صحة ما ذهبنا اليه ان أهل اللغة قسموا أقسام الكلام قسموا من جملتها قول القايل لمن هو دونه افعل امرا فينبغي أن يكون ذلك عبارة عنه و لو جاز لمخالف أن يخالف في ذلك لجاز أن يخالف في ساير ما سموه من أقسام الكلام مثل النهى و التخصيص و التمني و السؤال و الخبر و غير ذلك فإذا كان جميع ذلك صحيحا مسلما فينبغي أن يكون ما ذكرناه مثله و أيضا فانهم فرقوا في هذه الصيغة بين كونها امرا أو دعاء و مسألة باعتبار الرتبة بان قالوا إذا كان القايل فوق المقول له سمى امرا و ان كان دونه سمى سؤالا و طلبا و دعاء فلو جاز المخالفة في تسميته امرا جاز المخالفة في تسميته سؤالا و طلبا و ذلك لا يقوله احد و ليس لاحد ان يقول ان تسميتهم لذلك بانه امر لا خلاف فيه بل هو مسلم و انما الخلال في أن غيره هل يسمى بذلك ام لا لان من قال بان هذه الصيغة مشتركه بين القول و الفعل يسلم صحة ذلك و يقول انها تستعمل في الفصل ايضا لانا ندل على فساد هذه الدعوي فيما بعد انشاء الله تعالى و الذي يدل على ما قلناه من ان هذه الصيغة حقيقة في القول دون الفعل اطرادها في القولا و وقفها في الفعل لانه ليس كل فعل يسمى امرا قولا الا ترى انه لا يسمى الاكل و الشب و القيام و القعود بانه و امر انما يقال لجملة أحوال الانسان انه امر فيقال امره مستقيم و امره مضطرب فاما تفاصيل الافعال فلا توصف بذلك و ليس كك القول لان كل قول يحصل لمن هو دونه لهذه الصيغة يسمى امرا فعلمنا بذلك انه حقيقة فيما قلناه و مجاز فيما ذكروه و أيضا فان هذه اللفظة لها اشتقاق لانها يشتق منها اسم الفاعل فيقال امر و اسم المأمور و فعل الماضي و المستقبل و كل ذلك لا يتأتى في الفعل فعلم بذلك انها مجاز في الفعل و حقيقة في القول فاما من تعلق بالاستعمال في كون هذه الصيغة مشتركة و قال وجدت هذه اللفظة قد استعملت في الفعل كما استعملت في القول فينبغي أن تكون حقيقة فيهما و قد قال الله تعالى و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر و قال و ما امر رعون برشيد و غير ذلك من المواضع فان لا جواب عنه قد يق ان ذلك مجاز و ليس نفس الاستعمال دلالة على الحقيقة لان المجاز ايضا مستعمل كالحقيقة و نحن نبين ذلك فيما بعد و إذا لم يكن ذلك و الا على الحقيقة بطل التعلق به و قد أبطلنا أن يكون ذلك على وجه الحقيقة بما ذكرناه من الادلة و اما قوله تعالى و امرنا الا واحدة كلمح بالبصر و قوله و ما امر فرعون برشيد فقد قيل فيه وجهان أحدهما انه لا نسلم ان ذلك عبارة عن الفعل بل لا يمتنع أن يكون أراد بذلك امره الذي هو قوله و امر فرعون الذي هو قوله و لا يطعن على هذا الوجه مساوات أفعاله في هذا الوصف و في كونها كلمح بالبصر في سرعة يايتها
