بیشترلیست موضوعاتالمقدمةبحوث تمهيدية الفقه المقارنأصول المقارنةأصول الاحتجاجأصول الفقه المقارن الغاية من أصول الفقه المقارن مباحث الحكممنهج البحثالباب الاول:الكتاب العزيز القسم الثاني: السنّة تعريف السنة في اللغة ب ـ سنة الصحابة ج ـ سنة أهل البيتالطرق القطعية إلى السنة هـ ـ الطرق غير القطعية إلى السنة و ـ السنة وكيفية الاستفادة منها ز ـ السنة والكتابالقسم الثالث: الاجماع القسم الرابع: دليل العقل القسم الخامس: القياس القسم السادس: الاستحسان القسم السابع: المصالح المرسلة القسم الثامن: فتح الذرائع وسدها القسم التاسع: العرف القسم العاشر: شرع من قبلنا القسم الحادي عشر: مذهب الصحابي الباب الثانيالاستصحابالقسم الاول: البراءة الشرعية القسم الثاني: الاحتياط الشرعي القسم الثالث: التخيير الشرعيالقسم الاول: البراءة العقلية القسم الثاني: الاحتياط العقلي القسم الثالث: التخيير العقلي الباب الخامسالقرعةخاتمة المطافالقسم الاول: الاجتهاد ـ تعريفه الاجتهاد: أقسامه ومعداته الاجتهاد: تجزي الاجتهاد وعدمه الاجتهاد: مراتب المجتهدين الاجتهاد: بين الانسداد والانفتاح الاجتهاد: أحكام المجتهد الاجتهاد: التخطئة والتصويب الاجتهاد: نقض الاجتهاد وعدمه القسم الثاني: التقليد: مفهومه وحجيته التقليد: اعتبار الحياة في المقلد التقليد: اعتبار الاعلمية في المقلد التقليد: اعتبار العدالة في المقلد ختام الحديثطبيعة ما رجعت إليه من مصادر وظيفة الكتابالفهارستوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الاصول العامة للفقه المقارن - صفحه 603 الي 634 خاتمة المطافالقسم الاول(الاجتهاد) نقض الاجتهاد وعدمه تحديده : ويراد بنقض الاجتهاد تحول المجتهد عن رأي سابق انتهى اليه باجتهاد الى رأي آخر مضاد له اقتضاه اجتهاد لاحق بعد تبين الخطأ له في اجتهاده الاول ، ويتصور هذا النقض وتبدل الرأي في مقامين :1 ـ مقام العمل والافتاء .2 ـ مقام القضاء وفض الخصومات .وقد حررت هذه المسألة في كتب الاصوليين من الشيعة في مباحث الالفاظ وعرض لها مفصلاً في ( مبحث إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي ) .وقد وقع الخلاف بين الاعلام فيها ، وقبل ان نعرض التفصيل والتماس أدلتها ، نود ان نتحدث عما تقتضيه القواعد الاولية في هاتين المسألتين . النقض والقاعدة : والذي يقتضي ان يقال ان القاعدة مرتبة على المباني السابقة في مسألة التخطئة والتصويب ، ومقتضاها الاختلاف باختلافها .فالقائلون بالتصويب بمفهومه الاول ـ أعني تصويب الغزالي والقاضي ـ لا بد ان يلتزموا بالاجزاء وعدم جواز النقض مطلقاً ، بل لا معنى للقول بجواز النقض لعدم جود موضوع له على مبناهم .لان مثل هؤلاء لا يعقل انكشاف الخطأ بالنسبة اليهم لعدم التزامهم بوجود واقع يمكن للمجتهد ان يخطئه أو يصيبه فيما لا نص فيه ، وتبديل الاجتهاد لديهم وان استلزم تبدل الحكم ، إلا ان ذلك من قبيل تبدل الحكم لتبدل موضوعه لا لانكشاف الخطأ فيه .والقائلون بالتصويب الثاني لا بد وان يلتزموا بالاجزاء أيضاً لتصريحهم بأن كل مجتهد مصيب وان أخطأ الواقع ; وفي حدود ما وجهنا به كلامهم السابق لا يبقى ـ بعد حصول الاجتهاد وخلق حكم على وفقه ـ مجال للحكم الواقعي لمزاحمته دائماً بالحكم الجديد وتغلبه عليه . وتبدل الاجتهاد لديهم يكون كسابقه من قبيل تبدل الموضوع ، لا من قبيل انكشاف الخطأ فيه .أما على رأي الشيخ الانصاري(قدس سره) من الالتزام بالتخطئة والمصلحة السلوكية ، فالذي يقتضيه الالتزام به هو القول بعدم الاجزاء لاعترافه بأن المصلحة السلوكية لم تصنع شيئاً اكثر من تعويض المكلف عما يفوته من المصلحة بسبب سلوك ما جعله الشارع له من الطرق والامارات .اما الواقع فهو على حاله غير مزاحم بشيء نهائياً ، ومع خطأ الطريق الاجتهادي لم يفت المكلف اكثر من مصلحة الوقت في الموقتات مثلاً ، وقد عوض عنها بالمصلحة السلوكية .ولكن مصلحة الواقع ـ مع إمكان تداركها ـ باقية لم يفت منها عليه شيء ، وعليه الاتيان بها على كل حال .ومن هنا تتضح القاعدة على رأي المخطئة ، إذ مع التزامهم بوجود الاحكام الواقعية وانكشاف خطأ الاجتهاد الاول وعدم تنازل الشارع عن حكمه لعدم جعله في الطرق والامارات والاصول اكثر من الطريقية او الحجية ، وهي لا تفيد غير المنجزية عند المصادفة للواقع والمعذرية عند عدمها . ومع هذا الفرض فلا بد من القول بعدم الاجزاء .هذا كله من حيث القاعدة ، وهي لا تفرق بين المقامين : مقام العمل والافتاء ، ومقام القضاء وفض الخصومة ، كما لا تفرق بين الاحكام الوضعية والتكليفية . الخلاف في المسألة : ولكن بعض العلماء فرقوا بين مقامي الحكم والافتاء فالتزموا بعدم جواز النقض في الاول وجوازه في الثاني كالغزالي وغيره (1) .كما فرق الشيخ النائيني(قدس سره) فيما يبقى له اثر ـ بعد انكشاف الخطأ بالاجتهاد الثاني ـ بين العبادات من الاحكام التكليفية وغيرها كالاحكام الوضعية ، فالتزم بالاجزاء بالنسبة الى العبادات وعدمه بالنسبة الى غيرها (2) .وهناك من أطلق القول من الاعلام ـ فيما يبدو ـ بالاجزاء استناداً الى أدلة خاصة ذكروها .أدلة القائلين بالاجزاء في مقام العمل والافتاء : وقد ذكروا لذلك أدلة أربعة هي : 1 ـ أدلة نفي الحرج : أمثال قوله تعالى : ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( (3) .بدعوى أن مقتضى لسانها هو حكومتها على الادلة الاولية ، بتضييق نطاقها عن شمول ما كان حرجياً من الاحكام . وبما أن الحكم بعدم الاجزاء هنا حرجيّ ، فهو غير مجعول على المكلفين في هذا الحال .ويرد على هذا الاستدلال : أن هذه الادلة إنما تتم حكومتها في المقام إذا كان مفادها هو نفي الحرج النوعي ، وإلا لكانت اضيق من المدعى ، لبداهة ان القول بعدم الاجزاء لا يستلزم الحرج الشخصي في جميع مسائله .ومفاد هذه الادلة ـ كما هو التحقيق فيها ـ هو رفع الحرج الشخصي لا النوعي ـ وهو الذي تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ـ وعليه فلا تصلح هذه الادلة لتأخير القاعدة إلا في موارد الحرج الشخصي ، وهي قليلة نسبياً . 2 ـ دعوى ان الاجتهاد الاول كالثاني : فلا موجب لرفع اليد عنه بالاجتهاد الثاني ، والقول بعدم الاجزاء لا يتم إلا برفع اليد عن الاجتهاد الاول .ويرد على هذه الدعوى : انها إنما تتم اذا كان كلا الاجتهادين حجة ، وهذا ما لا يعقل ان يكون ، لان معنى اجتهاده الثاني هو قيام الحجة لديه على بطلان اجتهاده الاولى لاكتشافه خللاً فيه ، كأن يكون قد أفتى أولاً ـ استناداً الى اطلاق او عموم ـ ثم عثر بعد ذلك على مقيد أو مخصص له ، وليس من الممكن ان يبقى العام على حجيته حتى مع العثور على المخصص أو المقيد ، أو يكون قد استند في اجتهاده السابق على رواية كان يعتقد صحتها ثم تبين له كذب راويها ، وهكذا .ومع هذا الحال كيف يلتزم بعدم ترجيح الاجتهاد الثاني في صورة معارضته له مع انه لا يعدو ـ في واقعه ـ باب التعارض بين الحجة واللاحجة لا التعارض بين الحجتين ؟ ومن المعلوم لزوم الاخذ بما هو الحجة منهما بالضرورة . 3 ـ القول بأن القضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين : وهو الذي نسب الى صاحب الفصول (4) . والذي يؤخذ به عدم وضوح منشأ المفارقة التي سجلها بهذا القول . فهو ان أراد منها ان القضية لا تتحمل اجتهادين مع بقاء حجيتهما للزوم التناقض وشبهه في مدلوليهما ، فهو وان كان صحيحاً ، إلا أن القائلين بعدم الاجزاء لا يلتزمون ببقاء الحجية لهما معاً ، لبداهة انكشاف الخلل في اجتهاده الاول المانع من حجيته .وان أراد ـ كما هو ظاهر كلامه ـ ان طبع القضية الواحدة يأبى ورود اجتهادين عليه من مجتهد واحد ، فهو وإن كان مع وحدة الزمان صحيحاً أيضاً ، إلا أنه خارج عن الفرض لافتراضهم تأخر الاجتهاد الثاني عن الاول زماناً . ومع تعدد الزمان لا تأبى القضية الواحدة ألف اجتهاد ، وما أكثر ما تتبدل آراء المجتهدين في المسألة الواحدة . 4 ـ دعوى الاجماع على الاجزاء : وقد حكاه شيخنا النائيني(قدس سره) (5) ، واستند اليه في القول بالاجزاء في خصوص العبادات باعتباره القدر المتيقن من مورده ، وجزم بخروج الاحكام الوضعية عن المورد لاعتقاده ان فتوى جماعة في الاجزاء فيها " إنما هي لاجل ذهابهم الى كون الاجزاء هو مقتضى القاعدة الاولية لا لاجل الاجماع على ذلك " (6) .وقد نوقشت هذه الدعوى بإنكار وجود اجماع تعبدي في جميع صور المسألة ، " والقائل بالاجزاء انما ذهب اليه لدلالة الدليل عليه باعتقاده . وعليه فلا مقتضى لرفع اليد عما تقتضيه القاعدة الاولية من لزوم الاعادة والقضاء في العبادات بعد انكشاف الخلاف ، ولزوم ترتيب جميع آثار انكشاف الخلاف في المعاملات " (7) .وبهذا يتضح ان تفصيل شيخنا النائيني(رحمه الله) لا يمكننا الالتزام به ورفع اليد عن القاعدة إلا اذا تم الاجماع ، والقضية تحتاج الى الفحص في كل مسألة فقهية ، لا الحكم فيها ككل . القول بالاجزاء في مقام الحكم : أما مقام الحكم وفض الخصومات ، فقد يضاف الى تلك الادلة على عدم جواز النقض ما تشعر به بعض الروايات من ان لحكم الحاكم موضوعية إذ اعتبرت الراد عليه راداً على الله " وهو على حد الشرك بالله " (8) من دون ان تفرق بين كون الرد ونقض الاجتهاد مبنياً على اجتهاد او غيره .ويرد على هذا الاستدلال : ان إثبات هذا الاطلاق لا يخلو من صعوبة لعدم إحراز كونه في مقام البيان من هذه الجهة ، بل قد يقال بعدم إمكان شموله له عادة ، إذ مع استكشاف المجتهد ان حكمه الاول كان بغير ما أنزل الله ، فكيف يحتمل وجوب قبوله وحرمة رده ويكون الراد عليه راداً على الله ؟ مع ان رده هذا كان أخذاً بحكم الله بحسب عقيدته .على ان استفادة الموضوعية لحكم الحاكم لا تتجاوز في تلكم الروايات حدود الاشعار لا الظهور ، بينما يبدو من صحيحة هشام ان حكم الحاكم لا يسري الى الواقع فيغيره عما هو عليه ، يقول هشام ـ بسنده ـ :" قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ، وبعضكم ألحق بحجته من بعض ، فأيما رجل اقتطعت له من مال أخيه شيئاً فقد قطعت له به قطعة من النار " (9) . عدم النقض والتسلسل : وقد استدل الغزالي وتابعه غيره على عدم جواز النقض في الحكم بقوله : " ولو حكم بصحة النكاح حاكم بعد ان خالع الزوج ثلاثاً ، ثم تغير اجتهاده لم يفرق بين الزوجين ، ولم ينقض اجتهاده السابق بصحة النكاح لمصلحة الحكم ، فإنه لو نقض الاجتهاد لنقض النقض ايضاً ولتسلسل " (10) . ويرد على هذا الاستدلال : 1 ـ ان امتناع التسلسل إنما يتم إذا تمت الملازمة بينهما وكانت واقعة في سلسلة العلل والمعلولات ، لكنها هنا غير تامة لبداهة ان فعلية نقض الاجتهاد الاول لا تستلزم فعلية نقض النقض لجواز أن يثبت عليه المجتهد ـ أي النقض ـ الى الاخير ، ولو استلزمتها فهي من قبيل الملازمات الاتفاقية ـ إن صح تسميتها ملازمة ـ لوضوح ان نقض الاجتهاد الاول لا يكون علة لنقض النقض ولا معلولاً له ، و مع عدم العلية والمعلولية بينهما لا يلزم التسلسل الباطل .وما يقال عن فعلية النقض ، يقال عن إمكانه لو أراد الملازمة بين الامكانين ، لا بين النقضين الفعليين ، فيكون معنى قوله : " لو نقض الاجتهاد بالاجتهاد لنقض النقض " انه لو جاز نقض الاجتهاد لجاز نقض النقض ، إذ التلازم بين الجوازين بالبداهة ليس منشؤه العلية والمعلولية بينهما ، فلا يكون باطلاً .2 ـ ورود هذا الاشكال عليه نقضاً لالتزامه بجواز النقض في مقام الافتاء ، يقول : " اما اذا نكح المقلد بفتوى مفت ، وأمسك زوجته بعد دور الطلاق وقد نجز الطلاق بعد الدور ، ثم تغيّر اجتهاد المفتي ، فهل على المقلد تسريح زوجته ؟ وهذا ربما يتردد فيه ، والصحيح أنه يجب تسريحها كما لو تغير اجتهاد مقلده عن القبلة في اثناء الصلاة ، فإنه يتحول الى الجهة الاخرى ، كما لو تغير اجتهاده في نفسه " (11) ، مع أن لزوم التسلسل ـ على مبناه ـ فيه واضح لجواز أن يقال : لو نقض الاجتهاد بالاجتهاد لنقض النقض أيضاً ولتسلسل ... الخ .وقد وقع بالمفارقة نفسها بعض المتأخرين ، كالاستاذ الخضري (12) . الاستدلال بقول عمر بن الخطاب : وقد استدل البعض على عدم جواز النقض بما أثر عن عمر بن الخطاب في المسألة الحجرية المعروفة في علم الميراث " وهي ما اذا وجد مع الاثنين فأكثر من أولاد الام أخ شقيق فأكثر بالانفراد ، ومع أخت شقيقة فأكثر ، واستغرقت الفروض كل التركة بأن وجد مع هؤلاء زوج وصاحبة سدس كالام والجدة الصحيحة " (13) حيث قضى " بعدم توريث أولاد الابوين ، ولما عرضت عليه المسألة مرة أخرى قضى بإشراكهم مع أولاد الام في فرضهم الثلث ، ولما قيل له : سبق ان قضيت بعدم اشراكهم ، قال : ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي " (14) .وهذا الاستدلال لا يتم :1 ـ لمعارضته بما أثر عن عمر نفسه في كتابه الى أبي موسى الاشعري قاضيه على الكوفة : " ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك وهديت فيه الى رشدك ان ترجع الى الحق ، فان مراجعة الحق خير من التمادي على الباطل " (15) .2 ـ ان الاستدلال بقول عمر لا يكون حجة لما قلناه من ان إثبات الحجية لقول الصحابي لا تتم لعدم تمامية الدليل عليها ، وقد سبق ان عرضنا الادلة التي استدل بها على كونه من السنة ( في مبحث سنة الصحابة ) (16) وناقشناه ، كما عرضنا أدلة من يريد إثبات الحجية له على أي حال ( في مبحث مذهب الصحابي ) (17) وناقشناها هناك . نتيجة البحث : والنتيجة ان القاعدة تقتضي عدم الاجزا، في الجميع ، ولا يخرج عنها إلا بدليل خاص ، ولو وجد فهو خاص في مورده . أما الادلة العامة فليس فيها ما يصلح لتعطيل القاعدة في جميع الموارد . خاتمة البحثالقسم الثاني(التقليد) مفهومه وحجيته تحديده لغة واصطلاحاً : التقليد في اللغة جعل القلادة في العنق ، ومنه التقليد في حج القِران ، أي جعل القلادة في عنق البعير .وقد عرف في اصطلاح الاصوليين والفقهاء بتعاريف متعددة ، ربما التقت جملة منها في بعض الخطوط العامة له .