يستوفى الارش لعجزه عن استيفاء كمال حقه بدليل انه لو زال الشلل قبل أن يستوفى الارش لم يكن له الا القصاص و قد فات محل حقه فلم يبق له شيء و لو قطعت أصبع من أصابع القاطع لغير قصاص لم يكن للمقطوعة يده الا انه يقطع ما بقي و لا أرش له بخلاف ما إذا قطعت أصبع من أصابعه في قصاص لان الاصبع جزء من اليد فيعتبر الجزء بالكل في الفصلين جميعا و إذا اقتص الرجل من الرجل في عضو أو شجة فمات المقتص منه من ذلك فديته على عاقلة المقتص له في قول أبى حنيفة و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي لا شيء عليه و المسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم كان عمر و على يقولان الحق قبله و لا شيء علي أحد و كان ابن مسعود يقول يضمن دية النفس و يسقط من ذلك أرش العضو الذي هو حقه و كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول عليه الدية و كان يروى في ذلك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه من استقاد من إنسان فمات المستقاد منه و برئ المستقيد ضمن المستقيد ديته وجه قولهما أن هذا قطع بحق أو قطع مستحق فالسراية المتولدة منه لا تكون مضمونة كالأَمام إذا قطع يد السارق فمات من ذلك و تأثيره أن السراية أثر الفعل فلا تنفصل عن أصل الفعل و لما اتصل أصل الفعل بالخفية فكذلك أثره ثم نفس من عليه القصاص صارت في حكم نفسه على معنى أن الفعل في محل حقه يكون حقا مباحا و فيما وراء ذلك يكون عدوانا و ان محل حقه صار مملوكا له في حكم الاستيفاء و ما وراء ذلك مملوك له و الفعل في محل حقه جزاء و فيما سوى ذلك عدوان فإذا تميز أحد المحلين عن الآخر حكما يجعل كالتمييز حساولا تنوب السراية من بدن الي بدون فباعتبار هذا المعنى يجعل عقيب القطع كانه تم البرء فلا تعتبر السراية بعد ذلك و لان هذا فعل مأذون فيه فالسراية المتولدة منه لا تكون مضمونة كمن قال لغيره اقطع يدى أو قال من عليه القصاص لمن له القصاص اقطع يدى قصاصا فقطع و سرى فانه لا يجب شيء و كذلك النزاع و الفصاد و الحجام و الختان لا يضمن واحد منهم بالسراية شيأ لهذا المعنى و لان هذا قطع لو اقتصر لم يكن مضمونا فلا تكون السراية مضمونة كقطع يد المرتد و هذا لان الشرع أثبت له حق قطع اليد و ليس في وسعه التحرز عن السراية فلا يجوز أن يكون مؤاخذا به و السراية انما تكون لعجز الطبيعة عن دفع أثر الجراحة و البرء و بقوة الطبيعة عن دفع أثر ها وشئ من ذلك ليس في وسع المستوفي لحقه يوضحه ان طرفه كان سالما بلا خطر فلا يتميز الا بمثله و هو طرف يسلم له بالاستيفاء من خطر و لابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما ان هذا قتل بغير حق فيكون مضمونا و بيانه
(148)
ان القتل اسم لجرح يعقبه زهوق الروح و قد وجد ذلك و لا شك ان القطع القتل فالقطع اسم لفعل يكون مؤثرا في إباحة جزء من الجملة و القتل اسم لفعل يكون مؤثرا في ازهاق الروح و انما يتعين ذلك باعتبار المال و لهذا يعتبر في الجنايات مآلها حتى إذا قطع يد إمرأة أو يد رجل من نصف الساعد لم يكن عليه القصاص فان سرى الي النفس يجب القصاص فبهذا يتبين ان عند السراية تبين ان أصل الفعل كان قتلا لا ان يقال كان قطعا فصار قتلا لان الفعل لا يتصور أن يكون علي صفة ثم يصير على صفة أخرى اذ لا بقاء له و لا يتبين أنه كان قتلا في الاصل و هو بمنزلة تحريك الخشبة ان لم يصب شيأ كان تحريكا و ان ألقاها على ما انكسر بها كان كسرا و ان ألقاها على حيوان فمات بها كان قتلا و هاهنا لما انزهق الروح بهذا الفعل عرفنا انه كان قتلا من الاصل و لا حق له في القتل فيكون هذا قتلا