منه لان ذلك يعلم بدليل اخر بخبر اخر و كك يعلم بشيء اخر ان افعال فرعون مثل اقواله في كونها رشيده فلا يمكن التعلق بذلك و الوجه الاخر ان ذلك مجاز لما دللنا عليه من قبل فاما من تعلق في ذلك بان أهل اللغة جمعوا الامر الذي هو من قبيل الاقوال أوأمر و جمعوا الامر الذي هو من قبيل الافعال أمورا فينبغي أن يكون ذلك دلالة على كونها مشتركة فيهما فقوله يبطل لانه يقال له الصحيح ان الامره يجمع أوأمر أصلا و انما يجمع امور مثل فلس و فلوس و زرع و زروع و غير ذلك فاما أوأمر فخارج عن القياس فان سمع ذلك فانه يكون على انه جمع الجمع و كأنه جمع أولا أمورا ثم جمع امور أوأمر و على هذا لا يدل على مخالفتهم عن ذلك لاختلاف المعنيين و إذا ثبت ما قلناه لا يمكن التعلق بقوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره في وجوب اتباع افعالة لان ذلك داخل فيه على وجه الحقيقة و كونها مرادة على وجه المجاز يحتاج إلى دليل الظاهر فبطل التعلق به على كل حال و اعلم ان هذه الصيغة التي هي قول القايل افعل وضعها أهل اللغة استدعا الفعل و خالفوا بين معانيها باعتبار الرتبة فسموها إذا كان القايل فوق القول له امرا و إذا كان دونه سؤالا و طلبا و دعاء و متى استعملوها في استدعاء الفعل في التهديد نحو قوله تعالى و استعرز من استطعت و قوله اعملوا ما شئتم و في الاباحة نحو قوله و إذا حللتم فاصطادوا نحو قوله فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الارض و في التحدى نحو قوله فأتوا بعشر سور مفتريات مثله و في تكوين الشيء نحو قوله كونوا قردة خاسئين و ما اشبه ذلك من الوجوه كانت مجازا خارجة عن باب ما وضعت له و هذا مذهب كثير من الفقهاء و المتكلمين و قال جماعة من الفريقين ان هذه الصيغة مشتركة بين جميع ذلك حقيقة فيه و انما يختص ببعضها بالقصد فإذا أراد المأمور به كان امرا و سؤالا بحسب الرتبة و ان كره الفعل كان ذلك نهيا و تهديدا و الذي يدل على صحة ما ذهبنا اليه ان أهل اللغة فرقوا بين صيغة الامر و صيغة النهى و صيغة الخبر فقالوا صيغة الامر قول القائل لمن هو دونه افعل و صيغة النهى قول القائل لمن هو دونه لا تفعل و الجملة مركبة من مبتدا و خبر و من فعل و فاعل نحو قولهم زيدا في الدار و نحو قام زيد و لو كان الامر على ما قالوه لما كان لفرقهم بين هذه الصيغ معنى و قد علمنا انهم فرقوا و انما قلنا ذلك لانه إذا كان الاعتبار بإرادة المأمور على قولهم فلو صادف ذلك قول القايل لا تفعل لكان امرا و كك لو صادف كراهة ذلك لقوله افعل لكان نهيا و هذا يؤمددى إلى انه لا فرق بين هذه الصيغ و المعلوم منحال أهل اللغة خلاف ذلك
و لا يلزمنا مثل ذلك بان يقال أ ليس قد استعمل صيغة الخبر في الامر نحو قوله تعالى من دخله كان امنا و نحو قوله و المطلقات يتربصن بأنفسهم و ما اشبه ذلك و كك قد استعمل صيغة الامر في النهى و غيره من الاقسام نحو الاباحة و التهديد و التكوين و غير ذلك لانا نقول انما استعملوا ذلك على وجه المجاز دون الحقيقة فان قبل ظاهر استعمالهم يدل على انه حقيقة في الموضعين قيل له لا نم ان نفس الاستعمال يدل على الحقيقة لان المجاز ايضا مستعمل و انما يعلم كون اللفظ حقيقة بان نيصوا لنا على انها حقيقة أو نجد اللفظة تطرد في كل موضع أو ذلك من الاقسام التي قدمنا ذكرها فيما مضى للفرق بين الحقيقة و المجاز و ليس مجرد الاستعمال من ذلك و ليس لهم أن يقولو ان المجاز طار و الحقية هي الاصل بدلالة انه يجوز أن يكون حقيقة لا مجاز لها و لا يجوز أن يكون مجاز لا حقيقة له فعلم بذلك ان أصل الاستعمال الحقيقة و ذلك ان الذي ذكروه غ ير مسلم لانه لا يمتنع أن يكون الواصفون للغة وضعوا اللفظة و نصوا على انها إذا استعملت في شيء بعينه كانت حقيقة و متى استعملوها في غيره كانت مجازا و ان لم يقع استعمال اللفظ في واحد من المعنيين ثم يطرء على الوضع الاستعمال فربما استعملوها أولا في الحقيقة و ربما استعملوها أولا في المجاز و انما كان يتم ذلك ان لو جعلوا الاستعمال فربما استعملوها أولا في الحقيقة و ربما استعملوها أولا في المجاز و انما كان يتم ذلك أن لو جعلوا الاستعمال نفسه طريقا إلى معرفة الحقيقة فيجعل ما ابتدى استعمال حقيقة و قد بينا انا لا نقول ذلك فان قيل أ ليس القائل إذا قيل لغيره أريد منك أن تفعل كذا تاب ذلك مناب قوله افعل فينبغي أن يكون معناهما واحدا قيل له نحن لا نمنع أن يكون لاستدعاء الفعل لفظة اخرى لانا ادعينا انه لا لفظة يستدعى بها الفعل الا قول القايل افعل بل الذي ادعيناه ان هذه اللفظة يستدعى بها الفعل و ان شاركها غيرها في فايدة هذه اللفظة الا أنه متى قال أريد ان يفعل كذا لا يسمى امرا بل يكون مخبرا أو الخبر الامر و ليس لهم أن يقولوا ان السوأل ايضا لا يسمى امرا و هؤلاء ستدعاء الفعل على ما قررتموه لانا قد بينا ان معناهما واحدا و انما فرقوا بينهما في التسمية لشيء يرجع إلى اعتبار الرتبة و ليس يمكن مثل فعل ذلك في صيغة الخبر لانهم فرقوا بينها و بين صيغة في أصل الوضع دون اعتبار امر خرفان قيل أ ليس القائل إذا قال لغيره أو يدان تفعل كذا و كان دون المقول له يسمى سائلا فينبغي إذا قال ذلك و هو فوقه أن يسمى امرا قيل له هذا إثبات بالقياس و ذلك لا يجوز لانه ليس إذا كان للسؤال لفظتان تطلق على مستعملهما لفظ السائل ينبغي أن يكون حكم الامر مثل ذلك و لو جاز ذلك لادى إلى بطلان ما بيناه من اعتبار أهل اللغة الفرق
بين هذه الصيغ و لو لزم ذلك للزم أن يسمى الاشارة امرا لان المشير قد يشير بما يفهم منه استدعاء الفعل و يسمى سائلا و لا قول احد انه امر على حال فان قيل فلو لم يحتج في كونه امرا إلى إرادة المأمور به جاز ان يكون كارها له و قد علمنا استحالة ذلك قيل له ان أردت بانه إذا استدعى الفعل لا يجوز أن يكون كارها له بمعنى ان ذلك مستحيل فليس الامر كك بل ذلك يمكن و ان أردت ان ذلك لا يحسن فهو مسلم لانه متى استدعى الفعل و كان كارها له كان مناقضا لغرضه و ان فرضنا ان الامر حكيم يدل على حسن المأمور به فلو كرهه لكان مقبحا و ذلك لا يجوز على الحكيم فلاجل ذلك لا يجوز و متى فرض فيمن ليس بحكيم فان جميع ذلك جايز مستحيل و اما حملهم ذلك على النهى بان قالوا لما كان من شرط النهى أن يكون كارها للمنتهى عنه وجب في الامر أن يكون مريدا للمأمور به فالجواب عنه ان الكلام في النهي كالكلام في الامر في ان ذلك ليس بمستحيل و لا يخل بكونه نهيا و انما يقبح لان من نهى عن فعل و كان حكيما دل نهيه على قبح المنهي فلاجل ذلك وجب أن يكون كارها له و لم يحسن منه ان يريده لان إرادة القبيح قبيحة و متى فرض فيمن