أصول العامة فی الفقه المقارن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول العامة فی الفقه المقارن - نسخه متنی

السید محمدتقی الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الاصول العامة للفقه المقارن - صفحه 521 الي 556 البابُ الرابع

القسم الثالث

التخيير العقليّ تحديده : والمراد بالتخيير العقلي ، الوظيفة العقلية التي يصدر عنها المكلف عند دوران الامر بين المحذورين ـ الوجوب والحرمة ـ وعدم تمكنه حتى من المخالفة القطعية .

وقد ذكروا له فروضاً متعددة لا ينطبق على تعريفنا هذا غير واحد منها ، وهي صورة ما اذا كانت الواقعة واحدة غير متكررة وكان التكليف توصّلياً .

الخلاف فيه : والاقوال في هذه الصورة ـ أعني صورة دوران الامر بين المحذورين ـ خمسة :

1 ـ جريان البراءة عن كل منهما عقلاً وشرعاً .

2 ـ تقديم جانب الحرمة على جانب الوجوب بملاك ما قيل من أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة .

3 ـ الحكم بالتخيير بينهما شرعاً .

4 ـ التخيير بينهما عقلاً لعدم خلو المكلف تكويناً عن الفعل والترك مع الرجوع الى أصالة الاباحة الشرعية .

5 ـ التخيير بينهما عقلاً ، مع عدم جريان شيء من القواعد الشرعية فيهما .

والظاهر ان اسدّ هذه الاقوال هو القول الخامس ، إن صح تسميته بالتخيير العقلي ، ولعل تسميته بالتخيير التكويني أولى لان صدور المكلف عن أحدهما تخييراً لا يحتاج الى من يرشده اليه ، ما دام المكلف في واقعه لا يخلو عن احدهما ، ولعل الغرض من تسميته بالتخيير العقلي هو أن العقل بعد أن يسد جميع منافذ

الاقوال السابقة ولم يبق إلا هذا المنفذ ، فإنه لا بد ان يوجه الانسان الى سلوكه بالذات .

حجيته : وتتضح حجيته اذا علمنا السر في عدم جعل شيء من الامارات أو الاصول الشرعية فيهما مجتمعين أو منفردين في مقام الثبوت .

أما جعل الامارات بالنسبة اليهما معاً فمستحيل لاستحالة التعبد بالمتناقضين وجعلها لاحدهما غير المعين لا أثر له ، والمعين ترجيح بلا مرجح .

والاصول الاحرازية كذلك ـ كما سبق بيانه ـ لما تنتهي اليه من طلب اعتبار غير الواقع واقعاً ، مع العلم بالواقع لو جعلت بالنسبة لهما معاً ومع جعلها لاحدهما غير المعين ، لا تترتب عليه أية ثمرة ، وللمعين ترجيح بلا مرجح .

وأصالة الحل لا يمكن جعلها لمنافاتها للمعلوم بالاجمال ، وهو الحكم الالزامي ، أما البراءة الشرعية فلان رفع الالزام فيها ظاهراً لا يكون إلا في موضع يمكن جعله فيه ، وحيث ان جعل الاحتياط هنا مستحيل لعدم قابلية المحل له فرفعه كذلك .

ودعوى ، ان القدرة على الوضع انما تلحظ بالقياس الى كل من الحرمة والوجوب مستقلاً لا اليهما معاً وجعل الاحتياط بالقياس الى كل منهما أمر ممكن ، ليست واضحة لدي لفرض المسألة في دوران الامر بين المحذورين وإمكان الجعل في مقام الثبوت ، والكلام انه هل يمكن للشارع ان يضع الاحتياط في هذه الصورة بالذات وهي بمرأى منه ، فاذا لم يمكنه ذلك لم يمكنه جعل البراءة لكل منهما ؟ والمانع ليس مانعاً إثباتياً ليتمسك بشمول حديث الرفع وإنما هو مانع ثبوتي .

ودعوى ، ان الشارع وان لم يكن متمكناً من وضع الالزام الظاهري بالفعل والترك معاً ; لكنه يستطيع وضع كل منهما بخصوصه ويكفي ذلك في قدرته على

رفعهما معاً ، غير واضحة .

لان جعل الالزام الظاهري لكل منهما مستحيل لعدم القدرة على امتثاله ، ولاحدهما غير المعين لا ثمرة له ، والمعين ترجيح بلا مرجح كما سبق . فالقول بامكان الرجوع الى بعض الاصول في الاطراف لا نملك توجيهه فعلاً .

نعم ، اذا كان لبعض الاطراف خصوصية توجب إجراء أصل فيه ، تعين اجراؤه ، وخرجت المسألة عن الفرض لعدم الدوران حينئذ بين المحذورين .

1 ـ التخيير واجراء البراءتين : أما القول الاول ـ أعني جريان البراءة في كل منهما عقلاً وشرعاً ـ فيرد عليه :

أ ـ جمع البراءة العقلية والشرعية على صعيد واحد مع اختلافهما رتبة وعدم إمكان الجمع بينهما ، ولهذا جعلنا أدلة البراءة الشرعية واردة على البراءة العقلية ، ومع فرض قيام احداهما لا مجال للاخرى .

ب ـ عدم إمكان جعل البراءة الشرعية فيهما ، لما سبق بيانه قبل قليل ، والبراءة العقلية لا مسرح لها لوجود البيان الواصل من الشارع بالعلم ، وكون هذا العلم لا أثر له لعدم إمكان تنجيز متعلقه لا يرتبط بمقامنا هذا ، لان عدم التنجيز ليس منشؤه عدم وصول البيان المأخوذ في موضوع قاعدة " قبح العقاب بلا بيان " بل منشؤه عدم القدرة على الامتثال ، وقاعدة " قبح العقاب على التكليف غير المقدور " غير قاعدة " قبح العقاب بلا بيان " لاختلاف متعلقهما كما هو واضح .

