بیشترلیست موضوعاتالمقدمةبحوث تمهيدية الفقه المقارنأصول المقارنةأصول الاحتجاجأصول الفقه المقارن الغاية من أصول الفقه المقارن مباحث الحكممنهج البحثالباب الاول:الكتاب العزيز القسم الثاني: السنّة تعريف السنة في اللغة ب ـ سنة الصحابة ج ـ سنة أهل البيتالطرق القطعية إلى السنة هـ ـ الطرق غير القطعية إلى السنة و ـ السنة وكيفية الاستفادة منها ز ـ السنة والكتابالقسم الثالث: الاجماع القسم الرابع: دليل العقل القسم الخامس: القياس القسم السادس: الاستحسان القسم السابع: المصالح المرسلة القسم الثامن: فتح الذرائع وسدها القسم التاسع: العرف القسم العاشر: شرع من قبلنا القسم الحادي عشر: مذهب الصحابي الباب الثانيالاستصحابالقسم الاول: البراءة الشرعية القسم الثاني: الاحتياط الشرعي القسم الثالث: التخيير الشرعيالقسم الاول: البراءة العقلية القسم الثاني: الاحتياط العقلي القسم الثالث: التخيير العقلي الباب الخامسالقرعةخاتمة المطافالقسم الاول: الاجتهاد ـ تعريفه الاجتهاد: أقسامه ومعداته الاجتهاد: تجزي الاجتهاد وعدمه الاجتهاد: مراتب المجتهدين الاجتهاد: بين الانسداد والانفتاح الاجتهاد: أحكام المجتهد الاجتهاد: التخطئة والتصويب الاجتهاد: نقض الاجتهاد وعدمه القسم الثاني: التقليد: مفهومه وحجيته التقليد: اعتبار الحياة في المقلد التقليد: اعتبار الاعلمية في المقلد التقليد: اعتبار العدالة في المقلد ختام الحديثطبيعة ما رجعت إليه من مصادر وظيفة الكتابالفهارستوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الاصول العامة للفقه المقارن - صفحه 229 الي 262 البابُ الاولالقسم الثاني(السُّنّة) السنَّة والكتاب السنّة وعلائقها بالكتاب : واذا عرفنا مفهوم السنة وتعرفنا على حجيتها ، واستطعنا التوصل اليها من طرقها الذاتية أو المجعولة ، وعرفنا مضامينها حسب الكيفيات المجعولة ، لذلك كان علينا بعدها ان نبحث علائقها بالكتاب العزيز . والحديث حول ذلك يقع في مواقع أهمها أربعة :1 ـ نوعية ما ترد به من أحكام ونسبته الى الكتاب العزيز .2 ـ امكان تخصيص الكتاب بها وعدمه .3 ـ امكان نسخ الكتاب بها وعدمه .4 ـ رتبتها من الكتاب عند الاستدلال والمعارضة .1 ـ نوعية أحكامها : أما نوعية أحكامها فهي حسبما يدل عليه استقراؤها في مصادرها لا تخرج عن احد ثلاثة :أ ـ تأكيد ما ورد في الكتاب من أحكامه عامة ، كالاحاديث الامرة بأصل الصلاة والصيام والزكاة والحج ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكالاحاديث الناهية عن الخمر والميسر والانصاب والازلام وما أُهلّ به لغير الله ، وحسابها حساب الايات المتعددة الدالة على حكم واحد .ب ـ شرح ما ورد من آيات عامة في القرآن ، وبيان أساليب ادائها وامتثالها والتعرض لكل ما يتصل بها من أجزاء وشرائط وموانع ، كالاحاديث المحددة للمراد من الصلاة والصيام والحج ، والمبيّنة لاجزائها وشرائطها وموانعها وكل ما يرتبط بها من شؤون الاداء .ج ـ تأسيس أحكام جديدة لم يتعرض لها الكتاب فيما نعرف من آيات أحكامه مثل حرمان القاتل من الميراث اذا قتل مورثه ، وتحريم الجمع بين نكاح العمة وابنة أخيها أو الخالة وابنة أختها إلا باذنهما ، وكتحريم لبس الحرير للرجال وأمثالها ، يقول ابن القيم : " والسنة مع القرآن ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الادلة وتظافرها ، والثاني : ان تكون بياناً لما أريد بالقرآن وتفسيراً له ، والثالث : ان تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن ايجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه " (8) .2 ـ تخصيص الكتاب بها وعدمه : ومن اعتبار صفة الشرح والبيان لها يتضح أنه ليس هناك ما يمنع من تخصيص الكتب بها ما دام المخصص بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العام ، والظاهر أنه بهذا المقدار موضع اتفاق المسلمين ، ولذلك أرسلوا ـ إرسال المسلمات ـ إمكان تخصيص الكتاب بما تواتر من السنة ، ولكن موضع الخلاف في السنة التي تثبت باخبار الاحاد ، فالذي عليه الجمهور ان " خبر الواحد يخص عام الكتاب كما يخصه المتواتر " (9) وفصل الحنفية بين أن يكون العام الكتابي قد خصص من قبل بقطعي حتى صار بذلك التخصيص ظنياً ، وبين ما لم يخصص فجوزوه في الاول ومنعوه في الثاني (10) ، وذهب البعض الى المنع مطلقاً .وعمدة ما استدلوا به دليلان :أولهما : دعوى ان الخبر الواحد لا يقوى على معارضة الكتاب ، لان الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني .وثانيهما : موقف عمر بن الخطاب من حديث فاطمة بنت قيس : " حينما روت انه عليه الصلاة والسلام لم يجعل لها نفقة ولا سكنى وهي بائن ، فقال عمر : لا نترك كتاب ربنا ، ولا سنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصابت أم أخطأت " (11) .وكلاهما لا يصلحان للدلالة على المقصود ، أما الاول منهما فلان نسبة الخاص الى العام نسبة القرينة الى ذي القرينة ، وليس بينهما تعارض كما هو فحوى الدليل ، وحيث يمكن الجمع بين الدليلين لا مجال لطرح أحدهما وإلغائه . ولو فرض التعارض وعدم إمكان الجمع بينهما عرفاً ، لما أمكن رفع اليد عن الكتاب بالتخصيص حتى في السنة المتواترة ، بينما لم يلتزم أحد منهم بذلك ، بل لما أمكن ورود الخاص من الشارع أصلاً لاستحالة تناقضه على نفسه كما هو الشأن في المتباينين أو العامين من وجه عندما يلتقي الحكمان في موضع التقائهما حيث حكموا بالتساقط في الاخبار الحاكية لذلك فيهما .وبعد افتراض حجية الخاص في نفسه وإن كان مروياً بأخبار الاحاد ، فأي مانع من إعطائه صفة الشرح لما أُريد من العام الكتابي ؟ ومع التنزل فان التعارض في الحقيقة ليس بين سنديهما ليقدم القطعي على الظني ، وإنما هو بين ظنية الطريق في خبر الاحاد ، وظنية الدلالة في العام الكتابي ، فالكتاب وإن كان قطعي الصدور إلا أنه ظني الدلالة بحكم ما له من ظهور في العموم ، ولا موجب لاسقاط أحدهما بالاخر .نعم لو كان العموم الكتابي مما لا يقبل التخصيص لكونه نصاً في مدلوله لا يحتمل الخلاف ، ولا يتقبل قرينة عليه ، لتعين القول بإسقاط الخبر وتكذيبه لاستحالة صدور التناقض من الشارع ، وحيث ان الكتاب مقطوع الصدور ومقطوع الدلالة ، فلا بد ان يكون الكذب منسوباً الى الخبر ويتعين لذلك طرحه .وبهذا العرض يتضح معنى الاخبار الواردة عن المعصومين في اعتبار ما خالف كتاب الله زخرفاً ، أو يرمى به عرض الجدار ، وجعل الكتاب مقياساً لصحة الخبر عند المعارضة في الاحكام التي تعرّض لها الكتاب .