وأمّا الطواف بالبيت
فليستحضر في قلبه
التعظيم والخوف والخشية والمحبّة، وليعلم أنّه بذلك متشبّه بالملائكة
المقرّبين الحافين حول العرش الطائفين حوله.
ولا تظنّن أنّ المقصود طواف جسمك بالبيت، بل طواف قلبك بذكر ربّ البيت، حتّى
لا تبتدئ بالذكر إلاّ منه، ولا تختم إلاّ به، كما تبدأ بالبيت وتختم
به.
واعلم أنّ الطواف المطلوب هو طواف القلب بحضرة الربوبية، وأنّ البيت مثال
ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالم الغيب، كما أنّ الإنسان
الظاهر مثال الظاهر في عالم الشهادة للإنسان الباطن الذي لا يشاهد بالبصر وهو
في عالم الغيب، وأن عالم الملك والشهادة مرقاة ومدرج إلى عالم الغيب والملكوت
لمن فتح له باب الرحمة، وأخذت العناية الإلهية بيده لسلوك الصراط
المستقيم.
وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة الإلهية: بأنّ البيت المعمور في السماء بإزاء
الكعبة، وأنّ طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البيت30
ولمّا قصرت مرتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أُمروا بالتشبّه بهم بحسب
الإمكان، ووعدوا بأنّ مَن تشبّه بقوم فهو منهم، ثمّ كثيراً ما يزداد ذلك
التشبيه إلى أن يصير في قوّة المشبّه به، والّذي يبلغ تلك المرتبة فهو الّذي
يقال: إنّ الكعبة تزوره وتطوف به، على مارواه بعض المكاشفين لبعض أولياء
الله.