أصول العامة فی الفقه المقارن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول العامة فی الفقه المقارن - نسخه متنی

السید محمدتقی الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الاصول العامة للفقه المقارن - صفحه 91 الي 137 البابُ الاول

القسم الاول

الكتابُ العزيز تحديد مفهوم الكتاب : والمراد بالكتاب هنا هو كتاب الله عز وجلّ ، الذي أنزله على نبيه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ألفاظاً ومعاني وأسلوباً ، واعتبره قرآناً دون أن يكون للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) دخل في انتقاء ألفاظه أو صياغته .

فليس منه ما أنزله الله تعالى على نبيه من الاحكام وأدّاها باُسلوبه الخاص ، كما ليس منه ما ثبت من الحديث القدسي ، وهو ما أثر نزوله على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يثبت نظمه من قبله في سلك القرآن ، وكذلك ما نزل من الكتب السماوية على الانبياء السابقين كالتوراة والانجيل والزبور ، لعدم اعتبارها قرآناً .

وتفسير القرآن وترجمته ليسا من القرآن في شيء ، فلا تجري عليهما أحكام القرآن الخاصة .

وثبوت الحجية للتفسير اذا كان صادراً عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أهل بيته فإنما هو لاعتبار كونه ـ أي التفسير ـ من السنَّة لا من الكتاب .

وهذه الامور موضع اتفاق المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، ولا أعرف مخالفاً في ذلك إلاّ ما يبدو من أبي حنيفة حيث ( جوّز القراءة بالفارسية في الصلاة لمن لا يعرف العربية ولا يقدر على القراءة بها ) (82) ، ووافقه بعضهم على ذلك ، وقيل انه عدل عن ذلك وأفتى لمن لا يقدر على القراءة بها أن يصلي ساكتا (83) . وعلى هذا فالقرآن هو خصوص ما بين الدفتين دون أن يزاد فيه حرف أو ينقص ، ولقد

أحصيت آياته فبلغت " ستة آلاف وثلاثمائة واثنتين وأربعين آية ، منها خمسمائة آية فقط تتعلق بالاحكام " (84) ، وقد انتظمت هذه الايات في سور بلغ مجموعها مائة وأربع عشرة سورة ، أولها ( الحمد ) و آخرها ( الناس ) .

وآخر ما نزل من آياته قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) (85) ، وقد نزلت في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في غدير خم عند عودته(صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ، وبعد أن أعلن الولاية لعلي ، كما ورد ذلك في كثير من الروايات المأثورة لدى الطرفين (86) .

حجيته : والحديث حول حجيته موقوف على تمام مقدمتين :

أولاهما : ثبوت تواتره الموجب للقطع بصدوره ، وهذا ما لا يشك فيه مسلم امتحن الله قلبه للايمان .

والثانية : ثبوت نسبته لله عز وجل ، وعقيدة المسلمين قائمة على ذلك ، وحسبهم حجة ثبوت إعجازه بأسلوبه ومضامينه وتحدّيه لبلغاء عصره ونكولهم عن مجاراته ، وإخباره بالمغيبات التي ثبت بعد ذلك صدقها ومطابقتها لما أخبر به ، كما ورد في سورة الروم وغيرها ، وارتفاعه عن مستوى عصره بدقة تشريعاته ، الى ما هنالك مما يوجب القطع بسموّه عن قابليات البشر مهما كان لهم من الشأن .

وقد استدل بعضهم (87) ، فيما يبدو ، على كونه من الله بهذه الايات المباركة : ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين )(88) و ( إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) (89) و ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى ) (90) مع وضوح أن دلالتها على ذلك دورية ، لبداهة ان دلالة هذه الايات على كون القرآن من الله موقوفة على ان تكون هي

من الله ، وكونها من الله تعالى موقوف على كون القرآن منه تعالى ، وهي بعضه ولا تميز لها عن بقية آياته من حيث النسبة اليه ليرتفع به الدور ، اللهم إلا ان يكون ذكرها لديه من باب الاستئناس بها لا الاستدلال .

وعلى اي حال فحجية القرآن أكبر من ان يتحدث عنها بين المسلمين بعد إيمانهم جميعاً بثبوت تواتره وإعجازه ، ومثل هذا الحديث يقتضي ان يساق الى غيرهم كوسيلة من وسائل الدعوة الى الاسلام ، لا أن يثار بين صفوفهم ويتحدث فيه .

المحكم والمتشابه : والقرآن فيه محكم ومتشابه ، لقوله سبحانه : ( منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات ) (91) وقد اختلف في تعريفهما على أقوال :

" قال الجبائي : المحكم ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً ، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعداً ; وقال جابر : المحكم ما يعلم تعيين تأويله ، والمتشابه ما لا يعلم تعيين تأويله " (92) و قيل : " المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه " (93) ولعل هذا التفسير يتلاءم مع ما يبدو من ظهور هذه الاية ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلاّ أولو الالباب ) (94) بناء على ظهورها في ان كلمة ( يقولون ) خبر الى ( الراسخون ) فيكون المتشابه مما استأثر الله عز وجل بعلمه ، وما ورد تأويله من غوامض الايات عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) فهو من المحكم . وللشريف الرضي في تحقيق المراد من هذه الاية حديث يحسن الرجوع اليه في هذا المجال (95) .

ومهما أريد من لفظ المحكم والمتشابه فان الذي يكون حجة من آيات الكتاب

ـ من دون توسط التأويل ـ هو خصوص ما كان منها نصّاً في مدلوله أو ظاهراً فيه .

أما حجية ما كان نصاً منها فللقطع بمدلوله ، لان النص هو ما لم يحتمل فيه الخلاف ، والقطع حجيته ذاتية ـ كما سبق ـ وأما الظاهر فحجيته من صغريات مسألة :

حجية الظواهر : وهي أوضح من ان يطال فيها الحديث ما دام البشر في جميع لغاته قد جرى على الاخذ بظواهر الكلام وترتيب آثارها ولوازمها عليها ، بل لو أمكن ان يتخلَّى عنها لما استقام له التفاهم بحال ، لان ما كان نصاً في مدلوله مما ينتظم في كلامه لا يشكل إلا أقل القليل .

وبالضرورة ان عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان بدعاً من العصور ، لينفرد به الناس في أساليب تفاهمهم بنوع خاص من التفاهم لا يعتمد الظهور ركيزة من ركائزه ، وما كان للنبي طريقة خاصة في التفاهم انفرد بها عن معاصريه ، وإلاّ لكانت أحدوثة التأريخ ، فالقطع بإقرار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لطريقتهم في التفاهم كاف في اثبات حجية الظواهر .

وقد نزل القرآن بلغة العرب وتبنّى طريقتهم في عرض أفكاره ، وكان لكلامه ظاهر يفهمونه ويسيرون على وفقه .

وبما أننا نعلم ان من الطرق التي سار عليها الشارع المقدس في تبليغ احكامه ، الطريقة الشائعة لدى جميع البشر من الاعتماد على القرائن المنفصلة أحياناً ، وإن القرآن سار على الطريقة نفسها ، وبذلك خصصت بعض عموماته بقسم من الايات ، كما خصص القسم الاخر منها بالسنّة ، بحكم كونها مبينة للمراد من

الكتاب وشارحة له .

لذلك كان علينا قبل ان نعتمد على اصالة الظهور ، ان نفحص عن القرينة المنفصلة ، فإن عثرنا عليها خصصنا او قيدنا بها الكتاب ، وإن يئسنا من العثور عليها في مظانها كان لنا العمل بعموماته أو مطلقاته .

وما يقال عن المخصص والمقيد يقال عن الناسخ ، بناءً على إمكان النسخ ووقوعه ، كما هو رأي جمهرة المسلمين .

وما ورد من التشكيك في حجية ظهور القرآن أمر لا يستقيم بحال .

مصادر التشكيك في حجية ظهوره : وغاية ما يمكن ان يذكر من مصادر التوقف عن العمل بظهوره أمور لا تخلو كلها من مناقشة :

1 ـ ما نسب الى الاخباريين من دعوى التوقف عن العمل بها لامرين :

أ ـ العلم الاجمالي بطرو مخصصات من السنّة ومقيدات على عموماته ومطلقاته ، والعلم الاجمالي منجز لمتعلقه ومانع من جريان الاُصول في أطرافه حتى اللفظية منها ، كأصالتي العموم والاطلاق ، ومع فرض جريانها فهي ساقطة للمعارضة ، ونتيجة ذلك سريان الاجمال لكل ظواهره والتوقف عن العمل بها لاحتمال ارادة خلافها ، ولا مدفع لهذا الاحتمال من أصل وغيره .

والجواب : ان العلم الاجمالي انما ينجز متعلقه اذا لم يتحول الى علم تفصيلي في أحد الاطراف ، وشبهة بدوية في الاطراف الاُخر كما هو موضع اتفاقهم ، وسيأتي تحقيقه في مباحث الاحتياط .