2 ـ التخيير وقاعدة دفع المفسدة : ويرد على القول الثاني ، أعني تقديم جانب الحرمة ، لقاعدة " دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة " :

أ ـ المناقشة في القاعدة كبروياً ، لان العقلاء جميعاً يقدمون على ما فيه المصلحة الكبيرة وإن تعرضوا لشيء من المفاسد الصغيرة ، وربما أقدموا على ما فيه احتمال المصلحة الراجحة وإن ضحوا في سبيله بالكثير ، فالتجار يسافرون من أجل احتمال الربح الاسفار البعيدة ، وإن كلَّفتهم كثيراً من الجهد والمال ; فالقول بأن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ليس صحيحاً على إطلاقه .

فالقاعدة ليست قاعدة مسلمة إذن لدى العقلاء في جميع الموارد ، كما لم يقم عليها دليل شرعي لنتعبد بها ، فالمسألة لا تخرج اذن عن كونها من صغريات باب التزاحم ، وقد مر البحث فيها مفصلاً في مبحث الاستحسان (8) .

ب ـ على أن مسألتنا هذه أجنبية عن القاعدة ، لان القاعدة ـ لو تمت ـ فإنما هي في المفسدة والمصلحة المعلومتين . أما المفسدة والمصلحة المشكوكتان فلا تجري بينهما هذه الموازنة .

وقد سبق ان قربنا ـ في مبحث الاحتياط الشرعي (9) ـ أن المرجع في الشبهات التحريمية هو البراءة ، فاحتمال المفسدة في شيء ـ حتى مع القطع بعدم وجود المصلحة ـ لا يقام له وزن في نظر الشارع لادلة البراءة ، فكيف اذا احتمل وجود المصلحة فيه ؟

3 ـ التخيير والقول بالتخيير الشرعي : وقد أوردوا على هذا التخيير بأنه إن أُريد به التخيير في المسألة الاصولية ـ أعني اختيار أحدهما والافتاء على طبقه ـ فهو غير سليم لعدم الدليل عليه ،

وقياسه على الخبرين المتعارضين قياس مع الفارق ، لوجود النص فيهما وعدمه هنا .

على أن الذي سبق ان استظهرناه من الادلة هو عدم تماميتها في إثبات الوظيفة الشرعية حتى في الخبرين المتعارضين ، ولذلك رجعنا الى القاعدة وهي تقتضي التساقط فيهما .

وإن أُريد به التخيير في المسألة الفقهية " أعني في مقام العمل بأن يكون الواجب على المكلف أحد الامرين ، تخييراً من الفعل أو الترك ، كما في غير المقام من الواجبات التخييرية ، فهو أمر غير معقول ، لان أحد المتناقضين حاصل لا محالة ، ولا يعقل طلب ما هو حاصل تكويناً ، إذ الطلب ، ولو كان تخييرياً ، إنما يتعلق بأمر مقدور دون غيره . ومن هنا ذكرنا في محله انه لا يعقل التخيير بين الضدين اللذين ليس لهما ثالث ، فإن أحدهما حاصل بالضرورة ولا يعقل تعلق الطلب بمثله " (10) .

4 ـ التخيير والاباحة الشرعية : والقول بجريان الاباحة الشرعية فيها ، مبني على شمول أدلتها للشبهات الحكمية وهو موضع خلاف ، والتحقيق اختصاصها بالشبهات الموضوعية كما أفاده كثير من الاعلام .

بالاضافة الى ما قلناه قبل قليل من أن أصالة الحل لا تجري لمخالفتها للمعلوم بالاجمال .

على أن الحكم الظاهري ـ مهما كان نوعه ـ إنما يجري اذا احتمل موافقته للواقع نظراً لاعتبار الشك في موضوعه ، والمفروض في المقام هو العلم بالالزام في الواقع ، وان شك في نوعه ، فكيف يمكن الحكم بإباحته ؟

خلاصة البحث : والخلاصة : ان القول بالتخيير العقلي ـ أو التكويني على الاصح ـ هو المتعين في هذه الصورة لبطلان بقية الاقوال ، ومن بطلانها يتضح السر في اعتبارها وظيفة عقلية لا حكماً شرعياً ولا وظيفة كذلك .

أما بقية الصور مما تمكن فيها المخالفة القطعية أو الموافقة ، فهي خارجة عن مجالات التخيير العقلي وملحقة بالاقسام السابقة من البابين على اختلاف في كيفية الالحاق .

البابُ الخامس تمحض هذا الباب لبحث ( القرعة ) ، ولكن عدها من مصادر التشريع وإفرادها بباب مستقل فيه شيء من الغرابة لخروجه على إجماع المؤلفين في علم الاصول .

ولكن نسبة بعض المؤلفين المحدثين ، عدها من المصادر الكاشفة عن الحكم ، الى بعض الفرق الاسلامية ـ كما توهمه عبارته ـ اقتضانا ان نبحثها على هذا الصعيد ، ونلتمس أدلة تشريعها ورتبتها من الادلة ورأي من نعثر على رأيه من علماء المذاهب فيها وفق ما قدمناه من نهج .

البابُ الخامس

القرعة تحديد القرعة : وهي إجالة السهام أو غيرها بين أطراف مشتبهة لاستخراج الحق من بينها .

مشروعيتها : والظاهر أن مشروعيتها على سبيل الموجبة الجزئية تكاد تكون موضع اتفاق المسلمين ، يقول العلامة السيد حسين مكي ـ وقد تتبع حكمها في الكتب الفقهية ـ : " فقد رأيت الشعراني في كتابه ( الميزان ) يتعرض الى القرعة في باب القسمة وكتاب الدعاوى والبينات ، ونقل عن الائمة ـ إلا أبا حنيفة ـ جواز الرجوع الى القرعة في الرقيق ، إذا تساوت الاعيان والصفات ، وعند تعارض البينات نسب الى الشافعي القول بالرجوع الى القرعة فراجع(11) ، ونقل ذلك عن الشافعي وغيره الشيخ محمد بن عبدالرحمن الدمشقي في كتابه " رحمة الامة في اختلاف الائمة " (12) المطبوع في هامش " الميزان " ، وكذلك الشوكاني ذكر في كتابه " نيل الاوطار " (13) رجوع الفقهاء الى القرعة حيث لايوجد طريق شرعي يفصل به بين الخصمين" (14) .