بغير حق بمنزلة ما لو حز رقبته و لهذا كان القياس أن يلزمه القصاص عند أبى حنيفة الا انه أوجب عليه الدية استحسانا بمنزلة الخطأ فانه ما قصد قتله و انما قصد استيفاء حقه بإقامة فعل هو حق فيكون بمنزلة ما لو رمى إلى صيد أو حربى فأصاب مسلما يوضحه ان الفعل من حيث الصورة حقه و باعتبار المال كان حقه و الحكم و ان كان يبنى على ما يظهر في الحال فنسبة ذلك الفعل لصورته وصفة الحقية في صورته تكون شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات و ما ادعوا من تمييز أحد المحلين حكما كلام لا معنى له لان هذا التمييز في حكم القطع الذي هو قصاص فقط فأما فيما وراء ذلك فنفس من عليه و أطرافه كشيء واحد و قد بينا ان هذا ليس باستيفاء لحقه و كذلك الفعل انما يكون جزاء إذا كان قطعا لا إذا كان قتلا و طرف من عليه مملوك لمن له القصاص حكما حتى إذا قطع كان البدل لمن عليه لا لمن له القصاص و لكن في حق المتمكن من استيفاء حقه جعل كانه له و استيفاء حقه يكون بفعل هو قطع لا بفعل هو قتل قوله التحرز عن السراية ليس في وسعه قلنا نعم و لكن العفو و الترك في وسعه و هو مندوب اليه قال الله تعالى و أن تعفوا أقرب للتقوى و انما يتقيد بالوسع ما يكون مستحقا عليه فأما ما يكون مباحا له كالمشي في الطريق و الرمى إلى الصيد و تعزير الزوج زوجته فمقيد بشرط السلامة و ان لم يكن في وسعه إيجاد ذلك لان ذلك مستحق عليه ثم عجزه لا يجوز أن يكون مسقطا حرمة صاحب النفس في نفسه و أكثر ما في الباب ان يتقابل حقان حق هذا في طرف يسلم له بلا خطر و حق الآخر في نفس محترمة متقومة فتترجح حرمة النفس على حرمة الطرف أو يعتبر الحرمتان فلحقه
(149)
في الطرف يتمكن من الاستيفاء و لمراعاة حق الآخر في النفس يتقيد عليه بشرط السلامة و هو بمنزلة ما لو قلع سن إنسان فاستؤنى حولا فلم ينبت فانه يمكن من استيفاء القصاص فان استوفى القصاص ثم نبت السن المقلوع أولا وجب عليه أرش سن القالع لهذا المعنى و هذا بخلاف قطع الامام يد السارق لان ذلك مستحق عليه أقامته فيتقيد بما في وسعه يوضحه أن المأمور به هناك قطع مطلق و فعله في الصورة قطع فيصير به ممتثلا للآمر و يخرج من عهدته فيصير كالمسلم إلى من له القصاص عامل لنفسه الحق فإذا مات من ذلك فانما قتله من له الحق بعد ما خرج الامام من عهدة فعله فأما هنا فمن له القصاص عامل لنفسه فلا يخرج من عهدته قبل البرء و انما اذن له في قطع مقيد بكونه قصاصا و القصاص عبارة عن المساواة فإذا تبين أنه لم يكن قصاصا كان مضمونا عليه و لهذا قلنا في قوله اقطع يدى فقطع فسرى لا يجب شيء لانه أنابه مناب نفسه في قطع مطلق فكما أن به تحول فعله إلى الآمر و خرج القاطع من عهدته و كذلك النزاع و الفصاد و الحجام انما أمروا بفعل مطلق و كما فرغوا من ذلك خرجوا من عهدتهم و صار مسلما إلى من أمرهم بذلك فأما قول من عليه القصاص لمن له القصاص اقطع يدى قصاصا معتبر لان من له القصاص عامل لنفسه بعد هذا القول و قبله كيف و قد قيد الامر بقوله اقطع قصاصا فإذا سرى إلى النفس فهذا على الخلاف و الحرف الآخر لابى حنيفة أن هذه سراية تولدت من قطع مضمون فيكون مضمونا كما لو قطع يد إنسان ظلما و بيان ذلك أن القصاص محض حق العباد فيكون واجبا بطريق الجبران و ما يستوفى جبرا يكون على المستوفي بما كان استوفى منه فان معنى الجبران لا يتحقق الا به كمن استهلك على إنسان ما لا فاستوفى منه مثله كان المستوفي مضمونا على المستوفي و هذا مثله فإذا كان أصل الفعل مضمونا و السراية أثره فتكون مضمونة أيضا و عليه يخرج قطع يد السارق لانه أقامه حدا فلا يكون مضمونا