نص الکتاب
[بسم الله الرحمن الرحيم]
واعلم، أنّا لمّا بيّنّا وجوب العبادات، وأشرنا إلى وجه الحكمة فيها،
فبالحريّ أن نشير إلى وجه الحكمة في خصوص الحج من جملتها، ونؤخّر تفصيل
باقيها إلى مواضعه، إن شاء الله.
[مقدّمة]
فأمّا الحجّ، فإنّكَ لمّا عرفت أنّ الغرض الأول من العبادات
هو جذب الخلق إلى جناب الحقّ، بالتذكير له ودوام إخطاره بالبال، لتجلّى لكَ
الأسرار على طول التذكار، وينتهي في ذلك من أخذَتِ العنايةُ بيده إلى مقام
المخلصين.
فمن جملة أسرار الله سبحانه المنزلَة على لسان رسوله، تعيين موضع من البلاد،
أنه أصلح المواضع لعبادة الله، وأنّه خاص له.
ولابدّ أن تُبنى
مثل هذه الأوضاع على إشارات ورموز إلى مقاصد حقيقية، يتنبّه لها مَن أخذ
التوفيق بزمام عقله إليها.
ولابدّ من تعيين
أفعال تفعل في ذلك المكان، وأنها إنما تفعل في ذات الله سبحانه.
وأنفع المواضع
المعيّنة في هذا الباب ما كان مأوى2 الشارع ومسكنه، فإنّ ذلك مستلزم
لذكره، وذكره مستلزم لذكر الله سبحانه، وذكر ملائكته واليوم
الآخر.
ولمّا لم يكن في
المأوى الواحد أن يكون مشاهداً لكلّ أحد من الأمة، فالواجب إذن أن يفرض إليه
مهاجرة وسفراً، وإن كان فيه نوع مشقّة وكلفة: من تعب الأسفار، وإنفاق المال،
ومفارقة الأهل والولد والوطن والبلد.
ونحن نذكر فضيلته
من جهة السمع، ثم نشير إلى ما ينبغي أن يوظّف فيه من الآداب الدقيقة، [ثم
نشير إلى الوظائف القلبية] والأعمال الباطنة عند كلّ حركة وركن من أركان
الحج، مما يجري من تلك الأركان مجرى الأرواح للأبدان.
فإذن هاهنا
أبحاث: