أصول العامة فی الفقه المقارن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول العامة فی الفقه المقارن - نسخه متنی

السید محمدتقی الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الاصول العامة للفقه المقارن - صفحه 287 الي 343 البابُ الاول

القسم الخامس

القياس القياس والحديث حول القياس كثر بين الفقهاء كثرة غير متعارفة ، وكتبت عنه المجلدات ، وكان موضع خلاف كثير ، ونظراً لما يترتب عليه من ثمرات فقهية واسعة ، اقتضانا أن نطيل الحديث فيه ، عارضين مختلف وجهات النظر وأدلتها على أساس من المقارنة وفق ما انتهينا اليه سابقاً من نهج .

وأول ما يواجهنا منها اختلافهم في تعريفه .

تعريف القياس لغة واصطلاحاً : القياس في اللغة " التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع اذا قدرته به ، قال الشاعر يصف جراحة أو شجّة :

إذا قاسها الاسي النطاسيّ أدبرت غثيتها أو زاد وهياً هزومها (1)

وقد عرف في اصطلاحهم بالاجتهاد تارة ، كما ورد ذلك عن الشافعي ، وببذل الجهد لاستخراج الحق (2) أخرى .

ويردعلى هذين التعريفين أنهما غير جامعين ولا مانعين ; أما كونهما غير جامعين فلخروج القياس الجليّ عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم ; وأما كونهما غير مانعين فلدخول النظر في بقية الادلة كالكتاب ، والسنة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنها ليست من القياس المصطلح بشيء .

ولهذين التعريفين نظائر لا تستحق إطالة الكلام فيها لبعدها عن فنية التعريف ، وهي أقرب الى الشروح اللفظية منها الى الحد المنطقي .

والذي يقرب من الفن ما ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني من أنه " حمل معلوم على معلوم في اثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة " (3) .

يقول في المحصول : " واختاره جمهور المحققين منا " (4) وقريب منه ما عرفه به الغزالي (5) .

وقد سجّلت على هذا التعريف عدة مفارقات ، لعل أهمها ما أورده الامدي عليه من لزوم الدور " لان الحكم في الفرع نفياً وإثباتاً متفرع على القياس إجماعاً ، وليس هو ركناً في القياس ، لان نتيجة الدليل لا تكون في الدليل لما فيه من الدور الممتنع " (6) .

وتقريب الدور ، هو أن إثبات الحكم للفرع موقوف على ثبوت القياس ، وثبوت القياس موقوف على تمام كل ما اعتبر فيه ، ومنه إثبات الحكم للفرع ; فهو إذن موقوف على إثبات الحكم للفرع ، ومع إسقاط المتكرر تكون النتيجة هي أن إثبات الحكم للفرع موقوف على إثبات الحكم للفرع ; على أن هذا التعريف مشعر بأن إثبات حكم الاصل إنما هو من نتائج القياس مع أن القياس لا يتكفل أكثر من إثبات حكم الفرع ، والمفروض فيه هو المفروغية عن معرفة حكم الاصل ، إذ هي من متممات الدليل الى إثبات الحكم في الفرع كما هو واضح .

ولهذا السبب وغيره ، عدل كلّ من الامدي وابن الهمام عن ذلك التعريف الى تعاريف أبعد عن المؤاخذات ; فقد عرفه الامدي بأنه عبارة " عن الاستواء بين الفرع والاصل في العلة المستنبطة من حكم الاصل " (7) ; وتعريف ابن الهمام له : " هو مساواة محل لاخر في علة حكم له شرعي لا تدرك بمجرد فهم اللغة " (8) .

وقد سلم هذان التعريفان من مؤاخذة عامة وردت على أكثر التعاريف التي أخذت في مفهومه ، أمثال هذه الكلمة ( تسوية فرع لاصله ) ، أو حكمك على

الفرع بمثل ما حكمت به على الاصل ، أو حملك الفرع على أصله ، وما شابه ذلك من الالفاظ التي تبعد القياس عن كونه دليلاً للمجتهد ، لبداهة أن حمل المجتهد الفرع على أصله وإثبات الحكم له إنما هو وليد إجراء القياس ، فهو متأخر رتبة عن أصل القياس ، فكيف يؤخذ في تعريفه ، ولزوم الخلف أو الدور فيه واضح ؟ هذا ، بالاضافة الى سلامتهما من الاشكالات السابقة . لكن أخذهما كلمة " المستنبطة " أو " لا تفهم من مجرد اللغة " في التعريفين لا يتضح له وجه لاخراجه القياس الجلي أو منصوص العلة عن تعريف القياس ، مع أنهما داخلان في التعريف اصطلاحاً ; والامدي نفسه يأتي بعد ذلك فيقسم القياس الى جلي وخفي ، أي منصوص العلة ومستنبطها (9) .

والذي يبدو لنا أن أسلم التعاريف من الاشكالات ما ورد من أنه " مساواة فرع لاصله في علة حكمه الشرعي " لسلامته من المؤاخذات السابقة ، وصلوحه بعد إقامة الادلة على حجيته لاستنباط الاحكام الشرعية منه .

والغريب أن يعتبر الاستاذ خلاف هذا التعريف من أبعد التعريفات ، معلّلاً ذلك بأن " التعريف إنما هو للعملية التي يجريها القائس ; وتساوي الاصل والفرع في العلة ليس من عمله ، وكذلك القياس المقصود به الوصول الى حكم الفرع لا الى مجرد تساوي الاصل والفرع في العلة " (10) .

وما أدري كيف تكون عملية الاستنباط من الدليل هي الدليل نفسه مع أنها متأخرة في الرتبة عنه ؟ والظاهر أن منشأ ما ذهب اليه اختلاط مفهوم الدليل عليه بكيفية الاستفادة منه وعدم التفرقة بينهما ، فاستكشاف حكم الفرع إنما يكون من مساواتهما واقعاً في العلة لا من تسويتنا لهما فيها .

هذا كله في القياس الذي يدخل ضمن ما يصلح للدليلية ، وهو الذي يدار عليه الحديث لدى المتأخرين .

اصطلاح آخر في القياس : وهناك اصطلاح آخر للقياس ، شاع استعماله على ألسنة أهل الرأي قديماً ، وفحواه : التماس العلل الواقعية للاحكام الشرعية من طريق العقل ، وجعلها مقياساً لصحة النصوص التشريعية ، فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ به ، وما خالفها كان موضعاً للرفض أو التشكيك .

وعلى هذا النوع من الاصطلاح ، تنزل التعبيرات الشائعة : ان هذا الحكم موافق للقياس وذلك الحكم مخالف له .

وقد كان القياس بهذا المعنى مثار معركة فكرية واسعة النطاق على عهد الامام الصادق(عليه السلام) وأبي حنيفة (11) ، وستأتي الاشارة اليها في موضعها من هذه الاحاديث ; وعلى أساس من هذا المصطلح ألّفت كتب للدفاع عن الشريعة وبيان أن أحكامها موافقة للقياس أي موافقة للعلل المنطقية ; وفي رسالة ( القياس في الشرع الاسلامي ) لابن القيم وابن تيمية مثل على ذلك ; ولكن هذا المصطلح تضاءل استعماله على ألسنة المتأخرين ، وأصبحت لفظة القياس لا تطلق غالباً إلا على ما عرضناه من المعنى الاول له ; وكاد ان يهجر المعنى الثاني على ألسنتهم ، وإنما أشرنا اليه لما يترتب على تأريخ هذه الكلمة ( القياس ) ومعناها ، عبر الازمان ، من ثمرات في مجالات المناقشة في حجيته ستأتي الاشارة اليها في موضعها .

أركان القياس : وللقياس بمعناه الاول أركان أربعة ، يمكن انتزاعها من نفس التعريف :

1 ـ الاصل أو المقيس عليه : وهو المحل الذي ثبت حكمه في الشريعة ، ونص على علته ، أو استنبطت بإحدى المسالك الاتية .

2 ـ الفرع أو المقيس : وهو الموضوع الذي يراد معرفة حكمه من طريق مشاركته للاصل في علة الحكم .

3 ـ الحكم : ويراد به الاعتبار الشرعي الذي جعله الشارع على الاصل ، والذي يطلب إثبات نظيره للفرع .

4 ـ العلة : وهي على نحو الاجمال الجهة المشتركة بينهما التي بنى الشارع حكمه عليها في الاصل .

فاذا قال الشارع ـ مثلاً ـ : حرّمت الخمر لاسكارها ، فالخمر أصل ، والحرمة حكمه ، والاسكار علتها ، فاذا وجد الاسكار في النبيذ ( وهو الفرع ) فقد ثبتت الحرمة له بالقياس .

وقد ذكروا لهذه الاركان شرائط ، وأطالوا في التحدث عنها وأكثرها انما ذكر للوقاية عن الوقوع فيما أسموه بالقياسات الفاسدة ، وليس من المهم عرضها الان عدا ما يتصل منها بالعلة وملابساتها ، لانها هي المنطلق للتحدث عن حجية القياس وعدمها ، فالانسب قصر الكلام عليها .

وقبل ان نبدأ الحديث فيها لا بدّ من التعرض الى المراد من لفظ العلة وما يرجع اليها على نحو التفصيل .

تعريف العلة : عرف كل من المقدسي والغزالي العلة بمناط الحكم (12) ; وفسر الغزالي مناط الحكم بقوله : " ما أضاف الشرع الحكم اليه وناطه به ونصبه علامة عليه " (13) . ومن هذا التعريف ; يعلم أن غرضهم من العلة ليس مدلولها الفلسفي ، أعني ما

أوجبت معلولها لذاتها ولم يتخلف عنها ، وهي المؤلفة من المقتضى والشرط وعدم المانع ، بل غرضهم منها ما جعله الشارع علامة على الحكم ; وبهذا صرّح الغزالي بقوله : " لان العلة الشرعية علامة وأمارة لا توجب الحكم بذاتها ، إنما معنى كونها علة نصب الشارع إياها علامة ، وذلك وضع من الشارع " (14) ، وأضاف بعضهم الى كونها أمارة وعلامة ، اعتبار المناسبة بينها وبين الحكم .

وأرادوا بالمناسبة ان تكون مظنّة لتحقيق حكمة الحكم " أي أن ربط الحكم بها وجوداً وعدماً من شأنه ان يحقق ما قصده الشارع بتشريع الحكم من جلب نفع أو دفع ضرر " (15) .

وقد فضل بعض الاصوليين ان يعرف العلة بقوله : هي " الوصف الظاهر المنضبط الذي جعله الشارع علامة على الحكم مع مناسبته له " (16) .

وقد انتزعوا من هذا التعريف أموراً أسماها خلاف بالشرائط المتفق عليها ، والانسب تسميتها بالاركان لانها جماع ما أخذ في تعريف العلة وتحديدها ، هي :

1 ـ ان تكون وصفاً ظاهراً ، أي مدركاً بحاسة من الحواس الظاهرة ليمكن اكتشافه في الفرع .

2 ـ ان يكون وصفاً منضبطاً ، أي محدداً بحدود معينة يمكن التحقق من وجودها في الفرع .

3 ـ ان يكون وصفاً مناسباً ، ومعنى مناسبته ان يكون مظنة لتحقيق حكمة الحكم .

وأضافوا الى ذلك أمراً رابعاً ، وهو :

4 ـ ان لا يكون الوصف قاصراً على الاصل ، وهذا الاخير كان موضعاً لخلاف بينهم ; ومن رأي خلاف ـ والحق معه ـ أنه لا ينبغي ان يكون موضعاً لخلاف " لانه لا تكون العلة أساساً للقياس إلا اذا كانت متعدية " (17) .

وبهذه الشروط المنتزعة من التعريف ، حاولوا إقصاء العبادات عن كونها مجرى للقياس ، لانها مما لا تدرك عللها بالعقل كعدد ركعات كل صلاة ، وعدد أيام الصيام ، وغيرهما من العبادات ، كما ألحقوا بها العقوبات المقدرة كعدد الجلد في الزنى ، وقذف المحصنات (18) ، وهكذا ... وسيتضح فيما بعد أن قسماً من هذه القيود إنما اتخذ على ألسنة المتأخرين منعاً عن الوقوع في مفارقات السابقين عندما توسعوا في التماس العلل حتى في العبادات وغيرها .

ولزيادة تحديد المراد من العلة ، نعرض لما عرضوا لذكره من التفرقة بينها وبين السبب والحكمة والشرط ، وهي ألفاظ شائعة الاستعمال على ألسنة الاصوليين ، ويتضح الفرق بينها اذا عرضنا لكلّ منها بشيء من التحديد .