والكتب الفقهية الشيعية لا تأبى الاخذ بها في موارد خاصة شخصتها روايات أهل البيت(عليهم السلام) .

أدلة المشروعية : وقد استدل على أصل المشروعية بأدلة من الكتاب والسنة .

أدلتها من الكتاب : 1 ـ قوله تعالى : ) وان يونس لمن المرسلين * إذ أبق الى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين ( (15) .

بتقريب ان المساهمة في اللغة هي المقارعة بالقاء السهام ، والمدحض هو المغلوب . فإذا كان يونس وهو من المرسلين ممن يزاول القرعة ، فلا بد ان تكون مشروعة اذ ذاك .

2 ـ قوله تعالى : ) ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون ( (16) .

والاية واردة لحكاية الاقتراع على كفالة مريم ، وقد ظفر بها زكريا ، وهو من الانبياء وممن شارك في الاقتراع .

والحديث حول تعميم الحجية في هاتين الايتين ـ وهما حاكيتان عن وقائع صدرت في شرائع سابقة ـ يدعونا ان نتذكر ما قلناه في مبحث ( شرع من قبلنا ) من الخلاف في حجية الشرائع السابقة ، فمن ذهب الى نسخها جملة لا يصلح له الاستدلال بهما .

ومن ذهب الى بقائها جملة ـ إلا ما ثبت فيه النسخ ـ ساغ له الاستدلال بهما .

وعلى مذهب جمهور علماء الحنفية ـ وهو الذي أكدناه سابقاً واعتبرنا الادلة ناهضة به ـ يسوغ الاستدلال بهما أيضاً لاثباتها في الجملة ، لان نفس حكاية القرآن لهما يوجب العلم بوقوع مضمونها وعدم تحريفه ، وما صح من مضامين الشرائع السابقة حجة على رأيهم يجب الاخذ بها ما لم يثبت النسخ .

على أن ادلتها القادمة من السنة تدل على إقرار مضامين هاتين الايتين في ثبوت أصل المشروعية لها .

أدلتها من السنة : والادلة من السنة كثيراً جداً ، وقد عقد لها البخاري باباً في جزئه الثاني أسماه باب : ( القرعة في المشكلات ) (17) ، وإقراع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بين نسائه ـ عندما يريد السفر لاخذ من يخرج سهمها معه ـ معروف لدى المؤرخين .

وفي روايات اهل البيت(عليهم السلام) نصوص كثيرة تدل على مشروعيتها ، يرجع اليها في مظانها من كتب الفقه والحديث .

مجالات القرعة : واذا كانت القرعة مشروعة في الجملة ، فان مشروعيتها ليست محددة في مجالات العمل بها على ألسنة الفقهاء ، واستقراء مواقع استعمالها لديهم لا يخرجها عن الموضوعات او عن قسم منها ، بل لا يخرجها عن موارد النصوص ووقائعها الخاصة ، على أن في بعض نصوصها تعميمات لكل مجهول او مشتبه سواء كان المجهول حكماً وضعياً أم تكليفياً ، ومع ذلك لم يأخذوا بهذه العمومات .

والذي يقتضينا ـ ونحن نريد التقيد بحدود ما تدعو اليه الادلة ـ ان نفحص السر في عدم أخذهم بهذه العمومات ونقيّمه على ضوء ما انتهينا اليه في بحوثنا الاصولية السابقة .

الجمع بين أدلتها وأدلة الاحكام الظاهرية : يقول استاذنا الخوئي(قدس سره) ـ فيما حكاه بعض مقرري بحثه ـ : " والذي يستفاد من مجموع الروايات في القرعة ومواردها انها جعلت في كل مورد لا يعلم حكمه الواقعي ولا الظاهري ، وهذا المعنى هو المراد من لفظ المشكل في قولهم : " ان القرعة لكل أمر مشكل " وان لم نعثر على رواية بهذا اللفظ .

وهو المراد أيضاً من لفظ المشكل المذكور في متون الكتب الفقهية ، فإن المراد من قولهم : هو مشكل او فيه إشكال ، عدم العلم بالحكم الواقعي ، وعدم الاطمئنان بالحكم الظاهري لجهة من الجهات ، لا عدم العلم والاطمئنان بالحكم الواقعي فقط ، إذ الاشكال بهذا المعنى موجود في جميع الاحكام الفقهية سوى القطعيات .

وبالجملة مورد القرعة ، نظراً الى مورد الروايات الواردة فيها ، هو اشتباه الحكم الواقعي والظاهري ، فالمراد من المجهول في قوله(عليه السلام) في رواية " كل مجهول ففيه القرعة " (18) هو المجهول المطلق ـ أي المجهول من حيث الحكم الواقعي والظاهري ـ ثم يقول : وظهر بما ذكرناه انه يقدم الاستصحاب على القرعة تقدم الوارد على المورود ، إذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهري فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي والظاهري ـ على ما ذكرناه ـ بل يقدم على القرعة أدنى أصل من الاصول ، كأصالة الطهارة وأصالة الحل وغيرهما مما ليس له نظر الى الواقع ، بل يعين الوظيفة الفعلية في ظرف الشك في الواقع ، إذ بعد تعيين الوظيفة الظاهرية تنتفي القرعة بانتفاء موضوعها " (19) .

وهذه الاستفادة متينة جداً لو كان لفظ المشتبه موجوداً في الروايات . ولكن الموجود فيها " كل مجهول ففيه القرعة " وهي من حيث أخذ الجهل في موضوعها اشبه بأدلة الوظائف الشرعية كالبراءة والاحتياط ، لاخذ عدم العلم فيها ، وهذه

الادلة ، لو كانت تامة الدلالة لكانت وظيفة من الوظائف التي يجب الرجوع اليها عند العجز عن تحصيل الحكم الواقعي .