ففي المستصفى انه " قبول قول بلا حجة " (18) ، وفي احكام الاحكام " عبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة " (19) ، وفي العروة الوثقى " هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين وإن لم يعمل بعد " (20) ، وفي مستمسك العروة الوثقى هو " العمل اعتماداً على رأي الغير " (21) .وهذه التعاريف وما يشبهها مختلفة سعة وضيقاً ، فالغزالي والامدي أخذا فيه قيد عدم الحجية ، بينا أطلق الباقون لتعم تعاريفهم ما قامت عليه الحجة وما لم تقم ، وربما استفيد من بعض التعاريف تقييدها بقيام الحجة عليها ، فتكون مباينة لتعريفي الغزالي والامدي .على ان الاختلاف في هذه التعاريف لم يقتصر على هذه الناحية ، فقد أخذ في بعضها الالتزام بقول الغير في مفهومه ، بينما اعتبر البعض الاخر العمل فيه اعتماداً على رأي الغير .وقد حاول بعض الاعلام الجمع بينها لاعتقاده رجوع بعضها الى الاخر واعتبار المراد منها جميعاً هو خصوص العمل . ولكن هذا الجمع غير ظاهر ، ويأباه ما ذكروه لاختلاف المفهومين من ثمرات فقهية . ومنها ما لو التزم بقول مجتهد ولم يعمل بعد ثم مات المجتهد ، فهو على أحد التعريفين مقلد لالتزامه بالعمل على قوله ، وعلى الاخر ليس بمقلد لعدم عمله بما التزم به . فلو كنا ممن يقول بلزوم البقاء على تقليد الميت ، لكان علينا ان نلزم هذا المكلف بالبقاء على تقليد صاحبه ـ بناء على المفهوم الاول ـ لصدق عنوان التقليد على التزامه ونلزمه بتقليد الحي ـ بناء على المفهوم الثاني ـ لعدم صدق التقليد على التزامه ، وذلك لعدم اقترانه بالعمل على وفق آرائه . ولكن النزاع إنما يكون له ثمرة لو كان للفظ التقليد موضع من لسان الادلة ليقال بأن المراد منه أي شيء هو .ولكن هذا اللفظ لم يرد ـ فيما يقال ـ إلا في رواية ضعيفة لا تصلح لان تكون مستنداً لحكم شرعي (22) .والذي يستفاد من الادلة هو لزوم التماس المنجز أو المعذر في كل ما يصدر عنه المكلف من فعل أو ترك ، فإن حصل المنجز أو المعذر بجهده أجزأه ، وإلا لزم عليه الرجوع الى الغير اذا كان عالماً والاعتماد على قوله .وربما ناسب هذا المعنى تحديد اللغويين له ، وكأن المنشأ في تسمية عمل العامي تقليداً هو ما ينطوي عليه من جعل أعماله قلادة في عنق من يرجع اليه وتحميله مسؤوليتها ، وهذا المعنى أجنبي عن الالتزام .ومع غض النظر عن هذه الجهة فالمتبادر من لفظ التقليد عرفاً هو المحاكاة للغير في عمله أو تركه لا العمل وحده ولا الالتزام . والامر هين ما دام لم يرد لفظ التقليد في الادلة المعتبرة . الخلاف في حجيته : والغريب ان تتعاكس فيه الاراء الى درجة تشبه التناقض . فالحشوية والتعليمية يذهبون " الى ان طريق معرفة الحق التقليد وان ذلك هو الواجب ، وان النظر والبحث حرام " (23) " وقال قوم من القدرية يلزمهم النظر الى الدليل " (24) وهو الذي نسب الى علماء حلب (25) أيضاً .وأكثرية المسلمين من الشيعة والسنة على وجوبه تخييراً على اختلاف في اعتبار بعض الشرائط في المفتي سنعرض لها بشيء من الحديث . رأي الحشوية والتعليمية : وربما وافقهم ابن الصلاح ومن تبعه في عهود التقليد من السنة ، وقد سبق الحديث منا في مناقشة ما ساقوه من الادلة على لزوم حظر الاجتهاد والرجوع الى خصوص الائمة الاربعة .أما أصل مبنى الحشوية في حظر الاجتهاد مطلقاً في جميع العصور ، فلم أعثر على توجيه له . والذي يبدو من عرض الغزالي له في مسألة التقليد الذي عرفه بقبول قول الغير بلا حجة أنهم يحظرون الاجتهاد حتى في مسألة وجوب التقليد عيناً ليكون قولهم بلا حجة ، وقد أطال في رده في غير طائل ـ بعد افتراضه انه قول بلا حجة ـ وكان حسبه في رده ان يقول انه لا دليل على حجيته .ومثل هذا التقليد ـ بالاضافة الى عدم قيام الحجة عليه ـ قيام الادلة القاطعة على الردع عنه ، وحسبك ما صرح به الكتاب العزيز من ذمه للمقلدين الذين اعتمدوا أقوال وأعمال آبائهم كمصدر للسلوك وصدروا عن محاكاة له وتقليد ، مع ان آباءهم كانوا لا يملكون من المعرفة شيئاً . ) وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ( (26) ، ورجوع الجاهل الى الجاهل هو عين هذا النوع من التقليد . رأي علماء حلب والقدرية : وإذا كان ما نسب الى التعليمية من حظر الاجتهاد والنظر ، مبعث استغراب فإن ما نسب الى القدرية وعلماء حلب من لزوم الاجتهاد عيناً وحرمة التقليد لا يقل غرابة عن ذلك إذا حمل على ظاهره ، وكأنهم أخذوا بظواهر الايات الرادعة عن التقليد واعتبروها مصدراً لهم .