(11) المسائل الاساسية
يشير الإمام(قدس سره) في تشخيصه لطبيعة المسائل التي ينبغي تناولها في
الحج ، فيقول : « . . .وفي هذا الاجتماع المقدس للحج عليهم
أن يتبادلوا وجهات النظر في المسائل الإسلامية الأساسية أولاً ، وفي
المسائل الخاصة للبلدان الإسلامية ثانياً . . .» 26 .
تعليق : يمرّ التأثير الديني على الناس بمراحل
ثلاث . ولنفترض أنّ طالباً يذهب إلى محاضرة ما; فذلك الطالب يمر بمراحل
فكرية ثلاث تشخّص تقبّله للفكرة التي يطرحها
المحاضر .
فالمرحلة
الاولى : انفتاح ذهنية ذلك الطالب وتهيؤه لتقبل مفردات
التأثر والتأثير . بمعنى أنّ الفرد الذي يبذل جهده للذهاب إلى إحدى
مجالس الدرس للاستماع إلى محاضرة في علم السياسة مثلاً ، لابد له من
تهيئة ذهنه بشكل مسبّق لتقبل أو رفض النظريات السياسية التي يقدّمها
المحاضر .
المرحلة
الثانية : تشخيص المستمع للنقص الفكري الذي يعاني
منه ، أو حاجته لتقبل الأفكار والمعتقدات التي يطرحها الطرف المقابل;
ومصداقها أنّ المستمع إذا لاحظ ان المحاضر ـ في مثالنا السابق ـ قد
قدّم نظرية جديدة مقنعة ، فاقتنع هذا المستمع بصحتها وانسجام مفرداتها
مع الواقع ، عندئذ يمسي هذا الطالب أقرب إيماناً بتلك
النظرية .
المرحلة
الثالثة : هضم الفرد للفكر المطروح من أجل
التأثير ، وتقبّله لذلك التأثير باعتباره فكراً يتناسب مع نظامه
الأخلاقي الذي آمن به ، وهذه المرحلة تعكس إيمان الفرد ـ في المثال
المذكور سابقاً ـ بأن تبني تلك النظرية المطروحة من قبل المحاضر سيكون
أمراً شخصياً حتمياً .
ومن
المسلّم به بين أواسط علماء اهل الفن ، أنّ التجانس الاجتماعي يعتبر من
أهم عناصر التأثير السياسي والفكري على الأفراد; لأنّ التأثير الحقيقي لايعمل
عمله الفعّال إلاّ مع أفراد متقاربين في الفكر والاعتقاد; بمعنى أنّ التأثير
الاجتماعي يتم بين أفراد متقاربين فكرياً أكثر مما لو كان بين أفراد يختلفون
تماماً في الفكر والمعتقد; ولذلك ، فان الحج واقعاً هو أعظم ساحة
للتأثيرات والتغيرات الاجتماعية التي تهدف الرسالة الإسلامية إحداثها على
الصعيد العالمي . ولولا طاعة الأفراد للرسالة الدينية وأحكامها الشرعية
لما حصل التأثير الاجتماعي المنشود .
فإطاعة
الأفراد للنظام الديني طوعية اختيارية إذا كانت السلطة سلطة شرعية ،
بمعنى أنّ الأفراد يحاولون ـ بصدق ـ اطاعة النظام الديني أو
الاجتماعي إذا لم تُسلَّطْ عليهم سلطة لايؤمنون بشرعيتها . واعتقاد
الناس بأنّ الدين سلطة شرعية يسهّل عملية الانقياد له ولأحكامه ، بل
يسهّل في الواقع عملية تغيير توجهاتهم ، وبنائهم بالطريقة التي صممتها
الشريعة لهم . ولولا طاعة الأفراد للنظام الاجتماعي لما استطاع المجتمع
وقيادته السياسية من الصمود بوجه الفوضى الناتجة من عصيانهم للقوانين التي
تنظّم حياة المجتمع . وبذلك نستنتج أنّ للطاعة دوراً رئيسياً في اكمال
عملية التأثير على الأفراد ، خصوصاً فيما يتعلق بالحج . فالحج ينشئ
استعداداً عظيماً عند الأفراد لإطاعة الأحكام الشرعية دون نقاش أو
جدال .
وفي جوّ
عبادي كهذا ، لابدّ من طرح المسائل الأساسية وتجاوز المسائل
الهامشية ، ذلك أنّ المسائل الأساسية لها ساحة أوسع في الحج من زاوية
التقبل والاستيعاب .