تعريف السبب : و " هو معنى ظاهر منضبط ، جعله الشارع أمارة للحكم " (19) وهو بهذا المعنى أعم من العلة لعدم أخذ المناسبة في تعريفه ، وقيد بعضهم السبب بما ليس بينه وبين المسبب مناسبة ظاهرة ، فيكون مبايناً للعلة ، وقيل : انهما مترادفان ; يقول خلاف : " وبعض الاصوليين فرقوا بين علة الحكم وسببه بأن الامر الظاهر ـ الذي ربط الحكم به لان من شأن ربطه به تحقيق حكمة الحكم ـ إن كان يعقل وجه كونه مظنة لتحقيق الحكمة يسمى علة الحكم ; وإن كان لا يعقل وجه هذا الارتباط يسمى سبب الحكم ; فشهود شهر رمضان سبب لايجاب صومه لا علة له ، لان العقل لا يدرك وجه كون هذا الشهر دون سواه مظنة لتحقيق الحكمة لايجاب الصوم ; ودلوك الشمس أي زوالها أو غروبها ، سبب لايجاب إقامة الصلاة لا علة له ، لان العقل لا يدرك وجه كون هذا الوقت دون غيره مظنّة لتحقيق الحكمة من

إيجاب إقامة الصلاة ; فكل علة سبب وليس كل سبب علة ; وبعض الاصوليين لم يفرقوا بين لفظي العلة والسبب " (20) ، وهذه التفرقة التي ذكرها بين السبب والعلة تنتهي الى التباين بينهما ، فتفريعه بعد ذلك عليها بقوله : " فكل علة سبب ، وليس كل سبب علة " أي بكون النسبة بينهما هي العموم المطلق لا يتضح له وجه .

تعريف الحكمة : و" هي المصلحة المقصودة للشارع من تشريع الحكم " (21) أي " ما قصد اليه الشارع من جلب نفع ودفع ضرر " (22) والفارق بينها وبين العلة أن العلة أخذ فيها قيد الانضباط ، والحكمة لم يؤخذ فيها ذلك القيد ، ولذا لم يجعلها الشارع أمارة على حكمه ، ولم يدر الحكم معها وجوداً وعدماً بخلاف العلة والسبب في حدود تعريفيهما السابقين .

تعريف الشرط : أما الشرط فقد أخذ في تعريفه ـ بالاضافة الى ما اعتبر في السبب ـ عدم الافضاء الى المشروط ، أي عرفوه بأنه " الوصف الظاهر المنضبط الذي يتوقف عليه وجود الشيء من غير إفضاء اليه " (23) أي من غير اقتضاء لوجود المشروط عند وجوده ، وان استلزم انعدام المشروط عند عدمه فيكون الفارق بينه وبينهما أن الحكم يدور معهما وجوداً وعدماً بخلاف الشرط ، فان وجوده لا يستلزم وجود المشروط ، فلا يدور مداره وجوداً وإن استلزم انعدامه انعدام ما أخذ فيه ذلك الشرط .

تقسيمات العلة : 1 ـ تقسيمها باعتبار المناسبة : وقد قسموا العلة من حيث اعتبار الشارع لمناسبتها وعدمه ونوعية ذلك الاعتبار الى أربعة أقسام :

أ ـ ما أسموه بالمناسب المؤثر ، وهو الذي اعتبر الشارع علة بأتم وجوه الاعتبار ، ودلل صراحة أو إشارة على ذلك و " ما دام الشارع دل على أن هذا المناسب هو علة الحكم فكأنه دل على أن الحكم نشأ عنه وأنه أثر من آثاره ، ولهذا سماه الاصوليون المناسب المؤثر وهو العلة المنصوص عليها " (24) ; يقول خلاف : " ولا خلاف بين العلماء في بناء القياس على المناسب المؤثر ، ويسمون القياس بناء عليه قياساً في معنى الاصل " (25) ، ولكن دعوى عدم الخلاف سينقضها ما يرد عن ابن حزم وغيره من عدم الاخذ به أصلاً ، اللهم إلا ان يريد من عدم الخلاف هو عدم الخلاف بين خصوص الاخذين بالقياس كدليل من الادلة الشرعية ، وهو خلاف ظاهر كلامه .

ب ـ المناسب الملائم : وهو الذي لم يعتبره الشارع بعينه علة لحكمه في المقيس عليه وان كان قد اعتبره علة لحكم من جنس هذا الحكم في نص آخر ، ومثلوا له بالحديث القائل : " لا يزوّج البكر الصغيرة إلا وليّها " (26) ففي رأي أصحاب القياس أن الحديث اشتمل على وصفين كل منهما صالح للتعليل وهو الصغر والبكارة ، وبما أنه علل ولاية الولي على الصغيرة في المال في آية ( وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا اليهم أموالهم ) (27) ، " وما دام الشارع قد اعتبر الصغر علة للولاية على المال ، والولاية على المال والولاية على التزويج نوعان من جنس واحد هو الولاية ، فيكون الشارع قد

اعتبر الصغر علّة للولاية على التزويج بوجه من وجوه الاعتبار ، ولهذا يقاس على البكر الصغيرة من في حكمها من جهة نقص العقل وهي المجنونة أو المعتوهة وتقاس عليها أيضاً الثيّب الصغيرة " (28) وبذا أسقطوا دلالة لفظ البكارة من الحديث مع امكان ان تكون جزءاً من التعليل كما هو مقتضى جمعها مع الصغر لو أمكن استفادة التعليل من أمثال هذه التعابير ، وستأتي المناقشة في المسألة كبروياً ، فلا تهم المناقشة في الصغرى .

ج ـ المناسب الملغى : وهو الذي ألغى الشارع اعتباره مع أنه مظنّة تحقيق المصلحة " أي أن بناء الحكم عليه من شأنه ان يحقق مصلحة ، ولكن دل دليل شرعي على إلغاء اعتبار هذا المناسب ومنع بناء الحكم الشرعي عليه " (29) .

ومثلوا له بفتوى من أفتى أحد الملوك بأن كفّارته في إفطار شهر رمضان هو خصوص صيام شهرين متتابعين ، لانه وجد أن المناسب من تشريع الكفارات ردع أصحابها عن التهاون في الافطار العمدي ، ومثل هذا الملك لا تهمه بقية خصال الكفارة لتوفّر عناصرها لديه ، فإلزامه بالصيام أكثر مناسبة لتحقيق مظنّة الحكمة من التشريع .

ولكن هذا الاستنتاج ينافي إطلاق التخيير ، فكأن الشارع المقدس ألغى بإطلاقه التخيير وعدم تقييده بالاخذ بالاشق هذا المناسب ، ولذلك لم يصوّبوا هذا المفتي بفتياه .

د ـ المناسب المرسل : وهو الذي يظهر للمجتهد أن بناء الحكم عليه لابدّ ان يحقق مصلحة ما مع أن الشارع لم يقم على اعتباره أو إلغائه أيما دليل ، وسنطيل الوقوف عند هذا القسم في مبحث المصالح المرسلة ، إن شاء الله تعالى (30) .

2 ـ تقسيم الاجتهاد في العلة : ذكروا للاجتهاد في العلة أقساماً ثلاثة :

أ ـ تحقيق المناط :

وقد قسّمه المقدسي الى نوعين :

أولاهما : " أن تكون القاعدة الكلية متفقاً عليها أو منصوصاً عليها ، ويجتهد في تحقيقها في الفرع " (31) ، ومثل له بالاجتهاد في القبلة وهو معلوم بالنص ، والاجتهاد إنما يكون في تشخيص القبلة من بين الجهات ، وكذلك تعيين الامام ، والعدل ، ومقدار الكفايات في النفقات ونحوها .

ثانيهما : " ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع ، فيبين المجتهد وجودها في الفرع باجتهاده ، مثل قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الهرة ( انها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ) (32) جعل الطواف علة ، فيبين المجتهد باجتهاده وجود الطواف في الحشرات من الفأرة وغيرها ليلحقها بالهر في الطهارة ، فهذا قياس جلي قد أقرّ به جماعة ممن ينكر القياس " (33) .

والاول من النوعين موضع اتفاق المسلمين على الاخذ به ، إلا أن اعتباره من قبيل تحقيق المناط مما لا يعرف له وجه ، لانه لا يزيد على كونه اجتهاداً في مقام تشخيص صغريات موضوع الحكم الكبروي ، وليس هو اجتهاداً في تشخيص علة الاصل في الفرع لينتظم في هذا القسم ، فعده قسماً من تحقيق المناط لا يبدو له وجه ، ولقد استدرك بعد ذلك فنفى هذا القسم من تحقيق المناط عن القياس لان " هذا متفق عليه ، والقياس مختلف فيه " (34) والانسب تعليله بعدم انطباق مفهوم القياس عليه ، لان الاتفاق والاختلاف لا يغيّر من واقع الاشياء اذا كان مفهومها متسعاً له ، ثم علل سر الاتفاق عليه ـ فيما يبدو ـ بأن " هذا من ضرورة كل

شريعة ، لان التنصيص على عدالة كل شخص وقدر كفاية الاشخاص لا يوجد " (35) ; وكأن مراده أن جميع القضايا الشرعية إنما وردت على سبيل القضايا الحقيقية لا القضايا الخارجية ، فلا تتكفل تشخيص وتعيين موضوعاتها خارجاً ، وإنما يترك تشخيص الموضوعات الى المكلفين أنفسهم بالطرق والقواعد المجعولة من قبل الشارع لذلك ; ومن هنا قيل : ان القضية لا تعين موضوعها خارجاً اذا كانت قضية حقيقية ، فالدليل الذي يأمرك بالصلاة خلف العادل لا يعين لك أن فلاناً مثلاً عادل أو غير عادل وهذا من الواضحات .

ب ـ تنقيح المناط :

" وهو ان يضيف الشارع الحكم الى سببه فتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الاضافة فيجب حذفها عن الاعتبار ليتسع الحكم " (36) ، ومثلوا له بقصة الاعرابي الذي قال للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : " هلكت يا رسول الله ! فقال له : ما صنعت ؟ قال : وقعت على أهلي في نهار رمضان ; قال : اعتق رقبة " (37) حيث استفادوا عدم الخصوصية في كونه أعرابياً ، فألحقوا به جميع المكلفين ، ولا في كون المرأة التي وقع عليها أهلا له فألحقوا به الزنى ، ولا خصوصية لخصوص شهر رمضان الذي وقع فيه على أهله فألحقوا به جميع أشهر الصيام ، الى ما هنالك من الخصوصيات التي يعلم بعدم مدخليتها .

وهذه التعميمات وأمثالها مما تقتضيها مناسبة الحكم والموضوع ، وهناك تعميمات مظنونة وقعت موقع الخلاف ، كالقول بأن النكاح لا خصوصية له ، فلا بد ان يعمم الى كل مفطر ، وهي مبنية على حجية القياس المظنون .

ج ـ تخريج المناط :

" وهو ان ينص الشارع على حكم في محل دون ان يتعرض لمناط أصلاً " (38) كتحريمه الربا في البر فيعمم الى كل مكيل من طريق استنباط علته بدعوى استفادة أن العلة في التحريم هو كونه مكيلاً .

3 ـ تقسيم مسالك العلة :

ويراد بمسالك العلة الطرق المفضية اليها والكاشفة عنها ، وقد قسمها الغزالي الى قسمين : صحيحة وفاسدة ، ونظراً لارتباط أهم مباحث القياس وهو حجيته بها ، فان من الحق ان نطيل نسبياً في التحدث عنها تبعاً لمن سبقنا من الباحثين ، وإن كنا سنخالف الكثير منهم في نهج الحديث ابعاداً لما وقعوا فيه من تداخل بعض أقسامها في بعض ، وقد آثرنا نهج الغزالي في تقسيمها وان لم نقتفه في جملة ما جاء به من خصوصيات احتفاظاً بجدة ما جدَّ عليه من تنظيم .

لقد قسم الغزالي مسالك العلة الى قسمين : صحيحة وفاسدة .

المسالك الصحيحة : وقسم المسالك الصحيحة الى ثلاثة أقسام (39) :

أولاها : ما كانت العلة مدلولة للادلة اللفظية ، وينتظم في هذا القسم منها :

أ ـ ما كان دالاًّ عليها بالدلالة المطابقية أي دلالة اللفظ على تمام معناها كدلالة لفظ العلة ومشتقاتها ، ودلالة حروف التعليل كاللام والفاء وما شاكلهما مما نص اللغويون أو النحاة على وضعها لهذا المعنى أو استعمالها فيه مع توفر القرائن المعينة في المشترك منها ، أو الصارفة فيما استعمل فيها مجازاً على ان يفهم ـ نصاً أو إطلاقاً ـ استقلالها في العلية ، وعدم قصرها على موضوعها .

ب ـ ما كانت مدلولة بالدلالة الالتزامية ، وهي التي ينتقل الذهن فيها الى المعنى لمجرد سماعه اللفظ أي ما كان اللازم فيها بيّناً بالمعنى الاخص ويدخل ضمن هذا القسم :

1 ـ مفهوم الموافقة أو قياس الاولوية : وهو ما كان اقتضاء الجامع فيه للحكم بالفرع أقوى وأوكد منه في الاصل (40) ، ومثاله ما ورد في الكتاب من النهي عن التأفف من الوالدين ( ولا تقل لهما أفّ ) (41) القاضي بتحريم ضربهما ، وتوجيه الاهانة اليهما .

2 ـ مفهوم المخالفة : كمفاهيم الشرط والحصر والوصف والغاية بناء على ثبوتها المستلزم لثبوت الحجية لها ، شريطة ان يفهم أن العلة فيها مستقلة ومتعدية ليستفاد الاطراد منها ـ وهو الذي يهمنا في حديثنا هذا ـ وان كان استفادة نفي الحكم منها لا يحتاج الى اكثر من إثبات انحصارها في العلية ، وهو معنى ظهورها في مفهوم المخالفة .

3 ـ دلالة الاقتضاء : " وهي الدلالة المقصودة للمتكلم التي يتوقف صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً أو لغة عليها " (42) اذا كان المحذوف هو العلة ، واستكملت شرائطها بالقرائن ، ومثاله ان يسأل سائل ما عن علة جواز الصلاة خلف العالم العادل أهي العدالة ؟ فيجيبه الشارع بلى ، وعندها يستفاد تعميم الحكم الى كل عادل من هذا الجواب أخذاً بعموم العلة .