وعلى هذا ، فإن تمت استفادة استاذنا في أن المراد من المجهول هو الاعم من الحكم الواقعي والظاهري ، ولو بمعونة القرائن المستفادة من الموارد الخاصة التي وردت فيها روايات القرعة ، كانت هي المتعينة وإلا فلا بد من جمع آخر .

والظاهر أن الجمع بينها وبين ما دل على الرجوع الى الاصول عند الشك يختلف من حيث مفاد الادلة .

فأدلة الاصول الاحرازية ، نظراً لاعتبارها المشكوك متيقناً ، تكون حاكمة عليها ومزيلة للجهل الذي اخذ في موضوعها تعبداً ، وحسابها حساب أدلة البراءة بالنسبة الى الاستصحاب .

أما أدلة الوظائف الشرعية ـ براءة أو احتياطاً ـ فنسبتها اليها نسبة المخصص لبداهة ان لسان أدلة القرعة وهو : " كل مجهول ففيه القرعة " يعم الجهالة بالاحكام الالزامية وغيرها ، والجهالة بالاحكام الوضعية والتكليفية مهما كان منشأ الجهل ، وأدلة البراءة إنما تتعرض لخصوص الاحكام التي فيها كلفة ، سواء كانت الشبهة فيها موضوعية أم حكمية ، فهي أخص من أدلة القرعة فتقدم عليها بالتخصيص وكذلك أدلة الاحتياط .

وعلى هذا فأدلة القرعة تبقى قائمة في كل ما لم يعرف حكمه الواقعي أو الظاهري ، أي فيما لا مجال لمعرفة رأي الشارع فيه مطلقاً حكما أو وظيفة لولا شبهة إسقاطها بكثرة التخصيص .

وبهذا يظهر ان " ما هو المعروف في ألسنتهم من ان أدلة القرعة قد تخصصت في موارد كثيرة ، وكثرة التخصيص موجبة لوهنها ، فلا يمكن الاخذ بها " (20) لا يخلو من اصالة .

كما يظهر أيضاً ان ما نبه عليه الاستاذ أبو زهرة ـ من " ان في الفقه الامامي رأياً فيه غرابة ، وهو انه عند اشتباه الحلال بالحرام في موضع ، اما لتعارض الادلة أو لعدم وجود دليل ، يعمل بالقرعة " (21) ـ لا أساس له على جميع مباني مجتهدي الشيعة ، لان المرجع في الجميع منها هو البراءة أو الاحتياط على اختلاف في وجهة النظر في ذلك وهي اما الورود أو التخصيص .

نعم ، لا شبهة في أخذهم ـ شيعة وسنة ـ بالقرعة في خصوص الموارد المنصوصة والتقييد بنصوصها وهي لا تتجاوز مسائل معينة ، كمسألة اشتباه الغنم الموطوءة في قطيع وأمثالها مما وردت في الباب الذي عقده البخاري لها في صحيحه (22) وغيره من كتب الحديث .

وقد كنا نحب للاستاذ أبي زهرة ان يذكر لنا مورداً واحداً من غير الموارد المنصوصة التي أثارت استغرابه في اعتبار الشيعة القرعة مصدراً من مصادرهم عند تعارض الادلة ، ولم يرجعوا فيها الى الاصل العملي أو الوظيفة ، ليبرر لنفسه ذلك الاستغراب .

خلاصة البحث : وخلاصة ما انتهينا اليه من بحث ان القرعة ليست موضعاً لشبهة في أصل مشروعيتها ، إلا ان العمل بها إنما يقتصر على خصوص مواردها المنصوصة ، وليس عندنا من الادلة ما يرفعها الى مصاف ما عرضناه من مصادر التشريع سواء ما كان مجعولاً لاكتشاف الحكم الشرعي أم الوظيفة على اختلافها ، وبخاصة بعد ان كانت أدلتها العامة فاقدة الاعتبار لوهنها بكثرة التخصيص .

خاتمة المطاف رأينا ان نتعرض في هذه الخاتمة الى المهم من مباحث ( الاجتهاد والتقليد ) لا للاخذ بما جرى عليه الاصوليون من تقليد فحسب ، بل لما في اثارتها من ثمرات تعود على الفكر الاسلامي اليوم بأعظم الفوائد ، بالاضافة الى صلوحها لان تكون نماذج تطبيقية لما درسناه من تلكم الاصول ، وقد آثرنا ان ندرسها على أساس مقارن تحقيقاً للنهج الذي رسمناه لهذه البحوث في مدخل الكتاب .

خاتمة المطاف

القسم الاول

(الاجتهاد)تعريفه الاجتهاد لغة واصطلاحاً : الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد ، وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما ، ولا يكون إلا في الاشياء التي فيها ثقل ، فيقال : اجتهد فلان في رفع حجر ثقيل ، ولا يقال : اجتهد في حمل ورقة مثلاً .

وهو في الاصطلاح مختلف في تحديده ، والذي يبدو أن لهم فيه اصطلاحين مختلفين أحدهما أعمّ من الاخر .

الاجتهاد بمفهومه العام : أما الاول منهما وهو الاجتهاد بمفهومه العام ، فقد اختلفت كلماتهم في تحديده اختلافاً كبيراً ، والذي عليه الامدي والعلاّمة الحلِّي وابن الحاجب هو أخذ الظن في تعريفه .

أخذ الظن في تعريفه ومناقشته : فقد عرّفه الامدي بـ : " استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الاحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه " (23) .

وعرّفه كل من العلاّمة الحلي والحاجبي بـ : " استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي " (24) .

وجرت على هذا النحو كثير من التعريفات . والذي يرد على هذه التعاريف ان الاقتصار على ذكر الظن فيها ، يجعلها غير جامعة تارة وغير جامعة ولا مانعة

أخرى ، لان الظن إن أريد منه خصوص ما قام على اعتباره دليل من شرع أو عقل ، كانت التعاريف غير جامعة وذلك :

1 ـ لخروج العلم بالاحكام عنها لبداهة انها ليست بظن .