ليس بحكيم فان ذلك جايز فان قيل فبأى شيء ء يدخل في أن يكون مستعملا لما وضعه أهل اللغة حقيقة دون المجاز قلنا بأن يقصد إلى استعماله فيما وضعوه و أطلق القولفانه إذا كان حكيما فانا نعلم انه نعلم امر لانه لو أراد ما وضع له على وجه التجوز لبينه فمتى لم يفرق به البيان دل على انه أراد ما وضع له حقيقة و متى لم نعرف ان القائل حكيم لا نفهم مراده الا بقرينة أو يضطر إلى قصده لانه يجوز أن يكوناراد ما وضع له و ان لم يبين ذلك في الحال لان القبيح مأمون منه فاما الكلام في القصد و هل هو من قبيل الاعتقادات أو هو جنس مفرد فليس هذا موضع ذكره و بيان الصحيح منه و لا يمكن أن يدعى ان الامر أمر بجنسه لانا نجد من جنسه ما ليس بامر ما هو في مثل صورته فان ادعى ذلك ما هو موضوع للامر كان ذلك فاسدا من وجهين أحدهما انهما يشتبهان على الحاسة فلا يفصل على السامع بينهما من جهة الادراك الا ترى ان السامع لا يفصل بين قوله أقيموا الصلوة و بين قوله اعملوا ما شئتم من حيث الادراك و ان كان أحدهما امرا و الاخر تهديدا و الوجه الثاني ان ذلك يبطل التوسع و المجاز لان معنى المجاز أن يستعمل اللفظة الموضوعة لشيء في ما وضعت له فمتى قيل ان هذه اللفظة ليست تلك بطل هذا الاعتبار و لا يمكن ايضا ان يقال انه يكون امرا لانه خطاب و لا انه علم الامر ما امر به و لا انه بصورته لان جميع
فصل في ذكر مقتضى الامر
ذلك يثبت فيما ليس بامر فبطل اعتبار جميع ذلك فصل في ذكر مقتضى الامر هل هو الوجوب و النذر أو الوقف و الخلاف فيه ذهب أكثر المتكلمين من المعتزلة و غيرهم و قوم من الفقهاء ان الامر لا يقتضي الايجاب و انما يقتضى ان الامر أراد المأمور به ثم ينظر فيه فان كان حكيما علم ان المأمور به حسن و ليس بقبيح و ان كان قديما علم ان له صفة زائدة على الحسن و هي صفة الندب لان المباح لا يجوز أن يريده الله تعالى و ان كان الامر حكيم لا يعلم بامره حسن الفعل أصلا لانه يجوز أن يريد القبيح و الحسن جميعا و ذهب قوم من المتكلمين وجل الفقهاء إلى ان الامر يقتضى الايجاب و ذهب كثير من المتكلمين إلى الوقف في ذلك و قالوا لا نعلم بظاهر اللفظ احد الامرين و يحتاج في العلم بأحدهما إلى دليل و هو الذي اختاره سيدنا المرتضى قدس الله روحه انه و ان قال ذلك بمقتضى اللغة فانه يقول انه استقر في الشرع أوأمر الله تعالى و أوامر الرسول صلى الله عليه و آله و أوامر الائمة عليهم السلام على الوجوب و الذي يقوى في نفسى ان الامر يقتضى الايجاز لغة و شرعا و يحتاج أن ينظر في حكم الامر فان كان حكيما علم ان له صفة الوجوب و ان لم يكن حكيما لم يعلم بامره صفة الفعل لانه يجوز أن يوجب ما هو قبيح و ما هو وجب و ما ليس بوجب و الا قبيح فظاهر امره لا يدل على أحدهما و الذي يدل على ذلك انى وجدت العقلاء بأسرهم يوجهون الذم إلى العبد إذا خالف امر سيده و يوبخونه على ذلك فلو لا انهم علموا ان الامر يقتضى الايجاب nفما جاز منهم ذمة على حال لانه ان كان مقتضيا للندب فلا يستحق تاركه الذم و ان مشتركا احتاج إلى بيان المراد فلا يستحق الذم إذا تركه و خالفه