4 ـ دلالة الايماء والتنبيه : وهي الدلالة المقصودة للمتكلم أيضاً ، إلا أن الكلام لا يتوقف صدقه أو صحته عليها ، وانما يقطع أو يستبعد عدم إرادتها ، ومثالها قول الشارع مثلاً : طهر فمك لمن قال : شربت ماء متنجساً . مما يستكشف منه ان العلة في التطهير هو استعمال المتنجس وأنه منجس ولا خصوصية للفم .

ج ـ ان لا تكون مدلولة بالدلالة البينة بالمعنى الاخص ، بل بالدلالة غير البينة ، أو

البينة بالمعنى الاعم ، كأن تستفاد العلة المنحصرة المستقلة من الجمع بين دليلين أو أكثر ، ويسمى هذا النوع بدلالة الاشارة وتسميتها دلالة لا يخلو من مسامحة .

ولقد وقع الخلط والتداخل بين هذه الاقسام على ألسنة أكثر الباحثين ولا يهم الدخول في تفصيل ما دخلوا فيه ، لعدم ترتب ثمرات على ذلك .

ثانيها : الاجماع ، ولا يقع ذلك إلا اذا قام على معقد له معلل بعلة خاصة فهم منها الاطراد والاستقلال بالعلية ، أو قام الاجماع على نفس العلة المطردة المستقلة . يقول في القوانين المحكمة : " التعدي من قوله(عليه السلام) : ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) (43) الى وجوب غسل البدن والازالة عن المسجد والمأكول والمشروب وغيرها ، إنما هو لاجل استفادة ان علة وجوب الغسل عن الثوب هي النجاسة ، ودليله الاجماع فيجب الاحتراز عنه في كل ما يشترط فيه الطهارة " (44) .

ثالثها : إثباتها من طريق الاستنباط ، وهو أنواع أهمها :

أ ـ طريقة السبر والتقسيم ، ويراد بالسبر الاختبار ، وبالتقسيم استعراض الاوصاف التي تصلح ان تكون علة في الاصل وترديد العلة بينها .

" وخلاصة هذا المسلك ان المجتهد عليه ان يبحث في الاوصاف الموجودة في الاصل ، ويستبعد ما لا يصح ان يكون علة منها ، ويستبقي ما هو علة حسب رجحان ظنه ، وهاديه في الاستبعاد والاستبقاء تحقق شروط العلة بحيث لا يستبقي إلا وصفاً ظاهراً منضبطاً متعدياً مناسباً معتبراً بنوع من أنواع الاعتبار " (45) .

وفي هذا المسلك تتفاوت عقول المجتهدين في مجالات الاستنباط وتختلف اختلافاً كبيراً ، وعلى سبيل المثال نرى ان " الحنفية رأوا المناسب في تعليل التحريم في الاموال الربوية القدر مع اتحاد الجنس ، والشافعية رأوه الطعم مع اتحاد الجنس ،

والمالكية رأوه القوت والادخار مع اتحاد الجنس (46) .

ب ـ إثبات العلة بابداء مناسبتها للحكم ، كأن يقال ـ مثلاً ـ ان هذا الوصف في الاصل هو الذي يناسب ان يكون مظنة لتحقيق الحكمة من هذا الحكم وعليه فيجب ان يكون هو العلة ، وقد مضى منا الحديث في أقسام المناسب وتعيين ما يدخل منها في موضع النزاع من غيره فلا نعيده هنا .

هذا كله في المسالك التي اعتبرها الغزالي صحيحة ، أما المسالك الفاسدة فقد حصرها في ثلاثة (47) :

1 ـ أن يستدل على علة الاصل بسلامتها عن علة تعارضها وتقتضي نقيض حكمها بدعوى أن دليل صحتها هو انتفاء المفسد ، وقد رد هذا الدليل بإمكان قلبه فيقال عنه ان دليل فساده هو عدم الدليل على صحته ، إذ لا يكفي للصحة انتفاء المفسد ، بل لا بد من قيام الدليل على الصحة .

2 ـ ان يستدل على علية أحد الاوصاف باطراده مع الحكم ، ولكن مجرد الاطراد لا يكفي لاثبات عليته له لاحتمال ان يكون الوصف من لوازمها غير المنفكة عنها ، فقد يلزم الخمر ـ على سبيل المثال ـ لون أو طعم يقترن به التحريم ، مع أن العلة مثلاً هي الشدة .

3 ـ ان يستدل على العلية بالاطراد والانعكاس معاً ، وهذا كسابقه لا يدل على أكثر من الاقتران بالحكم وهو اعم من كونه علة له أو ملازماً مساوياً لها يدور معها وجوداً وعدماً ، وزيادة العكس على الاطراد لا يدل على أكثر من هذا المعنى .

واعتبار هذه المسالك من المسالك الفاسدة صحيح جداً اذا أريد اعتبارها طرقاً لاثبات العلة على نحو الجزم واليقين .

أما اذا اكتفي منها بإفادة الظن فإنكار ذلك لا يخلو من مصادرة ، وهذه

التشكيكات العقلية لا ترفع أكثر من اليقين ، ولا أقل من تحول النزاع فيها الى نزاع صغروي لا جدوى من تحريره .

والذي ينبغي ان يقال إن هذه المسالك كغيرها مما لا يفيد علماً من المسالك السابقة وبخاصة الاخير منها ، فإن قام عليها دليل بالخصوص كانت حجة ، وإلا فلا يمكن اعتمادها في ذلك .

حجية القياس : والحديث حول حجية القياس متشعب جداً بتشعب أقوالهم وتباينها ، وطبيعة البحث تدعونا الى ان نقف منها موقفاً لا يخلو من صبر وأناة نظراً لما يعطيه البحث من ثمار في مجالات استنباط الاحكام نفياً وإيجاباً ، وعمدة أحاديث القياس هو هذا الحديث .

ويكفي ان يطلع الانسان على أية موسوعة أصولية ليعرف مدى التشعب والتباين في الاراء .

فالغزالي وغيره ، نسبوا الى الشيعة ـ بقول مطلق ـ وبعض المعتزلة القول باستحالة التعبد بالقياس عقلاً (48) ، كما نسب المقدسي ذلك الى أهل الظاهر والنظام وقال : " وقد أومأ إليه أحمد(رحمه الله) ، فقال : يجتنب المتكلم في الفقه هذين الاصلين : المجمل والقياس ، وتأوله القاضي على قياس يخالف به نصّاً " (49) .

" وقال قوم في مقابلتهم يجب التعبد به عقلاً " (50) .

وذهب آخرون الى أنه " لا حكم للعقل فيه بإحالة ولا إيجاب ، ولكنه في مظنّة الجواز ، ثم اختلفوا في وقوعه فأنكر أهل الظاهر وقوعه بل ادعوا حظر الشرع له " (51) .

ولكن بعض الشافعية أوجبوا التعبد به شرعاً ، وإن لم يوجبوه من وجهة عقلية (52) .

والذي عليه أئمة المذاهب السنية وغيرهم من أعلام السنة (53) ، هو الجواز العقلي ووقوع التعبد الشرعي به كما هو فحوى أدلتهم التي سنعرضها ، وإن كان في استدلال بعضهم ما يوجبه عقلاً لو تمت أدلته العقلية .

ومن هذا العرض الموجز ، تدركون مدى اختلاف العلماء في نسبة بعض الاراء الى أصحابها ; فالمقدسي يعتبر أهل الظاهر من محيلي القياس عقلاً ، بينما يعتبرهم الغزالي من مجوزيه عقلاً ومانعيه شرعاً .

وربما كان سرّ اختلاف النسبة ، هو وقوف كل منهما على ما نسب اليهم من أدلة يشعر بعضها بالاحالة العقلية وبعضها بالحظر الشرعي ، فاستند الى ما وقف عليه ، وهذه الادلة ـ مجتمعة ـ معروضة في كتاب ابن حزم ( ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل ) ومقدمة كتابه ( المحلّى ) .

والشيء الذي لم أجده من هذه النسب ـ في حدود تتبعي ـ هو نسبة الاحالة العقلية ـ بقول مطلق ـ الى الشيعة ، وربما وجدوه في بعض كتب الاصول الشيعية كرأي لصاحب الكتاب ، فاعتبروه رأي مذهب بأجمعه .

ومن الاخطاء التي تكررت على ألسنة كثير من الباحثين هو نسبة رأي الى مجموع الشيعة لمجرد عثورهم على ذهاب مجتهد من مجتهديهم اليه ، ناسين أن الشيعة قد فتحوا على أنفسهم أبواب الاجتهاد فأصبح كل مجتهد له رأيه الخاص ولا يتحمل الاخرون تبعته .

نعم ، ما كان من ضروريات مذهبهم فإن الجميع يؤمنون به .

والشيء الذي لا أشكّ فيه ، هو ان المنع عن العمل بقسم من أقسام القياس يعد من ضروريات مذهبهم لتواتر أخبار أهل البيت في الردع عن العمل به (54) ، لا ان العقل هو الذي يمنع التعبّد به ويحيله ، ولذلك احتاجوا الى بذل جهد في توجيه ترك العمل به مع افادته للظن على تقدير تمامية مقدمات دليل الانسداد المقتضية للعمل

بمطلق الظن ، وسيأتي انها غير تامة ; فلو كانوا يؤمنون بالاحالة العقلية في العمل به لما احتاجوا الى ذلك التوجيه (55) .

وعلى أي فإن حجية القياس وعدمها تعود إلى ثلاثة أقوال رئيسة :

1 ـ قول بالاحالة العقلية .

2 ـ قول بالوجوب العقلي .

3 ـ قول بالامكان ، وهو ذو شقين إمكان مع القول بالوقوع ، والقول بعدمه ، فلا بد من التماس هذه الاقوال واستعراض أدلتها ، وبيان أوجه المفارقة فيها لو كانت .

الاحالة العقلية وأدلتها : والذين ذهبوا الى هذا القول لا تختص أدلتهم بالقياس ، بل تعم جميع الطرق والامارات الظنية لوحدة الملاك فيها .

وأهم ما يمكن ان يستدل لهم به ما سبق عرضه من الشبه حول جعل الاحكام الظاهرية من لزوم اجتماع المثلين أو النقيضين ، وقد سبق الجواب عليها في تقسيمات الحكم من هذا الكتاب (56) .

ولكن الامدي صور إشكالهم بصورة أخرى ، ودفعه على مبناه في التصويب ، يقول : " اذا اختلفت الاقيسة في نظر المجتهدين فإما أن يقال بأن كل مجتهد مصيب فيلزم منه ان يكون الشيء ونقيضه حقاً وهو محال ، وإما ان يقال بأن المصيب واحد وهو أيضاً محال فانه ليس تصويب أحد الظنين ، مع استوائهما دون الاخر أولى من العكس " (57) .

ثم دفع هذا الاشكال على مبناه في التصويب ، ورفع التناقض باختلاف الموضوع ، لان موضوع أحد الحكمين هو ظن أحد المجتهدين ، وموضوع الحكم الاخر هو ظن المجتهد الثاني ، ومع اختلاف الموضوع لا تناقض لاشتراطهم في امتناع اجتماع

النقيضين وحدة الموضوع بالاضافة الى الوحدات الاخر (58) .

وهذا الجواب صحيح بناء على صحة القول بالتصويب ، وستأتي مناقشتنا لهذا المبنى في مبحث الاجتهاد والتقليد ، أما على مبنى المخطئة القائلين بأن الاحكام تابعة لواقعها التي قد يصيبها أحد القائسين وقد لا يصيبها ، كما اذا كانت العلة في واقعها غير ما انتهينا اليها فإن الاشكال يحتاج الى جواب .

وأظن أن الجواب يتضح مما انتهينا اليه من إنكار جعل الاحكام الظاهرية ، وأن المجعول فيها ليس هو إلا المعذرية أو المنجزية ، ولا علاقة لها بإصابة الواقع وعدمها ليسلم لهم هذا الترديد ، وعلى فرض جعل الاحكام الظاهرية فهي مجعولة في طول الاحكام الواقعية ، ولا تدافع بينهما كما سبق إيضاحه في هذا الكتاب (59) .

واذا استثنينا من أدلتهم هذا الدليل ، فإن أكثرها لا يستحق ان يعرض ويجاب عليه .

الوجوب العقلي وأدلته : أما الموجبون له عقلاً فأدلتهم ـ لو تمت ـ فهي لا تشخص القياس ولا تعينه ، وسيأتي عرضها عند الاستدلال على حجية القياس من طريق العقل ، وإنما تشمل جميع الظنون ، وربما كان مفادها أقرب الى مفاد أدلة انسداد باب العلم .

أدلة الامكان والوقوع : والذي يستحق ان يطال فيه الكلام ، هو القول الثالث لما له من أهمية تشريعية واسعة ، والتحقيق فيه ان يقال : إن القياس في حدود ما انتهينا اليه من تعريفه وأنه ( مساواة محل لاخر في علة حكمه ) لا يقتضي ان يكون موضعاً لحديث حول حجيته وصحة استنباط الحكم الفرعي الكلي منه ، لان العلة التي أخذت في لسان الدليل إن أريد بها العلة الواقعية التامة للحكم ، استحال تخلف معلولها عنها في

الفرع لاستحالة تخلف المعلول عن العلة ، وإن أريد بها الوصف الظاهر المنضبط المناسب غير القاصر الذي أناط به الشارع حكمه وجعله أمارة عليه ، استحال تخلف الحكم في الفرع عنه أيضاً وإلا للزم الخلف لان معنى إناطته به وجوداً وعدماً عدم تخلفه عنه ; فإذا فرض إمكان التخلف ـ كما هو مفاد عدم الحجية ـ كان معناه عدم الاناطة ، وهو خلاف الفرض .