2 ـ وخروج ما لم يفد الظن مما قام عليه دليل بالخصوص .

وان أريد به الاعم من الظن المعتبر وغيره كما هو الظاهر من اطلاق التعبير ، كانت بالاضافة الى ذلك غير مانعة لدخول الظنون غير المعتبرة في هذه التعاريف ، مع اتفاقهم ـ ظاهراً ـ على عدم اعتبارها من أدلة التشريع .

وقد حاول بعض أساتذتنا ـ فيما نسب اليه ـ ان يصحح هذه التعاريف على مذهب الاخذين بالظنون القياسية والاستقرائية والاستحسانية ظاناً ان هؤلاء انما يعملون بها لانها ظنون فحسب لا لانها ظنون معتبرة عندهم بقيام الدليل عليها ، مع ان لهم أدلة يذكرونها على حجيتها ، وقد سبق عرضها في المباحث السابقة عند التعرض لهذه الاقسام في الباب الاول من هذا الكتاب .

والذي يبدو ان ذكر الظن هنا غير ذي موضوع لعدم وجود أية خصوصية له تبرر ذكره في التعريف ، لان المدار على ما قامت عليه الحجة أفاد الظن أم لم يفده .

وكأنه لذلك عدل غير واحد من الاصوليين عن ذكره واكتفوا بأخذ العلم فيه .

أخذ العلم فيه ومناقشة التعريف : فقد عرفه الخضري بـ : " بذل الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة " (25) . وجرى على ذلك جملة من أعلام الاصوليين .

والذي يرد على هذا النوع من التعاريف : ان العلم هنا إن كان قد أرادوا به الاعم من العلم الوجداني والتعبدي ، وأرادوا بكلمة الحكم الشرعي الاعم من الواقعي والظاهري ، كانت هذه التعاريف سليمة نسبياً لاندفاع المؤاخذات

السابقة عنها ، إلا انها تبقى ـ كسابقتها ـ محتاجة الى ضميمة كلمة الوظائف ، لتشمل كل ما يتصل بوظائف المجتهد من عمليات الاستنباط ، وهذه المؤاخذات واردة على جل الاصوليين حتى المتأخرين منهم كالاستاذ مصطفى الزرقا حيث عرفه بـ : " عملية استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية في الشريعة " (26) . لبداهة خروج عمليات استنباط الوظائف من بعض الاصول ـ كالبراءة ، والاحتياط ، والتخيير ـ عن واقع التعريف ، لان نتائجها ليست أحكاماً شرعية كما مر إيضاحه في بحوثها من هذا الكتاب .

والانسب ـ فيما نرى ـ ان يعرف بـ : " ملكة تحصيل الحجج على الاحكام الشرعية او الوظائف العملية ، شرعية او عقلية " . وهذا التعريف منتزع مما تبنّته مدرسة النجف الحديثة في علم الاصول (27) .

وإنما ذكرنا في التعريف الملكة ، خلافاً للتعاريف السابقة جميعاً ، لنبعد ما تشعر به كلمات بعضهم من اعتبار الفعلية في الاستنباط ، وذلك لوضوح ان صاحب الملكة يصدق عليه انه مجتهد ، وإن لم يباشر عملية الاستنباط فعلاً .

الاجتهاد بمفهومه الخاص : وقد عرفه الاستاذ خلاف بـ : " بذل الجهد للتوصل الى الحكم في واقعة لا نص فيها بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع اليها للاستنباط بها فيما لا نص فيه " (28) .

بينما رادف الشافعي بينه وبين القياس ، فقال : انهما " اسمان لمعنى واحد " (29) .

وفي رأي ابي بكر الرازي ان الاجتهاد يقع على ثلاثة معان : " أحدها القياس الشرعي ، لان العلة لما لم تكن موجبة للحكم لجواز وجودها خالية عنه لم يوجب ذلك العلم بالمطلوب ، فذلك كان طريقه الاجتهاد .

والثاني ما يغلب في الظن من غير علة ، كالاجتهاد في الوقت والقبلة والتقويم .

والثالث الاستدلال بالاصول " (30) .

والذي يتصل من هذه الثلاثة بالاجتهاد بمفهومه الخاص لدى الاصوليين هو المعنى الاول ـ أعني القياس ـ أما الثاني فهو أجنبي عن وظائف المجتهدين ، لان الاجتهاد في تشخيص صغريات الموضوعات الشرعية ليس من وظائف المجتهدين بداهة ، والمعنى الاخير هو الاجتهاد بمفهومه العام . واعتبره مصطفى عبدالرزاق مرادفاً للرأي والقياس والاستحسان والاستنباط (31) .

والغريب ان يرادف بين هذه المعاني وهي مختلفة المفاهيم ويجعلها حاكية عن مفهوم واحد . ولست أظن ان الاستاذ عبدالرزاق يريد ان يقول بالاشتراك اللفظي بينها لعدم التعدد في اوضاعها بداهة .

والظاهر ان لفظة الاجتهاد ـ بمفهومها الخاص ـ مرادفة لديهم لمفهوم الرأي والمعاني الاخرى من قبيل المصاديق لهذا المفهوم ، وقد وقع الاشتباه نتيجة للاختلاط في استعماله بين المفهوم والمصداق .

وحديثنا انما ينصب على خصوص الاجتهاد بمفهومه العام ، لدخول الاجتهاد بالمفهوم الثاني ضمن ما يصدق عليه ، وقد سبق ان تحدثنا عن هذه الاقسام من الاصول : القياس ، الاستحسان ... الخ ، وتعرفنا على ما كان حجة منها من غيره ، فلا ضرورة لان نخصها بعد ذلك بشيء من الحديث .

خاتمة المطاف

القسم الاول

(الاجتهاد) أقسامه ومعداته تقسيم الاجتهاد بلحاظ طبيعة حججه : وقد قسموا الاجتهاد بلحاظ طبيعة طرقه وحججه المأخوذة في مفهومه بتقسيمات لعل احدثها تقسيم الدكتور الدواليبي له ، يقول : " وتوصلاً الى معرفة الاحكام من النصوص الشرعية يتكلم العلماء بعد ذلك عن طرق الكشف عن الاحكام الشرعية ، ويمكن ان نقسم ذلك الى ثلاثة طرق :

1 ـ طريقة الاجتهاد البياني ، وذلك لبيان الاحكام الشرعية من نصوص الشارع .

2 ـ طريقة الاجتهاد القياسي ، وذلك لوضع الاحكام الشرعية للوقائع الحادثة ، مما ليس فيه كتاب أو سنة بالقياس على ما في نصوص الشارع من أحكام .

3 ـ طريقة الاجتهاد الاستصلاحي ، وذلك لوضع الاحكام الشرعية ، مما ليس فيه كتاب ولا سنة بالرأي المبني على قاعدة الاستصلاح " (32) .

مناقشة هذا التقسيم : ويرد على هذا التقسيم وبعض ما جاء فيه من تحديدات :

1 ـ انه غير جامع لشرائط القسمة المنطقية لعدم استيعابه لاقسام المقسم ، مع انه في مقام استيعابها بقرينة تعقيبه على هذا التقسيم بقوله : " ولم اتكلم في الاجتهاد الاستحساني ، لان بعض حالاته تدخل في الاجتهاد القياسي وبعضها الاخر في الاجتهاد الاستصلاحي " (33) لوضوح ان الطرق التي اعتبرها العلماء

كاشفة واعتمدوها في مجالات الاستنباط بلغ بها بعضهم تسعة عشر باباً (34) ، وأكثرها لا ترجع لهذه الطرائق الثلاث .

2 ـ ان القياس ـ كما سبق بيانه ـ ليس في جميع أقسامه قسيماً للاجتهاد البياني بل في بعضها هو قسم منه كالقياس المنصوص العلة ، والذي يستفاد من عموم أو اطلاق علته عموم الحكم لجميع ما تتعلق به ، والاستصلاح بناء على تعريفه له ـ أعني الدواليبي ـ داخل هو الاخر في الاجتهاد البياني لاستفادته من الادلة العامة ، أمثال لا ضرر ، وجميع الموارد التي يدعي اعمال الاستصلاح فيها ، إنما هي من مصاديق هذا الحكم الفرعي الشرعي الكلي المستفاد من حديث " لا ضرر " أو قاعدة العدل ، لا إنه في مقابلها ، وقد مضى منا القول في " مبحث الاستصلاح " بأن التماس المصاديق لاحكام شرعية كلية وتطبيق كلياتها عليها لا يخرج هذه المصاديق بعد التطبيق عن كونها من السنة ، وكل أحكام السنة كلية إلا ما ندر منها .

3 ـ تفرقته بين طريقة الاجتهاد البياني والطريقتين الاخريين ، باعتباره الاولى بياناً للاحكام الشرعية ، والثانية والثالثة ( وضعا ) لها ، مع ان لازم ذلك اعتبار المجتهد مشرعاً ، وهو خروج على إجماع المسلمين بالاضافة الى مناقضته لنفسه حين اعتبرها جميعاً من الكواشف عن الاحكام الشرعية .

نعم ، هذا التعبير لا يلتئم إلا على مبنى من مباني ( المصوبة ) ، وهو المبنى الذي ينكر جعل الاحكام الواقعية في حقوق الجاهلين ويعتبرها تابعة لظنون المجتهدين ، إن صح نسبة القول بوضع الاحكام من قِبل المجتهدين اليهم ، ولا أظن ان الدكتور ممن يؤمنون به ، بل لا أعرف في علماء الاسلام اليوم من يؤمن به ، وستأتي مناقشته .

وإذا لم يتم هذا التقسيم فالانسب التركيز ـ في مجال القسمة لابوابه ـ على ما كنا

قد استفدناه من اختلافها ـ من حيث الطريقية او الحجية ـ بالذاتية والجعل الشرعي ، فنقسمه استناداً الى ذلك الى قسمين :

1 ـ الاجتهاد العقلي : ونريد به ، ما كانت الطريقية أو الحجية الثابتة لمصادره عقلية محضة غير قابلة للجعل الشرعي ، وينتظم في هذا القسم كل ما أفاد العلم الوجداني بمدلوله كالمستقلات العقلية وقواعد " لزوم دفع الضرر المحتمل " و " شغل الذمة اليقيني يستدعي فراغاً يقينياً " و " قبح العقاب بلا بيان " وغيرها .

2 ـ الاجتهاد الشرعي : ونريد به كل ما احتاج الى جعل او امضاء لطريقيته او حجيته ـ من الحجج السابقة ـ ويدخل ضمن هذا القسم : الاجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان والعرف والاستصحاب ، وغيرها من مباحث الحجج والاصول العملية ، مما يكشف عن الحكم الشرعي او الوظيفة المجعولة من قبل الشارع عند عدم اكتشافه .

واذا صح هذا التقسيم ، فإن علينا ان نبحث كل ما يتوقف عليه من معدات تيسيراً لطالبي الاجتهاد في بلوغ مراتبه .

معدات الاجتهاد العقلي : ويتوقف الاجتهاد العقلي على خبرة بالقواعد الفلسفية والمنطقية ، وبخاصة تلك التي ترتكز عليها أصول الاقيسة بمختلف أشكالها ، لان فيها وفي بقية قواعد المنطق ـ كما يقال ـ العصمة عن الخطأ في الفكر ، شريطة ان يتعرف عليها في منابعها

السليمة في أمثال معاهد النجف الاشرف من المعاهد الاسلامية التي عنيت بالدراسات المنطقية والفلسفية ، وإدخال الاصلاحات عليها ، لا مما أخذ وترجم حديثاً عن الغرب لكثرة ما رأينا فيه من الخلط في المفاهيم ، وتحميلها لوازم غريبة ينشأ أكثرها من عدم فهمهم لقسم من المصطلحات ، وتحديد مداليلها بكل ما حفلت به من قيود وشروط (35) .