و في علمنا بذلك دليل على صحة ما اخترناه و ليس لاحد ان يقول ان تعلق ذم العقلاء للعبد بقرينة تنضاف إلى الامر عقل منها الايجاب فلاجل ذلك ذموه لان ذلك يفسد من وجهين أحدهما ان العقلاء إذا زموه علقموا الذم بمخالفة الامر دون غيره حتى إذا استفسروا عن ذلك عللوا عليه و قالوا لانه خالف امر مولاه و الثاني انه لو كان الامر على ذلك لوجب أن لا يذمه الا من عرف تلك القرينة و في علمنا بذمته له و ان لم يعلموا امرا اخر أكثر من مخالفته للامر دليل على تعليق الذم بذلك حسب ما قلناه فاما قول من قال انه يقتضى إرادة المأمور به فحسب فقد بينا في الفصل الاول ان الامر لا يدل على إرادة المأمور به من حيث كان امرا و انما دل الامر اخر مطلق الامر فسقط الاعتراض بذلك و لا يمكن ان يدعى الاشتراك من حيث وجدت أوأمر كثيرة مستعملة في الندب لان ذلك انما يكون كل على ضرب من المجاز و قد بينا ان الاستعمال ليس به لانه على الحقيقة
لانه حاصل في الحقيقة و المجاز فان قيل ما أنكرتم على من قال انهم عقلوا هناك قرينة لاجلها ذموا العبد إذا خالف سيده و ذلك انه إذا امره بمنافع نفسه فان فوتها يضربه فلا بد أن يكون موجبا عليه و إذا امره بمنافع يعود إلى العبد و لا يستقر هو بفوتها لم يدل على ذلك و لا يذمونه متى خالف قيل له هذا يسقط بالوجهين الذين قدمناهما أحدهما انهم علقوا الذم بمخالفة الاخر دون غيره و كان ينبغي على ما اقتضى هذا السوأل أن يعلقوا الذم بدخول العزم على السيد و فوت المنفعة و قد علمنا خلاف ذلك و الاخر انه يلزمه من لا يعلم ان السيد يستضر بمالفته و انه ينتفع بامتثاله فلو كان الامر على ما قيل لما جاز ان يذمه الا من عرفت ذلك و قد علمنا خلاف ذلك على انا لا نم ذلك لان السيد قد لا يستقر بمخالفة عبده و يستحق العبد مع ذلك الذم إذا خالفه الا ترى إلى من قال لغلامه اسقني الماء فلم يسقه و كان هناك غلامه آخر فسقاه فان العقلاء يذمون العبد المخالف و ان كان السيد لم يدخل عليه ضرر لانه قد بلغ غرضه و مراده فلو كان لما قالوه لما حسن ذلك على حال و كل يذمونه و ان خالف منافع يرجع إلى العبد لا ترى انه لو قال اغسل ثيابك و ادخل الحمام و كل الخبر و ما اشبه ذلك فلم يفعل يحسن منه أن يؤدبه على ذلك و يذمه فلو لا ان ذلك كان يجب عليه و الا لم يحسن ذلك و ليس لهم ان يقولوا انهم إذا خالفه فيما عددتموه عاد بالضرر عليه فلاجل ذلك حسن ذمه و ذلك انه ان كان الامر على ما قالوه سقط فرقهم بذلك بين منافع يخصه و بين منافع يرجع إلى السيد لانهم راموا بذلك ان يفضلوا بين ان يستحق الذم بمخالفة امر سيده لمنافع تعود اليه و بين منافع ترجع إلى العبد و على هذا الفرض لا فصل بينهما لان في كلا الحالين يعود إلى الضر مر بالمخالفة على السيد فبطل الفصل و من سوى بينهما كان الجواب عنه ما تقدم و يدل ايضا على صحة ما ذهبنا اليه قوله تعالى مخاطبا لابليس ما منعك الا تسجد إذا مرتك فقرعه على مخالفته الامر فلو لا ان امره كان يقتضى الايجاب و الا لم يستحق التوبيخ و ليس لهم ان يقولوا انه انما ذمة لانه كان قد دله على ان ما امره به