ولكن موضع الشبهة ومواقع التأمل إنما هو في استنباط الحكم من هذا الدليل لا في أصله ـ فيما نعتقد ـ وإن بدا التشكيك على ألسنة الكثير في ثبوت الحجية له نفسه ، والظاهر أن ذلك ناشئ إما من عدم تحديد مفهوم القياس ، أو من الخلط بين الدليل وعملية الاستنباط منه .

وعملية الاستنباط هذه موقوفة على تمامية مقدمتين :

أولاهما : معرفة العلة التي أناط بها الشارع حكمه في الاصل .

وثانيهما : معرفة توفرها في الفرع بكل شرائطها وقيودها ; وكلتا المقدمتين موقوفة على حجية الطرق والمسالك اليهما ، ومع إثبات الحجية لها وثبوت العلة بها فلا بد من استنباط حكم الفرع وإثباته بها .

ومسالك العلة التي سبق عرضها ، تنقسم الى قسمين : قطعية ، وغير قطعية ; وغير القطعية تنقسم الى قسمين : ما قام على اعتبارها دليل قطعي ، وما لم يقم .

وعلى هذا فالاقسام المتصورة ثلاثة :

1 ـ المسالك المقطوعة .

2 ـ المسالك غير المقطوعة ، ولكن قام عليها دليل قطعي .

3 ـ المسالك غير المقطوعة مع عدم قيام الدليل القطعي عليها .

ولكل منها حديث يقتضينا استيفاؤه بكل ما يتصل به نظراً لما يترتب عليه من ثمرات .

المسالك المقطوعة : وحجيتها أوضح من أن يقام عليها دليل ، لما سبق ان قلنا : من ان طريقية غير العلم لا بدّ وان تنتهي الى العلم ، وطريقية العلم ذاتية لا تقبل الرفع والوضع ، وقلنا : إن الحجية من لوازمه العقلية القهرية التي لا تقع تحت إرادة المشرّع وتشريعه ، فإذا صح هذا ، اتضح عدم إمكان تصرف الشارع في هذا القسم من القياس ، لان الحجية له من الامور العقلية التكوينية ـ إن صح هذا التعبير ـ وهي غير واقعة ضمن نطاق قدرته كمشرع وان وقعت ضمن نطاقها كمكون ; واذن لا بدّ من تأويل ما ورد من الردع عن الاخذ بالقياس حتى اذا أنهى الى القطع .

ولعل اجمل ما يمكن أن يذكر في هذا المجال من التوجيه ، هو ان الشارع وإن لم يمكنه التصرف في حجية العلم أو طريقيّته ، إلا أنه يمكنه التصرف بحكمه فيرفعه عن المكلف على تقدير المصادفة للواقع ، كأن يقول : إن أحكامي التي تنتهون اليها من طريق القياس لا أريدها منكم ولا أؤاخذكم على تركها ، وتكون أشبه بالاحكام التي يبدل واقعها اذا طرأ عليها عنوان ثانوي ، وذلك لما يعلم الشارع المقدس من كثرة تفويت الاقيسة لمصالح المكلفين وحرمانهم منها .

والذي يهوّن الامر أنه ليس في الادلة الرادعة عن الاخذ بالقياس ما هو صريح الردع عن هذا القسم من الاقيسة ، اللهم إلا ما يبدو من رواية أبان ، يقول أبان : " قلت لابي عبدالله : ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع امرأة ، كم فيها ؟ قال : عشرة من الابل ، قلت : قطع اثنين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع ثلاثاً ؟ قال : ثلاثون . قلت : قطع أربعاً ؟ قال : عشرون . قلت : سبحان الله ، يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن

بالعراق فنبرأ ممن قال ، ونقول : ان الذي قاله الشيطان ، فقال(عليه السلام) : مهلاً يا أبان ! هذا حكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إن المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية ، فاذا بلغت الثلث رجعت المرأة الى النصف ; يا أبان إنك أخذتني بالقياس ، والسنة إذا قيست محق الدين " (60) .

وقد ناقشها بعض أساتذتنا بمناقشات جد متينة ننقلها نصّاً من تقريرات بعض تلامذته : " وأما ما أفاده ـ يعني استاذه ـ من ثبوت المنع عن العمل بالقطع الحاصل من القياس لرواية أبان ، ففيه أولاً : أن رواية أبان ضعيفة السند (61) لا يمكن الاعتماد عليها ; وثانياً : أنه لا دلالة فيها على كونه قاطعاً بالحكم ، نعم يظهر منها أنه كان مطمئناً به ، ولذا قال : كنا نسمع ذلك بالكوفة ، ونقول : ان الذي جاء به شيطان ; وثالثاً : ليس فيها إشعار بالمنع عن العمل بالقطع ، وانما أزال الامام قطعه ببيان أن السنة إذا قيست محق الدين ، نعم ظهورها في المنع عن الغور في المقدمات العقلية لاستنباط الاحكام الشرعية غير قابل للانكار ، بل لا يبعد ان يقال : انه اذا حصل منها القطع وخالف الواقع ، ربما يعاقب على ذلك في بعض الوجوه " (62) .

وفي هذا القسم ـ أعني القياس المقطوع العلة ـ تنتظم بعض القياسات الجلية كقياس الاولوية ، وما يقطع به لمناسبة الحكم والموضوع كمثال الاعرابي السابق ، وما شابه ذلك من الاقيسة .

المسالك غير المقطوعة مع قيام الدليل القطعي عليها : وينتظم في هذا القسم كلما يرجع الى حجية الظواهر من المسالك السابقة ، أي ما كانت العلة فيها مستفادة من دليل لفظي سواء كانت مدلولة له بالدلالة المطابقية ، أم الدلالة الالتزامية .

وهذه المسألة تعد من صغريات مسألة حجية الظهور ، والادلة الدالة على حجية الظهور ـ والتي سبق عرضها ـ دالة عليها ، وحالها حال بقية الظهورات التي هي المستند في استنباط أكثر الاحكام الشرعية .

والحقيقة أن عدّها في مقابل السنة في غير موضعه ، فالانسب كما يقول الاستاذ خلاف وغيره : إبعادها عن مباحث القياس وإلحاقها بمباحث السنة (63) .

وكل ما وقع فيها من نقاش من بعض نفاة القياس أمثال السيد المرتضى (64) ، وابن حزم (65) ، إنما هو من قبيل النقاش في الصغرى ، أي إنكار الظهور لا التشكيك بحجيته بعد ثبوته .

وما يقال عن هذه المسالك ، يقال عن الاجماع المثبت للعلة بعد القول بحجيته ، وقد سبق الحديث عنها مفصلاً .

والاشكال الذي يرد على هذا القسم منه ، شمول الادلة الرادعة عن العمل بالقياس من قبل أهل البيت(عليهم السلام) له .

والادلة الرادعة عن العمل به على نوعين :

1 ـ نوع منها منصب على القياس المتعارف ، وهو الذي يلتمس فيه حكم الفرع من حكم الاصل لوحدة العلة فيهما ، ومفاد رواياته أن علل الاحكام لا تبلغ بالظنون ، وتنتظم في هذا النوع الكثير من احتجاجات الامام الصادق(عليه السلام)على أبي حنيفة (66) .

2 ـ والنوع الاخر منصب على القياس بالاصطلاح الثاني ، وهو الذي تتخيل فيه العلل للاحكام ، وتنزل النصوص عليها ; يقول ابن جميع : " دخلت على جعفر ابن محمد ، أنا وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، فقال لابن أبي ليلى : من هذا معك ؟ قال : هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين . قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه ، ـ إلى أن يقول والحديث طويل نقتصر منه على موضع الحاجة ـ : يا نعمان ، حدثني أبي عن

جدي : أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال : أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس ، قال الله تعالى له : اسجد لادم ، فقال : أنا خير منه ، خلقتني من نار وخلقته من طين ; فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس ، لانه اتبعه بالقياس " (67) . ثم قال له جعفر ـ كما في رواية ابن شبرمة ـ : " أيهما أعظم : قتل النفس أو الزنى ؟ قال : قتل النفس . قال : فإن الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ، ولم يقبل في الزنى إلا أربعة ، ثم قال : أيهما أعظم : الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة ; قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك " (68) .

هذه الرواية مع تتمتها منصبة على الردع عن نوعي القياس ، فمن استشهاده بقياس إبليس ـ وهو الذي تمرد على الامر بالسجود لانه على خلاف قياسه لتخيله أن الامر بالسجود يقتضي ان يبتنى على أساس التفاضل العنصري ، وخطّأ الحكم الشرعي على هذا الاساس لاعتقاده بأنه أفضل في عنصره من آدم لكونه مخلوقاً من نار وهو مخلوق من طين ـ أقول : من هذا الاستشهاد ندرك الردع عن النوع الثاني من القياس ، كما أن رواية أبان السابقة منصبة في ردعها على هذا النوع بقرينة تكذيبه للحديث ونسبة مضمونه الى الشيطان ، لانه ورد على خلاف قياسه ، وهذا النوع هو الذي يشكل الخطر على الدين لفسحه المجال للتلاعب بالشريعة ومسخ أحكامها باسم مخالفة القياس . ومن الطبيعي ان يقف منه أهل البيت(عليهم السلام) وبخاصة الامام الصادق(عليه السلام) الذي انتشر هذا النوع من القياس على عهده موقفهم المعروف ، والحق كما يقول الامام(عليه السلام) : ( ان السنة اذا قيست محق الدين ) وقد سبق أن قلنا في مبحث العقل : أن مسرحه في إدراك علل الاحكام محدود جداً ، ففتح الباب له على مصراعيه يشكل الخطر العظيم على الشريعة ، وهذا معنى قول الامام(عليه السلام) : ( إن دين الله لا يصاب بالعقول ) أي ما ثبت أنه دين

لا يمكن ان تدرك جميع علله العقول .

والشق الثاني من الرواية ـ ولعلها رواية أخرى ـ وهي التي تكفل ذكرها ابن شبرمة ، منصب على تعجيز العقل عن التعرف على علل الاحكام بعيداً عن الشرع كما يتضح من النقوض التي ذكرها الامام(عليه السلام)عليه ، وهو الذي يناسب القياس بالمعنى الاول ، ونظائر هذه الرواية كثيرة ، وهي معروضة في جلّ كتب الاصول الشيعية الباحثة عن القياس .

ونسبة ما دلّ على حجية الظواهر الى الادلة الرادعة عن النوعين معاً هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، لان الادلة الرادعة تشمل القياس المنصوص العلة ومستنبطها ، وأدلة حجية الظواهر تشمل القياس المنصوص العلة وغير القياس ، فمورد الاجتماع هو القياس المنصوص على علته ، ومقتضى القاعدة التعارض والتساقط فيه ثم الرجوع الى اصالة عدم الحجية ، لان الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها ، كما سبق القول فيه .

ولكن التعارض إنما يتم اذا لم يمكن الاخذ بالدليلين معاً وتم تدافعهما في مورد الاجتماع ، أما اذا أمكن الاخذ بهما فلا مجال للتعارض والتساقط .

والذي أعتقده أنه لا تدافع بين هذين النوعين من الادلة ، لان القياس المنصوص العلة إن قلنا بأنه ليس بقياس ، كما ذهب الى ذلك كثير من الاعلام ، كان خارجاً عن موضوع الادلة الرادعة عنه على نحو التخصص .

وإن قلنا إنه من القياس فلا بد من صرف الادلة الرادعة إلى غيره ; بل لا يمكن أن تكون متناولة له كما يدل على ذلك ما في بعضها من التعليل بأن دين الله لا يصاب بالعقول ، إذ مع فرض كون العلة مستفادة من النص لظهوره فيها ، يكون المشرع هو الذي دل عليها لا ان العقول أصابتها بمنأى عنه ، كما أن ما في بعضها الاخر من القول بأن " السنة اذا قيست محق الدين " ظاهر في ذلك ، إذ لا معنى لئن تمحق

السنة نفسها ، إذ المفروض أنها هي التي صرحت بالعلل أو كانت ظاهرة فيها ، فلا بد أن تكون واردة في خصوص ما لم تدلنا هي على علله ، بل كان الدليل عليها هو عقولنا التي اثبتت لها هذه الروايات في الجملة العجز والقصور .

المسالك التي لم يقم عليها دليل قطعي : وهي المسالك الى العلة من طريق الاستنباط بوسائله التي عرضناها سابقاً كالسبر ، والتقسيم ، وإثبات المناسبة ، وسلامة العلة عن النقيض ، واطراد العلة ، واطرادها وانعكاسها ، الى غيرها من المسالك التي لا تفيد غير الظن على أكثر التقادير .