ويرد على هذا الرأي :1 ـ ان الايات منصبة على الردع عن التقليد من غير حجة ، أي عن رجوع الجاهل الى الجاهل ، لا رجوع الجاهل الى العالم ، بدليل ما ورد فيها من التبكيت ) أوَ لو كان آباءهم لا يعلمون شيئاً( فكأن منشأ المفارقة الذي اقتضى كل هذا التأنيب هو رجوعهم الى من لا يعلم ، أي رجوعهم الى الجهّال ، والتقليد الذي نذهب اليه هو التقليد الذي يكون عن حجة ملزمة ، أي الذي يكون وليد اجتهاد في أصله وقطع بحجيته .2 ـ إن فرض الاجتهاد العيني على جميع المكلفين لا يمكن ان يصدر من الشارع المقدس لما يلزم منه من اختلال النظام وشل الحركة الاجتماعية ، وما رأيك في أمة تنصرف جميعاً الى التماس الاجتهاد وإعماله في جميع مجالات حياتها ؟ هل يمكن أن تستقيم أمور دنياها بحال من الاحوال ؟ ولا أقل من لزوم العسر والحرج المتناهيين ، والدين أيسر وأسمح من أن يكلف الامة بمثل هذه التكاليف : ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( (27) .3 ـ منافاته لجميع الادلة القادمة على جواز التقليد ، وهي أقوى منه وأصرح . وما أدري ما يصنع الناس ـ على رأي هؤلاء الاعلام قبل بلوغهم مراتب الاجتهاد ـ ؟ أيلزمون بالتقليد وهو محظور عليهم كما هو الفرض ، او يعملون بالاحتياط ؟! وربما كانوا لا يعرفون موارده او لا يرون جوازه او لم يمكن ، كما في دوران الامر بين المحذورين .الذي أتصوره ان هذه الدعوى لم يرد بها ظاهرها ، وربما أرادوا بها لزوم الاجتهاد عيناً في أصل مسألة جواز التقليد حذراً من الدور او التسلسل . وهذا حق لو صح إطلاق كلمة الاجتهاد على الامور البديهية . وقد قلنا في تعريف الاجتهاد : انه لا يطلق إلا على ما كان فيه جهد وبذل وسع . والعامي هنا لا يحتاج الى بذل أي جهد ليدرك لزوم رجوع الجاهل الى العالم ، وهو يعيشه بواقعه العملي ويصدر عنه في كل يوم . حجية جواز التقليد : وحجية جواز التقليد تكاد تكون بديهية ، كما أشرنا اليها ، إما لكونها فطرية جبلية ، كما يعبر صاحب الكفاية(رحمه الله) (28) ، او لان بناء العقلاء قائم عليها ، بل لا يمكن ان يستقيم نظام بدونها ككل ، لان وجودها ضرورة لازمة لطبيعة المجتمعات ، وإلا فما أظن ان مجتمعاً من المجتمعات ، مهما كانت قيمته الحضارية ، يستطيع ان ينهض أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لكل ما يتصل بحياتهم دون ان يكون فيهم علماء وجهال ليرجع جهالهم الى علمائهم على نحو يكون كل منهم ـ مثلاً ـ عالماً بالطب والهندسة وأصول الحرف والصناعات ، ومستوعباً لجميع أنواع الثقافات بحيث يستغني عن أخذ أي شيء منها . وحتى الامم البدائية لا يمكن ان تتخلى عن هذه الظاهرة نسبياً .والحقيقة ان تسميتها ظاهرة اجتماعية عامة أولى من تسميتها بالبناء العقلائي ، لانها قائمة على كل حال ، وجد تبان من العقلاء او لم يوجد .والذي نعلمه ونؤمن به ان مجتمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان بدعاً من المجتمعات . لينفرد أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لمختلف ما يحتاجون التعرف اليه من شؤون دينهم ودنياهم ، بحيث كانوا لا يتفاوتون من حيث العلم والجهل ليرجع جهالهم الى علمائهم ، وفيهم من كان يشغله الصفق في الاسواق عن تتبع المعرفة من منابعها .واذا كانت هذه الظاهرة موجودة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهي موجودة حتماً ـ فهي ممضاة من قبله بإقرارهم عليها ، ولو كان هناك تشريع على خلافها لاثر من طريق التواتر ـ عادة ـ وهو ما لم ينقل حتى من طريق الاحاد .وما يحتمل ان يكون ردعاً من أمثال تلكم الايات الناهية عن التقليد لا يصلح لاثباته ما دامت صريحة أو تكاد في الردع عن رجوع الجاهل الى الجاهل ، وهو أجنبي عن هذه الظاهرة أو هذا البناء .على ان أمثال آيتي ( النفر ) و( سؤال أهل الذكر ) بناء على ظهورها في التقليد والعشرات من الاحاديث التي أمرت بعض أصحاب الائمة بالتصدي للافتاء ، أو أرجعت الى بعضهم للاستفتاء ، صريحة في إمضاء هذا البناء ولزوم الاخذ به في الجملة .وهذه الادلة ـ فيما أعتقد ـ ليست واردة لجعل حكم تأسيسي ما دام هذا البناء قائماً في ذلك العصر ، وإنما هي من ادلة الاقرار له ، فلا حاجة الى الدخول في استعراضها ورد ما أثير حول دلالتها من مناقشات . الغزالي واستدلاله : نعم ، استدل الغزالي بدليلين لا يرجعان الى ما ذكرناه من الادلة ، لا بأس بعرضهما وهما :1 ـ " اجماع الصحابة ، فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد ، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم " (29) .ويرد عليه ان الاجماع بمفهومه الاصطلاحي ـ أي صدور الفتوى عن الجميع ـ لا دليل على اثباته ، ودعوى ثبوته بالتواتر والضرورة مصادرة .