وبما أن العلم هنا بطرو مخصصات ومقيدات منحل بما عثر عليه منها بعد الفحص في مختلف مظانه من الايات والاحاديث وهو بمقدار المعلوم بالاجمال ،

فان العلم الاجمالي ينحل بذلك ، ويرجع في بقية أطرافه المشكوكة الى الاُصول اللفظية ، على أن هذه الشبهة لا تختص بالكتاب ، بل تعم حتى ظواهر السنة بعد العلم بأن الشارع المقدس كان من طريقته التي اتبعها في البيان الاتكال ـ أحياناً ولمصلحة ما ـ على القرائن المنفصلة مع أنهم لا يلتزمون بالاجمال في السنة .

ب ـ ما ورد من الاحاديث الناهية عن تفسير القرآن بالرأي ، وهي متواترة بين الفريقين ، وما ورد في بعضها من النهي عن العمل بالكتاب دون الرجوع الى أهل البيت(عليهم السلام) .

وليس في جميع هذه الاحاديث ما يوجب التوقف عن العمل بظواهره . أما القسم الاول منها فلخروج الظواهر عنها تخصصاً ، لان التفسير إنما يكون للاشياء الغامضة ولا معنى لتفسير الواضحات ، والمفروض أن الظواهر واضحة الدلالة فلا تحتاج الى التفسير بالرأي . وأما القسم الثاني منها فلما قلناه في العلم الاجمالي من لزوم الفحص عن المخصص والمقيد ، والمفروض أننا لا نرجع الى التمسك بالظواهر إلاّ بعد اليأس عن العثور عليهما " ولا يدعي أحد جواز الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب بلا مراجعة الاخبار الواردة عنهم ، هذا مضافاً الى ما ورد في جملة من الاخبار لا يبعد أن تكون متواترة معنى من جواز العمل بالكتاب والتمسك به والرجوع اليه ، وعرض الاخبار المتعارضة عليه ، والاخذ بما وافق الكتاب وطرح المخالف ، وغير ذلك مما يظهر منه المفروغية عن صحة التمسك بظاهر الكتاب " (96) .

وعقيدتي أن اخواننا المحدثين لا يريدون اكثر من هذا ، فالخلاف بينهم وبين اخوانهم من الاُصوليين وغيرهم من علماء الاسلام خلاف شكلي ، فهم لا يمنعون من العمل بظواهر الكتاب مطلقاً ، وإنما يمنعون عنه إذا لم يقترن بالفحص عن مخصصه أو ناسخه أو مقيّده .

2 ـ ما نسب الى بعض المحدثين أيضاً من ان فهم القرآن مختص بمن خوطب به ، واستدلوا على ذلك بروايات منها :

مرسلة شعيب بن أنس ، عن ابي عبد الله(عليه السلام) انه قال لابي حنيفة : " أنت فقيه أهل العراق ؟ قال : نعم . قال(عليه السلام) : فبأي شيء تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه . قال(عليه السلام) : يا أبا حنيفة ، أتعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : نعم ، قال له : يا أبا حنيفة ، لقد ادعيت علماً ، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما ورثك الله تعالى من كتابه حرفاً " (97) .

وفي رواية زيد الشحام ، قال : " دخل قتادة على أبي جعفر : فقال له : انت فقيه أهل البصرة ؟ فقال : هكذا يزعمون . فقال(عليه السلام) : بلغني انك تفسّر القرآن ، قال : نعم ـ الى ان قال ـ : يا قتادة ، ان كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وان كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك انما يعرف القرآن من خوطب به " (98) .

وربما أيد بما نسب الى المحقق القمي من دعوى اختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه من المخاطبين بها ، لاحتمال أن تكون في البين قرينة اعتمدها المتكلم ، وهي معهودة بينه وبين المخاطب ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن الوثوق بأن ظاهر الكلام هو المراد (99) .

وكلامه وان ركز فيه على السنّة بالخصوص ، إلاّ انه يصلح أن يكون مؤيداً لدعوى اولئك المحدثين لتوفر ملاك دعواه فيها أحياناً .

والجواب عن هذه الدعوى واضح جداً ، أما المرسلة فهي بالاضافة الى ضعفها بالارسال ، وكونها أضيق من المدعى ـ لو تمت دلالتها ـ لاختصاصها بالخاصة من ذرية نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) ، والدعوى اختصاص حجية ظواهر الكتاب بمن خوطب به ،

ومن الواضح أن الخاصة من أهل البيت(عليهم السلام) لم يختصوا وحدهم بالخطاب ، بل لم يكونوا كلهم حاضرين وقت الخطاب ، فبينهم وبين المخاطبين عموم مطلق أو من وجه أحياناً ـ ان المراد منها ان فهم القرآن حق فهمه ككل ـ أي ما احتاج منه الى تأويل ، وما لم يحتج ـ مختص بهم بالخصوص ، فهي اذن أجنبية عن المدعى من جواز الاخذ بظواهره فقط ، وإلا فمن البعيد جداً ان ينفي الامام عن أبي حنيفة حتى معرفة مثل ( قل هو الله أحد ) مما يكون نصاً أو ظاهراً في مدلوله .

وأما الرواية الثانية فهي أجنبية عن المدعى أيضاً ، لانها واردة فيما يحتاج الى تفسير ، وقد سبق ان قلنا أن الظاهر لا يحتاج الى تفسير ، فخروجها عما دل على حجية الظواهر بالتخصص كما هو واضح .

ودعوى المحقق القمي من احتمال الاعتماد على القرائن في وقت الخطاب يدفعها امكان الرجوع الى الاُصول العقلائية ، كأصالة عدم القرينة وأمثالها لدفع الاحتمال . على أنا نقطع ان الكتاب ـ وهو الدستور الخالد ـ لا يختص بطائفة دون طائفة ، ولا زمان دون زمان ، ليصح افتراض اعتماده على القرائن الحالية التي لا يدركها الا من قصد افهامهم بها ، ولو فرض اختصاصه بخصوص المخاطبين لوجب قصره على من كان حاضراً عند نزول الايات ، وهم القلة من الصحابة ، وقد لا يكون في الحاضرين عند نزول بعضها غير واحد أو اثنين ، أفنقصر الحجية على خصوص هؤلاء في كتاب أُنزل لهداية جميع البشر في جميع العصور ؟

3 ـ شبهة التحريف في القرآن بالنقيصة في بعض آياته ، ومع تحكم الشبهة لا يبقى مجال لاعتماد ظواهرها ، لاحتمال دخول النقيصة على الاية التي يراد العمل بظهورها مما يعكس خلاف الظهور لو أضيف اليها ما أنقص منها .

وكان مبعث هذه الشبهة ما ورد في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث من أحاديث وروايات يتبنى اصحابها فكرة التحريف والنقص فيه ، ففي صحيح

البخاري ، من خطبة لعمر بن الخطاب : " ان الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان ان يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا أحصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف ، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) أو : ( إن كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم ) " (100) والذي يبدو ان هذه الخطبة لو صحت عنه كانت بعد ان جاءهم بهذه الاية ـ أعني آية الرجم ـ فامتنع زيد من إلحاقها بالقرآن ، ففي رواية ابن أشتة في المصاحف : عن الليث بن سعد قال : " أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلاّ بشاهدي عدل ، وان آخر سورة براءة لم يجدها إلا مع خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب ، وان عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لانه كان وحده " (101) .

وفي صحيح مسلم : عن عائشة انها قالت : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهن فيما يقرأ من القرآن " (102) .

وفي روايته الاخرى قال : " بعث أبو موسى الاشعري الى قراء اهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الامد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فاُنسيتها ، غير أني قد حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا

يملا جوف ابن آدم الا التراب ) وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) " (103) .

وفي أصول الكافي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : " ان القرآن الذي جاء به جبرائيل الى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) سبعة عشر ألف آية " (104) .

الى روايات أخرى حفلت بها هذه الكتب وغيرها ، وقد نسب القول في الايمان بهذه الشبهة الى الحشوية (105) .

كما نسب الشيخ ابو زهرة ذلك الى الكليني معتمداً ما استظهره الصافي من روايته لاخبار التحريف في أصوله وعدم تعقيبه عليها ، مما يدل على إيمانه بها وبخاصة وقد صرح في مقدمة كتابه انه لا يروي إلا ما يثق به ، وقد اعتبر هذا الاستظهار وثيقة من أهم وثائق التكفير ، فسارع الى تكفيره ، يقول في كتابه ( الامام زيد ) : " ومن الغريب أن الذي ادعى هذه الدعاوى الكليني وهو حجة في الرواية عندهم ، وكيف تقبل رواية من يكون على هذا الضلال ، بل على هذا الكفر المبين ؟ " (106) .