والظن كما سبق شرحه مراراً ، ليست طريقيته ذاتية لنقصان الكشف فيه ، كما ان حجيته ليست من اللوازم العقلية القهرية التي لا تحتاج الى جعل من قبل الشارع ، ولذلك احتجنا الى الاستدلال عليه بالادلة القطعية ـ شرعية كانت أو عقلية ـ وهذه الادلة ان تمّت أخذنا بها ، وإلا فحسبنا من القطع بعدم الحجية عدم ثبوتها ، والشك وحده فيها كاف للقطع بعدمها .

ولهذا ، لا ترانا بحاجة الى التماس أدلة على النفي ، بل لا نحتاج الى عرض الادلة التي ذكرها النافون ، بما فيها الادلة الرادعة وتقييمها وبيان مقدار صلوحها للدلالة ، اللهم إلا إذا تمت أدلة حجية هذا القسم من القياس ، فاننا محتاجون الى فحصها ومعرفة مدى صلوحها لمعارضة الادلة المثبتة .

والادلة التي ذكرها المثبتون لهذا النوع من القياس كثيرة نعرض نماذج من كل قسم منها ، ويعرف حساب الباقي من هذه النماذج ، وسنختار أقواها وأظهرها في الدلالة .

وهذه الادلة تعتمد الادلة الاربعة : الكتاب ، السنّة ، الاجماع ، العقل .

أدلتهم من الكتاب : وقد استدلوا من الكتاب بعدة آيات هي :

1 ـ قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) (69) .

وخير ما تقرب به دلالة هذه الاية : ان القياس بعد استنباط علته بالطرق الظنية من الكتاب والسنة ، يكون ردّاً إلى الله والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع اليهما بهذه الاية ، ومعناه اننا مأمورون بالرجوع الى القياس عند التنازع ، وليس معنى الامر بذلك إلا جعل الحجية له .

وهذا التقريب منتزع من مختلف الصور المعروضة لدى المثبتين في توجيهها مع إكمال نقص بعضها ببعض .

ولكن هذا التوجيه لم يتضح بعد لما أورد أو يرد عليه من مؤاخذات وهي :

أ ـ ان دلالة الاية متوقفة على أن يكون القياس الظني ردّاً الى الله والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا الى هذه الاية ونظائرها لاثبات كونه رداً .

والمقياس في الرد وعدمه قيام الدليل عليه ، فإن كان هذه الاية لزم الدور بداهة أن دلالتها على حجية القياس المظنون موقوفة على كونه رداً ، وكونه رداً موقوف على دلالتها على حجيته ; على أن القضية لا تثبت موضوعها بالضرورة . وإن كان الدال على كونه رداً غير هذه الاية تحول الحديث الى حجيته ، ومع قيامها لا نحتاج الى الاستدلال بهذه الاية .

ب ـ ومع الغضّ عن هذه المناقشة ، فالاية إنما وردت في التنازع والرجوع الى الله

والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أن الرجوع الى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً لاختلاف الظنون ، بل الرجوع الى الكتاب والسنة ، كذلك لما يقع فيه المتنازعون عادة من الاختلاف في فهم النصوص ; ومن هنا رأينا أعاظم العلماء والصحابة يختلفون في فتاواهم مع وحدة مصادرهم ; واذن فلا بد ان يكون المراد من الاية هو تشريع الرجوع في مقام التخاصم الى الرسول باعتباره منصوباً من الله عز وجل ، ومن ينصبه الرسول من أولي الامر لفض خصوماتهم ، أي الى أشخاص القائمين بالحكم بأمر الله ، أو قل الى أشخاص الولاة ومن يعينونهم لفض الخصومات .

ومن هنا أعطي لحكم الحاكم أهمية كبرى في الاسلام ، حتى جعل الرادّ عليه رادّاً على الله ، وهو على حد الشرك بالله كما طفحت بذلك كثير من الروايات (70) .

وعلى هذا ، فالاية أجنبية عن جعل الحجية لاي مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع الى من له حق القضاء والحكم باسم الاسلام لفض الخصومات .

ج ـ ومع تناسي هذه الناحية والتي قبلها ، فان الاية لا تدل على حجية القياس بقول مطلق إلا بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها الى مقام الافتاء والعمل الشخصي ، لا يتم إلا من طريق السبر والتقسيم أو غيره ; وإذن يكون ظهور الاية في حجية القياس مطلقاً موقوفاً على حجية القياس ، فإذا كانت حجية القياس موقوفة على هذا الظهور لزم الدور .

2 ـ قوله تعالى : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أُولي الابصار ) (71) .

وموضع الدلالة منها كلمة " اعتبروا " الظاهرة في جعل الوجوب للاعتبار ، وقد اختلفت كلمتهم في المراد من الاعتبار ، فقال بعضهم : إن المرادمنه الاتعاظ ; وقيل كما ـ عن ابن حزم ـ : إن معناه التعجب ; وقيل : إنه مأخوذ من العبور والمجاوزة ، والذي يرتبط بالقياس هو المعنى الاخير بدعوى ان في القياس عبوراً من حكم الاصل ومجاوزة عنه الى حكم الفرع ; فاذا كنا مأمورين بالاعتبار فقد أمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجيته ، بل حتى لو أريد من الاية الامر بالاتعاظ وقلنا : ان المراد من الاعتبار هو هذا المعنى ، فالاية ـ فيما يرى خلاف ـ ظاهرة في جعل الحجية للقياس لانها " تقرير لان سنة الله في خلقه أن ما جرى على النظير يجري على نظيره " (72) .

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتضح لها وجه وذلك :

أ ـ لان إثبات الحجية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية ، موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان هو أننا لو صرحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مرادا لصاحبه ، فلو قال الشارع : أحلّ الله البيع ، وأردنا ان نصرح بمختلف البيوع بدلاً من الاطلاق لساغ الكلام ، وليس ما يمنع من ذلك إلا التطويل كأن نقول : أحلّ الله البيع العقدي والبيع المعاطاتي ، وهكذا حتى نستوفي جميع انواع البيوع ...

واذا صح هذا المقياس عدنا الى الاية لنرى هل ان سياقها يتسع لهذا النوع من التفصيل كأن نقول : وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فقيسوا يا أولي الابصار أنفسكم عليهم ; والنبيذ على الخمر ، والضرب على التأفف ، والذرة على البر في الربا ، وهكذا أمثال هذا مما يسيغه كلام عربي لتصح نسبة مدلوله الى قائله ؟

ومن هنا يعلم ان الاية ليست واردة لبيان هذا المعنى ، فلا يسوغ الاستدلال بها عليه .

ب ـ ومع التنزل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها إلا أنها واردة لجعل الحجية لاصل القياس كدليل ، وأصل القياس لا ينبغي ان يكون موضعاً لنقاش جذري لما سبق أن قلنا : من أن حجيته يقتضي ان تكون من الضروريات العقلية ، وإنما الخلاف الجذري في الطرق والمسالك الكاشفة عن توفر العلة في الاصل والفرع .

والدليل الوارد لجعل الحجية لاصل الدليل لا يتعرض الى طرق إثباته ، فكما أن الادلة الدالة على أن السنة النبوية من مصادر التشريع لا تتكفل جعل الحجية لخبر الواحد الحاكي لها ، بل نحتاج في الاستدلال عليه الى أدلة أخرى ، فكذلك هنا .

3 ـ قوله تعالى : ( قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) (73) .

وقد قرب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : " إن الله عز وجل ، استدل بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإن الله عز وجل قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدء خلقها وإنشائها أول مرّة ، لاقناع الجاحدين بأن من قدر على بدء خلق الشيء قادر على ان يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجية القياس وصحة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسيات ، ولكنه يدل على أن النظير ونظيره يتساويان " (74) .

والجواب على هذا التقريب :

أ ـ ان هذه الاية لو كانت واردة لبيان الاقرار على حجية القياس ، لصح ان يعقب بمضمون هذا الاقرار ، ولسلم الكلام ، كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أول مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر ، والذرة على البر ، ولكم بعد ذلك ان تقدروا قيمة هذا

النوع من الكلام ـ لو صدر ـ من وجهة بلاغية ، وهل يتسع هذا النوع من الكلام لمثله ؟

ب ـ ولو سلم ذلك ـ جدلاً ـ فالاية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجية لاصل القياس لا لمالكه ، والدليل الذي يتكفل حجية الاصل لا يتكفل بيان ما يتحقق به كما سبق تقريبه .

ج ـ ولو سلمنا أيضاً دلالته على حجية مسالكه ، فهي لا تدل عليها بقول مطلق إلا بضرب من القياس ، لان الاية إنما وردت في قياس الامور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها الى الامور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره فيلزم الدور ; وقول خلاف : " إنها تدل على أن النظير ونظيره يتساويان " غير صحيح على إطلاقه ، إذ غاية ما تدل عليه هي مساواة النظير للنظير في الامور التكوينية ، فتعميمها للغير لا يتم إلا بضرب من القياس الظني .

4 ـ قوله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم )(75) ; وهي التي استدل بها الشافعي على حجيته حيث قال : " فهذا تمثيل الشيء بعدله وقال : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكل ذلك الى اجتهادنا ورأينا ، وأمر بالتوجّه الى القبلة بالاستدلال ، وقال : ( وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره ) (76) . انتهى " (77) .

والجواب : إن الشارع وان ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلا أنه على وفق ما جعل لها الشارع أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظني من هذه الطرق كالبينة هو موضوع الخلاف ، والاية أجنبية عن إثباته .

ثم ان عد تشخيص صغريات الموضوع أو المتعلق من القياس لو أراد الشافعي ذلك في كلامه ، لا يعرف له وجه ، لان القياس بجميع تعاريفه لا ينطبق عليه ، فتشخيص ان هذا مثل أو ان هذه قبلة بالطرق الاجتهادية انما هو من تحقيق المناط

بمعناه الاول ، وقد قلنا : انه ليس بقياس بالبرهان الذي سبق أن ذكرناه .

5 ـ قوله تعالى : ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان ) (78) ; وقد استدل بها ابن تيميّة على القياس بتقريب " ان العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الاية " (79) وقد أجاب عنه الشوكاني : " بمنع كون الاية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلمنا لكان ذلك في الاقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها لا في الاقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة " (80) .

والانسب ان يقال : ان هذه لو تمت دلالتها على الامر بالقياس بما أنه عدل فهي إنما تدل على أصل القياس لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل بالطرق السالفة .

وهذه المؤاخذات كلاًّ أو بعضاً واردة على كل ما استدل به من الايات من أمثال : ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) (81) ، ( ولو ردّوه الى الرسول والى أولي الامر منهم ) (82) ، فلا نطيل الكلام بعرض ما ذكروه لها من كيفيات الاستدلال والمناقشة ، وهي تتضح من جملة ما عرضناه في أجوبة الاستدلال بهذه الايات .

أدلتهم من السنة : أما ما استدل به من السنة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثل :

اولاهما : بحديث معاذ بن جبل وما يعود اليه من الاحاديث ، ونظراً لما أعطاه مثبتو القياس من أهمية لهذا الحديث ، فإننا سنحاول ان نطيل التحدث فيه نسبياً .

والحديث كما رواه " أحمد (83) ، وأبو داود (84) ، والترمذي (85) ، وغيرهم ، من حديث الحارث بن عمر بن أخي المغيرة بن شعبة ، قال : حدثنا ناس من أصحاب معاذ عن معاذ قال : لما بعثه(صلى الله عليه وآله وسلم) الى اليمن ، قال : كيف تقضي اذا عرض لك قضاء ؟

قال : أقضي بكتاب الله ; قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله ; قال : فان لم تجد في سنة رسول الله ، ولا في كتاب الله ؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو ; قال فضرب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صدره ، وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله " (86) .

وخير ما يقرب به هذا الحديث ـ من وجهة دلالية ـ أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أقر الاجتهاد بالرأي في طول النص بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل باطلاقه للقياس ، ويرد على الاستدلال بالرواية :

1 ـ انها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصوا على أنه مجهول وباغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ .

" قال في عون المعبود : وهذا الحديث أورده الجوزقاني في الموضوعات وقال : هذا حديث باطل رواه جماعة عن شعبة ، وقد تصفحت هذا الحديث في أسانيد الكبار والصغار ، وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه ، فلم أجد له طريقاً غير هذا ، والحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة مجهول ، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون ; ومثل هذا الاسناد لا يعتمد عليه في أصل الشريعة ، فان قيل : ان الفقهاء قاطبة أوردوه واعتمدوا عليه ، قيل : هذا طريقه والخلف قلد فيه السلف ، فان أظهروا طريقاً غير هذا مما يثبت عند أهل النقل رجعنا الى قولهم ، وهذا مما لا يمكنهم البتة " (87) .

وما أدري مَنْ مِنَ السلف تلقاه بالقبول غير مثبتي القياس ؟! وهم لا يصلحون لتقوية حديث هذا سنده لكونهم من المتأخرين ، وأخذهم به لا يكشف عن قوة في سنده خفيت علينا عادة وبخاصة وقد أوردوه كغيره من الاحاديث دليلاً على الاخذ بالقياس ، فلو كان مجرد أخذهم به يوجب تقويته له ، لكان حال ما أخذوا به من الاحاديث الضعيفة حاله في التقوية وهو ما لم يدّعوه لها على الاطلاق .