على الامام ( ألا ترى ) أن ذلك قضأ منه و فيما يكون مضمونا عليه لا يكون نافذ القضاء و كذلك إذا قال لغيره اقطع يدى فانه مضمنون عليه لانه عامل للآمر لامره في محل مملوك له و كذلك قطع بد المرتد و أما فعل الفصاد و النزاع فانه مضمون ضمان عقد و لكن لا يتولد ضمان الجناية من ضمان العقد و قد قررنا هذا في مسألة الاجير المشترك و لو لم يمت المقتص منه و مات المقتص له قتل به المقتص منه لانه لما مات تبين أن الواجب له القصاص في النفس و من له القصاص في النفس إذا قطع بد من عليه القصاص لا يسقط به
(150)
حقه في النفس فلهذا قتل به قصاصا و لو قتل رجل رجلا فدفع إلى وليه فقطع يده عمدا أو مثل به في ذلك الموضع لم يكن عليه في ذلك أرش لانه كانت له نفس و اليد من النفس ( ألا ترى ) أن استيفاء النفس باق على ذلك كله و لكن تعذر لما باشره من المثلة فان المثلة حرام بنهي النبي عليه السلام عن المثلة و ما كان يمنع من هذا الفعل فذاك لا يدل على أنه مضمون عليه كما لو حرقه بالنار فانه لا يكون مضمونا عليه و ان كان هو ممنوعا منه و الا طراف تابعة للنفس فإذا كان فعله في النفس علي وجه يكون ممنوعا منه لا يوجب الضمان عليه فكذلك في الطرف و لو أن الولى بعد ما قطع يده عمدا أو خطأ عفا عنه كان عليه دية اليد في قول أبى حنيفة و لا شيء عليه في قول أبى يوسف و محمد لانه استوفى طرفا من نفس لو استوفاها لم يضمن فكذلك إذا استوفى جزأ منها لم يضمن كما لو قطع يد مرتد و هذا لان الاطراف تابعة للنفس فمن ضرورة ثبوت حقه في النفس ثبوت حقه في الاطراف لان الحق في التبع انما يثبت بثبوته في الاصل و لهذا لم يكن استيفاء الطرف موجبا للضمان عليه قبل العفو فكذلك بعد العفو و لان العفو إسقاط فانما ينصرف إلى الباقى لا إلى المستوفي كمن قطع يد إنسان ثم قطع من له القصاص أصبعا من أصابعه ثم عفا عن اليد لم يضمن أرش الاصبع و الاصابع للكف بمنزلة الاطراف للنفس و الدليل عليه أنه لو أعقب القطع قتلا لم يضمن شيأ و كان ذلك باعتبار ثبوت حقه في الطرف فكذلك إذا أعقبه عفوا لانه في العفو محسن و إحسانه لا يكون موجبا عليه الضمان يوضحه أنه بعد العفو لو سرى إلى النفس لم يضمن شيأ و القطع الساري أفحش من المقتصر و إذا كان لا يضمن بعد العفو إذا سرى شيأ فإذا اقتصر أولي أن لا يضمن و أبو حنيفة يقول استوفى طرفا لا حق له في استيفائه من نفس متقومة فيكون مضمونا عليه و بيانه أن نفس من عليه القصاص متقومة في حق سائر الناس فكذلك في حق من له القصاصن الا أن تقومها سقط في حق الاستيفاء بما سبق و لا حق لمن له القصاص في استيفاء الطرف لان استيفاء الطرف قطع و قد بينا أن حقه في القتل و القطع القتل و الدليل عليه أنه يمنع من الاستيفاء مع أن القطع طريق مشروع لاستيفاء القصاص في النفس فانما يمنع هناك لانه مخطئ في الطريق و هاهنا مخطى في الطريق ثم يمنع من الاستيفاء فعرفنا أنه لاحق له في الطرف و هذا لان حقه في النفس و الاطراف تابعة للنفس فانما يثبت له الحق في استيفائها تبعا لا مقصودا فإذا استوفى الطرف مقصودا كان مستوفيا
(151)