وما دام الحديث قد بلغ بنا الى هذا الموضع فلا بد من تحقيق هذه النسبة التي وسعها بعضهم الى جميع أصحاب الصحاح وكتب الحديث ممن ذكروا أحاديث التحريف أخذاً بوحدة الملاك في الجميع . والذي يبدو أن الاخ أبا زهرة ممن يستسيغ التكفير بسهولة ، مع أنه لا يميز ـ فيما يبدو ـ بين نوعين من انكار الضروري : أحدهما يوجب التكفير والاخر لا يوجبه ; فالذي يوجب التكفير انكار ضروري من ضروريات الدين ، أي ما ثبت أنه دين بالضرورة مما يعود انكاره الى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وشبهه ، والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة وإلاَّ لما احتاج الى الاستدلال عليه بآية : ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له

لحافظون )(107). وما يحتاج الى الاستدلال لا يكون من الضروريات ، على أنهم اختلفوا في صلاحية الاية للدليلية بشبهة الدور ، وما يقال عن هذه الاية يقال عن غيرها من الادلة (108) . نعم هو ضروري الثبوت لثبوت تواتره عندنا ، وانكار الضروريات التي لا تستند في بداهة ثبوتها الى الدين وان استندت اليه بالنظر لا تستوجب تكفيراً كما هو واضح لدى الفقهاء .

ومع الغض عن هذه الناحية فالتكفير لا يكون لاوهام وظنون ، لان مجرد رواية أحاديث النقص وعدم التعقيب عليها لا يدل على وثوقه بصدورها ، ولعل روايتها في ( النوادر ) من كتابه دليل تشكيكه بصدورها ورفضه لها ، وكأنه أشار بذلك لما ورد في المرفوعة من قوله(عليه السلام) : " ودع الشاذ النادر " (109) ، على أنه التزم في اول كتابه الاخذ بالروايات العلاجية ، وهي التي تتعرض لاحكام الخبرين المتعارضين من اعتبار ترجيح أحدهما على الاخر بعرضه على كتاب الله وسنة نبيه ، فما وافق الكتاب أخذ به ، يقول(رحمه الله) في أول كتابه : " فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء إلا ما أطلق عليه العالم ، اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه " (110) .

والاخبار التي رواها متعارضة بدليل روايته لما هو صريح بعدم التحريف ، وهي الرواية القائلة : " وكان من نبذهم الكتاب بأنهم أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه " (111) حيث صرحت بنسبة التحريف الى الحدود مع اعترافها بإقامة حروفه ومع تحكم المعارضة بينها وبين تلك الرواية التي استظهروا منها التحريف في الحروف ، فإن مقتضى منهجه الذي رسمه في بداية الكتاب عرضها على كتاب الله ، ومن الواضح أن الكتاب ظاهر بآية ( إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (112) وغيرها بعدم طروّ التحريف عليه ، ولا عبرة

بمناقشات هذه الاية لكونها واردة على خلاف ظهورها ، والظهور حجة وان لم يوجب القطع بمدلوله للقطع باعتبار الحجية له ، وشبهة الدور لا ترد على مذهب من يؤمن بأهل البيت لامضائهم(عليهم السلام) للكتاب القائم بما فيه هذه الاية كما سيتضح فيما بعد ، على ان الثقة بالصدور لا تستلزم الثقة بالمضمون لعدم التلازم بينهما ، وكلامه صريح في ذلك في أول كتابه بعد ذكره للرواية القائلة " ثم خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه " ، " ونحن لا نعرف من ذلك إلا أقله ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله الى العالم وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم " (113) فردها الى العالم ـ مع تعارض مضمونها ـ والتخيير بينها واخذ أحدها من باب التسليم ، كل ذلك مما يدل على ان ثقته بالصدور لا تستلزم الثقة بمدلول الاحاديث والتعبد بها ، نعم ما يختاره منها لعمله ملزم بالاخذ به من باب التسليم ، وما يدرينا هنا بأي القسمين من الاخبار المتعارضة قد أخذ لنحمّله مسؤوليته ؟ هذا إن لم نقل في أنه قد طرح تلك الاخبار الشاذة لمخالفتها للكتاب .

فرواية هذه الاحاديث في الشواذ النوادر من كتابه ، وتعارضها في مروياته ، ولزوم طرحها بالنسبة الى منهجه الذي رسمه ، وعدم التلازم بين الايمان بالصدور ـ لو آمن بصدورها ـ وبين الايمان بمضمونها ، كل ذلك مما يوجب القطع بطرحه لهذه الاخبار وإيمانه بعدم التحريف .

على ان التحريف لو كان مذهباً له لما صح دعوى الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره) (114) وغيره إجماع الامامية على عدم التحريف ، ومثل الكليني ممن لا يتجاهل أمره عادة .

ومن الطريف ما ورد من الشيخ أبي زهرة (115) وهو يقارن بين الكليني والسيوطي صاحب الاتقان ، ودفاعه عن الاخير بأن روايته لاحاديث التحريف

إنما ذكرها في مقام بيان ما نسخ منها تلاوة ، مع أنه ذكر قسما منها في هذا الموضع ، وأقساماً أُخرى في مواضع أخر لا علاقة لها بالنسخ ، كالاحاديث الواردة في باب ( جمع القرآن وترتيبه ) (116) وباب ( عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه ) (117) وغيرها من كتاب الاتقان ، ونحن نذكر له للتفكهة فقط ـ وشر البلية ما يضحك ـ بعض السور التي روى زيادتها في القرآن عن ابن مسعود كالمعوذتين ، والسور التي أسقطت من القرآن في رأي أبي بن كعب يقول : " أخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال : كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين واللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد ، وتركهن ابن مسعود ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين ; وذكر ان في مصحف ابن عباس قراءة أُبيّ وأبي موسى بسم الله الرحمن الرحيم ( اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) وفيه : ( اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك ان عذابك بالكفار ملحق ) " (118) الى غير ذلك مما رواه ، ولم ينكر عليه في كثير من أبواب كتابه ، ولعل أبا زهرة لم يستوف هذا الكتاب قراءة .

ثم قال بعد ذلك : " ان الذين افتروا هذه الفرية ونسبوها الى الائمة ، ومنهم الكليني ، ادعوا التغيير والتبديل وذكروا آيات غيرت ونسب هذا الى الصادق ، ولم يقل ذلك أحد من علماء السنة ولم يرو عن أحد منهم " (119) .

وما أدري ، هل كانت هذه النسب الى كبار الصحابة والتي حفلت بها أهم الصحاح والمسانيد والمستدركات أمثال صحيح مسلم ، وصحيح البخاري ، ومسند أحمد والطبراني ، ومستدرك الحاكم ، وكنز العمال ، وغيرها من مفتريات الكليني ، أم ماذا ؟! على أن فيها ما هو أفظع من دعوى التحريف ، وهو انكار تواتر ما بين الدفتين لروايتهم في كيفية جمعه اعتماد خبر الواحد أو البينة في مقام

الجمع ، ومن المعلوم أن التواتر اذا كان في بعض طبقاته اخبار احاد لا تفيد القطع لا يصبح مقطوعاً بمدلوله ، لان النتيجة تتبع أخس المقدمتين ، وقد مرَّ في الروايات وأمثالها كثير مما هو صريح بذلك ، وقد جمعها أستاذنا الخوئي(قدس سره) في كتابه " البيان " وأبدع في مناقشتها وإثبات تناقضها وكذبها (120) .

وما أدري ما رأي الشيخ أبي زهرة في كتاب المصاحف للسجستاني الذي سجل فيه اختلاف مصاحف الصحابة بالزيادة والنقيصة ؟ هل كان مؤلفه الكليني بالذات ؟!!

ثم ما أدري أيضاً لمَ لم يجرؤ الشيخ أبو زهرة على تكفير الشيخين لروايتهما في صحيحهما أخبار التحريف وهي لا تتحمل دعوى نسخ التلاوة فيها لتصريح أصحابها بأنها مما يقرأ من القرآن الى ما بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ وهل يقع النسخ بعد وفاة النبي ؟! على أنهما ذكرا هذه الروايات ولم يعقبا عليها بالتشكيك ، فالمشكلة ليست مشكلة الاتقان وحده ليتم الدفاع عنه بما ذكر ، وإنما هي مشكلة جميع من روى عنهم الاتقان من كتب الصحاح وغيرها رأساً ، والشيء الذي يقتضينا ان نفهمه ونوسع له صدورنا أن مجرد نقل الحديث وعدم التعقيب عليه لا يدل على رأي صاحبه ، ما دامت هناك مسارب لحمل الصحة وبخاصة في مسائل تتصل بصميم العقيدة .

يبقى سؤال : لماذا دوَّنوا هذه الاخبار في الكتب المعتمدة اذا لم تمثل آراءهم ؟ والجواب على ذلك : ان طبيعة الاعمال الموسوعية لا تتقيد بوجهات نظر أصحابها وبخاصة في عالم نقل الاحاديث .