واتهام الزنادقة بوضع هذه الاخبار ـ كما ورد على لسان بعض الاصوليين ـ منشؤه عدم إدراك معنى الحديث .نعم قد يقال ان النسخ يقتضي أحياناً مصادمة الحديث الناسخ للكتاب ، فكيف يجعل الكتاب مقياساً لصحته ، وهذا الاشكال صحيح لو كانت هذه الاحاديث واردة في غير أبواب التعادل المستدعي لتعارض الاخبار ، والتعارض لا يكون إلا في أخبار الاحاد ، وسيأتي أن النسخ لا يكون بخبر الواحد إجماعاً على أن النسخ ـ لولا الاجماع على عدم وقوعه بخبر الاحاد ـ لامكن القول به هنا أيضاً ، لحكومة الدليل الناسخ على الدليل المنسوخ ، ولا تصادم بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم ، فلا تصدق المخالفة مع عدم التصادم ، وسيأتي إيضاح ذلك عما قليل .أما الدليل الثاني ـ أعني رأي الخليفة عمر ـ فإن أريد من الاستدلال به أنه سنة واجبة الاتباع أخذاً بما ذهب اليه الشاطبي ، فقد عرفت ما فيه في مبحث سنة الصحابة ، وإن أُريد الاستدلال به بما أنه مذهب الصحابي واجتهاده ، فسيأتي ما فيه ، وأنه لا يصلح ان يكون حجة إلا عليه وعلى مقلديه لا على المجتهدين ، كما هو التحقيق ، على أن الذي يبدو من الرواية المذكورة تشكيك الخليفة في قيمة روايتها ، وهو أجنبي عن جواز التخصيص بخبر الثقة وعدمه ، فلا تصلح للاستدلال بها أصلاً ، والذي يظهر من إقرار الخليفة عمر للخليفة الاول في تخصيصه لاية المواريث بخبره الذي انفرد بنقله : " نحن معاشر الانبياء لا نورث " (12) ، وعدم الانكار عليه ، أنه من القائلين بجواز التخصيص بخبر الاحاد .ودعوى الخضري (13) أن هذا الحديث ونظائره قد يكون مستفيضاً الى درجة توجب القطع ، غريبة ، لانها تصادم كلما صحَّ نقله في هذا الباب من انفراد الخليفة بنقله (14) .وما يقال عن التخصيص يقال عن التقييد بأخبار الاحاد لمطلقات الكتاب ، والحديث فيهما واحد .واذا صحَّ هذا لم نعد بحاجة الى استعراض ما طرأ على آية ( وأُحلَّ لكم ما وراء ذلكم ) (15) ونظائرها من الايات من التخصيصات المأثورة بأخبار الاحاد ، والمقرة من قبل الصحابة ، كما أنا لم نعد بحاجة الى مناقشة الحنفية في تفصيلهم الذي لا يعرف له مأخذ يمكن الركون اليه . 3 ـ نسخ الكتاب بالسنّة : ويراد من النسخ ـ على ما هو التحقيق في مفهومه ـ : رفع الحكم في مقام الاثبات عن الازمنة اللاحقة مع ارتفاعه في مقام الثبوت لارتفاع ملاكه ، وهو لا يتأتى إلا في الاحكام التي تؤدي بصيغ العموم ، أو كل ما يدل عليه ـ ولو بمعونة القرائن ـ من حيث التعميم لجميع الازمنة .وارتفاع الاحكام التي تقيد بوقت معين لانتهاء وقتها لا يسمى نسخاً اصطلاحاً ، وقد أحاله فريق لادلة عقلية لا تنهض بذلك وسرها الجهل بحقيقته ، بتخيل ان الرفع واقع في مقام الثبوت بعد وضع الحكم على الازمان اللاحقة للعلم الحادث بتبدل المصلحة مما يوجب نسبة الجهل الى الله تعالى وتقدس عما يتخيلون ، بينما هو في واقعه لا يتجاوز مقام الاثبات لمصلحة التدرج في التبليغ ، والحكم ابتداء لم يجعل إلا على قدر توفر الملاك فيه ، والمصلحة والمفسدة اللذان هما ملاكا الاحكام مما يتأثران بعوامل الزمان والمكان قطعاً ، وسيأتي ايضاح أنهما ليسا من قبيل الحسن والقبح الذاتيّين دائماً ليلزم الخلف ، والحكم في الازمنة اللاحقة لم يثبت في مقام الجعل ليقال كيف يرتفع الحكم الثابت مع ما يلزم من فرض اثبات صفة الثبوت له .والحقيقة ان النسخ لا يتجاوز الاخبار عن عدم تحقق الملاك في الازمنة اللاحقة ، الملازم لارتفاع الحكم ثبوتاً وان أدي بصيغ الرفع في مقام التبليغ .ولقد أشار القرآن الكريم الى امكانه وأجمع المسلمون على وقوعه ، ولم ينقل الخلاف الا عن أبي مسلم الاصفهاني " ولم يحقق الناقلون مذهبه " (16) وقد استظهر الخضري " ان خلاف أبي مسلم انما هو في نسخ نصوص القرآن ، فهو يرى ان القرآن كله محكم لا تبديل لكلمات الله " (17) وما أدري ما قيمة هذا الكلام بعد تصريح القرآن بامكان النسخ في آياته ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) (18) على ان النسخ المدعى هنا ليس هو تبديلاً لكلمات الله وانما هو شرح للمراد منها وتقييد أو تخصيص لظهوراتها ، ثم ليس فيها مصادمة لنص لا يحتمل الخلاف ، وحاشا لله ان يكذب نفسه أو ولياً من أوليائه المبلغين عنه (19) ، وما قلناه أو قالوه عن التخصيص يقال عن النسخ .وهذا من الامور التي تكاد تكون بديهية بين المسلمين فلا تحتاج الى اطالة حديث ، والظاهر ان النسخ واقع في الكتاب من الكتاب ومن السنة على خلاف في قلة وكثرة الاحكام التي يدعى لها النسخ ، وقد استعرض استاذنا الخوئي(قدس سره) في كتابه " البيان " كل ما قيل عن الايات المنسوخة وحاكمه بجهد ولم يجد فيها ما يصلح ان يكون منسوخاً الا أقل القليل .والخلاف الذي وقع انما هو في امكان نسخ الاحكام ـ المقطوعة أسانيدها كالاحكام الكتابية والمتواترة من السنة ـ بأخبار الاحاد ، وأكثرية المسلمين على المنع وربما ادعي عليه الاجماع ، وأهم ما لديهم من الشبه هي شبهة ان الظني لا يقاوم القطعي فيبطله ، وهي شبهة عرفت قيمتها في الحديث عن التخصيص لعدم المعارضة بينهما ، لان الدليل الناسخ لا يزيد على كونه شارحاً للمراد من الدليل المنسوخ وقرينة على عدم ارادة الظهور وحاله حال التخصيص ، على ان الخبر وان كان ظنياً في طريقه ، الا أنه مقطوع الحجية للادلة السابقة ، ومع الغض وافتراض المعارضة فانها في الحقيقة قائمة بين ظنين لا بين قطعي وظني ، أي بين ظنية الدلالة في مقطوع السند وظنية الطريق .ولعل منشأ الاجماع المدعى أو اتفاق الاكثرية انما هو في وضع حد لما يمكن ان يقع من التسامح في دعوى النسخ وإبطال الاحكام لمجرد ورود خبر ما ، وهو عمل في موضعه وربما استدعته صيانة الشريعة عن عبث المتلاعبين بأحكام الله والوقوف دون تصرفاتهم ، وعلى الاخص وان في الدخلاء على الاسلام من تمثل بصورة القديسين ليتسنى له هدم الاسلام وتقويض قواعده . 4 ـ رتبة السنّة من الكتاب : من الكلمات المألوفة على ألسنة كثير من الاصوليين ان رتبة السنّة متأخرة عن رتبة الكتاب في الاعتبار .وهو كلام لا أعرف له مدلولاً يمكن الاطمئنان اليه لاضطراب في تحديد معنى الرتبة هنا ، فالذي يظهر من بعض أقوالهم ان مرادهم بها ان تقدم الكتاب على السنّة من قبيل تقدم الحاكم على المحكوم ، أي مع وجود دليل من الكتاب لا ينظر الى السنّة ولا تلتمس كدليل ، وهي أشبه بما ذكرنا من التقدم الرتبي لادلة الامارات على الاصول ، ولكن بعضها الاخر يبدو منه ان المراد منها هو السبق الرتبي من حيث الشرف والاهمية ، ووجودها أقرب الى الوجود الظلي بالنسبة للكتاب ، وفي ثالث من الاقوال ان الكتاب يقدم عليها عند التعارض فسبقه الرتبي من حيث أرجحيته في هذا الباب .