ما ليس بحق له الا انه قبل العفو متمكن من أن يجعله تبعا للنفس بان يقتله فيكون كل واحد من الفعلين قتلا و يصير الطرف تبعا للنفس فلا يضمن شيأ فأما بعد العفو فقد سقط حقه في النفس و بقى الطرف مقصودا بالاستيفاء و لا حق له فيه مقصودا فكان مضمونا عليه و الدليل عليه أن من وجب له القصاص علي إمرأة فرمى بها يلزمه الحد و المستوفى بالوطء في حكم جزء من العين فلو ثبت من له الحق في اطرافها مقصودا لصار ذلك شبهة في إسقاط الحد و من له القصاص على عبد إنسان إذا تصرف في ماليته كان هو في ذلك كاجنبي آخر و ان كان حقه ثبت في ماليته تبعا علي معنى ان باستيفاء النفس يصير مستوفيا للمالية و الدليل على أن من له القصاص في النفس لاحق له في الطرف انه لو كان عليه قصاص في اطرافه لانسان و في نفسه لآخر فجاء من له القصاص في النفس فقطع طرفه لم يضمن من عليه شيأ لصاحب الطرف و لو كان حق من له القصاص في النفس ثابتا في الطرف لصار هو قاضيا بطرفه حقا مستحقا عليه فيغرم الارش لصاحب الطرف و هو بخلاف الاصبع مع الكف فان حق من له القصاص ثابت في الاصابع هناك بدليل ان فوات بعض الاصابع يثبت له الخيار و أن الكف تابعة للاصابع بدليل حكم الارش فأما هنا ففوات الاطراف لا يثبت الخيار لصاحب النفس و لا ينقص بدل النفس بفوات الاطراف فعرفنا أن الاطراف تابعة للنفس و قد قيل ان تلك المسألة مذكورة في الزيادات و الجواب قول محمد خاصة و هذا بخلاف ما لو سرى القطع إلى النفس بعد العفو لان بالسراية يتبين ان أصل فعله كان قتلا و انه كان مستوفيا حقه و انما أسقط بعد الاستيفاء و هذا بخلاف ما إذا أعقب القطع قتلا لان الفعل الثاني يكون متمما للمقصود بالفعل الاول فيتبين به ان كل واحد منهم قتل و القتل حقه فلا يكون مضمونا عليه ثم إذا قتله فقد تقرر حقه في النفس و ذلك يمنع وجوب ضمان الطرف عليه بخلاف ما إذا عفا و لا معنى لقولهم ان عفوه ينصرف إلى ما بقي لانه بقطع اليد ما صار مستوفيا شيأ من القتل حتى يقال ينصرف عفوه إلى ما بقي قال و فى العين القصاص و في السن القصاص إذا قلعت أو كسر بعضها و لم يسود ما بقي و قد بينا حكم القصاص في السن و انما بقي منه حرف و هو أنه إذا كسر بعض السن فاسود ما بقي لا يجب القصاص فانه عاجز عن فعل مثل الفعل الاول فانه لا يمكنه أن يكسر بعض السن على وجه يسود ما بقي فلهذا لا يلزمه القصاص يوضحه أن الفعل كله في محل واحد و آخره موجب للارش فيمنع ذلك وجوب القصاص في جميعه و فرق أبو يوسف و محمد بين هذا و بين ما إذا قطع أصبع
(152)
إنسان فشلت بجنبها أخرى و هذا لان كل أصبع محل على حدة و وجوب الارش بالفعل في أحد المحلين لا يمنع وجوب القصاص بالفعل في المحل الآخر وهنا المحل كله واحد فإذا خرج أخره من أن يكون موجبا للقصاص يخرج أوله من أن يكون موجبا فاما في العين إذا ذهب نورها بالضربة و لم تخسف فعليه القصاص و صورته أن تحمى له مرآة ثم تقرب منها حتى يذهب نورها و يربط على عينه الاخرى و علي وجه قطن هكذا روى عن علي رضى الله عنه فان هذه الحادثة وقعت في زمن عثمان رضى الله عنه فشاور الصحابة في ذلك فلم يجد عندهم شيأ حتى قضى على رضي الله عنه بالقصاص و بين طريق الاستيفاء بهذه الصفة فاتفقوا على قوله فأما إذا انخسفت أو قلعت الحدقة فلا قصاص فيها لانه لا يتأنى اعتبار المماثلة في السن و المحل فهو بمنزلة كسر العظم و انه لا يتعلق به القصاص و إذا أحرق رجل رجلا بالنار فعليه القصاص لان النار تعمل عمل السلاح في تفريق الاجزاء و التأثير في الظاهر و الباطن ثم يقتله المولى بالسيف عندنا و عند الشافعي يقتله بمثل ما قتله به و الدليل على أنه لا يحرقه بالنار قوله عليه السلام لا يعذب بالنار الا ربها و قال لا تعذبوا بعذاب الله أحدا و إذا طعنه برمح لا سنان له فأجافه فمات فعليه القصاص لوجود الجرح في الظاهر و الباطن و قد بينا أن الحديد إذا كان يعمل عمل الحديد في القطع و الجرح فالفعل به يكون عمدا محضا و كذلك لو شق بطنه بعود أو ذبحه بقصبة فهو بمنزلة السلاح يجب القصاص به و فى مثقل الحديد و النحاس اختلاف الروايات كما بينا و الكلام في القتل بالحجر و العصا قد