نعم ، اذا أراد ان هذه الظاهرة كانت موجودة بينهم بالضرورة فهو صحيح ولا إشكال فيه ، ولكنها ليست إجماعاً بالمعنى المصطلح .2 ـ " ان الاجماع منعقد على ان العامي مكلف بالاحكام ، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال لانه يؤدي الى ان ينقطع الحرث والنسل ، وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدي الى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم بطلب العلم ، وذلك يرد العلماء الى طلب المعايش ، ويؤدي الى اندراس العلم ، بل الى إهلاك العلماء وخراب العالم ، واذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء " (30) .وهذا الدليل ـ على خطابيته ـ سليم في إثبات أصل جواز التقليد .ثم أورد على نفسه ، ودفعه بقوله : " فإن قيل : فقد أبطلتم التقليد وهذا عين التقليد ، قلنا : التقليد قبول قول بلا حجة ، وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي بدليل الاجماع " (31) .وبهذا ندرك ان الاختلاف بين الغزالي وغيره في مفهوم التقليد لا يتجاوز الشكلية ، وهو متحد المبنى مع القائلين بجواز التقليد ، أقصاه انه لم يسمه تقليداً وإنما عبر عنه بقوله : " العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء " (32) .والاخذ برأي الغير من دون حجة موضع حظر الجميع باستثناء ما مر من الحشوية ان صح نسبة مثل ذلك الرأي اليهم . خاتمة المطافالقسم الثاني(التقليد) اعتبار الحياة في المقلد تمهيد : وشرائط المقلد التي ذكروها كثيرة ، والذي يستحق أن يطال فيه الكلام منها ثلاثة وهي :1 ـ الحياة .2 ـ الاعلمية .3 ـ العدالة .أما غيرها من الشرائط كالعقل ، والذكورية ، والحرية ، والبلوغ ، فاعتبار بعضها يقتضي أن يكون من الضروريات ، كالعقل مثلاً ، إذ لا معنى للحديث في جواز تقليد المجانين في حال جنونهم وعدمه ، والباقي ذكروا له أدلة وهي غير ناهضة بالدلالة ، إلا ما يحكى من الاجماع على بعضها .ومقتضى بناء العقلاء هو عدم التفرقة بين الذكر والانثى ، والحر والعبد ، والبالغ والمميز من غير البالغين ، مع توفر عنصر الاجتهاد فيهم ، وهو الحجة ما لم يثبت الردع عنه ، فالعمدة التحدث في خصوص هذه الشرائط الثلاثة . اعتبار الحياة والخلاف فيه : واعتبار الحياة في حجية قول المفتي من الشرائط التي وقع فيها الاختلاف كثيراً ، فالاصوليون من الشيعة اعتبروا هذا الشرط ومنعوا من تقليد الميت ابتداء ، بينما أجاز الاخباريون منهم ذلك .أما أهل السنة فقد اختلفت كلمتهم في ذلك ، فبعضهم أجازوا تقليد الميت ابتداء ، كما سوغوا الرجوع الى الحيِّ إذا كان متوفراً على شرائط التقليد ، ومنع البعض الاخر من تقليد الاحياء لقصرهم التقليد على الائمة الاربعة .والظاهر ان خلاف الاخباريين لرأي الاصوليين من الشيعة إنما هو لاختلافهم في وظيفة المجتهد عند الفتيا . فالاخباريون يرون ان وظيفة المجتهد لا تتجاوز نقل مضمون الرواية بفتياه ، وليس له ان يستند في الفتيا الى مقدمات نظرية ، فهو مخبر عن المعصوم ، ولا يشترط الحياة في حجية خبر المخبر باتفاق الكلمة . بينما يرى الاصوليون وغيرهم ان المجتهد مستنبط للحكم من الادلة ، وقد يكون بعضها نظرياً ، وما دام كذلك فهو ليس بمخبر حين يفتي عن المعصوم ـ إلا بضرب من التسامح ـ وإن أخبر عن الحكم او الوظيفة .وعلى هذا ، فإن دليل الحجية بالنسبة الى المفتي إنما يتقوم برأيه القابل للنظر والتبدل ، وهو يمكن ان يكون منوطاً بالحياة . فاختلاف الاخباريين مع الاصوليين اذن اختلاف في أصل وظيفة المجتهد لا في شرائط الافتاء . وخلافهم في هذه المسألة لا يصلح ان يكون خلافاً في موضع الكلام ، لانه بالنسبة اليهم أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع .وخلاف ابن الصلاح مع اخوانه من اهل السنة ، وإصراره على حظر التقليد لغير الائمة الاربعة منشؤه اجماع المحققين وبعض الادلة ، وقد علمنا في مبحث سابق قيمة هذه الادلة فلا نعيد فيها الكلام .فعمدة الخلاف اذن هو ما بين الشيعة وأكثرية اهل السنة في اعتبار هذا القيد وعدمه .والاقوال الاخر إما ليست ذات موضوع لاختلافها في أصل وظيفة المجتهد ، او ليست بذات أهمية لعدم استنادها الى أساس . أدلة القائلين بعدم اعتبار الحياة : وقد استدل القائلون بعدم اعتبار هذا الشرط ، أو استدل لهم بعدة أدلة نعرض ما عثرنا عليه منها وهي : 1 ـ التمسك باطلاق الادلة اللفظية : أمثال آيتي ( النفر وسؤال أهل الذكر ) من الكتاب العزيز ، وطوائف من الروايات كان بعضها يأمر بعض الرواة بالتصدي للفتيا الدالة بالملازمة على جواز الاخذ منهم ، وكان بعضها الاخر يأمر بالرجوع الى بعض أصحاب الائمة واستفتائهم فيما يحتاجون اليه . ومقتضى إطلاق هذه الادلة هو عدم الفرق بين الاحياء منهم وغيرهم .وقد أجيب على هذا الاستدلال ـ بعد الغض عن أن أكثر هذه الادلة لا إطلاق فيه لعدم كون الشارع في مقام البيان من هذه الجهة ـ :أ ـ ان طبيعة السؤال أو الانذار أو الرجوع الى شخص معين تقتضي اعتبار الحياة ، إذ لا معنى لسؤال غير الاحياء أو صدور الانذار منهم أو الرجوع اليهم .