و هما لا يكتبان إلا الإقبال و الإعراض منالقادرين على الإقبال و الإعراض. و لعمريإنه قد تظهر مبادئ إشراق نور الهداية عندسن التمييز، و تنمو على التدريج إلى سنالبلوغ، كما يبدو نور الصبح إلى أن يطلعقرص الشمس. و لكنها هداية قاصرة لا ترشدإلى مضار الآخرة، بل إلى مضار الدنيا.فلذلك يضرب على ترك الصلوات ناجزا، و لايعاقب على تركها في الآخرة، و لا يكتب عليهمن الصحائف ما ينشر في الآخرة. بل علىالقيم العدل، و الولي البر الشفيق، إن كانمن الأبرار، و كان على سمت الكرامالكاتبين البررة الأخيار، أن يكتب علىالصبي سيئته و حسنته على صحيفة قلبه،فيكتبه عليه بالحفظ، ثم ينشره عليهبالتعريف، ثم يعذبه عليه بالضرب. فكل وليّهذا سمته في حق الصبي، فقد ورث أخلاقالملائكة، و استعملها في حق الصبي، فينالبها درجة القرب من رب العالمين كما نالتهالملائكة، فيكون مع النبيين، و المقربين،و الصديقين. و إليه الإشارة بقوله صلّىالله عليه وسلّم[1] «أنا و كافل اليتيمكهاتين في الجنّة» و أشار إلى إصبعيهالكريمتين صلّى الله عليه وسلّم.
بيان كون الصبر نصف الإيمان
اعلم أن الإيمان تارة يختص في إطلاقهبالتصديقات بأصول الدين، و تارة يخصبالأعمال الصالحة الصادرة منها، و تارةيطلق عليهما جميعا. و للمعارف أبواب، وللأعمال أبواب و لاشتمال لفظ الإيمان علىجميعها، كان الإيمان نيفا و سبعين بابا. واختلاف هذه الإطلاقات ذكرناه في كتابقواعد العقائد من ربع العابدات، و لكنالصبر نصف الإيمان باعتبارين، و على مقتضىإطلاقين:
أحدهما: أن يطلق على التصديقات و الأعمالجميعا، فيكون للإيمان ركنان:
أحدهما اليقين، و الآخر الصبر. و المرادباليقين المعارف القطعية الحاصلة بهدايةالله تعالى
_
[1] حديث أنا و كافل اليتيم كهاتين: البخاريمن حديث سهل بن سعد و تقدم