2 ـ إن هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سبق لاثباته ، وذلك :

أ ـ لان إقرار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ ـ لو صحّت الرواية ـ ربما كان لخصوصية يعرفها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه تبعده عن الوقوع في الخطأ ومجانبة الواقع ، وإلا لما خوله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي ، ومن عدم الاستفصال والاستفسار عن أقسام الرأي التي يستعملها في مجالات اجتهاده مع كثرة ما في هذه الاقسام من الاراء التي سلم عدم حجيتها حتى من قبل القائلين بالقياس ندرك هذه الخصوصية ولا أقل من احتمالها .

ومع هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال به إلا بعد دفع الخصوصية ، وهي لا تدفع إلا بضرب من القياس الظني ، ولزوم الدور به في هذا النوع من الاستدلال واضح بداهة ان دلالة الحديث تكون موقوفة على حجية هذا النوع من القياس ، فاذا كانت حجية هذا النوع من القياس موقوفة عليها لزم الدور .

ب ـ ان هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختص باب القضاء بأحكام لا تسري الى عالم الافتاء ، لما تقتضيه لوازم فض الخصومات من استعمال بعض العناوين الثانوية أحياناً ، فتعميمه الى عوالم الافتاء والعمل الشخصي للمجتهد موقوف على إلغاء هذه الفوارق ولا يكون إلامن طريق السبر والتقسيم ، أو غيرها من مسالك العلة المظنونة ، فيلزم الدور أيضاً بنفس التقريب السابق .

ج ـ إننا نعلم ومعنا مثبتو القياس أن هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي (88) ، ولا أقل من تخصيصه بخروج الاراء الفاسدة جمعاً بين هذه الادلة ـ على طريقة أخذ بعضهم بالجموع التبرعية ـ أو أخذاً بالضرورة من أن هذا الحديث لم يبق على عمومه ، بالنسبة الى كل رأي .

فإذا علمنا بأن عندنا نوعين من الرأي أحدهما فاسد ، وهو المردوع عنه ، والاخر صحيح ، وهو الذي أقر عليه معاذ ، فمع الشك بحجية القياس الظني ـ والمفروض

أننا شاكّون ، ولذلك احتجنا الى هذه الادلة ـ لا يصح الرجوع فيها الى هذا الحديث ، وإلا لزم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بداهة أن الحكم في القضايا الحقيقية لا يمكن أن يثبت موضوعه ، فالدليل الدالّ على حجية الرأي الصحيح لا يشخص لك أن هذا الرأي صحيح بل عليك بتشخيصه من الخارج وتطبيق الحكم عليه ; وإذن فالقياس الظني لا يكون مدلولاً للحديث حتى يثبت من الخارج أنه من القياس الصحيح ، ومع اثباته لا نحتاج بعد الى هذا الحديث لنتمسك به كدليل على الحجية .

وقد تكون أصرح من هذه الرواية ما أثر عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال لمعاذ وأبي موسى الاشعري : " بم تقضيان ؟ فقالا : إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا السنة ، قسنا الامر بالامر ، فما كان أقرب الى الحق عملنا به " (89) ، " حيث صرّحوا بالقياس والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أقرهما عليه ، فكان حجة " (90) .

ولكن هذه الرواية ـ بالاضافة الى ضعفها سندا ، وعدم طبعيتها في صدور الجواب المشترك عنهما بلسان واحد في آن واحد ـ وكأنهما كانا على اتفاق مسبق بالنسبة له ـ يرد عليها الاشكالان السابقان على رواية معاذ من لزوم الدور فيهما لتوقفهما على دفع احتمال الخصوصية فيهما من ناحية ، ودفع احتمال خصوصية القضاء من ناحية ثانية بطريق القياس الظني .

ومع الغضّ عن ذلك وافتراض تماميتها ، فإن مقتضى لسانها جعل الحجية لاصل القياس لا لمسالكه المظنونة التي هي موضع النزاع .

وقد قلنا فيما سبق : ان الدليل الدالّ على أصل الشيء لا يدل بنفسه على الطرق المثبتة له .

ثانيهما : ما ورد من الاحاديث المشعر بعضها باستعمال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) للقياس ، وبما أن عمله حجة باعتباره سنة واجبة الاتباع ، فان هذه الطائفة من الاحاديث دالة

على حجية القياس .

والاحاديث التي ذكروها كثيرة ، نجتزئ بذكر بعضها ، ثم نعقب عليها بما يصلح ان يكون جواباً عن الجميع .

منها : حديث الجارية الخثعمية أنها قالت : " يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الحج شيخاً زمناً لا يستطيع ان يحج ، إن حججت عنه أينفعه ذلك ؟ فقال لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك ؟ قالت : نعم ; قال : فدين الله أحقّ بالقضاء " (91) .

ووجه الاحتجاج به كما قربه الامدي " انه ألحق دين الله بدين الادمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس " (92) .

ومنها : الحديث الذي جاء فيه " انه قال لام سلمة وقد سئلت عن قبلة الصائم : هل أخبرته أني أقبّل وأنا صائم " (93) وإنما ذكر ذلك فيما يقول الامدي تنبيهاً على قياس غيره عليه .

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : " أينقص الرطب اذا يبس ؟ فقالوا : نعم ; فقال : فلا إذن " (94) .

والجواب على هذه الاحاديث ككل ومعها غيرها مما لم نذكره من أحاديث الباب :

1 ـ إن هذه الاحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها جعل الحجية لمثل أقيسته(صلى الله عليه وآله وسلم) مما كان معلوم العلة لديه كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الاحكام .

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفر إلا عند العلم بالعلة في الفرع ، على ان نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أما اذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرفاته على خصوص ما يتلقاه من الوحي ( ان هو إلا

وحي يوحى ) (95) فتشبيه قياساتنا بقياساته وإثبات الحجية لها على هذا الاساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه بقوله : " يا أيها الناس ، ان الرأي إنما كان من رسول الله مصيباً ، لان الله كان يريه ، وإنما هو منا الرأي والتكلف " (96) .

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم الى قياساتنا المظنونة ؟ أليست صحة هذه التسرية اليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف ؟

والقياس المعلومة علته تعبّداً أو وجداناً مما لا ينبغي أن يكون موضعاً لخلاف ، كما سبق الحديث فيه .

2 ـ إن هذه الانواع من الاحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمه الاول ، أي تطبيق الكبرى على صغراها .

فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : " كل دين يقضى " هي في واقعها أعم من ديون الله وديون الادميين ، وقد طبقها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على دين الله لابيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح ؟ على أنّا لو سلمنا أنه منه ، فهو من قبيل قياس الاولوية بقرينة قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : " فدين الله أحق " ، أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس موضع النزاع في شيء كما مرّ تحقيقه .

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقح(صلى الله عليه وآله وسلم) بسؤاله صغرى لكبرى كلية ، وهي كلما ينقص لا يجوز بيعه ـ لو أمكن نسبة الجهل بالموضوعات اليه لتصحيح مثل هذا السؤال منه ـ اللهم إلا أن يكون سؤاله هذا من قبيل ما نبّه عليه الشاعر :

وكـم سائل عـن أمـره وهـو عالـم

والرواية الثانية ، لا أعرف كيف أقحمت في هذا المجال مع انها صريحة ـ بحكم ما

فيها من استفسار وسؤال لام سلمة ـ في ورودها لتنبيهها على لزوم ذكر السنّة النبوية لامثال هذه السائلة لتأخذ بها ، والاخذ بالسنة ليس من القياس في شيء ، على أن لسان الرواية يأبى نسبة مضمونها الى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود الى شؤونه وعوالمه الخاصة مع نسائه ، وحسبه من تبليغ الحكم غير هذه الطريق .

استدلالهم بالاجماع : والاجماع المحكي هنا هو إجماع الصحابة ، وقد اعتبره الامدي(97) أقوى أدلتهم ، وكذلك جملة من الاعلام " قال ابن عقيل الحنبلي : وقد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعماله وهو قطعي ، وقال الصفي الهندي : دليل الاجماع هو المعول عليه لجماهير المحققين من الاصوليين ; وقال الرازي في المحصول : مسلك الاجماع هو الذي عول عليه جمهور الاصوليين " (98) ، وأمثال هؤلاء في التصريح بأهمية الاستدلال به ، كثيرون .

وتقريب الاستدلال به هو : " أن الصحابة اتفقوا على استعمال القياس في الوقائع التي لا نصّ فيها من غير نكير من احد منهم " (99) .

وتوجيه اتفاقهم ـ مع أنه لم ينقل ذلك عنهم تاريخياً ـ هو أن آحاداً منهم ، افتوا استناداً الى القياس ، وسكت الباقون فلم ينكروا عليهم ، وسكوتهم يكوّن إجماعاً ، أو ان بعضهم صرح بالاخذ بالرأي من دون إنكار عليه ، ومن ذلك قول أبي بكر في الكلالة : " أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وان يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه " (100) .

ومنه : " حكم أبي بكر بالرأي في التسوية في العطاء ، حتى قال له : كيف تجعل من ترك دياره وأمواله وهاجر الى رسول الله كمن دخل في الاسلام كرهاً ؟ فقال أبو بكر : إنما أسلموا لله ، وأجورهم على الله ، وإنما الدنيا بلاغ ، وحيث انتهت النوبة

الى عمر فرق بينهم " (101) .

ومنه قول عمر : " أقضي في الجد برأيي ، وأقول منه برأيي " (102) .

وعن ابن مسعود(رضي الله عنه) : " سأقول فيها بجهد رأيي ، فإن كان صواباً فمن الله وحده ، وان كان خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريء " (103) .

ولم يرد في رواية عن أحدهم لفظ الاخذ بالقياس إلا نادراً ، كقول عمر في رسالته الى أبي موسى الاشعري : " اعرف الاشباه والامثال وقس الامور " (104) .

وهي رسالة قال عنها ابن حزم : إنها موضوعة مكذوبة عليه ، وراويها " عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه ، وهو ساقط بلا خلاف ، وأبوه أسقط منه ، أو من هو مثله في السقوط " (105) .

والنقاش في هذا الاجماع واقع صغرى وكبرى ; أما الصغرى فبإنكار وجود مثله عادة لان مثل هذه الروايات ـ لو تمت دلالتها على القياس ـ فإنما هي صادرة من أفراد من الصحابة امام أفراد ، فكيف اجتمع عليها الباقون منهم ، واتفقوا على فحواها ؟ ولعل الكثير منهم لم يكن في المدينة عند صدورها .

ومن المعلوم ان ميادين الجهاد والبلدان المفتوحة والثغور وغيرها ، أخذت كثيراً من الصحابة ولاة وعمالاً وجنداً وقادة ، فكيف عرف اتفاقهم على هذه المضامين حتى كونوا إجماعاً ، ومن هو الجامع لكلمتهم ؟ وما يدرينا ان بعضهم سمع بشأن هذه الاحكام وأنكرها ولم يصل الينا ؟ ومجرد عدم العلم بإنكاره لعدم النقل لا يخلق لنا علماً بالعدم ، وهو الذي يفيدنا في الاجماع لتصحيح نسبة السكوت اليهم المستلزم للاطلاع وعدم الانكار .

وأما المناقشة من حيث الكبرى ، فبالمنع من حجية مثل هذا الاجماع ، وذلك لامور :

1 ـ ان السكوت ـ لو شكل إجماعاً ـ لا يدل على الموافقة على المصدر الذي كان قد

اعتمده المفتي أو الحاكم بفتياه أو حكمه ، وبخاصة اذا كان هو نفسه غير جازم بسلامة مصدره ، كقول أبي بكر السابق : " أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان " . وكذلك قول ابن مسعود المتقدم ، إذ لو كانا عالمين بسلامة مصدرهما وصحته لقيام الدليل القطعي على حجيته لديهما ، لما صحّ نسبة استنادهما عليه حتى مع الخطأ الى الشيطان .

وأصرح من ذلك ما ذكره عمر في هذا المجال حيث قال : " اتهموا الرأي على الدين ، فلقد رأيتني وإني لارد أمر رسول الله برأيي أجتهد ولا آلو وذلك يوم ابي جندل والكتاب يكتب ، فقال رسول الله : اكتبوا باسم الله الرحمن الرحيم ; فقال : تكتب باسمك اللهم ، فرضي رسول الله وأبيت ; فقال : يا عمر تراني قد رضيت وتأبى " (106) .

على أن منشأ السكوت قد يكون هو المجاملة أو الخوف أو الجهل بالمصدر ، فدفع هذه المحتملات وتعيين الايمان بالمصدر وهو حجية الرأي من بينها لا يتم إلا بضرب من القياس المستند الى السبر والتقسيم أو غيره من مسالك العلة ، وهو موضع الخلاف ، ولا يمكن إثباته بالاجماع للزوم الدور بنفس ما مر من التقريب في نظائره من الادلة السابقة .

2 ـ ان هذا الاجماع معارض ـ لو تم ـ بإجماع مماثل على الخلاف ادعاه بعضهم(107) ، ويمكن تقريبه بمثل ما قربوا به ذلك الاجماع من أن الصحابة أنكروا على العاملين بالرأي والقياس ، أمثال قول أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) : " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه " (108) .

وفي رواية أخرى " لو كان الدين بالقياس لكان المسح على باطن الخف أولى من ظاهره " (109) .

وقول ابن مسعود : " إذا قلتم في دينكم بالقياس أحللتم كثيراً مما حرّم الله ،

وحرمتم كثيراً مما حلل الله " (110) .