معدات الاجتهاد الشرعي : أما الاجتهاد الشرعي فهو متوقف على الاحاطة بعدة خبرات ، وهي مختلفة باختلاف تلكم الطرق المجعولة او الممضاة من قبل الشارع المقدس ، فبالنسبة الى الطرق غير المقطوعة أسانيد أو دلالة ، او هما معاً ، نحتاج الى عدة خبرات يتصل بعضها بتحقيق النص وصحة نسبته لقائله ، ويتصل بكيفيات الاستفادة من النص في مجالات التماس الحكم أو الوظيفة منه بعد تصحيح نسبته .

أ ـ ما يتصل منها بنسبة النص لقائله : أما ما يتصل منها بالقسم الاول فمعداته كثيرة وأهمها :

1 ـ ان يكون على علم بفهرست كل ما يرتبط بهذه النصوص وتبويبها ومعرفة مظانها في كتبها الخاصة ; أمثال الصحاح والمسانيد والموسوعات الفقهية ، ليسهل عليه التماس ما يريد استنباط الحكم منه من بينها على نحو يوجب له الاطمئنان بعدم وجود ما يخالفها أو يضفي بعض الاضواء عليها .

2 ـ ان تكون له خبرة بتحقيق النصوص والتأكد من سلامتها من الخطأ أو التحريف ، وذلك بالبحث عن نسخها الخطية على اختلافها أو المطبوعة على اختلاف طبعاتها ومقارنة بعضها ببعض واختيار أصحها وأسلمها عند الشك في

سلامة النص .

3 ـ التأكد من سلامة رواتها ووثوقهم في النقل بالرجوع الى الثقات من أرباب الجرح والتعديل .

4 ـ التماس الحجية لها من قبل الشارع ، باعتبارها من أخبار الاحاد التي توجب قطعاً بمضمونها ، وقد عرضنا ما يتصل بهذا الجانب في ( مبحث السنة ) من هذا الكتاب .

5 ـ ان تكون لنا خبرة بالمرجحات التي جعلها الشارع أو أمضاها عند التعارض بينها .

ب ـ ما يتصل منها بمجالات الاستفادة : وهي كثيرة أيضاً وأهمها :

1 ـ أن تكون لنا خبرة لغوية تؤهلنا لان نفهم مواد الكلمات ونؤرخ لها على أساس زمني ، لنتمكن من ان نضعها في مواضعها الطبيعية لها ، ونفهمها على وفق ما كانوا يفهمون من معانيها في زمنها .

ولا يشترط فينا أن نكون مستحضرين لمعاني جميع ما ورد في الكتاب أو السنة من الالفاظ اللغوية ، بل تكفينا القدرة على استخراجها من مظانها في أمثال كتاب " مفردات الراغب الاصفهاني " في غريب القرآن و " مجمع البيان " للطبرسي و " التبيان " للشيخ الطوسي في التفسير و " مجمع البحرين " للطريحي و " النهاية " لابن الاثير في لغة الحديث .

2 ـ أن نكون على علم بوضع قسم من الهيئات والصيغ الخاصة ، كهيئات المشتقات ، وصيغ الاوامر ، والنواهي ، والعموم ، والخصوص ، والاطلاق ، والتقييد ، والهيئات الدالة على بعض المفاهيم ، وما اليها من الهيئات التي عنيت

ببحثها كتب " أصول الفقه " القديمة ، ولم تعن بها كتب اللغويين عناية هامة .

3 ـ ان نحيط معرفة بمسائل النحو والتصريف ، بالمقدار الذي يؤهلنا لتمييز حركات الاعراب ، وما تكشف عنه من اختلاف المعاني .

أما الغوص على استقراء العلل النحوية والاراء المختلفة فيها ، فهذا ما ليس له أية ضرورة بالنسبة الى وظيفتنا ، كطلاب اجتهاد .

4 ـ أن نكون على درجة عالية في فهم أساليب العرب من وجهة بلاغية وتقييمها وإدراك جملة خصائصها .

وهذا ما لا يتأتى لنا في الغالب من دراسة كتب البلاغة التقليدية ، لانشغالها عن مهمتها الاساسية بمماحكات لفظية تتصل اكثر ما تتصل بتكثير المصطلحات وتنويعها وإثارة النقاش حولها . أما التماس النصوص البليغة ودراستها وتقييمها ، فهذا ما لا يتفق أن تعنى به إلا نادراً .

وربما ان أهم مصادر التشريع عندنا هما : الكتاب والسنة ، وهما في أعلى مستويات البلاغة وبخاصة القرآن الكريم ، معجزة الاسلام الخالدة ، فإن فهمهما مما يحتاج الى حس بلاغي لا يتوفر إلا في القليل من البلغاء ممن تكوّن لديهم ذلك الحس ، بفضل تتبع واستظهار وتقييم كثير من النصوص البليغة في عصر القرآن وغيره .

5 ـ ان تكون لنا إحاطة تاريخية بالازمان التي رافقت تكوّن السنة وما وقع فيها من أحداث ، لنستطيع ان نضع النصوص التشريعية في موضعها الزمني ، وفي أجوائها وملابساتها الخاصة . ومعرفة الملابسة قد تغير دلالة نص بأكمله ، وما اكثر ما تنطوي الملابسات على قرائن يصلح بعضها لصرف ذلك النص عن ظاهره او تقييده في حدود تلكم الملابسة .

وبهذا نرى أنفسنا في أمسّ الحاجة الى معرفة أسباب النزول في الكتاب

العزيز ، والبواعث لتبليغ التشريع في السنة ـ إن كانت ـ لما يلقيان من أضواء على طبيعة الحكم .