ومن أدلتهم على هذا السبق الرتبي تتضح وجهات النظر ، وان كان قد جمع بعض المتأخرين بين هذه الادلة وكأنها مساقة لمبنى واحد ، في تفسيرها لا لمباني متعددة .وأول هذه الادلة : قولهم : " ان الكتاب مقطوع والسنة مظنونة ، والقطع فيها انما يصح على الجملة لا على التفصيل ، بخلاف الكتاب فانه مقطوع به على الجملة والتفصيل ، والمقطوع به مقدم على المظنون ، ولعله لا يوجد من متواترها القولي شيء " (20) .وهذا الدليل يصلح للقول الثالث أي تقديم الكتاب على السنة عند المعارضة لا مطلقاً ، اذ لا معنى لرفع اليد عن المظنون بالمقطوع مع عدم المعارضة ، وكلاهما حجة كما هو الفرض .والمعارضة لا تتعقل بين الكتاب والسنة بما هي قول أو فعل أو تقرير ، لاستحالة تناقض الشارع على نفسه ، وإنما تمكن في الاخبار الحاكية لها ، وعليها يقتضي أن تحرر المسألة في تقدم الكتاب على أخبار الاحاد لا على السنة .وقد سبق ان أيدنا دعوى من يذهب الى طرح الاخبار إذا خالفت الكتاب ولم يمكن الجمع بينها وبينه ، لنفس هذا الدليل وللاخبار الامرة بطرح ما يخالف الكتاب .ثانيها : قولهم : " إن السنة ، إما بيان للكتاب أو زيادة على ذلك ، فإن كانت بياناً فالبيان تال للمبين في الاعتبار ، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان لا العكس ، وما شأنه هذا فهو أولى بالتقدم ، وإن لم يكن بياناً فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب ، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب " (21) .وهذا الدليل يصلح للاستدلال به على التقديم من حيث الشرف والاولوية ، لا من حيث الاقتصار على الكتاب مع وجوده ، لعدم إمكان الاستغناء عن البيان بحال ، وما دامت السنة بياناً للكتاب فهي متممة للاستدلال به ، بل كلاهما يكونان دليلاً واحداً ، لبداهة أن ما يحتاج الى البيان لا ينهض بالدليلية إلا به ، ولكن اعتبار التقدم في الرتبة على أساس التفاضل في المكانة لا معنى لادراجه في مباحث الاصول والتماس الادلة له لعدم إعطائه أية ثمرة عملية في مجالات الاستنباط .ثالثها : " ما دل على ذلك من الاخبار كحديث معاذ وأثر عمر ، اللذين تقدم ذكرهما ، ومثله عن ابن مسعود : ( من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) ) (22) ومثل ذلك عن ابن عباس وهو كثير في كلام السلف والعلماء وهو الوجه في تفرقة الحنفية بين الفرض والواجب " (23) وهذا الدليل صالح للدلالة على المبنى الاول في التقدم الرتبي ، أي مع قيامه لا ينظر الى السنة ولا تعتبر دليلاً .وهذا المذهب من أغرب المذاهب ، إذ كيف يعقل الاستغناء بالكتاب عن السنة ومنها بيانه وشروحه وشروط أحكامه وأدلتها ؟ فهل يكتفي ابن مسعود أو عمر أو ابن عباس ، لو صح عنهم ذلك ، بالرجوع الى الكتاب والاكتفاء به في حكم واحد من الاحكام فضلاً عن جميع ما ورد فيه منها ، وهم يعلمون من طريقة الكتاب في البيان هي الاتكال على القرائن المنفصلة ، والسنة هي الكفيلة ببيانها ؟ وكيف يسوغ لهم العمل بظواهره مع هذا الاحتمال ؟على أن هذه الاقوال لا تصلح للاستدلال بها ، لانها لا تمثل أكثر من رأي أصحابها لو أرادوا ظواهرها ، وهو بعيد ، وهم ليسوا بمعصومين ليجب علينا التعبد بها .نعم في اقرار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ ما يصلح للاستدلال ، باعتبار ان الاقرار من السنة ، فالاستدلال بها استدلال بالسنة ، إلا أن الكلام في صحة رواية معاذ ، وسيأتي في مبحث القياس إثبات أنها من الموضوعات .فالحق ان السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته ، بل هما واحد من حيث انتسابهما الى المشرع الاول وهو الله عز وجل ، ولا يمكن الاستغناء به عنها ، وما أروع ما قاله الاوزاعي : " الكتاب أحوج الى السنة من السنة الى الكتاب ، وذلك لانها تبين المراد منه " (24) . وقال رجل لمطرف بن عبدالله : لا تحدثونا إلا بالقرآن ، فقال : " والله ما نريد بالقرآن بدلاً ، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا " (25) .ومن هذا العرض ندرك أن هذه الادلة لا تصلح ان تكون لمبنى واحد . البابُ الاولالقسم الثالثالاجـماع تعريفه : الاجماع في اللغة لفظ مشترك بين العزم والتصميم ـ فيقال على سبيل المثال أجمع القوم على النهوض بالعمل الفلاني ، أي عزموا وصمموا عليه ـ وبين الاتفاق فيقال أجمعوا على القيام بعمل مّا أي اتفقوا عليه .وهو في اصطلاح الاصوليين موضع خلاف ، وان اتفقوا على دلالته على الاتفاق .وموقع الخلاف منه متعلق الاتفاق ، فقيل انه مطلق الامة ، وقيل خصوص المجتهدين منهم في عصر ، وفي رأي مالك اتفاق أهل المدينة (26) ، وقال بعضهم : اتفاق أهل الحرمين ( مكة والمدينة ) ، أو أهل المصرين ( الكوفة والبصرة ) وربما ضيق الى اتفاق الشيخين أو الخلفاء الاربعة (27) ، وفي بعض المذاهب اتفاق خصوص مجتهديهم ، الى ما هنالك من أقوال لا تعكس أكثر من اختلافهم في تحديد هذا المصطلح تبعاً لاختلافهم في مقدار ما ثبتت له الحجية من ذلك الاتفاق.ولذلك لا نرى وجهاً لالتماس تحديد المراد من هذه اللفظة كمصطلح عام بعد ان كانت لا تتولى الحكاية عن مضمون موحد ، فلا معنى للاشكال على تعاريفهم بعدم الاطراد والانعكاس .والمهم في الموضوع أن يبحث عن اعتباره أصلاً من الاصول في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل ، ثم عن حجيته وما يصلح للدلالة عليها من الادلة ، ومنها يلتمس مدى وجه الحق في هذه الاقوال وغيرها مما عرض في الكتب المطولة .هل الاجماع أصل أو حكاية عن أصل ؟ ونريد بالاصل هنا أن يكون له كيان مستقل في الحكاية عن الحكم الواقعي ، أي لا يحتاج الى توسط في عالم الحكاية من قبل أصل من الاصول الثلاثة ، فهو لا يحكي عن الكتاب أو السنة أو العقل ، وإنما هو مستقل في مقابلها في عوالم الحكاية عن الاحكام .والظاهر أن الكثير منهم يرى أنه لا استقلال له ، يقول الخضري : " لا ينعقد الاجماع إلا عن مستند " (28) .وفي حكايته عن الامدي وغيره عن بعض الاصوليين : " انه لا يشترط المستند ، بل يجوز صدوره عن توفيق بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب " (29) .وقد ذكرت أدلة لكل من وجهتي النظر في كثير من الكتب ، وليس في استعراضها ومناقشتها أية جدوى ، لكون أكثرها واردة بمنأى عن أدلة الحجية .والذي يقتضي التركيز عليه استعراض أدلة الحجية ، والنظر في حدود ما تقتضيه مضامينها من استقلال وعدمه .