تقدم و إذا غرق رجل رجلا في ماء فلا قصاص عليه و ان كان يعلم انه لا ينقلب منه بلغنا ذلك عن عمر رضى الله عنه و مراده الحديث الذي روينا في كتاب الاكراه و على قول أبى يوسف و محمد يجب عليه القصاص إذا جاء من ذلك ما يعلم انه لا يعيش من مثله بمنزلة القتل بالحجر الكبير على قولهم و يعمدون فيه قول النبي عليه الصلاة و السلام من غرق غرقناه و من حرق حرقناه و لكن أبو حنيفة قال هذا لا يثبت مرفوعا و انما هذا كلام زياد ذكره في خطبه ألا ترى انه قال فيه و من قتل عبده قتلناه و بالاجماع من قتل عبده لا يقتل ثم الماء ليس في معنى السلاح ( ألا ترى ) انه لا يؤثر في تفريق الاجزاء في الظاهر فهو بمنزلة الحجر و العصا على قولهم يوضحه ان الغريق بحتذب الماء بنفسه فيكون كالمعين علي نفسه فيكون ذلك شبهة في إسقاط القود و لو خنق رجلا فمات أو طرحه في بئر أو ألقاه على ظهر جبل أو سطح فمات لم يكن فيه قصاص عند أبى حنيفة و عندهما إذا كان
(153)
شيء من ذلك يعلم انه لا يعيش من مثله فهو عمد محض يجب به القصاص و ان كان ختاقا معروفا قد خنق واحد فعليه القتل لانه ساع في الارض بالفساد و الامام يقتل الساعي في الارض بالفساد حدا لا قصاص و ذكر في النوادر انه لو حبسه في البيت فطبق عليه الباب حتى مات لم يضمن شيأ عند أبى حنيفة و لكن يعزر على ما صنع و عندهما يضمن ديته لانه مسبب لا تلافه على وجه متعد فيه فيكون بمنزلة حافر البئر في الطريق و أبو حنيفة يقول حبسه و تطبيق الباب عليه لا يوجب إتلافه و انما يتلفه معنى آخر و هو الجوع الذي هاج من طبعه و بعد الطعام عنه و لا صنع للجاني في ذلك فلو ضمن انما يضمن بجنايته عليه بتأخير حبسه و الحر لا يضمن باليد و لو سقي رجلا سما أو أوجره ايجارا فقتله لم يكن عليه قصاص والدية على عاقلته و في بعض النسخ قال سقاه سما أو أوجره ايجارا فقد صار متلفا له و هذا هو الاصح لانه إذا دفعه اليه حتى شرب بنفسه لم يضمن شيأ لان الشارب مختار به في شربه فيكون قاتلا نفسه و من أعطاه غره حين لم يخبره بما فيه من السم و لكن بالغرور لا يجب عليه ضمان النفس و الاصل فيه ان اليهودية حين أتت بالشاة المسمومة هدية الي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكل من ذلك بشر بن البراء فمات ثم لم يضمنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ديته لان تناوله باختياره فاما إذا أوجره ايجارا فقد صار متلفا له فيكون ضامنا ديته و قيل هذا إذا كان سما قد يقتل و قد لا يقتل فيكون ذلك بمنزلة الخطأ فأما إذا كان سما ذعافا يعلم انه يقتله لا محالة فانه يجب عليه القصاص عند أبى يوسف و محمد بمنزلة ما تقدم من الفعل الذي لا يلبث و إذا جرح الرجل الرجل عمدا بالسيف فاشهد المجروح على نفسه أن فلانا لم يجرحه ثم مات المجروح من ذلك فلا شيء علي فلان و لا تقبل البينة عليه بالجناية لان قبول البينة يبنى على دعوى صحيحة و الوارث في الدعوي قائم مقام المورث فكما لا تصح الدعوي من المورث بعد إقراره انه لم يجرح فكذلك لا تصح من الوارث لانه نفى أصل الجرح و من ضرورته نفى القتل و لو لم يقر المجروح بذلك و لكنه عفى عن الجارح قبل موته ثم مات ففى القياس عفوه باطل لان القصاص في النفس انما يجب بعد موته و يكون للوارث لا للمورث فالوارث هو الذي ينتفع به دون المورث فيكون المورث بعفوه مسقطا حق الغير و مسقطا للحق قبل الوجوب و ذلك باطل و الدليل عليه ان عفو الوارث قبل موت المورث عن القصاص صحيح و لو كان القصاص يجب للمورث لا يصح عفو الوارث كالابراء عن الدين وجه الاستحسان ان الوراثة خلافة و انما يجب القصاص للوارث