ولقد كان من المألوف قديماً أن مؤلفي كتب الحديث ما كان ليهمهم تمحيص الاحاديث بقدر ما يهمهم تدوينها ، وكأن مهمة التمحيص موكولة الى المجتهدين في مجالات استنباط أحكامهم ، ومن هنا احتجنا الى تسليط الاضواء على جميع كتب

الحديث وإخضاعها لقواعد النقد والتمحيص التي عرضت في كتب الدراية ، وحسب هؤلاء المؤلفين أمثال : الكليني ، والشيخ الطوسي ، وأصحاب الصحاح والمسانيد ، ان لا يكونوا موضعاً للطعن في أمانتهم في مجالات النقد والتجريح ، ولعل لهم من وجهات النظر في نقل مختلف الاحاديث ما يحمدون عليه ، وإلاَّ فإن الاقتصار على ما يراه صاحب الكتاب حقاً من الاحاديث وإلغاء ما عداه ، معناه تعريض ثرواتنا الى كثير من الضياع ، وإخضاع أكثرها الى الزاوية التي ينظر منها المؤلف الى الحديث ، وهي تتأثر عادة بعوامل بيئية وزمانية ، بالاضافة الى ترسبات اصحابها وقيمهم وعواطفهم ، على أن في ذلك ما فيه من تحديد لطبيعة الاجتهاد وتضييق نطاقه وحصره في غير اطار صاحبه ، بل في أطر رواة الحديث بما لهم من ثقافات ضيقة لو بالغنا في توسعتها لما تجاوزنا بها طبيعة عصورهم وبيئاتهم ، مع ان الدين بطبعه يتسع لجميع العصور ، فما نراه اليوم حقاً قد لا يرونه غداً كذلك ، وما كانوا يرونه حقاً بالامس قد لا نراه اليوم كذلك ، واختلاف المجتهدين من أدل البراهين على هذا الامر .

وشبهة التحريف ـ بعد هذا ـ من الشبه التي لا تستحق أن يطال فيها الحديث لكونها شبهة في مقابل البديهة ، فأخبار التحريف ـ مع تضارب مضامينها وتهافتها في انفسها ـ لا تزيد على كونها أخبار آحاد ، وهي لا تنهض للوقوف أمام التواتر الموجب للقطع بأن هذا القرآن الذي بأيدينا هو القرآن الذي نزل على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)دون أن يزاد أو ينقص فيه .

وحسبك ان تعرض ما ادعي اسقاطه أمثال سورتي الحفد والخلع وآية الرجم ـ المأثورة عن الخليفة عمر ـ على أي سورة من سور القرآن ، لترى تباين أسلوبيهما واختلافهما من حيث المستوى البلاغي بما يقتضيه من عظم الاسلوب وروعة المضامين وعدمهما ، على ان دعوى النقيصة فيه لو أمكن ان تكون ، فان

الذي يتحمل مسؤوليتها عادة الخليفة الثالث لحرقه المصاحف الكاملة .

ومثل هذه المسؤولية لا يمكن ان يسكت عليها الرأي العام المسلم بما فيهم المهاجرون والانصار ، وهم الذين انكروا عيه أموراً لا يقاس اعظمها فظاعة بالتلاعب في آيات الله ، ولكانت عمليته هذه من أعظم وثائق الادانة بيد الثوار للتشنيع عليه ، وهذا ما لم يحدثنا عنه التاريخ ولم يشر اليه بحرف ، على ان الثائرين ـ وقد تم لهم القضاء على عثمان ـ كان بوسعهم أن يعيدوا الامور الى نصابها الطبيعي ، فيخرجوا ما لديهم من النسخ الكاملة للقرآن الكريم وينشروها بين الناس كردّ من ردود الفعل التي تقتضيها طبيعة الثورة .

والذي يبدو ان عمل عثمان في جمع الناس على رسم واحد للمصحف ولهجة واحدة ، كان له صداه العميق في نفوسهم ، لذلك كانت استجابتهم له استجابة جماعية بتسليم ما لديهم من النسخ والتعويض عنها بالنسخة الجديدة ذات الرسم المعين واللهجة المعينة .

والظاهر ان الكثير من تلكم الروايات أراد أصحابها التشنيع بها على عثمان ، مثل رواية أبي موسى الاشعري وبعض روايات عائشة السابقة وغيرها ، ولم تلق من الناس تشجيعاً كافياً ، وإلا فما الباعث لابي موسى على جمع قراء البصرة وإخبارهم بما أخبرهم به من النقص ؟ هذا لو قلنا بصحة نسبة هذه الروايات لاصحابها ، وهي موضع شك وتأمل رغم روايتها في الصحاح المأثورة .

والذي يهوّن الخطب ان أمثال هذه الروايات لم تجد لها أي صدى في نفوس جميع علماء الاسلام على اختلاف طوائفهم شيعة وسنة ، إلا من شذ منهم . يقول الشيخ الطوسي : " وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمّما لا يليق به أيضاً ، لان الزيادة مجمع على بطلانها والنقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر

في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثيرمن آي القرآن ونقل شيء منه من موضع الى موضع ، طريقها الاحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والاولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها " (121) ومثل هذا المضمون ورد في كثير من كتب الشيعة والسنة على السواء ، وتواتره أوضح من أن يطال فيه الحديث . وما أجمل ما ذكره المرتضى في ذلك ، حيث قال : " إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت الى حد لم يبلغه ما ذكرناه ، لان القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل ما اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز ان يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد " (122) .

ومع هذه البديهة ، لا أظن أننا نحتاج بعد الى الاستدلال على عدم التحريف بآية ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) (123) وآية ( وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (124) لان الاستدلال بهما انما يكون مع الشك في التحريف ، ومع فرض الشك فإن هذه الايات لا تصلح للدلالة للزوم الدور بداهة ان دلالتها على عدم التحريف في القرآن موقوفة على ان تكون هي غير محرفة ، وكونها غير محرفة موقوف على دلالتها على عدم التحريف فيه فيلزم الدور .

والظاهر ان هذا الدور لا مدفع له مع الشك .

نعم من آمن بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) وآمن بإمضائهم للكتاب الموجود ، يرتفع هذا الاشكال عنه لان دلالة هذه الايات على عدم التحريف في القرآن موقوف

على كونها غير محرفة ، وكونها غير محرفة يثبت بإمضاء أهل البيت(عليهم السلام) لها على ما هي عليه ، فهي حجة في مدلولها ، ومدلولها ظاهر في عدم تحريف القرآن ولا يتوقف على عدم التحريف في القرآن ومتى اختلف الموقوف عن الموقوف عليه ارتفع الدور .

وإمضاء أهل البيت(عليهم السلام) للقرآن المتداول ضروري واخبارهم بالارجاع اليه والتمسك به وعرض الاخبار الصحيحة عليه في غاية التواتر ، وعلى هذا فحجية ظواهر الكتاب مما لا مجال للمناقشة فيها بعد ما ثبت تواتر مابين الدفتين ، وانه هو الكتاب المنزل من السماء من دون زيادة أو نقيصة فيه ، والشبهة الباقية ليس فيها ما يقف دون الاخذ بحجيتها كما سبق بيانه .

البابُ الاول

القسم الثاني

السُّـنّـة تعريف السنة :

السنة في اللغة : لكلمة ( السنة ) تحديدات تختلف باختلاف المصطلحين ، فهي في عرف أهل اللغة " الطريقة المسلوكة ، وأصلها من قولهم سننت الشيء بالمسن اذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سناً أي طريقاً " .

وقال الكسائي : " معناها الدوام ، فقولنا : سنة ، معناها الامر بالادامة من قولهم : سننت الماء اذا واليت في صبه " .

وقال الخطابي : " أصلها الطريقة المحمودة ، فاذا أطلقت انصرفت اليها ، وقد تستعمل في غيرها مقيدة ، كقوله : من سن سنة سيئة " (125) .

وقيل : هي الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أو سيئة ، كما في الحديث الصحيح : " من سنَّ سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة " (126) .

السنة عند الفقهاء والكلاميين : وتطلق في عرف الفقهاء على ما يقابل البدعة ، ويراد بها كل حكم يستند الى أصول الشريعة في مقابل البدعة فإنها تطلق على " ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة " (127) وربما استعملها الكلاميون بهذا الاصطلاح ، كما تطلق في اصطلاح آخر لهم على " ما يرجح جانب وجوده على جانب عدمه ترجيحاً ليس معه المنع من النقيض " (128) وهي بذلك ترادف كلمة المستحب ، وربما كان إطلاقها

على النافلة في العبادات من باب إطلاق العام على الخاص ، وكذلك اطلاقها على خصوص " ما واظب على فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع ترك ما بلا عذر " (129) كما جاء في بعض التحديدات .