وقول ابن عباس : " إياكم والمقاييس ، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس " (111) ، الى عشرات من أمثالها من الروايات ، وهي معروضة في كتاب أعلام الموقعين ، وكتاب إبطال القياس ، وغيرهما من الكتب التي عنيت بالاضافة في أمثال هذه المواضيع . وسكوت الصحابة بنفس تقريبهم السابق يكوّن إجماعاً على إبطاله .

وقد حاول غير واحد من مثبتي القياس ان يوفقوا بين هذه المضامين وسابقاتها بحمل هذا النوع من الروايات النافية " على ما كان من ذلك صادراً عن الجهال ، ومن ليس له رتبة الاجتهاد ، وما كان مخالفاً للنص ، وما كان ليس له أصل يشهد بالاعتبار ، وما كان على خلاف القواعد الشرعية ، وما استعمل من ذلك فيما تعبّدنا فيه بالعلم دون الظن جمعاً بين النقلين " (112) .

وهذه الجموع كلها جموع تبرعية ، لا تعتمد على ظهور عرفي يقتضيها ، وكل جمع لا يقتضيه الظاهر لا يسوغ الرجوع اليه ، وإلا لما تعذر جمع بين أمرين مختلفين ، فإذا ورد ـ مثلاً ـ حديث يأمر بوجوب الصلاة وآخر يحرمها ، فإن لنا ان نجمع بينهما ـ على هذا المبنى ـ بحمل الامر على خصوص الصلاة في الليل ، والدليل المحرّم على خصوص الصلاة في النهار ، أو حمل إحداهما على صلاة الشاب ، والاخرى على صلاة الشيخ ، وهكذا ...

والحق أن الجمع بين الادلة ـ اذا لم يكن له ظاهر من نفس الادلة أو ما يحيط بها من أجواء وملابسات ـ لا يسوغ الركون اليه .

ومجرد كونها منقولة عمن نقلنا عنهم القول بالرأي والقياس ، لا يستدعي هذا النوع من الجموع . والقاعدة تقتضي الحكم بالتساقط عند تحكم المعارضة .

ودعوى ـ أن الشخص لا يتناقض مع نفسه ، فيذهب الى القياس تارة والى عدمه

أخرى ولازمها المدعى تكذيب الطائفة الثانية من الاحاديث ـ بعيدة عن تفهم طبيعة الاجتهاد ، وما أكثر ما تتبدل آراء المجتهدين فيعدلوا عن فتاوى سبق لهم فيها رأي .

وما الذي يمنع من وقوع ذلك من الصحابة مع الايمان بعدم عصمتهم ؟ بل إن مقتضى العدالة ان ينبهوا على أخطائهم بعد تبين وجه الخطأ فيها لئلا يتكرر وقوع خطأ العاملين بها من أتباعهم .

على أن بعض هذه الروايات صريحة في تسجيل الخطأ على أنفسهم لعملهم بالرأي كما سبق في رواية عمر " اتهموا الرأي على الدين " .

ومن تتبع هذه الفتاوى التي يبدو أن أصحابها عملوا فيها بالرأي ، يجد الكثير منها جارياً على خلاف النصوص لا ضمن إطارها (113) كما يراد حملها عليه من قبل بعض المؤلفين .

ومع إمكان وقوع الاختلاف منهم والتناقض مع أنفسهم لا ملجأ لتكذيب احدى الطائفتين ، على أن تكذيب إحداهما ليس بأولى من تكذيب الثانية للزوم الترجيح بلا مرجح ، وما ذكر من المرجحات لا يصلح لذلك كما سبق بيانه .

3 ـ ومع الغضّ عن تحكم المعارضة والاخذ بما ذكروه من الجمع بينها وبين الطائفة الاولى بحمل الثانية على الردع عن القياس الفاسد ، فإن مقتضى هذا الجمع ، هو حمل الطائفة الاولى على القياس الصحيح .

فإذا شككنا في حجية القياس الظني ، فهل نتمكن من إثباته بأحد الاجماعين ؟ وهل ذلك إلا من قبيل إثبات القضية لموضوعها ؟ وهو مما تأباه جميع القضايا الحقيقية كما سبق ذكره أكثر من مرة .

4 ـ ومع تسليم حجية هذا النوع من الاجماع والتغاضي عن كل ما أورد عليه ، إلا أن ما قام عليه الاجماع هو نفس القياس لا مسالكه المظنونة ، اذ ليس في هذه

الفتاوى ما يشير الى الاخذ بمسلك من هذه المسالك موضع الخلاف ليصلح للتمسك به على إثباته ، والاجماع ـ كما هو التحقيق فيه ـ من الادلة اللبيّة التي يقتصر فيها على القدر المتيقن ، إذ لا إطلاق أو عموم لها ليصح التمسك به ـ لو أمكن ـ والقدر المتيقن هو خصوص ما كان معلوم العلة منه فلا يصح التجاوز عنه الى غيره .

وهذه المناقشات إنما تحسن وتكون ذات جدوى اذا صحّ صدور هذه الروايات على اختلافها ـ في النفي والاثبات ـ من قبل أصحابها بهذه الالفاظ : ( الرأي ، القياس ) وبما لها من مداليل ومسالك وفق ما حدودها بعد أكثر من قرن .

ولقد أنكر كل من الاستاذ سخاو ، والدكتور جولد تسيهر ، أن يكون القياس بمفهومه المحدد لدى المتأخرين كان مستعملاً لدى الصحابة (114) .

ورد عليهما الدكتور محمد يوسف موسى بقوله : " حقاً ان الرأي في هذه الفترة من فترات تأريخ الفقه الاسلامي ليس هو القياس الذي عرف فيما بعد في عصر الفقهاء وأصحاب المذاهب الاربعة المشهورة ، ولكن الرأي الذي استعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيراً عن هذا القياس ان لم يكنه ، وان كانوا لم يؤثر عنهم في العلة ومسالكها ، وسائر البحوث التي لا بدّ منها لاستعمال القياس شيء مما عرفناه في عصر أولئك الفقهاء " (115) .

وما أدري كيف علم ان الرأي الذي استعملوه لا يبعد عن قياس المتأخرين ان لم يكنه اذا كان لم يؤثر عنهم شيء عن العلة ومسالكها وسائر بحوثها ؟ واذا صح ما يقوله الدكتور موسى من أنه لم يؤثر عنهم فيها شيء ـ وهو صحيح ـ في حدود ما تقتضيه طبيعة زمنهم ، وفي حدود ما قرأناه من مأثوراتهم ، فكيف يتم لنا الاجماع منهم على حجية السبر والتقسيم وغير السبر والتقسيم من المسالك المظنونة ؟

والذي يبدو من مجموع ما تتبعت من أسانيد بعض الروايات ، المتعرضة للرأي

والقياس على اختلافها في النفي والاثبات ، شيوع الضعف والوهن فيها مما يدل على ان الكثير منها كان وليد الصراع الفكري بين مثبتي القياس ونفاته من المتأخرين ، وما كانت للقدامى من أبناء صدر الاسلام وبخاصة كبار الصحابة فيها يد تذكر ، وليس في هذا ما يمنع من استعمال كلمة رأي وورودها على ألسنتهم ، ولكن في حدودها الغامضة غير المفصحة ، فالحق ـ فيما يبدو ـ هو ما ذكره الاستاذ سخاو وجولد تسيهر في هذا المجال .

أدلتهم من العقل : وقد صوروها بصور عدة تعود في أصولها الى أربعة :

1 ـ ما ذكره خلاف من : " أن الله سبحانه ما شرع حكماً إلا لمصلحة ، وأن مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الاحكام ، فاذا ساوت الواقعة المسكوت عنها الواقعة المنصوص عليها في علة الحكم التي هي مظنة المصلحة ، قضت الحكمة والعدالة أن تساويهما في الحكم تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع ، ولا يتفق وعدل الله وحكمته ان يحرم الخمر لاسكارها محافظة على عقول عباده ، ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصيّة الخمر وهي الاسكار ، لان مآل هذا المحافظة على العقول من مسكر وتركها عرضة للذهاب بمسكر " (116) .

وهذا الدليل إنما يتم ـ لو فرض له التمام ـ على خصوص مبنى العدلية في التحسين والتقبيح العقليين ، وإلا فأي ملزم للشارع المقدس ـ بحكم العقل ـ أن لا يخالف بين الحكمين ما دام لا يؤمن العقل بحسن أو قبح عقليين ؟

ودعوى اتفاق غير العدلية من المسلمين مع العدلية في أن أحكامه لا تصدر إلا عن مصلحة أو مفسدة لا تجدي في تتميم حكم العقل ما دام هو لا يلزم بذلك ولا يؤمن به .

وموضع المفارقة في هذا الدليل ـ حتى على مبنى العدلية ـ هو ما أخذه في العلة من كونها مظنة المصلحة ، فالعقل لا يحكم بالمساواة بين الفرع وأصله في الحكم اذا لم يدرك المساواة بينهما في العلة المحققة للمصلحة لا التي هي مظنة تحقيقها ، وما هي علاقة ظنون المجتهدين بأحكام الله الواقعية ليتقيد بها الشارع المقدس في مقامات

الجعل والتشريع وبخاصة على مبنى من ينكر التصويب ؟

والحقيقة ان حكم العقل غاية ما يدل عليه هو حجية أصل القياس لا حجية مسالك علله وطرقها ، فمع المساواة في العلة التامة الباعثة على الحكم ، لا بد أن يتساوى الحكم ، أي مع إدراك العقل لمقتضى التكليف وشرائطه ، وكل ما يتصل به لا بد ان يحكم بصدور حكمه على وفق ما يقتضيه ، لما قلناه من استحالة تخلف المعلول عن العلة التامة أو لزوم الخلف على اختلاف في معنى العلة سبق عرضه .

أما أن يحكم لمجرد ظنه بالعلة وتوفرها في الفرع فهذا ما لا يلزم به العقل أصلاً .

نعم اذا ظن العقل بوجود العلة فقد ظن بوجود الحكم إلا ان مثل هذا الظن لا دليل على حجيته ، ما دامت طريقيته ليست ذاتية ، وحجيته ليست عقلية ، كما مرت البرهنة على ذلك في بحوث التمهيد تفصيلاً .

2 ـ ما ذكره الشهرستاني من أنا " نعلم قطعاً ويقيناً أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد ، ونعلم قطعاً انه لم يرد في كل حادثة نص ولا يتصور ذلك أيضاً ، والنصوص اذا كانت متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعاً ان الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد " (117) .

وهذا الاستدلال يبتني في تماميته على مقدمتين :

الاولى : دعوى تناهي النصوص وعدم تناهي الحوادث .

الثانية : دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى .

والدعوى الاولى ليست موضعاً لشك ولا شبهة ليطال فيها الكلام ، فالنصوص بالوجدان متناهية ، والحوادث بالوجدان أيضاً غير متناهية .

ولكن الكلام في تمامية الدعوى الثانية وهي دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى .

وذلك ان الذي لا يتناهى هي الجزئيات لا المفاهيم الكلية ، والجزئيات يمكن ضبطها بواسطة كلياتها ، وقضايا الشريعة انما تتعرض للمفاهيم الكلية غالباً ، وهي كافية في ضبط جزئيات ما يجد من أحداث وبخاصة اذا ضم اليها ما يكتشفه العقل من أحكام الشرع على نحو القطع .

وما جعل لها من الطرق والامارات والاصول المؤمّنة يغني عن اعتبار القياس بطرقه المظنونة كضرورة عقلية ، لا بد من اللجوء اليها وهي وافية بحاجات الناس على اختلاف عصورهم وبيئاتهم .

على أن حكم العقل هذا ـ لو تم ـ فهو لا يشير ولا يعين القياس المظنون فكيف يكون حجة فيه ؟ لان تعيينه أو غيره مما يحتاج الى مقدمات أخرى وهي مفقودة في الدليل ، وستأتي الاشارة اليها في دليل الانسداد .

3 ـ قولهم : " ان القياس دليل تؤيده الفطرة السليمة والمنطق الصحيح ، ويبني عليه العقلاء أحكامهم ، فمن نهي عن شراب لانه سام يقيس بهذا الشراب كل سام ، ومن حرم عليه تصرف لان فيه اعتداء وظلماً لغيره ، يقيس بهذا كل تصرف فيه اعتداء وظلم لغيره ، ولا يعرف بين الناس اختلاف في أن ما جرى على أحد المثلين يجري على الاخر ، وان التفريق بين المتساويين في أساسه ظلم " (118) .

وهذا الدليل ـ بعد الغض عما فيه من الخلط بين الفطرة السليمة وحكم العقل وبناء العقلاء ولكل منها منبع يستقى منه وهو يختلف عن البقية ـ انه لا يتعرض الى أكثر من حجية أصل القياس لا طرقة المظنونة ، وحجية أصل القياس لا تقبل المناقشة كما سبق الحديث في ذلك .

ومن الواضح انه لا تلازم بين حرمة شيء وحرمة ما ظن وجود علتها فيه ، وان لم تكن موجودة واقعاً لان الظن بالعلية لا يسري الى الواقع فيغيره عما هو عليه .

4 ـ ما ذكر من ان حكم العقل بحجية مطلق الظن المبتني على مقدمات الدليل المعروف بين العلماء بدليل الانسداد الكبير شامل ـ بعد تماميته ـ لجميع الظنون بما فيها الظنون القياسية .