وسيأتي ان بعضها يبدو منه استقلاله في الحجية لظهوره بإعطاء العصمة للامة ، وجعل ذلك من مزاياها على ان يكون لاتفاقها خصوصية في اصابة الحكم الواقعي بمنأى عن بقية الادلة ، واذا وجد هناك دليل على وفق الاجماع ، فهو من باب تعدد الادلة على الحكم الواحد كبعض الادلة السمعية والعقلية ، ولكن بعضها الاخر يبدو منه اعتبار المستند باعتبار حكايته عن رأي المعصوم ، ومن استعراضها والتماس وجه الحق فيها تبدو نتائج ما ننتهي اليه .الخلاف في حجيته : " ذهب المتكلمون بأجمعهم والفقهاء بأسرهم على اختلاف مذاهبهم الى أن الاجماع حجة ، وحكي عن النظام وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر أنهم قالوا : الاجماع ليس بحجة ، واختلف من قال انه حجة ، فمنهم من قال انه حجة من جهة العقل وهم الشذاذ ، وذهب الجمهور الاعظم والسواد الاكثر الى أن طريق كونه حجة السمع دون العقل " (30) .أدلة الحجية : وقد استدلوا على الحجية بالادلة الثلاثة ، وأقصوا الاجماع عن الاستدلال به على حجيته لانتهائه الى الدور .الكتاب : وأهم أدلتهم من الكتاب هذه الايات :الاولى : قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونُصله جهنم وساءت مصيراً ) (31) ، وقد قرب دلالتها على مذهب الجمهور صاحب سلم الوصول بقوله : " ان الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد حيث قال : ( نوله ما تولى ونصله جهنم ) فيلزم ان يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرماً مثل مشاقة الرسول ، لانه لو لم يكن محرماً لما جمع في الوعيد بينه وبين المحرم الذي هو مشاقة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه لا يحسن الجمع بين حلال وحرام في الوعيد ، واذا حرم اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم ، إذ لا واسطة بينهما ، ويلزم من اتباع سبيلهم ان يكون الاجماع حجة لان سبيل الشخص هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد " (32) .ويرد على هذا التقريب :أ ـ إن ظهور تعدد الشرط مع وحدة الجزاء اشتراكهما في علة التحريم ، ولازمه ان اتباع غير سبيل المؤمنين من دون مشاقة للرسول لا يدل على الحرمة فلا يتم المطلوب ، وقد استظهر الغزالي ما يقرب من هذا المعنى من مساق الاية ، وبعّد لذلك دلالتها على الاجماع ، يقول : " والظاهر ان المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته ودفع الاعداء عنه ، نوله ما تولى ، فكأنه لم يكتف بترك المشاقة ، حتى تنضم اليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه والانقياد له فيما يأمر وينهى ، وهذا هو الظاهر السابق الى الفهم " (33) .ب ـ وفي عقيدتي أن الاية لا يمكن أن تحمل على إرادة الاجماع منها لما فيها من كلمة ( نوله ما تولى ) إذ لا معنى للقول : بأن من يتبع غير ما أجمعوا عليه من الاحكام نجعل ما اتبعه من الحكم غير المجمع عليه والياً عليه يوم القيامة ، وأي معنى لمثل هذا النوع من الكلام ؟والظاهر ان مضمون الاية : أن من يشاقق الرسول ويخالف المؤمنين في اتباعه ، ويتبع غيره من رؤساء الاديان والنحل الاخرى ، نوله ما تولى ، أي أننا نربط مصيره يوم القيامة بمصير من تولاه ، فيكون مساقها أشبه بمساق الاية الاخرى ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) (34) ، وحينئذ تكون أجنبية عن مفاد جعل الحجية للاجماع .وأظن أننا بهذا المقدار نكتفي عن مناقشة المراد من كلمة : غير والالف واللام في المؤمنين ، وغير ذلك مما ذكروه في مناقشة هذه الاية وأكثرها غير تام (35) .الثانية : قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ) (36) ، بتقريب : " ان الوسط هو العدل والخيار ، والعدل والخيار لا يصدر عنه إلا الحق ، والاجماع صادر عن هذه الامة العدول الخيار فليكن حقاً " (37) .وهذه الدلالة لو تمت للاية ، فهي لا تزيد على أكثر من اثبات العدالة لهم لا العصمة ، والذي ينفع في المقام إنما هو اثبات العصمة لهم لا العدالة ، ليتم حكايتها عن الحكم الواقعي .اذ العدل لا يمتنع صدور غير الحق منه ، ولو فرض فانما " يلزم صدور الحق منه بطريق الظاهر فيما طريقه الصدق والكذب ، وهو نقل الاخبار وأداء الشهادات ، أما فيما طريقه الخطأ والصواب في استخراج الاحكام والاجتهاد فيها فلا " (38) .الاية الثالثة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) (39) وقد قربت دلالتها بما نقله الشيخ الطوسي في تقريبها ، يقول في العدة : " قالوا : وصف الله تعالى الامة بأنها خير الامة ، وأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فلا يجوز ان يقع منها خطأ لان ذلك يخرجها من كونها خياراً ، ويخرجها من كونها آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر ، الى ان تكون آمرة بالمنكر وناهية عن المعروف ، ولا ملجأ من ذلك إلا بالامتناع من وقوع شيء من القبايح من جهتهم " (40) .وقد سبق الحديث عن هذه الاية في مبحث ( سنّة الصحابة ) وذكرنا هناك عدم دلالتها على أكثر من التفضيل النسبي ، وهو لا يستدعي العصمة وعدم الوقوع في الخطأ ، على أنّا لا نعرف وجهاً للملازمة التي ذكروها هنا في تقريب دلالة الاية بين عدم جواز وقوع الخطأ منهم وبين ما علل به من لزوم خروجها عن كونها خياراً ، لان الخيار يخطأون وان كانوا معذورين كما هو الشأن في غير المعصومين من العدول ، فإثبات العصمة للامة بهذه الاية لا يتضح له وجه .الاية الرابعة : قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) (41) بتقريب ان الاجماع حبل الله فيجب الاعتصام به ولا يجوز التفرق عنه .وتمام دلالة الاية موقوف على ان يكون الاجماع مصداقاً لهذا المفهوم ، والاية لا تتكفل باثبات ذلك لانها لا تثبت موضوعها بداهة .والايات الباقية ـ وهي أضعف منها دلالة ـ تتضح مناقشتها مما عرضناه هنا فلا نطيل بعرضها والتحدث عنها .السنّة : وقد استدلوا منها بطوائف من الاحاديث مأثورة عن : عمر ، وابن مسعود وأبي سعيد الخدري ، وانس بن مالك ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وحذيفة بن اليمان وغيرهم ، من نحو قوله : " لا تجتمع أمتي على الضلالة " (42) . " لم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة " (43) . " سألت الله ان لا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيها " (44) . " من سره ان يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فان دعوتهم تحيط من ورائهم ، ان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد " (45) . " يد الله مع الجماعة ، ولا يبالي الله بشذوذ من شذ " (46) . " لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم " (47) ،" وروي ] لا يضرهم خلاف من خالفهم [ إلا ما أصابهم من الاداء " (48) . " من خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه " (49) . " من فارق الجماعة ومات ، فميتته جاهلية " (50) الى غيرها من الروايات (51) .