السنة عند الاصوليين : وقد اختلفوا في مدلولها من حيث السعة والضيق مع اتفاقهم على صدقها على " ما صدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قول أو فعل أو تقرير " وقيدها الشوكاني بقوله : " من غير القرآن " وهو قيد في غير موضعه لان القرآن لم يصدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وإنما صدر عن الله وبلّغه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو لا يصدق عليه أنه قوله إلا بضرب من التجوز والتحديد العلمي لا يتحمله ; وهناك قيود أُخر أضافها غير واحد كقولهم : اذا كان في مقام التشريع ، وسيتضح ان هذه القيود لا موضع لها أيضاً لانه ما من شيء يصدر عن الانسان بإرادته إلا وله في الشريعة حكم ، فجميع ما يصدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بعد ثبوت عصمته ـ لا بد ان يكون صادراً عن تشريع حكم وله دلالته في مقام التشريع العام ، إلا ما اختص به(صلى الله عليه وآله وسلم) وسيأتي الحديث فيه .

وموضع الاختلاف في التحديد توسعة الشاطبي لها الى ما تشمل الصحابة حيث اعتبر ما يصدر عنهم سنة ويجري عليه أحكامها الخاصة من حيث الحجية (130) .

وربما وافقه بعضهم على ذلك ، بينما وسعها الشيعة الى ما يصدر عن أئمتهم(عليهم السلام)فهي عندهم كل ما يصدر عن المعصوم قولاً وفعلاً وتقريراً ; وبالطبع ان الذي يهمنا هو المصطلح الثالث ، أعني مفهومها عند الاصوليين لان الحديث عن حجيتها انما يتصل بهذه الناحية دون غيرها ; وطبيعة المقارنة تستدعي استعراض آرائهم على اختلافها في هذه المسألة الهامة .

والحديث حول حجية السنة يقع في مواقع ثلاث : 1 ـ حجية ما صدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قول ، أو فعل ، أو تقرير .

2 ـ حجية ما صدر عن الصحابة من ذلك بالاضافة الى معناها الاول ، وهو الذي اختاره الشاطبي .

3 ـ حجية ما صدر عن الائمة من أهل البيت(عليهم السلام) بالاضافة الى معناها الاول أيضاً ، وهو الذي تبنّاه الشيعة على اختلاف منهم في المراد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) .

حجية السنة النبوية : والحديث حول حجية ما صدر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قول أو فعل أو تقرير ، أوضح من ان يطال فيها الحديث ، إذ لولاها لما اتضحت معالم الاسلام ، ولتعطل العمل بالقرآن ، ولما أمكن ان يستنبط منه حكم واحد بكل ما له من شرائط وموانع ، لان أحكام القرآن لم يرد أكثرها لبيان جميع خصوصيات ما يتصل بالحكم ، وإنما هي واردة في بيان أصل التشريع ، وربما لا نجد فيه حكماً واحداً قد استكمل جميع خصوصياته قيوداً وشرائط وموانع ; خذوا على ذلك مثلاً هذه الايات المباركة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (131) ، ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) (132) ، ( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) (133) ، ثم حاولوا التجرد عن تحديدات السنة لمفاهيمها وأجزائها وشرائطها وموانعها ; فهل تستطيعون ان تخرجوا منها بمدلول محدد ؟ وما يقال عن هذه الايات يقال عن غيرها ، فالقول بالاكتفاء بالكتاب عن الرجوع الى السنة تعبير آخر عن التنكر لاصل الاسلام وهدم لاهم معالمه وركائزه العملية .

وقد قامت محاولات على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده للتشكيك بقيمة السنة ، أمثال ما حدّث به عبدالله بن عمرو ، قال : " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : انك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك للرسول ; فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق " (134) .

وربما كان من ردود الفعل لموقف قريش هذا من السنة قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يحذر من مغبة تركها : " لا ألفينّ أحدكم على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " (135) .

وقد حاولوا بعد ذلك ان تصبغ هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين ، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبياناً لكل شيء ، وأمثالها من الادلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الام وردّ عليها بأبلغ ردّ ، وخلاصة ما جاء في ردّه : " إن القرآن لم يأت بكل شيء من ناحية ، وفيه الكثير مما يحتاج الى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات ، ولا يقوم بذلك إلا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بحكم رسالته التي عليه ان يقوم بها ، وفي هذا يقول الله تعالى : ( وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) (136) ـ ثم يقول ـ : " لو رددنا السنة كلها لصرنا الى أمر عظيم لا يمكن قبوله ، وهو أن من يأتي بأقل ما يسمى صلاة أو زكاة فقد أدّى ما عليه ، ولو صلى ركعتين في كل يوم أو أيام ، إذ له ان يقول : ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض ، ولكن السنة بينت لنا عدد الصلوات في اليوم وكيفياتها ، والزكاة وأنواعها ومقاديرها ، والاموال التي تجب فيها " (137) .

والحقيقة ، ان المناقشة في حجية السنة أو إنكارها مناقشة في الضروريات الدينية وإنكار لها ، وليس لنا مع منكر الضروري من الدين حساب ، لانه خارج

عن طبيعة رسالتنا بحكم خروجه عن الاسلام .

يقول الشوكاني : " والحاصل ان ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الاحكام ضرورة دينية ، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظّ له في دين الاسلام " (138) .

و يقول الخضري من المتأخرين : " وعلى الجملة فإن حجية السنة من ضروريات الدين ، أجمع عليها المسلمون ونطق بها القرآن " (139) وكذلك غيرهما من الاصوليين .

والحقيقة اني لا أكاد أفهم معنى للاسلام بدون السنة ، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح ، فإن إقامة البرهان عليها لا معنى له ، لان أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية ، وهو حاصل فعلاً بدون الرجوع إليه ; ولكن الاعلام من الاصوليين درجوا على ذكر أدلة على ذلك من الكتاب والسنة والاجماع والعقل ، ولا بد لنا من مجاراتهم في هذا المجال ما دمنا نريد أن نؤرخ لمبانيهم وحججها من جهة ، ونقيّمها بعد ذلك من الجهة الاخرى .

1 ـ حجيتها من القرآن : استدلوا بآيات من القرآن الكريم على اعتبار الحجية لها ، أمثال قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (140) ، ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (141) ، ( وما ينطق عن الهوى * ان هو إلا وحي يوحى ) (142) .

ودلالة هذه الايات في الجملة من أوضح الدلالات على حجيتها ، إلا أنها ـ فيما تبدو ـ أضيق من المدعى لانها لا تشمل غير القول إلا بضرب من التجوز ، والمراد اثباته عموم حجيتها لمطلق السنة قولاً وفعلاً وتقريراً .

2 ـ الاجماع : وقد حكاه غير واحد من الباحثين ، يقول خلاّف : " أجمع المسلمون على ان ما صدر عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير ، وكان مقصوداً به التشريع والاقتداء ونقل الينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجة على المسلمين " (143) .

وفي سلم الوصول : " الاجماع العملي من عهد الرسول الى يومنا هذا على اعتبار السنة دليلاً تستمد منه الاحكام ، فإن المسلمين في جميع العصور استدلوا على الاحكام الشرعية بما صح من أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يختلفوا في وجوب العمل بما ورد في السنة " (144) .

ولا يعلم مخالف في ذلك من المسلمين على الاطلاق ، إلا ما يبدو من اولئك الذين ردّ عليهم الشافعي وهم على طوائف ثلاث ، وجل أقوالهم تنصب على السنة المرويّة لا على أصل السنة ، فراجعها في تاريخ الفقه الاسلامي لمحمد يوسف موسى (145) .

ونقلة الاجماع على الحجية كثيرون ، إلا أن الاشكال في حجية أصل الاجماع لدى البعض وفي مصدر حجيته لدى البعض الاخر ، فإن انكرنا حجية الاجماع أو قلنا : إن مصدره من السنة نفسها ، لم يعد يصلح للدليلية هنا ، أما مع انكار الحجية فواضح ، واما مع انحصار مصدره بالسنة فللزوم الدور لوضوح ان حجية الاجماع تكون موقوفة على حجية السنة ، فاذا كانت حجية السنة موقوفة على حجية الاجماع ، كانت المسألة دائرة .

3 ـ دلالة السنة على حجية نفسها : وقد استدل بها غير واحد من الاصوليين ; يقول الاستاذ سلام : كما دل على حجيتها ومنزلتها من الكتاب قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدهما أبداً : كتاب الله وسنة نبيه . واقراره لمعاذ بن جبل لما قال : أقضي بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة رسوله " (146) .

ويقول الاستاذ عمر عبدالله ، وهو يعدد أدلته على حجيّة السنة : " ثانياً : ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبر السنة دليلاً من الادلة الشرعية ومصدراً من مصادر التشريع ، كما دل على ذلك حديث معاذ بن جبل حينما بعثه الرسول الى اليمن " (147) .

وهذا النوع من الاستدلال لا يخلو من غرابة لوضوح لزوم الدور فيه ، لان حجية هذه الادلة موقوفة على كونها من السنة ، وكون السنة حجة ; فلو توقف ثبوت حجية السنة عليها لزم الدور .

4 ـ دليل العقل : ويراد من دليل العقل هنا ، خصوص ما دل على عصمة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وامتناع صدور الذنب والغفلة والخطأ والسهو منه ، ليمكن القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي من قبل التشريع ، إذ مع العصمة لا بد أن تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من إقرار موافقة للشريعة وهو معنى حجيتها .

وهذا الدليل من امتن ما يمكن أن يذكر من الادلة على حجية السنة ، وإنكاره مساوق لانكار النبوة من وجهة عقلية ، إذ مع إمكان صدور المعصية منه أو الخطأ في التبليغ أو السهو أو الغفلة لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدعي تأديته عن الله

عز وجل ، لاحتمال العصيان أو السهو أو الغفلة أو الخطأ منه ، ولا مدفع لهذا الاحتمال .

ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن تمامية الاحتجاج له أو عليه حتى في مجال دعواه النبوة ، لما سبق أن قلنا من أن كل حجة لا تنتهي الى القطع فهي ليست بحجة ، لان العلم مقوم للحجية .

فاذا ثبتت نبوتـه بالادلة العقلية ، فقد ثبتت عصمته حتماً للتلازم بينهما ، وبخاصة اذا آمنا باستحالة اصدار المعجزة من قِبل الله تعالى على يد من يمكن أن يدعي النبوة كذباً ، لقاعدة التحسين والتقبيح العقليين أو لغيرها على اختلاف في المبنى .

إشكال ودفع : وقد يقال بعدم التلازم عقلاً بين إثبات العصمة له وتحصيل الحجة على اعتبار ما يصدر منه من قول أو فعل أو تقرير من قبيل التشريع ، لان الدليل العقلي غاية ما يثبت امتناع كذبه في ادعاء النبوة لاستحالة صدور المعجزة على يد مدعي النبوة كذباً ، لا مطلق صدور الذنب منه فضلاً عن الخطأ والسهو والنسيان .

ودعوى عدم حصول العلم بكون ما يصدر عنه تشريعاً ، لاحتمال الخطأ ، أو النسيان ، أو الكذب في التبليغ ، أو السهو ، يدفعها الرجوع الى اصالة عدم الخطأ ، أو السهو ، أو الغفلة ونظائرها ، وهي من الاصول العقلائية التي يجري عليها الناس في واقعهم ، ويكون حسابه حساب أئمة المذاهب ، من حيث وجود هذه الاحتمالات فيهم ، ومع ذلك فإن الناس يثقون بأقوالهم ويدفعون الخطأ فيها أو السهو أو الغفلة ، أو تعمد الكذب بأمثال هذه الاصول .

وهذا الاشكال من أعقد ما يمكن ان يُذكر في هذا الباب ، ولكن دفعه انما يتم اذا تذكرنا ما سبق ان قلناه من أن كل حجة لا تنتهي الى العلم فهي ليست بحجة ، لان القطع هو الحجة الوحيدة التي لا تحتاج الى جعل ، وبها ينقطع التسلسل ويرتفع الدور .

وهذه الاصول العقلائية التي يفزع اليها الناس في سلوكهم مع بعضهم ، لا تحدث علماً بمدلولها ولا تكشف عنه أصلاً لا كشفاً واقعياً ولا تعبدياً .

أما نفي الكشف الواقعي عنها فواضح لعدم التلازم بين إجراء أصالة عدم الخطأ في سلوك شخص مّا وبين إصابة الواقع والعلم به ، ولو كان بينهما تلازم عقلي لامكن إجراء هذا الاصل مثلاً في حق أي شخص واعتبار ما يصدر عنه من السنة ولا خصوصية للنبي في ذلك .

وأما نفي الكشف التعبدي عنها فلانه مما يحتاج الى جعل من قبل الشارع ، ومجرد بناء العقلاء لا يعطيه هذه الصفة ما لم يتم امضاؤه من قبله .

وشأنه في ذلك شأن جميع ما يصدرون عنه من عادات وتقاليد وأعراف ، والسر في ذلك ان القطع بصحة الاحتجاج به على الشارع لا يتم الا اذا تم تبنّيه من قبله وعلم ذلك منه ، وكل حجة لا تنتهي الى القطع بصحة الاحتجاج بها فهي ليست بحجة ، كما سبق بيان ذلك مفصلاً .

هذا اذا أعطينا هذه الاصول صفة الامارية ، اما اذا جردناها منها واعتبرناها وظائف عقلائية ـ جعلوها عند الشك لينتظم سلوكهم في الحياة ـ فأمرها أوضح ، لعدم حكايتها عن أي واقع ليعتبر ما تحكي عنه من قبيل التشريع .

والاعتماد عليها كوظائف لا يتم إلا اذا تم تبني الشارع لها بالامضاء أيضاً لنفس السبب السابق .

وعلى هذا فحجية هذه الاصول وأمثالها موقوفة على امضاء الشارع لها بقوله

أو فعله أو تقريره ، وكون هذا الامضاء حجة ، أي موقوفة على حجية السنة ، فلو كانت حجية السنة موقوفة عليها كما هو الفرض لزم الدور . لبداهة ان حجية الاقرار من قبله(صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً موقوفة على حجية اصالة عدم الخطأ أو اصالة الصحة أو اصالة عدم الغفلة أو السهو ، وحجية هذه الاُصول موقوفة على حجية اقراره لها لو كان هناك اقرار ، ومع اسقاط المتكرر ينتج ان حجية اقراره موقوفة على حجية اقراره .

والحقيقة ان القول بحجية السنة بشكلها الواسع لا يلتئم مع أنكار العصمة أو بعض شؤونها بحال .

وليس المهم بعد ذلك ان ندخل في شؤون العصمة وأدلتها ، فإن ذلك من بحوث علم الكلام .

والكلمات بعد ذلك مختلفة ومشتّتة ، والتأمل فيما عرضناه يكشف فيما نعتقد وجه الحق فيها .

ومهما قيل أو يقال في العصمة على صعيد علم الكلام فإنهم في الفقه مجمعون على اعتبار حجية السنة قولاً وفعلاً وتقريراً ، وهو حسبنا في مجال المقارنة .

على ان حجيتها ـ كما سبق ان قلنا ـ ضرورة دينية لا يمكن لمسلم ان ينكرها وهو باق على الاسلام ، والاعتراف بها ينطوي على الاعتراف بالعصمة حتماً وعدم جواز الخطأ عليه خلافاً للقاضي أبي بكر (148) .

البابُ الاول

القسم الثاني

(السُّنّة) سُنّة الصّحابة سنة الصحابة : يقول الشاطبي : " سنة الصحابة (رض) سنة يعمل عليها ويرجع اليها ، والدليل على ذلك أمور " (25) .

والامور التي ذكرها لا تنهض بإثبات ما يريده ، نعرضها ملخصة :

أحدها : " ثناء الله عليهم من غير مثنوية ، ومدحهم بالعدالة وما يرجع اليها كقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) (26) ، وقوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) (27) ، ففي الاولى إثبات الافضلية على سائر الامم ، وذلك يقضي باستقامتهم على كل حال ، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة ، وفي الثانية إثبات العدالة مطلقاً ، وذلك يدل على ما دلت عليه الاولى " (28) .

والجواب على الاية الاولى يقع من وجوه :

أ ـ ان اثبات الافضيلة لهم على سائر الامم ، كما هو مفاد أفعل التفضيل في كلمة ( خير أمة ) لا تستلزم الاستقامة لكل فرد منهم على كل حال ، بل تكفي الاستقامة النسبية لافرادها ، فيكون معناها ان هذه الامة مثلاً في مفارقات أفرادها أقل من الامم التي سبقتها ، فهي خيرهم من هذه الناحية ، هذا اذا لم نقل إن الاية انما فضلتهم من جهة تشريع الامر بالمعروف لهم والنهي عن المنكر ، كما هو ظاهر تعقيبها بقوله تعالى : ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) فلا تكون واردة في مقام جعل الحجية لاقوالهم أصلاً .

ب ـ ان التفضيل الوارد فيها انما هو بلحاظ المجموع ـ ككل ـ لا بلحاظ تفضيل كل فرد منها على كل فرد من غيرها لنلتزم لهم بالاستقامة على كل حال ، ولذا لا

نرى أية منافاة بين هذه الاية وبين ما يدل ـ لو وجد ـ على تفضيل حواري عيسى مثلاً على بعض غير المتورعين من الصحابة .

ج ـ انها واردة في مقام التفضيل لا مقام جعل الحجية لكل ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وتقريرات ، اذ هي أجنبية عن هذه الناحية ، ومع عدم احراز كونها واردة لبيان هذه الجهة لا يمكن التمسك بها بحال .

د ـ ان هذا الدليل لو تم فهو أوسع من المدعى بكثير لكون الامة أوسع من الصحابة ولا يمكن الالتزام بهذا التعميم .

وقد تنبه الشاطبي لهذا الاشكال ودفعه بقوله : " ولا يقال ان هذا عام في الامة فلا يختص بالصحابة دون من بعدهم .