واجب بقرينة اقترنت إلى الخطاب لان الذي ذكروه مخالف للظاهر لان الله تعالى انما علق ذمة بمخالفة الامر دون القرينة فمن ادعى قرينة احتاج إلى دلالة و ليس لهم أن يقولوا ان قوله ما منعك الا تسجد ليس بتوبيخ و انما هو تقرير على الذي حمله على مخالفه الامر و ذلك ان هذا خلاف الاجماع لانه لا خلاف بين الامة في ان هذا القول ذم لابليس فمن قال ليس كك سقط قوله و يدل ايضا على ذلك قوله تعالى فليحذر
الذين يخالفون عن امره فحذرنا من مخالفة أوأمر الرسول فلو لا انها كانت مقتضية للايجاب و الا لم يجب الحذر من مخالفته فان قالوا المخالفة ليس هو ان لا يفعل ما اقتضاه الامر بل المخالفة هو رد القول و ان بق ليس كك لان الذي ذكروه ضرب من المخالفة و قد يكون المخالفة ترك المأمور به الا ترى ان القايل إذا قال لغيره قم و اقعد فمضى و قام يق انه خالفه و ان لم يرد قوله عليه كما انه إذا رده عليه و قال ليس الامر على ذلك يق انه خالفه بكل واحد من الامرين مخالفة و نحن نحمل الاية عليهما جميعا و ليس لهم ان يقولوا ان قوله فليحذر الذين قرينة تدل على ان امره على الوجوب دون أن يكون ذلك بمقتضى اللغة لانه متى لم يكن الامر مقتضيا للايجاب لم يحسن التحذير من مخالفته الا ترى انه لا يحسن ان يحذرنا من مخالفه ما ندبنا اليه لما لم يكن لها صفة الوجوب و يحسن ذلك فيما يوجبه علينا فعلم بذلك ان التحذير انما يحسن إذا كان الامر مقتضيا للايجاب و يدل ايضا على صحة ما ذهبنا اليه ما روى ان النبي قال لبريرة ارجعى إلى زوجك فانه أبو ولدك و له عليك حق فقالت يا رسول الله اتأمرنى بذلك قال لا و انما انا شافع فعدل عن الامر إلى الشفاعة فلو لا انه كان يقتضي الايجاب و الا لم يكن فرق بينه و بين الشفاعة لان شفاعة النبي مرغب في اجابتها فعلم بذلك ان امره كان يقتضى فلاجل ذلك لم يأمرها لانه أراد ترغيبها في ذلك و لم يرد الايجاب و يمكن أن يعتمد في ان الامر يقتضى الايجاب على ان يقال ان الاحتياط يقتضى ذلك لانه متى امتثل المأمور به فانكان مقتضاه الندب فقد فعله على كل حال و ان كان مشتركا فقد امن الذم و العقاب من مخالفته لو كان واجبا و ان كان واجبا فقد امتثل المأمور به فالاحتياط يوجب عليه ذلك على المذاهب كلها الا ان هذا و ان أمكن فانما يمكن أن يق يحجب عليه ان يفعل المأمور به و لا يعتقد فيه ان له صفة الوجوب لانه ان اعتقد ذلك و هو لا يا من أن لا يكون كك يكون اعتقداده جهلا و انما يسلم له ذلك إذا خلا من اعتقاد في المأمور به و اقتصر على نفس الفعل فإذا فعل ذلك كان ذلك معتمدا و يدل ايضا على صحة ما ذهبنا اليه رجوع المسلمين بأجمعهم من عهد الني ( ع ) إلى زماننا هذا في وجوب الافعال و احتجاجه م في ذلك إلى أوأمر الله تعالى و أوامر رسوله صلى الله عليه و آله فلو لا انهما يقتضيان الايجاب و الا لم يجز ذلك و كان للمحتج عليه ان يقول واي شيء في ذلك فما يقتضى الايجاب في الامر لا يقتضى الايجاب في علمنا بإجماعهم على ذلك دليل على صحة ما قلناه و ليس لاحد ان يقول انهم عقلوا ذلك بقرينة دلتهم على ذلك لان هذا دعوى محضة و من ادعى