وهذه الروايات على طوائف ، بعضها أجنبي عن عوالم جعل العصمة لرأي الامة كالاخبار الداعية الى الالفة والتجمع أمثال : " يد الله مع الجماعة " . " ان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد " . وكالاخبار الحاثة على إطاعة السلطان ولزوم جماعته ، أمثال : " اتبعوا السواد الاعظم فانه من شذ شذ في النار " (52) ، و " يد الله مع الجماعة " ، يقول الطوفي : " فأما نحو قوله(عليه السلام) : ( اتبعوا السواد الاعظم فانه من شذ شذ في النار ويد الله مع الجماعة ) فانما المراد به طاعة الائمة والامراء وترك الخروج عليهم بدليل قوله(عليه السلام) : ( اسمعوا وأطيعوا وان تأمّر عليكم عبد حبشي ) (53) وقوله(عليه السلام) : ( من مات تحت راية عصبية مات ميتة جاهلية ) (54) " (55) .وهناك قسم يذكر في الحث على صلاة الجماعة ، ولم يبق إلا أحاديث ( لا تجتمع أمتي على الضلالة ) وأمثالها .يقول المحقق الكاظمي : " وأقوى ما ينبغي ان يعتمد عليه من النقل حديث ( لا تجتمع أمتي على الخطأ ) وما في معناه ، لاشتهاره وقوة دلالته ، وتعويل معظمهم ولا سيما أوائلهم عليه وتلقيهم له بالقبول لفظاً ومعنى ، وادعاء جماعة منهم تواتره معنى ، وموافقة العلاّمة ـ من أصحابنا (56) ـ لهم على ذلك في أوائل المنتهى ، وادعائه في آخر المائة الاول من كتاب الالفين أنه متفق عليه (57) أي بين الفريقين ، وتعداده في القواعد من خصائص نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) عصمة أمته بناء على ظاهرها ، وكذا في التذكرة مع التصريح بعصمتهم من الاجتماع على الضلالة ووروده من طرقنا أيضاً " (58) .والروايات التي ذكرها ـ من طرقنا ـ ليست جامعة لشرائط الحجية في أخبار الاحاد ولا جدوى بعرضها ، ويمكن الرجوع اليها في كتابه المذكور (59) .وأهم ما أورد على هذه الروايات من اعتراضات ما ذكره الطوفي من " ان هذا الخبر وإن تعددت ألفاظه ورواياته لا نسلم أنه بلغ رتبة التواتر المعنوي ، لانه اذا عرضنا هذا الخبر على أذهاننا ، وسخاء حاتم ، وشجاعة علي ، ونحوهما من المتواترات المعنوية ، وجدناها قاطعة بثبوت الرأي الثاني غير قاطعة بالاول ، فهو إذن في القوة دون سخاء حاتم وشجاعة علي ، وهما متواتران ، وما دون المتواتر ليس بمتواتر ، فهذا الخبر ليس بمتواتر لكنه في غاية الاستفاضة ، فإن قيل تلقته الامة بالقبول فدل على ثبوته ، فجوابه من وجوه :أحدها : لا نسلم تلقيها له بالقبول إذ منكرو الاجماع كالنظام والشيعة (60) والخوارج والظاهرية ـ فيما عدا إجماع الصحابة ـ لو تلقوه بالقبول لما خالفوه .الثاني : ان الاحتجاج بتلقي الامة له بالقبول احتجاج بالاجماع ، وهو إثبات الشيء بنفسه " (61) ، الى آخر ما ناقش به .ولكن الظاهر ان هذه المناقشات غير واردة ، لان المراد بتلقي الامة له بالقبول ليس كل الامة بل أغلبيتها ، ولو سلم فربما كان خلاف الخوارج والظاهرية من جهة الدلالة ، فلا يؤثر في صحة السند ، والاستدلال بالتلقي له بالقبول ليس استدلالاً بالاجماع ليلزم اثبات الشيء بنفسه ، وإنما هو من عوامل احداث الاطمئنان بصحة صدوره ، وهو أشبه بما سبق ان ذكرناه من أن اعراض المشهور عن الرواية يوجب وهناً حتى اذا كانت صحيحة ; وأخذهم بالرواية الضعيفة يوجب الوثوق بصدورها ، وقد قلنا هناك أن المدار على حصول الوثوق بالصدور ، فإن أحدث تلقي الامة له بالقبول ذلك كان هو الحجة وإلا فلا .تبقى مناقشة واحدة وهي واردة على جملة ما ذكر من الادلة السمعية لا على خصوص هذا الحديث ، وهي ورود لفظ الامة فيها أو ما يؤدي مؤداها والاخذ بظاهره لا يفيد إلا من قال بأن اجماع الامة حجة ، أما بقية الاقوال كإجماع المجتهدين أو أهل الحرمين أو الصحابة أو أهل طائفة ما ، فإن هذه الادلة لا تصلح لاثباتها . والقول بأن الامة ليست هي إلا مجتهديها وأهل الحل والعقد فيها ، فلا عبرة بغيرهم قول لا يعتمد سوى الخطابة والاستحسان ، وهما لا يصلحان في مقام التمسك بالادلة على الحجج الشرعية ، فالخروج على النص فيها لا مبرر له ، وأوضح من ذلك في الاشكال قصرها على الصحابة أو أهل المدينة ، وهكذا ...العقل : وقد صوّر دليلهم بصور عدة ، لعل أهمها ثلاث :اولاها : ما ذكر من : " ان الجم الغفير من أهل الفضل والذكاء مع استفراغ الوسع في الاجتهاد وإمعان النظر في طلب الحكم ، يمتنع في العادة اتفاقهم على الخطأ " (62) ، وقد أشكل على هذا الدليل " بالنقض بإجماع اليهود والنصارى وسائر أهل الملل على ضلالتهم ، مع كثرتهم ، وفضلهم واجتهادهم وإمعانهم في النظر " (63) . وما أكثر ما يقع الاشتباه في الامور الحدسية أو البرهانية ، وكم اتفق الفلاسفة على أمر برهاني ، ثم انكشف خطؤه بعد ذلك ، وتاريخ العلماء مليء بذلك .ثانيها : ما ذكره الشيخ الطوسي(قدس سره) من الاستدلال بقاعدة اللطف ، وقد قربت هذه القاعدة بتقريب أن الله سبحانه يجب عليه ، من باب اللطف بالعباد : " أن لا يمنعهم عن التقرب والوصول اليه ، بل عليه أن يكمل نفوسهم القابلة ، ويرشدهم الى مناهج الصلاح ، ويحذرهم عن مساقط الهلكة ، وهذا هو السبب في لزوم بعث الرسل وإنزال الكتب ، وعليه فلو اتفقت الامة على خلاف الواقع في حكم من الاحكام ، لزم على الامام المنصوب حجة على العباد إزاحة الشبهة بإلقاء الخلاف بينهم ، فمن عدم الخلاف نستكشف موافقة رأي الامام(عليه السلام) دائماً ، و يستحيل تخلفه " (64) .وهذه القاعدة ـ لو تمت ـ فهي إنما تتم على رأي الشيعة فحسب لاعتقادهم بوجود الامام المعصوم ، وهو ما نؤمن به ـ كمقارنين ـ إذا تم ما سبق أن انتهينا اليه في مبحث " سنَّة أهل البيت(عليهم السلام) " .على أن القاعدة لا تتم في نفسها بالنسبة الى موضع حديثنا ، لان القاعدة غاية ما تقتضيه أن يصدر تبليغ الاحكام للناس على النحو المتعارف لا أن يوصلها الى كل فرد ، وربما يكون الامام قد بلّغ ، ولم يصل الى هؤلاء المجتهدين لبعض العوامل التي اقتضت الاختفاء .والمصلحة التي تقتضي اختفاء الامام نفسه ، قد تكون متوفرة في اختفاء أحد الاحكام ، فلا يلزم اظهاره على كل حال ، على أن ايقاع الخلاف من شخص مجهول لا يؤثر الاثر المطلوب في بلورة الحكم وإظهاره ، فما قيمة هذا الخلاف ؟ثالثها : ما ذكر من أن الاجماع يكشف عن دليل معتبر عند المجمعين بحيث لو وصل الينا لكان معتبراً عندنا .ويرد على هذا الوجه ، أن الدليل إما ان يكون كتاباً أو سنة أو حكم عقل أو قياساً ، ولا يمكن أن يكون إجماعاً ، إذ لا معنى لان يكون الاجماع على حكم مستنداً للاجماع عليه .أما الكتاب : فآياته محدودة وهي بأيدينا ، ومع قيامها لدينا ، لا معنى لالتماس الحجة من الاجماع لكفاية المستند ، على أن مفروض الدليل ان المستند غير واصل الينا فلا يحتمل أن يكون آية ، كما لا يحتمل أن يكون حكم عقل ، لان الاحكام العقلية ـ كما يتضح من مفهومها الاتي ـ لا تتوفر إلا اذا تطابق عليها العقلاء ، والمفروض أننا منهم ، فلا يمكن ان تختفي عنا لنحتاج الى استكشافها من اتفاق الفقهاء ، ومع فرض اختفائها عنا ، فلا تطابق بين العقلاء الملازم لانتفاء الحكم عقلاً .وأما السنة : فالمتواتر منها لا يختفي عنا ، وغير المتواتر لا يكشف عن الحجة سنداً ودلالة لاحتمال اعتماد المجمعين على ما لا نتفق معهم على صحة الاعتماد عليه في روايته لو اطلعنا عليها ، ولاحتمال اختلافنا معهم في كيفية استفادة الحكم منها . وقد رأينا في أخبار البئر ما كان متفقاً على دلالته في يوم ما ، ثم تبدلت وجهة نظر الفقهاء في العصور المتأخرة فيها ، ومن هنا قيل ان فهم المجتهدين لا يكون حجة على غيرهم من العلماء .والقياس : لما كان نفسه موضع خلاف كبير بين العلماء ـ كما يأتي تحقيقه ـ لا يمكن ان يكون مستنداً للاجماع ، بل لا يمكن ان ينعقد اجماع من غير القائلين به لعدم امكان استنادهم اليه مع انتهائهم الى عدم حجيته ، وما قيمة اجماع لا يشترك فيه ما يقرب من نصف الامة ؟وقد ضربوا له من الامثلة اجماع الصحابة على امامة ابي بكر قياساً على تقديمه في الصلاة (65) . والمناقشة في هذا المثال واردة صغرى وكبرى :أما من حيث الصغرى فلعدم انعقاده مع خلاف عشرات من الصحابة أمثال علي(عليه السلام) والعباس وولده وبقية بني هاشم وعمار وأبي ذر والزبير والمقداد وسلمان وسعد بن أبي عبادة وأتباعه الى غيرهم من أهل الحل والعقد .وأما الكبرى فلان نسبة الاعتماد اليهم جميعاً على القياس لا تخلو من تخرص لعدم تصريح الجميع بذلك ، بالاضافة الى عدم حجية نفس القياس ، كما يأتي الحديث عنه .والغريب ان تفهم أحداث التاريخ الكبرى بهذا المقدار من الفهم الساذج ، حيث يعتقد ان الصحابة كانوا على درجة من الغفلة بحيث يسكتون عن التساؤل عن معرفة مصيرهم بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو الذي عاش ما بين ظهرانيهم مدة من الزمن مريضاً ينعى اليهم نفسه ، أما كان فيهم من يجرؤ على سؤاله عن وظيفتهم في تعيين الحكم وأسلوبه من بعده ؟ وهل يعتمد الاختيار ؟ وكيف ؟ وما هي شروط الناخب أو المنتخب ؟ أو يعتمد النص ؟ ومن هو المنصوص عليه ؟ والنبي نفسه هل يمكن ان يغفل هذا الامر الخطير ويعرض الامة الى رجّة قد تأتي ـ في أيسر خلافاتها حول اسلوب الحكم وتعيين الحاكم ـ على الاسلام نفسه ؟ وبخاصة اذا لوحظ ظروفها الخارجية من تعرضها لغزو الروم وخروج مسيلمة وارتداد كثير من الاعراب ، الى ما هنالك مما يعرض الامة لاشد الاخطار لو تعرضت الى أية خلافات داخلية حول الحكم ، أمن الحق ان نفترض ان الصحابة كانوا على هذه الدرجة من الغفلة ، ثم استيقظوا بعد وفاة نبيهم دفعة واحدة فلم يجدوا أمامهم من الادلة في تعيين الحاكم الا هذا النوع من القياس المظنون ليجعلوه مصدراً لاهم حدث في تاريخهم الاجتماعي ؟ أهكذا تفهم احداث التاريخ وبعقلية أبناء هذا القرن بما جد فيه من تطورات ألقت كثيراً من الاضواء على دراسة وفهم احداث التاريخ وربطها بأسبابها الحقيقية بيئية وزمانية ونفسية ؟! ولنا من هذا الحدث موقف طويل في كتابنا عن ( عبدالله بن عباس ) حبر الامة ، وليس موضع عرضه هنا ، وطبيعة مناقشة المثال لا تستدعي أكثر من هذا الكلام .وهناك أدلة نظرية تعود الى ضرورة دخول الامام في جملة المجمعين ـ قولاً أو اقراراً ـ بحكم كونه رئيسهم ، فهم لا يخالفونه عادة أو لا يقرهم على المخالفة .وهي أدلة لا تتجاوز الحدس ، وقد نوقشت في كتب الشيعة الامامية جميعاً وبخاصة المتأخرين منهم (66) ، فلا جدوى بإطالة الحديث فيها .بقيت دعوة من يدعي ان الاجماع مما يحصل بسببه القطع بوجود دليل لو اطلعنا عليه لوافقنا المجمعين على الحكم ، وهي دعوى لا تنفع الا من يحصل لديه القطع ، ولا يبعد ان يحصل غالباً مثل ذلك في كثير من الاحكام الاجماعية ، وبخاصة تلك التي لا تتصل بمنابع العاطفة أو العقيدة .ومن هنا يتضح ان هذه الادلة مختلفة في ألسنتها ، فبعضها يعطي الاجماع قيمة كبرى تجعله في مقابل الكتاب والسنة وحكم العقل ، أي تجعله دليلاً مستقلاً في مقابل بقية الادلة ، كالادلة السمعية التي عرضناها مفصلاً وبخاصة حديث : " ما اجتمعت امتي على ضلال " (67) لاعطائها فضيلة العصمة وعدم الخطأ ، فكان لاجتماعها على الحكم خصوصية في بلوغ الواقع ولو من غير الطرق المعروفة ، كالكتاب والسنة .وبعضها تعتبره كاشفاً عن رأي المعصوم ، أو عن دليل معتبر من الكتاب والسنة ، أو القياس على اختلاف في المباني ; ومثل هذه الادلة لا تعتبر الاجماع دليلا مستقلاً ، فعده في مقابلها في غير موضعه .وعلى المبنى الاول ان الاجماع متى قام أخذ به ، ولا يعارضه دليل سمعي له ظاهر على الخلاف ، ويستحيل ان يعارض القطعي سنداً ودلالة منها ـ أي الادلة ـ لان الشارع لا يتناقض على نفسه ، وعلى المبنى الثاني متى عرف المستند من كتاب أو سنة نقل الحديث اليه ، ولا معنى للتعبد به بالخصوص ، بل متى احتمل منه الاستناد الى دليل ظني لم يحصل القطع بحجيته ، ينقل الحديث الى نفس ذلك المستند .ومن هذا العرض لهذه الادلة يتضح ان الحجية منوطة باجماع الامة لا الصحابة ولا أهل المدينة ولا الحرمين ولا مجموع المجتهدين ولا أهل المصرين ; فتخصيص غير الامة بالحجية على أي دعوى من هذه الدعاوى ، لا يتضح له وجه وليس عليه دليل ، نعم ما ذهب اليه القائلون باكتشاف رأي المعصوم من دخوله ضمن المجمعين لايعين الامة جميعاً بل يكفي منها ما يعتقد فيه بدخول المعصوم .قال المحقق في المعتبر ، وهو ممن يذهبون الى ان مناط الحجية هو دخول المعصوم : " فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجة ، ولو حصل في اثنين ، كان قولهما حجة " (68) .وقال السيد المرتضى : " اذا كان علة كون الاجماع حجة كون الامام فيهم ، فكل جماعة كثرت أو قلت كان الامام في أقوالها ، فإجماعها حجة " (69) الى ما هنالك من التصريحات بذلك .حكم منكري حجية الاجماع : ومن هذه الادلة التي عرضناها ـ وهي قابلة للمناقشة ـ لا نرى مبرراً لمن يذهب الى تكفير منكري حجية الاجماع ، كما ذهب الى ذلك بعض الاصوليين بدعوى " ان انكاره متضمن انكار دليل قاطع وهو يتضمن انكار صدق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك كفر " (70) .وما اجمل ما قاله امام الحرمين ، وهو يفصل القول في المسألة ويرد على هؤلاء دعواهم : " فشا في لسان الفقهاء ان خارق الاجماع يكفر ، وهو باطل قطعاً ، فان منكر أصل الاجماع لا يكفر ، والقول في التكفير والتبري ليس بالهيّن ـ ثم قال ـ : نعم من اعترف بالاجماع وأقرّ بصدق المجمعين في النقل ثم أنكر ما أجمعوا عليه ، كان التكذيب آئلا الى الشارع ، ومن كذّب الشارع كفر ، والقول الضابط فيه ان من أنكر طريقاً في ثبوت الشرع لم يكفر ، ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم جحده كان منكراً للشرع وانكاره جزءاً من الشرع كانكاره كله " (71) .وهذا التفصيل من امام الحرمين في موضعه لوضوح ان انكار الطريق لا يستلزم انكار حكم شرعي ثبت بالضرورة ، بخلاف الاعتراف به وجحوده والتنكر له لانتهائه الى انكار ما ثبت من الشريعة قطعاً .إمكان الاجماع وعدمه : تحدثوا حول إمكان الاجماع وعدمه وأطالوا الحديث في ذلك ، فقال قوم منهم النظام : ان ذلك مستحيل (72) .والظاهر أن وجه الاستحالة لديهم قياسهم هذا النوع من الاتفاق على امتناع " اتفاقهم في الساعة على المأكول الواحد والتكلم بالكلمة الواحدة " (73) .وهذا الوجه لا يصلح لاثبات الاستحالة لعدم توفرها ـ عقلاً ـ في المقيس عليه ، بالاضافة الى الفارق الكبير بينهما ، فالاكل وغيره مما هو وليد الحاجة الفعلية لتقوم الاجسام ، أو وليد الرغبة العابرة لا بد ان يتفاوت زماناً ومكاناً بحسب العادة تبعاً لاختلاف تكون الحاجات أو الرغبات بخلاف قضايا الفكر أو القضايا المحسة ، فإن التفاوت فيها ينعدم أو يقل عادة لتقارب الناس في إدراك أولياتها ، وفي اشتمالهم على قواها المدركة نوعاً ، وما أكثر ما اتفق العقلاء في آرائهم المحمودة على الكثير من القضايا ، فهذه الشبهة اذن لا تستند على أساس لعدم المانع العقلي من الاتفاق في بعض الوقائع أو القضايا ولو على سبيل الموجبة الجزئية .ولكن الكلام كل الكلام ـ بعد فرض امكان الاتفاق ـ في وقوعه والطرق الى إثبات ذلك .ودعاوى الوقوع كثيرة على ألسنة الفقهاء ، ولهم الى إثبات ذلك طريقان :أولاهما : تحصيل الاجماع بالمباشرة ، وبحثوا هذه الطريق فيما أسموه بـ :الاجماع المحصل : و" هو ما ثبت واقعاً وعلم بلا واسطة النقل " كما جاء في تعريفه لدى المحقق الكاظمي (74) ، وأراد بهذا التعريف ان يتولى المجتهد نفسه مؤنة البحث عن هؤلاء المجمعين والتعرف على هوياتهم وآرائهم في المسألة التي يريد معرفة حكمها حتى يحصل له العلم بالاتفاق على الحكم .وقد نوقش هذا الاجماع من وجهة صغروية ، وأهم ما جاء في مناقشته ما عرضه الشوكاني في تعبيره عن وجهة نظر المنكرين لامكانه بقوله : " قالوا لا طريق لنا الى العلم بحصوله ، لان العلم بالاشياء إما ان يكون وجدانياً أو لا يكون وجدانياً ، أما الوجداني فكما يجد أحدنا من نفسه من جوعه وعطشه ولذته وألمه ، ولا شك أن العلم باتفاق أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ليس من هذا الباب .وأما الذي لا يكون وجدانياً فقد اتفقوا على أن الطريق الى معرفته لا مجال للعقل فيها ، إذ كون الشخص الفلاني قال بهذا القول أو لم يقل به ليس من حكم العقل بالاتفاق ، ولا مجال أيضاً للحس فيها لان الاحساس بكلام الغير لا يكون إلا بعد معرفته .فاذاً العلم باتفاق الامة لا يحصل الا بعد معرفة كل واحد منهم ، وذلك متعذر قطعاً .ومن ذلك الذي يعرف جميع المجتهدين من الامة في الشرق والغرب وسائر البلاد الاسلامية ؟ فان العمر يفنى دون مجرد البلوغ الى كل مكان من الامكنة التي يسكنها أهل العلم فضلاً عن اختبار أحوالهم ومعرفة من هو من أهل الاجماع منهم ومن لم يكن من أهله ، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به . والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد بحيث لا يخفى على الناقل فرد من أفرادهم ، فإن ذلك قد يخفى على الباحث في المدينة الواحدة فضلاً عن جميع الاقاليم التي فيها أهل الاسلام .ومن أنصف من نفسه علم أنه لا علم عند علماء الشرق بجملة علماء الغرب والعكس ، فضلاً عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل وبكيفية مذهبه وبما يقوله في تلك المسألة بعينها .وأيضاً قد يحمل بعض من يعتبر في الاجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف التقية والخوف على نفسه ، كما أن ذلك معلوم في كل طائفة من طوائف أهل الاسلام ، فإنهم قد يعتقدون شيئاً إذا خالفهم فيه مخالف خشي على نفسه من مضرتهم .وعلى تقدير امكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد واجماعهم على أمر فيمكن ان يرجعوا عنه أو يرجع بعضهم قبل ان يجمع اهل بلدة أخرى ، بل لو فرضنا حتماً اجتماع العالم بأسرهم في موضع واحد ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين قد اتفقنا على الحكم الفلاني ، فإن هذا مع امتناعه لا يفيد العلم بالاجماع لاحتمال ان يكون بعضهم مخالفاً فيه وسكت تقية وخوفاً على نفسه " (75) .وهذا الاشكال ـ على فجوات في بعض فقراته وخطابية في اسلوب عرضه ـ يكاد لا يكون له مدفع نعرفه اذا أخذنا في مفهوم الاجماع اتفاق مجتهدي أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) على اختلاف في مذاهبهم وآرائهم ، أو اتفاق أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) على اختلاف طوائفها كما هو مقتضى أدلة حجيته السمعية التي عرضناها في البحث السابق .أما اذا ضيقنا في مفهومه الى ما يخص مجتهدي مذهب معين أو جماعة يعلم بدخول الامام في ضمنهم ، فقد يقال بإمكانه مع جهد الفحص والقطع بعدم الاتقاء ، ولا يبعد وقوع ذلك أحياناً .فالمباني على هذا فيه مختلفة ، والمسألة تتبع المباني في إمكان العلم به وعدمه .نعم ما يتصل منه بضروريات الدين أو بعض المدركات العقلية التي يقطع باتفاق العقلاء وتطابقهم عليها بما أنهم عقلاء ، فإنكار وقوعه مصادرة لا تعتمد على أساس . ولكن الحكم فيها لا يستفاد من الاجماع ولا تتوقف حجيته عليه .فالحق ان تحصيل الاجماع بمفهومه الواسع أمر متعذر فيما عدا الضروريات الدينية أو العقلية .