لانا نقول أولاً ليس كذلك بناء على انهم المخاطبون على الخصوص ، ولا يدخل معهم من بعدهم إلا بقياس وبدليل أخر ، وثانياً على تسليم التعميم أنهم أول داخل في شمول الخطاب ، فإنهم أول من تلقى ذلك من الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهم المباشرون للوحي ; وثالثاً انهم أولى بالدخول من غيرهم اذ الاوصاف التي وصفوا بها لم يتصف بها على الكمال إلاّ هم ، فمطابقة الوصف للاتصاف شاهد على أنهم أحق من غيرهم بالمدح " (29) .

ولكن هذه المناقشات لا يتضح لها وجه ، أما الاولى فلان اختصاص الخطاب بهم مبني على ما سبقت الاشارة اليه من اختصاص الحجية بخصوص المشافهين لامتناع خطاب المعدوم ، وقد تقدم ما فيه ، بالاضافة الى ان هذا الاشكال لو تم فهو لا ينفع المستدل لاختصاصه بخصوص الحاضرين في مجلس الخطاب لامتناع خطاب غير الحاضر ; وإذن تختص الاية بخصوص من حضروا المجلس عند نزول الاية ، وليس كل الصحابة ، على ان دليل المشاركة وحده كاف في التعميم .

وأما المناقشتان الثانية والثالثة ، فهما واضحتا البطلان لانكار الاولية

والاولوية في القضايا التي يكون مساقها مساق القضية الحقيقية ، لان نسبتها الى الجميع تكون نسبة واحدة من حيث الدلالة اللفظية ; على أن أولية الدخول أو أولويته لا يستلزم صرف الخطاب اليهم وقصره عليهم ، لان مقتضاهما يوجب مشاركة الغير لهم في الدخول مع تأخر في الزمان أو الرتبة ، فما ذكره من الاختصاص بهم من هذه الجهات لا يخلو من مؤاخذة .

ومع ثبوت التعميم لا يمكن اثبات أحكام السنة لجميع الامة كما هو واضح .

وما يقال عن هذه الاية يقال عن الاية الثانية ، فهي بالاضافة الى هذه المؤاخذات على الاستفادة منها والغض عن تسليم افادتها لعدالتهم جميعاً ، ان مجرد العدالة لا يوجب كون كل ما يصدر عنهم من السنة ، وإلا لعممنا الحكم الى كل عادل سواء كان صحابياً أم غير صحابي ، لورود الحكم على العنوان كما هو الفرض ، وغاية ما تقتضيه العدالة هو كونهم لا يتعمدون الخطيئة ، أما مطابقة ما يصدر عنهم للاحكام الواقعية ليكون سنة فهذا أجنبي عن مفهوم العدالة تماماً .

والثاني : ما جاء في الحديث من الامر باتباعهم ، وان سننهم في طلب الاتباع كسنة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كقوله : ( ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ... ) (30) ، وقوله : ( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ; قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي ) (31) . وعنه أنه قال : ( أصحابي مثل الملح لا يصلح الطعام إلا به ) ، وعنه أيضاً : ( ان الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبابكر وعمر وعثمان وعلياً ، فجعلهم خير أصحابي وفي أصحابي كلهم خير ) (32) . ويروى في بعض الاخبار : ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) (33) الى غير ذلك مما في معناه " (34) .

والجواب عن هذه الاحاديث ونظائرها ـ بعد التغافل عن أسانيدها وحساب

ما جاء في بعضها من الطعون أمثال ما ذكره ابن حزم عن حديث أصحابي كالنجوم من أنه " حديث موضوع مكذوب باطل ، وقال أحمد : حديث لا يصح ، وقال البزار : لا يصح هذا الكلام عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) " (35) ـ ان هذه الروايات لا يمكن الاخذ بظاهر بعضها ، ولا دلالة للبعض الاخر على المدعى .

وأول ما يرد على الرواية الاولى ونظائرها من الروايات الامرة بالاقتداء بهم استحالة صدور مضمونها من المعصوم لاستحالة ان يعبّدنا الشارع بالمتناقضين ، وتناقض سيرة الخلفاء في نفسها من أوضح الامور لمن قرأ تأريخهم واستقرأ ما صدر عنهم من أحداث .

وحسبك ان سيرة الشيخين مما عرضت على الامام علي(عليه السلام) يوم الشورى ، فأبى التقيد بها ولم يقبل الخلافة لذلك ، وقبلها عثمان وخرج عليها بإجماع المؤرخين ، وفي أيام خلافة الامام نقض كل ما أبرمه الخليفة عثمان ، وخرج على سيرته سواء في توزيع الاموال أم المناصب أم اسلوب الحكم ، والشيخان نفسهما مختلفا السيرة ، فأبوبكر ساوى في توزيع الاموال الخراجية وعمر فاوت فيها ، وأبو بكر كان يرى طلاق الثلاث واحداً ، وعمر شرّعه ثلاثاً ، وعمر منع عن المتعتين ، ولم يمنع عنهما الخليفة الاول ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى .

وعلى هذا ، فأية هذه السير هي السنة ؟ وهل يمكن ان تكون كلها سنة حاكية عن الواقع ، وهل يتقبل الواقع الواحد حكمين متناقضين ؟! وما أحسن ما ناقض الغزالي أمثال هذه الروايات بقوله : " فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله ، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ ؟ وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة متواترة ؟ وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ؟ وكيف يختلف المعصومان ؟ كيف ، وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ؟ فلم ينكر أبوبكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا

في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه ، فانتفاء الدليل على العصمة ووقوع الاختلاف بينهم وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلة قاطعة " (36) .

على أن بعض هذه الروايات أضيق من المدعى لاختصاصها بالخلفاء الراشدين ، كالرواية الاولى ، فتعميمها الى مختلف الصحابة لا يتضح له وجه ، والروايات الباقية أجنبية عن إفادة إثبات جعل الحجية لما يصدر عنهم ، وغاية ما تدل عليه ـ لو صحت أسانيدها ـ مدحهم والثناء عليهم ، والمدح والثناء لا يرتبطان بعالم جعل الحجية للممدوحين .

على ان هذه الروايات ـ على تقدير تمامية دلالتها ـ مخصصة بما دل على ارتداد اكثرهم ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " بينا أنا قائم إذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ; فقلت : أين ؟ قال الى النار والله ; قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ; ثم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ; فقال : هلم ; قلت : أين ؟ قال : الى النار والله ; قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " (37) .

وفي روايته الاخرى ، عن سهل بن سعد قال : " قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : إني فرطكم على الحوض من مرَّ عليّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ; قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ; فقال : اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها ، فأقول : انهم مني ، فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي " (38) .

وفي روايته الثالثة عن انس ، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " ليردن علي ناس من

أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك " (39) .

الى غير هذه الروايات مما عرضها البخاري في باب الحوض وغيره ، كما عرضها غيره من اصحاب الصحاح وسائر السنن (40) ، ولا يهم عرضها ، وطبيعة الجمع بين الادلة تقتضي تقييد تلكم الادلة بغير المرتدين ، فمع الشك في ارتداد أحد الصحابة لا يمكن التمسك بتلكم العمومات لعدم احراز موضوعها وهو الصحابي غير المرتد ، ويكون التمسك بها من قبيل التمسك بالعام في الشبهات المصداقية .

والتحقيق انه لا يسوغ لان القضية لا تثبت موضوعها بل تحتاج الى اثباته من خارج نطاق الدليل .

وقد يقال : ان المراد بالمرتدين هم اصحاب الردة الذين قاتلهم الخليفة أبو بكر ، وهم معلومون ، فلا تصل النوبة الى الشك والتوقف عن التمسك بتلكم العمومات . ولكن هذا الاحتمال بعيد جداً لمنافاته بصراحة لرواية ابي هريرة السابقة التي صرحت بقولها : " فلا أراه يخلص إلا مثل همل النعم " وهي أبلغ كناية عن القلّة ، ومعنى ذلك أنها حكمت على أكثرهم بالارتداد ، ومعلوم ان هؤلاء المرتدين الذين حاربهم الخليفة لا يشكلون إلا أقل القليل .

ولولا أننا في مقام التماس الادلة الى أحكام الله عز وجل ، وهو يقتضينا ان لا نترك ما نحتمل مدخليته في مقام الحجية رفعاً أو وضعاً ، لكنّا في غنى عن عرض هذه الاخبار والاحاديث والتحدث فيها .

وما يقال عن هذه الاحاديث ، يقال عن آية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً ) (41) و كأن هذه الاحاديث واردة مورد التفسير لهذه الاية ،

ومؤكدة لتحقق مضمونها بعد وفاته .

