إن لم تشغلها شغلتك. فإذا حقيقة الصبر وكماله الصبر عن كل حركة مذمومة. و حركةالباطن أولى بالصبر عن ذلك. و هذا صبر دائملا يقطعه إلا الموت، نسأل الله حسنالتوفيق بمنه و كرمه
بيان دواء الصبر و ما يستعان به عليه
اعلم أن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ووعد الشفاء. فالصبر و إن كان شاقا أوممتنعا، فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل. فالعلم و العمل هما الأخلاط التيمنها تركب الأدوية لأمراض القلوب كلها. ولكن يحتاج كل مرض إلى علم آخر و عمل آخر. وكما أن أقسام الصبر مختلفة، فأقسام العللالمانعة منه مختلفة. و إذا اختلفت العللاختلف العلاج. إذ معنى العلاج مضادة العلةو قمعها. و استيفاء ذلك مما يطول، و لكنانعرف الطريق في بعض الأمثلة فنقول:
إذا افتقر إلى الصبر عن شهوة الوقاع مثلا،و قد غلبت عليه الشهوة، بحيث ليس يملك معهافرجه، أو يملك فرجه و لكن ليس يملك عينه،أو يملك عينه و لكن ليس يملك قلبه و نفسه،إذ لا تزال تحدثه بمقتضيات الشهوات، ويصرفه ذلك عن المواظبة على الذكر و الفكر والأعمال الصالحة، فنقول. قد قدمنا أنالصبر عبارة عن مصارعة باعث الدين مع باعثالهوى. و كل متصارعين أردنا أن يغلب أحدهماالآخر، فلا طريق لنا فيه إلا تقوية منأردنا أن تكون له اليد العليا و تضعيفالآخر فلزمنا هاهنا تقوية باعث الدين، وتضعيف باعث الشهوة.
فأما باعث الشهوة، فسبيل تضعيفه ثلاثةأمور:
أحدها: أن ننظر إلى مادة قوتها، و هيالأغذية الطيبة المحركة للشهوة من حيثنوعها و من حيث كثرتها. فلا بد من قطعهابالصوم الدائم، مع الاقتصاد عند الإفطارعلى طعام قليل في نفسه، ضعيف في جنسه.فيحترز عن اللحم و الأطعمة المهيجة للشهوةالثاني: قطع أسبابه المهيجة في الحال. فإنهإنما يهيج بالنظر إلى مظان الشهوة. إذالنظر يحرك القلب، و القلب يحرك الشهوة. وهذا يحصل بالعزلة، و الاحتراز عن مظانوقوع البصر على الصور المشتهاة، و الفرارمنها بالكلية، قال رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم