و في بدنه ببذل المعونة للخلق، و في لسانهببذل الصدق. و كذلك في سائر ما أنعم الله بهعليه و هذا الصبر متصل بالشكر، فلا يتم إلابالقيام بحق الشكر كما سيأتي. و إنما كانالصبر على السراء أشد لأنه مقرون بالقدرة.و من العصمة أن لا تقدر. و الصبر علىالحجامة و الفصد إذا تولاه غيرك، أيسر منالصبر على فصدك نفسك و حجامتك نفسك. والجائع عند غيبة الطعام، أقدر على الصبرمنه إذا حضرته الأطعمة الطيبة اللذيذة وقدر عليها. فلهذا عظمت فتنة السراء
النوع الثاني: ما لا يوافق الهوى و الطبع.
و ذلك لا يخلو إما أن يرتبط باختيارالعبد، كالطاعات و المعاصي، أو لا يرتبطباختياره، كالمصائب و النوائب، أولايرتبط باختياره و لكن له اختيار فيإزالته، كالتشفى من المؤذي بالانتقام منه.فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يرتبط باختياره.
و هو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعةأو معصية. و هما ضربان.
الضرب الأول: الطاعة.
و العبد يحتاج إلى الصبر عليها. فالصبرعلى الطاعة شديد، لأن النفس بطبعها تنفرعن العبودية، و تشتهي الربوبية. و لذلك قالبعض العارفين: ما من نفس إلا و هي مضمرة ماأظهره فرعون من قوله أَنَا رَبُّكُمُالْأَعْلى و لكن فرعون وجد له مجالا وقبولا فأظهره، إذ استخف قومه فأطاعوه. و مامن أحد إلا و هو يدعى ذلك مع عبده، و خادمه،و أتباعه، و كل من هو تحت قهره و طاعته، وإن كان ممتنعا من إظهاره. فإن استشاطته وغيظه عند تقصيرهم في خدمته، و استبعادهذلك، ليس يصدر إلا عن إضمار الكبر، ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء، فإذاالعبودية شاقة على النفس مطلقا. ثم منالعبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة. و منهاما يكره بسببهما جميعا كالحج و الجهاد.فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد ويحتاج المطيع إلى الصبر على طاعته في ثلاثأحوال.
الأولى. قبل الطاعة، و ذلك في تصحيحالنية، و الإخلاص و الصبر عن شوائب الرياءو دواعي الآفات، و عقد العزم على الإخلاص والوفاء و ذلك من الصبر الشديد عند من يعرفحقيقة النية، و الإخلاص، و آفات الرياء، ومكايد النفس. و قد نبه عليه. صلوات اللهعليه إذ قال[1] «إنّما الأعمال بالنّيّاتو إنّما لكلّ امرئ ما نوى» و قال تعالى
_
[1] حديث انما الاعمال بالنيات: متفق عليهمن حديث عمر و قد تقدم