الثالث : " ان جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الاقاويل ، فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلاً ، وبعضهم عدّ قول الخلفاء الاربعة دليلاً ، وبعضهم يعدّ قول الصحابة على الاطلاق حجة ودليلاً ; ولكل قول من هذه الاقوال متعلق من السنة ; وهذه الاراء وإن ترجّح عند العلماء خلافها ففيها تقوية تضاف الى امر كلي هو المعتمد في المسألة ، وذلك ان السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة ويتكثرون بموافقتهم ، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الائمة المعتبرين ; فتجدهم اذا عينوا مذاهبهم قدّموا ذكر من ذهب اليها من الصحابة ، وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم وقوة مآخذهم دون غيرهم وكبر شأنهم في الشريعة ، وانهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلاً عن النظر معهم فيما نظروا فيه ، وقد نقل عن الشافعي أن المجتهد قبل ان يجتهد لا يمنع من تقليد الصحابة ويمنع من غيره ، وهو المنقول عنه في الصحابي : كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته ؟ ولكنه مع ذلك يعرف لهم قدرهم " (42) .

والجواب على هذا النوع من الاستدلال أنه أجنبي عن اعتبار ما يصدر عنهم من السنة ، وغاية ما يدل عليه ـ لو صح ـ ان جمهور العلماء كانوا يرونهم في مجالات الرواية أو الرأي أوثق أو أوصل من غيرهم ، والصدق والوثاقة وأصالة الرأي شيء وكون ما ينتهون اليه هو من السنة شيء آخر ، وقول الشافعي الذي نقله نفسه يبعدهم عن هذا المجال ، اذ كيف يمكن له ان يحج من كان قوله سنة ؟ وهل يستطيع ان يقول مثل هذا الكلام عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

على ان هذا النوع من الترجيح لاقوالهم لا يعتمد أصلاً من أصول التشريع ، والعلماء لم يتفقوا عليه ليشكل اتفاقهم اجماعاً يركن اليه .

الرابع : " ما جاء في الاحاديث من ايجاب محبتهم ، وذم من أبغضهم ، وان من أحبهم فقد أحب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام ، وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه فقط ، اذ لا مزية في ذلك ، وانما هو لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته مع حمايته ونصرته ، ومن كان بهذه المثابة حقيق ان يتخذ قدوة وتجعل سيرته قبلة " (43) .

والجواب عن هذا الاستدلال أوضح من سابقه ، لانّ ما ذكره من التعليل لا يكفي لاعطائهم صفة المشرعين أو إلحاق منزلتهم بمنزلة النبوة ، وغاية ما يصورهم أنهم أُناس لهم مقامهم في خدمة الاسلام والالتزام بتعاليمه ، ولكنه لا ينفي عنهم الخطأ أو السهو أو الغفلة ; على ان لارباب الجرح والتعديل حساباً مع الكثير من روايات هذا الباب لا يهم عرضها الان .

هذا كله من حيث اعتبار ما يصدر عنهم من السنة ، أما جعل الحجية لاقوالهم من حيث كونهم رواة ومجتهدين فلذلك حساب آخر يأتي موضعه في مبحث ( مذهب الصحابي ) .

(82) لم أصول الفقه لخلاّف : 24 .

(83) المصدر السابق .

(84) المدخل الى علم أصول الفقه : 20 .

(85) سورة المائدة : الاية 3 .

(86) اقرأ أسانيدها في الجزء الاول من كتاب الغدير .

(87) فلسفة التشريع في الاسلام : 144 .

(88) سورة الم السجدة : الاية 2 .

(89) سورة النساء : الاية 104 .

(90) سورة النجم : الايتان 4 ـ 5 .

(91) سورة آل عمران : الاية 7 .

(92) متشابهات القرآن ، لابن شهر آشوب : 2 .

(93) إرشاد الفحول : 1 / 32 .

(94) سورة آل عمران : الاية 7 .

(95) راجع : حقائق التأويل : 5 / 1 وما بعدها .

(96) فوائد الاصول : 3 / 48 ، وللاطلاع على تفصيل هذه الاخبار تراجع رسائل الشيخ الانصاري ( فرائد الاصول : 56 وما بعدها ط . جامعة المدرسين ) .

(97) بحار الانوار : 2 / 293 ، الباب 34 ، الحديث : 13 ، وراجع : البيان في تفسير القرآن : 184 .

(98) فروع الكافي : 8 / 311 الباب : 8 ، الحديث 485 ، وراجع : البيان في تفسير القرآن : 184 .

(99) فوائد الاصول :3 / 48 .

(100) صحيح البخاري : 8 / 169 ، كتاب الحدود ، الحديث : 6328 .

(101) الاتقان : 1 / 60 .

(102) صحيح مسلم :4 /167 ، كتاب الرضاع ، الحديث : 2634 .

(103) صحيح مسلم : 3 / 100 ، كتاب الزكاة ، الحديث رقم 1740 .

(104) اصول الكافي : 2 / 634 ، الحديث : 28 .

(105) مجمع البيان :1 / 15 .

(106) الامام زيد : 351 .

(107) سورة الحجر : الاية 9 .

(108) راجع استدلالهم في كتاب البيان ص144 وما بعدها ، وتفنيد آية الله الخوئي(قدس سره) له .

(109) عوالي اللالي : 4 / 133 ، الحديث : 229 .

(110) أصول الكافي : 1 / 8 ، في خطبة الكتاب .

(111) فروع الكافي : 8 / 53 ، الحديث : 16 .

(112) سورة الحجر : الاية 9 .

(113) أصول الكافي : 1 / 9 ، في خطبة الكتاب .

(114) كشف الغطاء ، كتاب القرآن من كتاب الصلاة ، المبحث السابع والثامن : 298 .

(115) الامام الصادق : لابي زهرة : 334 .

(116) لاتقان : للسيوطي : 1 / 58 وما بعدها .

(117) المصدر السابق : 1 / 66 وما بعدها .

(118) المصدر السابق : 1 / 67 .

(119) الامام الصادق : لابي زهرة : 339 .

(120) راجع : البيان في تفسير القرآن : 156 وما بعدها .

(121) التبيان : 1 / 3 .

(122) مجمع البيان : 1 / 15 .

(123) سورة الحجر : الاية 9 .

(124) سورة فصلت : الاية 42 .

(125) تراجع هذه الاقوال في ارشاد الفحول ص33 .

(126) صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، الحديث : 1691 ، والنسائي : كتاب الزكاة ، الحديث : 2507 ، باختلاف يسير .

(127) نهاية ابن الاثير مادة ( بدع ) .

(128) ارشاد الفحول : 33 .

(129) المصدر السابق .

(130) الموافقات : 4 / 74 .

(131) سورة البقرة : الاية 43 .

(132) سورة البقرة : الاية 183 .

(133) سورة آل عمران : الاية 97 .

(134) سنن ابي داود : كتاب العلم ، الحديث : 3161 ، لمزيد الاطلاع راجع كتاب المدخل للفقه الاسلامي ص184 .

(135) سنن الترمذي : كتاب العلم ، الحديث : 2587 ، وسنن أبي داود : كتاب السّنّة ، الحديث 3989 ، وسنن ابن ماجة : كتاب المقدمة ، الحديث : 13 . راجع كتاب في الحديث النبوي : ص16 ، ط . 2 ، لمصطفى الزرقاء ، وبمضمونه وردت عدة أحاديث إقرأها في الموافقات : 4 / 15 .

(136) سورة النحل : الاية 44 .

(137) راجع كتاب ( تاريخ الفقه الاسلامي ) للدكتور محمد يوسف موسى ص229 .

(138) ارشاد الفحول : ص33 .

(139) أصول الفقه : ص334 .

(140) سورة النساء : الاية 58 .

(141) سورة الحشر : الاية 7 .

(142) سورة النجم : الاية 3 ـ 4 .

(143) علم أصول الفقه : ص39 .

(144) سلم الوصول : 261 .

(145) ص227 وما بعدها .

(146) المدخل للفقه الاسلامي : ص225 .

(147) سلم الوصول : ص261 .

(148) راجع أقوال المسألة في ارشاد الفحول : ص34 .

(25) الموافقات : 4 / 74 .

(26) سورة آل عمران : الاية 110 .

(27) سورة البقرة : الاية 142 .

(28) الموافقات : 4 / 74 .

(29) الموافقات : 4 / 75 .

(30) مسند أحمد : مسند الشاميّين ، الحديث 16522 .

(31) سنن الترمذي : 5 / 26 ، ح2641 .

(32) مجمع الزوائد : 10 / 16 .

(33) لسان الميزان : 2 / 488 .

(34) الموافقات : 4 / 76 .

(35) اقرأ ما كتبه الشيخ عبدالله دراز في تعليقه على هذا الحديث في نفس المصدر ، وما جاء فيه من تضعيف وتصحيح .

(36) المستصفى : 1/135 .

(37) صحيح البخاري : 8/121 ، كتاب الرقاق ، الحديث : 6099 .

(38) المصدر السابق : الحديث : 6097 وكتاب الفتن ، الحديث 6528 .

(39) صحيح البخاري : 8/120 كتاب الرقاق ، الحديث : 6096 .

(40) ) أجوبة مسائل جار الله للامام شرف الدين ، ص13 ط . المجمع العالمي لاهل البيت(عليهم السلام .

(41) سورة آل عمران : الاية 144 .

(42) الموافقات : 4/77 وما بعدها .

(43) الموافقات : 4/79 وما بعدها .

/ 19