اليقين ما تهون به علىمصائب الدنيا: الترمذي و النسائي و الحاكمو صححه من حديث ابن عمر و حسنه الترمذي و قدتقدم في الدعوات