(3) المعاني والاشارات
يشير الإمام(قدس سره) إلى أنّ أعمال الحج التعبدية لايمكن أن تؤخذ على
ظاهرها ، بل لابد من فهم معانيها ، فـ : «الطواف حول بيت الله مؤشر لعدم الالتفاف حول غير
الله ، ورجم العقبات رجم شياطين الانس
والجن . . .» 10 .
تعليق : بالرغم من أنّ اللغة تعتبر وسيلة مهمة من وسائل
التفاعل الاجتماعي ، إلا أنّ الاتصال غير الشفهي ـ وهو تبادل
المعلومات أو التعبير عن عمل ما بواسطة رموز غير لغوية كالاشارات والتعابير
الجسدية ـ يعتبر مهماً أيضاً في وسائل الاتصال الاجتماعي
والديني .
فيستطيع
الجسم الانساني عموماً ـ والوجه البشري بالخصوص ـ القيام بحركات
متنوعة ، كالغضب والحزن والفرح والتعجب والخوف والقلق ونحوها .
ولاريب أنّ حركات الجسم الانساني تبعث بشكل مباشر أو غير مباشر برسائل ورموز
مفهومة على الصعيدين الاجتماعي والديني .
ومن
الواضح أنّ الاشارات والتعابير الجسدية تختلف من مجتمع إلى آخر حسب التركيبة
الثقافية والدينية التي يعيشها الأفراد في ذلك المجتمع ، فهذه الاشارات
تستطيع ان تبعث برسائل اجتماعية فعالة بين الأفراد .
ولكن
الاشارات والتعابير الجسدية غير محدودة بحدود الاشارات الاجتماعية ، بل
إنّ لها معان دينية وروحية . فالدين ، وفهماً منه لطبيعة الانسان
في التعبير استخدم الاشارات والتعابير الجسدية في العبادات كالصلاة
والحج . فالصلاة بشكلها الخارجي ، كاستحباب رفع اليدين إلى الأذنين
أو حيال الوجه في تكبيرة الاحرام ، والوقوف في القراءة ، والانحناء
في الركوع والسجود ، والجلوس في التسليم ، ورفع اليدين عند الدعاء
ما هي الا تعابير جسدية للاتصال بالخالق عز وجلّ عبر اللغة والتعبير الجسدي
الشرعي الذي وضعه الشارع عزّ وجل للمكلف . والطواف ، والسعي ،
والوقوف في عرفات والمشعر الحرام ، والرمي ، والمبيت في منى هي
أيضاً تعابير جسدية لطبيعة هذه العبادة الواجبة على
المكلفين .
والذي
يهمّنا على هذا الصعيد هو أنّ التعابير الجسدية في الحج هي وسيلة من وسائل
التفاعل الاجتماعي ، لأنّ الجدية في أداء المناسك والتي تعكسها تلك
التعابير الجسدية من الخوف من الخالق عزّ وجلّ ، والبكاء خشية
منه ، والتضرع والدعاء ، وانتظام الجسم في الطواف ، والاسراع
في بعض مراحل السعي ، كلّها تساهم في عملية التماسك الديني بين
الأفراد ; خصوصاً عندما يشعر الأفراد أنهم يؤدون هذه المناسك
مجتمعين ، فتكون التعابير الجسدية وسيلة من وسائل انتظام الأفراد
وانضباطهم كأمة لها كيانها الروحي والفكري والعبادي المتميز . ولاشك أنّ
هذه التعابير الجسدية الجماعية في ممارسة الفريضة تساهم في إنشاء انسجام
داخلي بين المسلمين له أبعاده الاجتماعية العظيمة .
اذن ، فان رجم الشيطان أو الطواف حول البيت ينبغي أن يكونا مؤشرين لحسن
توجه المكلف نحو الله سبحانه وتعالى . فالهدف هو الوصول إلى الله سبحانه
عبر هذه الوسائل .