ب ـ ولو سلم ، فإن هذه الادلة لا يعقل شمولها للمختلفين بالفتوى ، إذ لا معنى لان يعبّدني الشارع بالمتناقضين ، ولو على سبيل البدل ، لان معنى جعل الحجية لهما تبنيهما معاً من قبله ، وكيف يعقل ذلك مع الجزم بمخالفة أحدهما للواقع ، وقد سبق الحديث منا في ذلك في مبحث ( التخيير الشرعي ) .وفرض المسألة لا يتم إلا في صورة اختلاف الحي مع الميت في الفتوى إذ مع اتفاقهما لا ثمرة عملية لهذه المسألة ، ومع الاختلاف لا تكون الادلة شاملة لهما معاً ابتداء ، وهي إنما يمكن الاستدلال بها في صورة عدم العلم بالخلاف فقط ، ومسائلها نادرة جداً لو سلمت المناقشات السابقة فيها . 2 ـ الاستدلال بالقياس : بتقريب قياسها على عدم اعتبار الحياة في حجية قول المخبر ، لان العلة التي أوجبت حجية قول المخبر هي حكايته عن الواقع ، فكذلك الامر في المفتي ، وبما أن المقيس عليه لا يعتبر قيد الحياة في حجية خبره فالمقيس مثله من هذه الجهة .والجواب على ذلك : أن هذا النوع من القياس ، لم تثبت حجيته لوجود الفارق الكبير بينهما . فالمخبر إنما يستند في إخباره الى الحس أو الحدس القريب منه ، وبقاء الحياة لا يغير في واقع ما أحسه إذا كان صادقاً في اخباره ، ولذا نرى ان الصادقين في اخبارهم قلما يختلفون إذا حدثوا عن واقعة واحدة ، بينما يستند المفتي أحياناً الى مقدمات نظرية ، وهي تختلف باختلاف خبرة المفتين بأصول الاستنباط ومقدار ما يملكون من ذكاء وصبر على البحث ، بل تختلف باختلاف المراحل العلمية التي يجتازها المفتي الواحد ، وما اكثر ما عدل المفتون عن فتاوى سابقة لعثورهم على أدلة على خلافها ، او لزيادة تجاربهم في معرفة كيفيات الاستنباط .وما يدرينا لو قدر لذوي الاجتهاد من الاموات أن تستمر بهم الحياة ما يدخل الزمن على آرائهم وفتاواهم من التطور والتغيير ؟ومع هذا فكيف يسلم قياسها على الاخبار مع وجود هذا الفارق الكبير ؟ ولا أقل من كونه من قبيل القياس غير المقطوع ، وقد عرفت في " مبحث القياس " (33) مدى حجيته . 3 ـ بناء العقلاء : حيث لا يفرق في رجوع الجاهل الى العالم بين الحي والميت ، ويخير بينهما . وهذا البناء ـ لو تم ـ فهو في صورة التساوي بينهما من حيث العلم أو صورة ما اذا كان الميت أعلم مثلاً . إلا انه مما يحتاج الى امضاء من الشارع المقدس او عدم ردع على الاقل ـ لما قلناه : من ان البناء وحده لا يكفي في تكوين الحجية لما قام عليه ـ لعدم حصول القطع بمدلوله .والامضاء وعدم الردع إنما يتحققان اذا فرض وقوع مصداق من مصاديق هذه المسألة أمام الشارع فأمضاها او سكت عنها ، كأن نتصور واقعة وقعت أمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قلد فيها مكلف عالماً ميتاً ـ ابتداء ـ مع وجود عالم حي مساو له او دونه بالفضيلة ، وهما مختلفان بالفتيا ، فأقره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك .ولكن من أين لنا تصور ذلك او إثباته تاريخياً ومثله نادر الوقوع عادة إن لم يكن منعدماً . إذ مع علم المكلف بالاختلاف ، لا تصل النوبة الى تقليد أحد مع وجود المعصوم وإمكان سؤاله والاخذ منه .فالقول بوجود البناء العقلائي غير المردوع عنه في خصوص صورة الاختلاف لا يخلو عن افتئات ومصادرة . مع ان هذا البناء مما يشك في وجوده مع الاختلاف حتى بين الاحياء .على أنه لو صحت استفادة خصوصية الحياة في الادلة اللفظية ، او ثبت الاجماع (34) على عدم جواز تقليد الميت ابتداء كان ذلك كافياً في الردع عن هذا البناء لو وجد . 4 ـ سيرة المتشرعة : وهي التي يدعى بلوغها الى عصر المعصومين .والجواب عليها : ان حسابها حساب ذلك البناء ، بل هي أضعف منه بكثير لبداهة عدم قيامها على الرجوع الابتدائي الى الاموات ، وبخاصة في صورة الاختلاف .وكيف تثبت السيرة المستمرة الى زمن المعصوم ؟ اما على مبنى اهل السنة فواضح ، لرجوعهم جميعاً الى أئمة المذاهب الاربعة وهم متأخرون في حياتهم عن زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جميعاً ، فكيف يمكن إثبات استمرار السيرة في الرجوع اليهم أمواتاً الى زمنه(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ وأما على مبنى الشيعة فلان أكثرهم لا يقولون بجواز تقليد الميت ابتداء ، فضلاً عن ادعاء قيام سيرتهم على الرجوع الى الاموات . 5 ـ الاستدلال بالاستصحاب : بتقريب ان هذه الحجية كانت ثابتة لقول المجتهد حال حياته ، ويشك في ارتفاعها بالموت فتستصحب .والجواب على ذلك : ان هذه الحجية لا يمكن استصحابها للشك في سعة المجعول وضيقه . فالحجية المجعولة لا يعلم بحدود جعلها ابتداء ، وهل يتسع الى ما بعد موت صاحبها او هي مختصة بحال الحياة ؟ فإن كانت مجعولة على النحو الاول فهي مقطوعة البقاء ، وإن كانت على النحو الثاني فهي مقطوعة الارتفاع ، وكلما دار الامر بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع لا يمكن جريان الاستصحاب فيه لفقده ركناً من أركانه ، إذ لا يقين سابق بأحدهما على الخصوص ، ومع فرض وجوده فلا يوجد شك في أن المتيقن باق ـ إن كان واسعاً ـ او انه مرتفع ـ إن كان ضيقاً ـ لفرض دورانه بين مقطوع البقاء او الارتفاع .فالركن المفقود اما اليقين او الشك ، ومع فقد أحدهما لا يجري الاستصحاب . وفي رأي بعض أساتذتنا ان المورد يقتضي استصحاب عدم الحجية لاحتمال " ان تكون حجية فتوى المجتهد مختصة بمن عاصره ، وكان من وظيفته الرجوع اليه ، وأما المكلف الموجود بعد موته فلا علم بحجية فتواه في حقه من الاول ، فيجري استصحاب عدم جعل الحجية في حقه بلا معارض " (35) . ما يقتضيه الاصل المعين للوظيفة : والرجوع الى هذا الاصل إنما يكون مع فقد الدليل الاجتهادي او الاصل الاحرازي وهما مفقودان هنا ، كما يدل عليه ما استعرضناه من أدلتهم وما ذكرناه في مناقشتهما .والاصل يقتضي في هذا الموضع اعتبار الحياة لبداهة دوران الامر فيه بين التعيين والتخيير في مقام الحجية ، وذلك لعدم احتمالنا أية خصوصية للموت ـ بما هو موت ـ توجب تعيين الرجوع الى الاموات ابتداء ، ونحتمل أن تكون للحياة خصوصية مهما كانت بواعث الاحتمال ، ومتى دار الامر بين التعيين والتخيير في الحجية ، تعين الاخذ بما هو محتمل التعيين للقطع بحجيته والشك في حجية الطرف الاخر ، والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها ، كما قلنا ذلك مراراً .وعليه فإن تم ما عرضوه من أدلة اجتهادية على اعتبار الحياة ـ وهو ما لم نر أية ضرورة لتفصيل الحديث فيه ـ كان هو المتعين في مقام الاستناد ، وإلا فالاصل العملي كاف في إثبات هذه الجهة . تسجيل ملاحظة : والشيء الذي أحببت أن اسجله ـ وان لم تكن له مدخلية في عوالم الاستدلال على اعتبار الحياة ـ ما لاحظته من ان في تشريع جواز الرجوع الى الاموات ـ في التقليد ابتداء ـ اماتة للحركة الفكرية التشريعية وتجميداً للعقول المبدعة عن الانطلاق في آفاقها الرحبة .وقد لاحظت هذا الواقع في كثير من علماء الاسلام من أهل السنّة يوم سدوا على انفسهم أبواب الاجتهاد وحصروا التقليد بخصوص أئمتهم ، حيث ظلت الحركة الفكرية واقفة عند حدودها لديهم قبل قرون ، وما الف بعد ذلك كان يفقد في غالبه عنصر الاصالة والابداع .كما لاحظت ذلك عند الاخباريين ، حين أجازوا لانفسهم تقليد العلماء من الاموات ابتداء .بينما نرى نمو الحركة العلمية وتطورها عند العلماء والاصوليين من الشيعة بما يتناسب ومستوى عصورهم .ولعل السر في ذلك الجمود يعود الى ما يضيفه القدم عادة من الغلو في تقديس البشر لكل ما هو عريق فيه ، وإعطاء اصحابه قيمة لا يحلم بها الاحياء من الناس ، مما يزهد الاحياء في إعمال افكارهم في أشياء لا تعطي أية ثمرة عملية لمجتمعهم ، ولا قيمة اجتماعية كبيرة لهم ، وما قيمة علم لا ينتفع بثمره أحد من الناس حتى يتشجع اصحابه على الفناء فيه ؟(1) المستصفى : 2/120 ; والخضري في أصول الفقه : ص368 .(2) أجود التقريرات : 1/206 .(3) سورة الحج : الاية 78 .(4) أجود التقريرات : 1/205 .(5) فوائد الاصول : 1/146 .(6) المصدر السابق .(7) أجود التقريرات ( هامش ) : 1/206 .(8) الكافي : 1 / 67 ، باب اختلاف الحديث ، ح10 . مستمسك العروة الوثقى : 1/57 .(9) التهذيب : 6 / 229 ، باب كيفية الحكم والقضاء ، ح3 . مستمسك العروة الوثقى : 1/75 .(10) المستصفى : 2/120 .(11) المستصفى : 2/120 .(12) أصول الفقه : ص368 .(13) سلم الوصول : ص343 .(14) المصدر السابق .(15) المصدر السابق .(16) راجع : ص127 وما بعدها من هذا الكتاب .(17) راجع : ص423 وما بعدها من هذا الكتاب .(18) المستصفى : 2/123 .(19) احكام الاحكام : 3/166 .(20) العروة الوثقى : ص18 ، ط . قم .(21) مستمسك العروة الوثقى : 1/8 .(22) وهي الرواية المأثورة عن تفسير العسكري : ( فللعوام ان يقلدوه ) والتفسير المذكور مرمي بالضعف لجهالة روايته عن الامام(عليه السلام) . ( المؤلف ) .(23) المستصفى : 2/123 .(24) المصدر السابق : 2/124 .(25) القوانين : 2/161 .(26) سورة المائدة : الاية 104 .(27) سورة الحج : الاية 78 .(28) كفاية الاصول 539 ط . جامعة المدراسين ـ قم .(29) المستصفى : 2/124 .(30) المصدر السابق .(31) المصدر السابق .(32) المستصفى : 2/124 .(33)راجع : ص287 وما بعدها من هذا الكتاب .(34) مستمسك العروة الوثقى : 1/16 .(35) مصباح الاصول : ص460 .