وأكثر منه تعذراً تحصيل الاجماع من الاجماع السكوتي ، لان السكوت لا يكون كاشفاً عن الموافقة على الحكم واختياره ، لاحتمال التقية أو الجهل بالحكم وعدم اعتقاده بضرورة اعلانه أمام الاخرين أو غفلته عنه وهكذا ، فمجرد السكوت لا يكشف عن الموافقة ليتحقق بها الاجماع والاتفاق ، ومن هنا نعرف قيمة الاجماع السكوتي الذي ذهب الى اعتباره بعض الاصوليين .وثاني الطريقين : بلوغه من طريق النقل ، وهذا الطريق ينقسم بدوره الى متواتر ونقل آحاد ، وقد بحثوا هذه الطريق بقسميها بما أسموه بالاجماع المنقول :1 ـ الاجماع المتواتر : وهذا التواتر في النقل للاجماع وان كان من شأنه ان يفيد القطع بمدلوله ، الا أن حساب تحصيله لكل واحد منهم هو نفس ذلك الحساب السابق ، والخلاف من حيث الامكان وعدمه هو نفس ذلك الخلاف ، فاذا جوزنا تحصيل الاجماع بأن أخذنا بدعوى من يقول بأنه يكفي فيه اجتماع جماعة يعلم بدخول المعصوم في ضمنهم ، كان هذا التواتر حجة لتحصيله القطع بمدلوله ، وإلا فمع احتمال اشتباه كل واحد منهم في دعوى الاجماع لا يمكن ان يحصل من اخبارهم القطع فلا يكون حجة .2 ـ الاجماع المنقول بأخبار الاحاد : وهذا النوع من الاجماع لا يمكن الايمان بحجيته إلا بعد معرفة مبنى الناقل للاجماع في منشأ حجيته ، وملاحظة موافقة المنقول اليه في المبنى ثم التعرف على ما اذا كان من الممكن تحصيله لمثله أو لا ، ومع فرض امكانه معرفة ما اذا كان نقله له مستلزماً لنقل الحجة في حق المنقول اليه ، أي ان المبنى متحد في مدرك حجية الاجماع بينهما ، أو انه يعطي نفس النتيجة التي يعطيها المبنى الاخر من حيث استلزام الحجية لو قدر لهما الاختلاف .والمقياس ان يكون نقل الاجماع نقلاً للحجة الشرعية ، ليدخل في كبرى حجية أخبار الاحاد .ومع عدم التوفر على هذه الامور لا يمكن الايمان بحجية الاجماع المنقول .وقد أطال أعلامنا في تقريب حجيته ، وجل ما قالوه يرجع الى ما ذكرناه ، فلا حاجة الى الاطالة في عرضه والتحدث فيه مفصلاً .(8) سلم الوصول : ص259 نقلاً عن أعلام الموقعين : 2/232 .(9) أصول الفقه للخضري : ص184 .(10) المصدر السابق .(11) أصول الفقه للخضري : ص184 .(12) مسند أحمد : مسند أبي هريرة ، الحديث 9655 ، وفيه : " انا معشر الانبياء لا نورث " .(13) أصول الفقه للخضري : ص184 .(14) راجع مصادره في النص والاجتهاد في قصة فدك وغيره .(15) سورة النساء : الاية 24 .(16) أصول الفقه للخضري : ص246 .(17) المصدر السابق .(18) سورة البقرة : الاية 105 .(19) ومن هنا صرحوا ان أمثال هذه الايات لا تقبل نسخاً ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ) كما صرحوا ان الايات المخبرة عن أمور تقع لا تقبل النسخ لانتهائها الى التكذيب ( راجع : سلم الوصول : ص337 ) .(20) أصول الفقه للخضري : ص237 .(21) أصول الفقه للخضري : ص237 .(22) مستدرك الحاكم : 4 / 94 .(23) أصول الفقه للخضري : ص237 .(24) أصول الفقه للخضري : ص234 .(25) المصدر السابق .(26) عدة الاصول للشيخ الطوسي : ص232 ، وأصول الفقه للخضري : ص270 .(27) أصول الفقه للخضري : ص270 ، وغيره .(28) أصول الفقه : ص275 .(29) المصدر السابق .(30) عدة الاصول : ص232 .(31) سورة النساء : الاية 110 .(32) سلم الوصول : ص272 . والظاهر أن هذا التقريب لصاحب نهاية السؤول وان لم يقوّسه كما يوحي إرجاعه في الهامش اليه .(33) أصول الفقه للخضري : ص279 نقلاً عنه .(34) سورة الاسراء : الاية 71 .(35) راجع الطوفي في مناقشاته لها : ص100 وما بعدها من رسالته المنشورة في مصادر التشريع الاسلامي ، والشيخ الطوسي في العدة : ص234 وما بعدها .(36) سورة البقرة : الاية 243 .(37) الطوفي في رسالته السابقة : ص103 .(38) المصدر السابق .(39) سورة آل عمران : الاية 110 .(40) عدة الاصول : ص242 .(41) سورة آل عمران : الاية 103 .(42) شرح السنّة للبغوي : ص86 ، والدرر المنتثرة للسيوطي : ص180 . وفيهما : " لا تجتمع امتي على ضلالة " .(43) سنن الترمذي ، كتاب الفتن ، باب لزوم الجماعة ، ح2167 . وفيه : " إن الله لا يجمع امتي على ضلالة " .(44) مسند أحمد : 6 / 396 ، ح 26682 .(45) كنز العمال : ح 1033 وفيه : " من سره ان يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد " .(46) سنن الترمذي ، كتاب الفتن ، ح2167 وفيه : " يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار " .(47) سنن ابي داود ، كتاب الفتن ، ح4252 .(48) مجمع الزوائد : 7 / 288 وفيه : " لا يزال طائفة من امتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم إلاّ ما أصابهم من لاواء " .(49) المعجم الكبير للطبراني : 10 / 289 ، ح10687 وفيه : " من فارق المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه " .(50) صحيح البخاري، كتاب الفتن : 8 / 87 وفيه : " من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية " .(51) راجع : اُصول الفقه للخضري : ص279 وما بعدها .(52) مستدرك الحاكم : 1 / 115 .(53) مسند أحمد : 6 / 403 ، ح : 26722 .(54) المعجم الكبير للطبراني : 10 / 289 ، ح10687 وفيه : " من مات تحت راية عميّة إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتله جاهلية " .(55) رسالة الطوفي : ص106 .(56) المقصود العلاّمة الحسن بن يوسف المطهر الحلّي(قدس سره) .(57) الالفين للعلاّمة الحلي : الوجه التاسع والتسعون من البحث السابع : ص100 .(58) كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع ، للشيخ أسد الله المعروف بالمحقق الكاظمي : ص6 .(59) كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع : ص6 وما بعدها .(60) عد الطوفي الشيعة من جملة منكري الاجماع لا يعرف له وجه اذا أُريد بهم الاثني عشرية لانهم من القائلين نوعاً بحجيته ، ولعل سر الاشتباه في النسبة ما اطلع عليه من انكارهم الاجماع في يوم السقيفة ، ولكن مناقشتهم له هنا من وجهة صغروية لعدم انعقاده بمخالفة جماعة كبيرة من كبار الصحابة أمثال بني هاشم ، وأبي ذر ، وعمار ، وغيرهم . ( المؤلف ) .(61) رسالة الطوفي : ص105 .(62) مصادر التشريع : ص106 ( رسالة الطوفي ) .(63) المصدر السابق .(64) دراسات : ص88 .(65) الخضري في أصول الفقه : ص277 وغيره .(66) راجع الدراسات : ص88 وما بعدها ; وأصول الفقه للشيخ المظفر : 3/92 وما بعدها .(67) شرح السنّة للبغوي : ص86 وفيه : " لا تجتمع امتي على ضلالة " .(68) المعتبر : ص6 .(69) أصول الفقه للمظفر : 3/93 .(70) أصول الفقه للخضري : ص281 .(71) أصول الفقه للخضري : ص281 .(72) إرشاد الفحول : ص72 .(73) المصدر السابق .(74) كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع : ص4 .(75) إرشاد الفحول : ص72 .