منه جدا. و لما كانت العقول التي بها يحصلالتكليف، و بها تدرك مصالح الدنيا، عقولاقاصرة عن ملاحظة كنه هذا الأمر، لم يأذنالله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّمأن يتحدث عنه، بل أمره أن يكلم الناس علىقدر عقولهم. و لم يذكر الله تعالى في كتابهمن حقيقة هذا الأمر شيئا، لكن ذكر نسبته وفعله، و لم يذكر ذاته. أما نسبته ففي قولهتعالى من أَمْرِ رَبِّي و أما فعله فقد ذكرفي قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُالْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلىرَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةًفَادْخُلِي في عِبادِي وَ ادْخُلِيجَنَّتِي و لنرجع الآن إلى الغرض، فإنالمقصود ذكر نعم الله تعالى في الأكل، فقدذكرنا بعض نعم الله تعالى في آلات الأكل
الطرف الرابع في نعم الله تعالى في الأصولالتي يحصل منها الأطعمة
و تصير صالحة لأن يصلحها الآدمي بعد ذلكبصنعته. اعلم أن الأطعمة كثيرة، و للَّهتعالى في خلقها عجائب كثيرة لا تحصى، وأسباب متوالية لا تتناهى. و ذكر ذلك في كلطعام مما يطول. فإن الأطعمة إما أدوية، وإما فواكه، و إما أغذية. فلنأخذ الأغذيةفإنها الأصل، و لنأخذ من جملتها حبة منالبر، و لندع سائر الأغذية فنقول:
إذا وجدت حبة أو حبات، فلو أكلتها فنيت وبقيت جائعا. فما أحوجك إلى أن تنمو الحبةفي نفسها، و تزيد و تتضاعف، حتى تفي بتمامحاجتك. فخلق الله تعالى في حبة الحنطة منالقوى ما يغتذي به كما خلق فيك. فإن النباتإنما يفارقك في الحس و الحركة، و لا يخالفكفي الاغتذاء، لأنه يتغذى بالماء، و يجتذبإلى باطنه بواسطة العروق، كما تغتذي أنت وتجتذب. و لسنا نطنب في ذكر آلات النبات فياجتذاب الغذاء إلى نفسه و لكن نشير إلىغذائه فنقول: كما أن الخشب و التراب لايغذيك، بل تحتاج إلى طعام مخصوص، فكذلكالحبة لا تغتذي بكل شيء، بل تحتاج إلىشيء مخصوص. بدليل أنك لو تركتها في البيتلم تزد، لأنه ليس يحيط بها إلا هواء، ومجرد الهواء لا يصلح