والذي نرجوه ان لا يفهم من كلامنا هذا أننا نؤمن بأن المورد او السبب مما يخصص الوارد او يدعو الى تقييده في حدود موارده او بواعثه ، فإن الذي أردنا ان نقوله ان المورد او الباعث ربما يكشف عن طبيعة الوارد ونوع ما يعمم له من المصاديق .

وأظن اننا سندرك حاجتنا الكبيرة الى هذه الخبرة في مجال المقارنة الفقهية القادمة ، عندما نعرض لجملة من الفتاوى المتناقضة ونلتمس أسبابها ، فنجد أهواء الحاكمين من وراء هذا التناقض .

وبهذا ندرك قيمة ما أرسله الامام الصادق(عليه السلام) من جعله مخالفة العامة من أقسام المرجحات (36) .

وبخاصة اذا تذكرنا ما قلناه في ( مبحث الاستحسان ) من أن المراد من العامة اولئك المرتزقة الذين يسيرون دائماً في ركاب حكامهم ويفتون على حسب ما يريدونه منهم ، ولعل الدعوة الى سد باب الاجتهاد كان من بواعثها الخيرة غلق الطريق على أمثال اولئك من المتطفلين على موائد الافتاء ممن كانوا بيد السلطان كالدمى يحركونها كيفما شاءوا وشاءت لهم سياساتهم الخاصة لتضليل الرأي العام .

ومن هنا نرى كثيراً من السلطات تحفل بأمثال هؤلاء ، وتشتري عواطفهم بالمناصب الكبيرة والكثير من الاموال ، وحتى في عصورنا المتأخرة ـ مع الاسف الشديد ـ لا نعدم الامثال الكثيرة على ذلك .

واذا لم تكن لنا تلك الخبرة التأريخية ، فانا لا نستطيع ان نقيم تلك الاخبار المتعارضة ونعرف ما خالف العامة منها مما وافقها ، و على الاخص اذا تم ما قربناه من ان الاساس في هذا التقييم لم يكن موجهاً نحو أرباب المذاهب المعروفة اليوم ،

لعدم وجود بعض أربابها اذ ذاك ، والموجود منهم لم يكن ـ على درجة من كثرة الاتباع ـ تخول اطلاق كلمة العامة عليهم ، بل لم يكن بعضهم على اتصال بالسلطة الزمنية ، كما هو المعروف من تأريخهم .

6 ـ ان تكون لنا خبرة بأساليب الجمع بين النصوص كتقديم الناسخ على المنسوخ ، والخاص على العام ، والمطلق على المقيد ، وكالتعرف على موارد حكومة بعض الادلة على بعض أو ورودها عليها .

7 ـ ان نكون على ثقة ـ بعد اجتياز المرحلة السابقة وتحصيل ظهور النص ـ بحجية مثل هذا الظهور .

هذا كله بالنسبة الى الطرق الكاشفة عن الكتاب والسنة سواء ما يتصل بالسند بالنسبة الى السنة أم الدلالة بالنسبة اليهما ; أما الطرق الاخرى الكاشفة عن الحكم أو الوظيفة من غير طريقهما ، فحسب الفقيه ان يحيط منها بما حرر في كتب الاصول الموسعة ليعرف الحجة منها من غير الحجة ، ويعرف موارد جريانها وأصول الجمع بينها ، ولا يقتصر في ذلك كله على الاخذ برأي فريق دون فريق ، بل يمحصها جهده ويكوّن لنفسه رأياً ، لان التقليد في أصول الفقه محق للاجتهاد من أساسه ، بل الاجتهاد في واقعه لا يعدو معرفة هذه الحجج وموارد تطبيقها معرفة تفصيلية .

وفي المبحث اللاحق سنلقي ببعض الاضواء على هذا الجانب لايضاحه .

(8) راجع : ص345 وما بعدها من هذا الكتاب .

(9) راجع : ص477 وما بعدها من هذا الكتاب .

(10) الدراسات : 3/206 .

(11) الميزان للشعراني : 2 / 199 .

(12) رحمة الامة في اختلاف الائمة بهامش الميزان للشعراني 2 / 202 .

(13) نيل الاوطار : 8 / 302 ، باب تعارض البينتين والدعوتين .

(14) عقيدة الشيعة في الامام الصادق(عليه السلام) : ص369 .

(15) سورة الصافات : الايات 139 ـ 141 .

(16) سورة آل عمران : الاية 44 .

(17) صحيح البخاري : كتاب الشهادات .

(18) التهذيب : 6 / 240 ، ح24 . والفقيه : 3 / 92 ، ح3389 .

(19) مصباح الاصول : ص342 وما بعدها .

(20) ( مصباح الاصول : ص342 .

(21) الامام الصادق : ص506 .

(22) صحيح البخاري : كتاب الشهادات ، باب القرعة في المشكلات .

(23) ارشاد الفحول : ص250 .

(24) كفاية الاصول : ص528 . ط . جامعة المدرسين ـ قم .

(25) أصول الفقه للخضري : ص357 .

(26) مجلة حضارة الاسلام : 1/ عدد 2/ ص 7 .

(27) راجع : مصباح الاصول : ص434 .

(28) مصادر التشريع : ص7 .

(29) الرسالة : ( للشافعي ) ص477 طبعة مصر .

(30) ارشاد الفحول : ص250 .

(31) تمهيد لتأريخ الفلسفة الاسلامية : ص138 .

(32) المدخل الى علم أصول الفقه : ص389 .

(33) المدخل الى علم أصول الفقه : ص389 .

(34) رسالة الطوفي : ص90 .

(35) للتعرف على أوجه الكثير من هذه المفارقات التي حفلت بها الفلسفات الغربية على اختلافها ، يحسن الرجوع الى كتاب ( فلسفتنا ) للسيد محمد باقر الصدر(قدس سره) ، فهو من خيرة الكتب التي عالجت هذه الجوانب ادراكاً ومناقشة . ( المؤلف ) .

(36) الكافي : 1 / 67 ـ 68 ، باب اختلاف الحديث ، ح10 .

/ 19