وتقريبه يقتضي التعرض لهذه المقدمات ، وقد بلغ بها صاحب كفاية الاصول الى خمسة (119) وهي :

1 ـ علمنا إجمالا بتوجه تكاليف من الشارع لنا .

2 ـ انسداد باب العلم التفصيلي بالكثير منها وكذلك انسداد باب العلمي ، أي الطرق والامارات المجعولة من قبل الشارع عليها ، والتي تثبت حجيتها أو طريقيتها بأدلة قطعية .

3 ـ القطع بعدم تسامح الشارع عنها على نحو يسوغ اهمالها وعدم امتثالها .

4 ـ عدم وجوب الاحتياط في أطراف العلم للزوم العسر والحرج أو عدم جوازه ، كما اذا لزم منه اختلال النظام ، وربما كان غير ممكن أصلاً كما في دوران الامر بين

المحذورين ، ومع عدم جعل الاحتياط لا يسوغ العقل الرجوع الى الاصول في أطرافه لمنافاتها لمقتضى العلم ، كما لا يسوغ العقل الالتجاء الى التقليد ، لان مبنى التقليد قائم على رجوع الجاهل الى العالم ، ومع اعتقاد المكلف بانسداد باب العلم والعلمي لا يرى غيره عالماً ليسوغ لنفسه الرجوع اليه وتقليده .

5 ـ امتناع ترجـيح المرجـوح على الراجـح ، وبما ان الظـن في الحكـم في بعض الاطراف أرجح من الشك أو الوهم ; فإنه يتعين بحكم العقل الرجوع اليه واعـتباره حجـة سـواء كـان منشـؤه القـياس أم غـيره ، واستثـناء القيـاس من الحجية يلزم منه تخصيص الحكم العقلي ، والاحكام العقلية لا تقبل التخصيص .

وهذا الدليل من أمتن الادلة نسبياً وأقربها الى الفن لو تمت جميع مقدماته .

ولكن الاشكال في تمامية بعض هذه المقدمات وبخاصة ما يتصل منها بالمقدمة الثانية من دعوى انسداد باب العلم والعلمي ، فقد مرّ لدينا قيام الادلة القطعية على حجية كثير من الامارات ، بالاضافة الى الادلة الموجبة للقطع بالحكم الشرعي ، فباب العلم والعلمي اذن غير منسد لنلجأ الى التعويض بمطلق الظنون ، واذا انهارت واحدة من المقدمات فقد انهار الدليل على نفسه من الاساس وانحل العلم الاجمالي بما قام عليه العلم والعلمي وأمكن الرجوع في الاطراف المشكوكة الى الاصول ، وبهذا المقدار نكتفي عن مناقشة بقية المقدمات .

واعتقادي شخصياً أنه ليس بين المسلمين اليوم من يذهب الى انسداد باب العلم والعلمي عليه، وان كان فيهم من يسد على نفسه أبواب الاجتهاد .

على ان هذا الدليل لا يلزم نفاة القياس ابتداءً ، لان حكم العقل لو تمت جميع المقدمات

ـ لا يكون متناولاً للظنون القياسية ـ وعلى الاخص بعد افتراض قيام الادلة القطعية على عدم جواز العمل به لديهم ، أمثال روايات أهل البيت(عليهم السلام)الرادعة عنه وهي متواترة .

إذ مع قيام الردع القطعي عنه كيف يمكن للعقل ان يعتبره حجة يمكن الركون اليها في مقام الاحتجاج به على المولى عند المخالفة مع اصرار المولى على عدم اعتباره حجة بأدلة الردع .

وما يقال من ان حكم العقل لا يقبل التخصيص صحيح جداً ، إلا أنه أجنبي عن موردنا هذا ، لان خروج القياس الظني عن حكم العقل هنا ليس من قبيل التخصيص ، وانما هو من قبيل التخصص ، إذ من الواضح ان هذا النوع من الاحكام العقلية مأخوذ في موضوعه عدم قيام الحجة على المنع عنه ، أي عدم انفتاح باب العلم أو العلمي في جميع المسائل ، ومع انفتاحه في مسألة ما ، فلا حكم للعقل بحجية الظنون في تلكم المسألة بداهة ، والمفروض هنا ان باب العلم بالردع عن القياس مفتوح ، أي ان القياس معلوم عدم حجيته ، ومع هذا الفرض فلا تتم مقدمات دليل الانسداد بالنسبة اليه ولا يكون مشمولاً لنتيجتها بداهة ليقال : كيف يمكن تخصيص الحكم العقلي ؟

ولقد ذكرت محاولات كثيرة للتوفيق بين ما دل على الردع منه من الروايات وبين نتائج دليل الانسداد ـ لو تم ـ وهي معروضة في رسائل الشيخ الانصاري (120) ، وحقائق الاصول للامام الحكيم (121) ، وغيرهما من الكتب المعنية بأمثال هذه المواضيع .

على ان هذه المقدمات لا ملزم فيها لجعل الحجية لمطلق الظنون ، وغاية ما تقتضيه هو التبعيض في الاحتياط حتى في الموهومات بمقدار لا يلزم منه اختلال النظام أو العسر

والحرج (122) .

خلاصة البحث : والخلاصة ان جميع ما ذكره مثبتو القياس من الادلة لا تنهض باثبات الحجية له ، فنبقى نحن والشك في حجيته ، والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها .

فلا نرى بعد هذا حاجة الى عرض أدلة نفاة القياس ومناقشتها .

وهذه الادلة التي عرضوها ـ وهي مستوعبة للادلة الاربعة كتاباً وسنة وإجماعاً وحكم عقل ـ لا يخلو أكثرها من مناقشة ، اللهم إلا اذا استثنينا ما تواتر عن أهل البيت(عليهم السلام) من الردع عنه وعدم الاخذ به ، فإنه واف بإثبات نفي الحجية عنه .

وتمام رأينا في القياس ان القياس يختلف باختلاف مسالكه وطرقه ، فما كان مسلكه قطعياً أُخذ به ، وما كان غير قطعي لا دليل على حجيته .

وأظن ان في مقياس الحجية الذي صار بأيدينا ما يغني عن التعرض لبقية تقسيماته وشرائطه ، إذ لا جدوى من عرضها وإطالة الحديث فيها ، وليست لها أية ثمرة عملية تترتب على ذلك .

(1) روضة الناظر وجنة المناظر : ص145 .

(2) الاحكام للامدي : 3/3 .

(3) إرشاد الفحول : ص198 .

(4) المصدر السابق .

(5) المستصفى : 2/54 .

(6) الاحكام : 3/4 .

(7) الاحكام : 3/4 .

(8) سلم الوصول : ص274 .

(9) راجع الاحكام : 3/63 .

(10) مصادر التشريع فيما لا نص فيه : ص19 .

(11) عرضنا لهذه المعركة الفكرية مفصلاً في محاضراتنا عن ( تاريخ التشريع الاسلامي ) الملقاة على طلاب السنة الثالثة في كلية الفقه . ( المؤلف ) .

(12) روضة الناظر : ص146 ; والمستصفى : 2/54 .

(13) المستصفى : 2/54 .

(14) المصدر السابق : 2/72 .

(15) علم أصول الفقه لخلاف : ص77 .

(16) مباحث الحكم : 1/136 .

(17) علم أصول الفقه : ص78 .

(18) مصادر التشريع الاسلامي : ص21 .

(19) مباحث الحكم : ص135 .

(20) مصادر التشريع الاسلامي : ص42 .

(21) المصدر السابق .

(22) المصدر السابق .

(23) مباحث الحكم : ص144 .

(24) مصادر التشريع فيما لا نص فيه : ص45 .

(25) مصادر التشريع فيما لا نص فيه : ص45 .

(26) صحيح مسلم : كتاب النكاح ، أحاديث باب تزويج الاب البكر الصغيرة .

(27) سورة النساء : الاية 6 .

(28) مصادر التشريع : ص46 .

(29) مصادر التشريع : ص46 .

(30) راجع : ص359 وما بعدها من هذا الكتاب .

(31) روضة الناظر : ص146 وما بعدها .

(32) سنن الترمذي : كتاب الطهارة ، ح 85 .

(33) روضة الناظر : ص146 وما بعدها .

(34) المصدر السابق .

(35) المصدر السابق .

(36) روضة الناظر : ص146 وما بعدها .

(37) صحيح مسلم : كتاب الصيام ، ح 1870 باختلاف يسير .

(38) روضة الناظر : ص147 .

(39) المستصفى : 2/74 وما بعدها .

(40) القوانين المحكمة : 2/87 .

(41) سورة الاسراء : الاية 23 .

(42) أصول الفقه للمظفر : 1/118 .

(43) الكافي : 3 / 57 ، الحديث 3 .

(44) القوانين المحكمة : 2/84 .

(45) علم أصول الفقه لخلاف : ص87 .

(46) علم أصول الفقه لخلاف : ص87 .

(47) المستصفى : 2/80 .

(48) المستصفى : 2/56 .

(49) روضة الناظر : ص147 .

(50) المستصفى : 2/56 .

(51) المستصفى : 2/56 .

(52) روضة الناظر : ص147 .

(53) الاحكام للامدي : 3/64 .

(54) راجع : المعالم : ص213 مبحث القياس .

(55) راجع : فرائد الاصول : للشيخ الانصاري(قدس سره) : ص220 ( أواخر مبحث دليل الانسداد ) .

(56) راجع : ص70 وما بعدها من هذا الكتاب .

(57) الاحكام : 3/66 .

(58) راجع هذه الوحدات في هامش ص20 من هذا الكتاب .

(59) راجع : ص70 وما بعدها من هذا الكتاب .

(60) وسائل الشيعة : 29 / 352 . راجع : القوانين المحكمة : 2/89 .

(61) بلغنا ان الاستاذ عدل عن تضعيف الرواية لثبوت صحتها لديه ، ولم تسعني مراجعته للتأكد من ذلك . ( المؤلف ) .

(62) دراسات في الاصول العملية : ص29 .

(63) مصادر التشريع الاسلامي : ص24 .

(64) القوانين المحكمة : 2/8 .

(65) ابطال القياس والاستحسان : ص29 .

(66) راجع بحار الانوار للمجلسي(رحمه الله): 2 / 286 ـ 315 و 10 / 94 و212 و220 و221. و 11 / 102 و132. و47 / 226 و61 / 306 و312 ـ 314. و 63 / 274.

(67) راجع : حلية الاولياء : 3/197 .

(68) حلية الاولياء : 3/197 .

(69) سورة النساء : الاية 59 .

(70) راجع وسائل الشيعة : 1 / 34 ، باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات ، ح12 .

(71) سورة الحشر : الاية 2 .

(72) مصادر التشريع الاسلامي : ص26 .

(73) سورة يس : الايتان 78 ـ 79 .

(74) انظر : ص27 من مصادر التشريع .

(75) سورة المائدة : الاية 95 .

(76) سورة البقرة : الاية 150 .

(77) إرشاد الفحول : ص201 .

(78) سورة النحل : الاية 90 .

(79) إرشاد الفحول : ص202 .

(80) المصدر السابق .

(81) سورة ابراهيم : الاية 11 .

(82) سورة النساء : الاية 83 .

(83) مسند أحمد ، باب حديث معاذ بن جبل ، ح21595 .

(84) سنن أبي داود ، كتاب الاقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء ، ح 3592 .

(85) صحيح الترمذي ، كتاب الاحكام ، باب ما جاء في القاضي كيف يحكم ، ح1327 .

(86) إرشاد الفحول : ص202 .

(87) هامش الاحكام السلطانية : ص46 .

(88) راجع : إبطال القياس ، لابن حزم : ص56 .

(89) الاحكام للامدي : 3/77 .

(90) المصدر السابق .

(91) الاحكام للامدي : 3/78 .

(92) المصدر السابق .

(93) الاحكام للامدي : 3/78 .

(94) المصدر السابق .

(95) سورة النجم : الاية 4 .

(96) إبطال القياس لابن حزم : ص58 .

(97) راجع : الاحكام : 3/81 .

(98) ارشاد الفحول : ص203 .

(99) الاحكام : 3/81 .

(100) روضة الناظر : ص148 ، والكلالة ما عدا الوالد والولد .

(101) الاحكام : 3/81 .

(102) الاحكام : 3/81 .

(103) المحلى : 1/ 61 .

(104) المصدر السابق : 1/59 .

(105) المصدر السابق .

(106) ابن حزم في إبطال القياس : ص58 .

(107) المحلى : 1/59 .

(108) المحلى : 1/61 .

(109) الامدي في الاحكام : 3/83 .

(110) المصدر السابق .

(111) المصدر السابق .

(112) المصدر السابق : 3/85 .

(113) راجع : كتاب " النص والاجتهاد " للسيد شرف الدين ، وكتاب " الغدير " للاميني ، تجد فيهما نماذج كثيرة لذلك .

(114) تأريخ الفقه الاسلامي : ص26 .

(114) تأريخ الفقه الاسلامي لمحمد يوسف موسى : ص29 .

(116) مصادر التشريع : ص29 .

(117) سلم الوصول : ص295 .

(118) مصادر التشريع : ص29 .

(119) راجعها في حقائق الاصول : 2/156 ( متن ) .

(120) الرسائل : ص255 .

(121) حقائق الاصول : 2/198 وما بعدها .

(122) اقرأ تحقيق استاذنا الخوئي(قدس سره) في ذلك في الدراسات : ص136 وما بعدها .

/ 19