فكن اول مسلمات سبين في الاسلام , فاقمن في السوق .
وفـي كـتاب الغارات ((719)) : واتاه وفد مارب , فقتلهم , فلم ينج منهم الا رجل واحد, ورجع الى
قومه , فقال لهم : (اني انعى قتلانا شيوخا وشبانا).
وقال : فندب علي اصحابه لبعث سرية في اثر بسر, فتثاقلوا, واجابه جارية بن قدامة السعدي فبعثه
في الفين .
وذكر اليعقوبي : ان عليا عهد لجارية , وجاء في عهده اليه : (ولا تقاتل الا من قاتلك , ولا تجهز على
جـريـح , ولا تـسـخرن دابة , وان مشيت ومشى اصحابك , ولا تستاثر على اهل لمياه بمياههم , ولا
تشربن الا فضلهم عن طيب نفوسهم , ولا تشتمن مسلما, ولا مسلمة , فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب
غيرك عليه , ولا تظلمن معاهدا ولا معاهدة ).
وجاء فيه ايضا (واسفك الدم في الحق واحقنه في الحق ) ((720)) .
وقـال في كتاب الغارات : فشخص الى البصرة , ثم اخذ طريق الحجاز حتى قدم اليمن , وقال : وبلغ
بسرا مسير جارية , فانحدر الى اليمامة , واغذ جارية بن قدامة السير ما يلتفت الى مدينة مر بها, ولا
اهل حصن ولا يعرج على شي ء.
وقال : وصمد نحو بسر, وبسر بين يديه يفر من جهة الى جهة اخرى حتى اخرجه من اعمال علي .
وقال : ووثب الناس ببسر في طريقه لما انصرف من بين يدي جارية , لسوء سيرته وفظاظته وظلمه
وغشه .
وقـال : وكـان الـذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين الفا, وحرق قوما بالنار, فقال يزيد بن مفرغ ثم
ذكر ابياته التي منها:.
الى حيث سار المرء بسر بجيشه
فقتل بسر ما استطاع وحرقا.
فقتل بسر ما استطاع وحرقا.
فقتل بسر ما استطاع وحرقا.
وارسـل مـعـاويـة غارات اخرى الى اطراف علي من غير ما ذكرناه ((722)) , وكانت خيله ابدا
تـحـذر من مواجهة خيل علي وحده وحديده , وانما كانت تغير على الاطراف النائية , والقرى غير
الـمـحـصـنـة , او ما كان له فيها مسلحة صغيرة قليل عدده واذا تصدى لهم جيش لعلي خنسوا عن
طريقه .
وكـان مـن الـغارات التي التحم فيها الجيشان غارة جيش معاوية على اهل الجزيرة ((723)) فان
عامل علي هناك استنجد بكميل بن زياد ((724)) وكان على هيت ((725)) ,.
فسار اليهم كميل في ستمائة فارس , فقاتلهم وهزمهم واكثر القتل في اهل الشام , وامر ان لا يجهز
على جريح , ولا يتبع مدبر, وقتل من اصحاب كميل رجلان .
وتـبـع احد ولاة علي الجيش الشامي المغير فلم يدركهم , فعبر الفرات خلفهم , وبث خيله فاغارت
على اهل الشام حتى بلغ نواحي الرقة ((726)) فلم يدع للعثمانية هناك ماشية الا استاقها ولا خيلا
ولا سـلاحـا الا اخذه , ووجه معاوية اليه جيشا لم يدركه , فانه عاد الى نصيبين ((727)) سالما,
وكـتـب الى علي بخبره فكتب اليه علي ينهاه عن اخذ اموال الناس الا الخيل والسلاح الذي يقاتلون
به ((728)) .
ان هـاتين السياستين المتقابلتين , سياسة علي : ان لا يقاتل جيشه الا من قاتله , ولا يسخرن دابة وان
مشوا, ولا يشربون الا من فضل مياه اهل المياه , ولا يشتمن المسلم , ولا يظلمن المعاهد, ولا يسفكن
الدم الا في الحق , ونهيه ان لا ياخذوا من اموال الناس الا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به ((729)) .
وسـيـاسـة معاوية : ان يقتل جيشه من لقيه ممن ليس على رايه , ويخربوا كل ما مروا به من القرى ,
ويـحـربـوا الامـوال ((730)) , ويـنهبوا اموال كل من اصابوا له مالا ممن لم يكن دخل في طاعة
معاوية , ويستعرضوا الناس , ويقتلوا من كان في طاعة علي , ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان .
كـان لابـد لاحـدى هـاتين السياستين : السياسة التي تامر بسلب اموال الناس ان تغلب التي تنهى عنها
ولذلك كان اهل العراق يتثاقلون عن تلبية نداء علي , واهل الشام يتبادرون الى نداء معاوية , ولو سمح
عـلـي لاهل العراق ما امر به معاوية اهل الشام , لضيعوا على معاوية سياسته ودهاءه , ولكن عليا كان
يقول : (اما واللّه اني لعالم بما يصلحكم ولكن في ذلك فسادي ) ((731)) .
حارب معاوية عليا باسم الطلب بدم عثمان , ولكن , هل كانت هذه القرى المسلمة الامنة من العراق الى
الـحجاز حتى اليمن مشاركة في دم عثمان ؟ وهل ان عشرات الالوف من القتلى الذين ابادتهم غارات
مـعـاويـة اهـلكوا في سبيل الطلب بدم عثمان ؟ وهل ان المسبيات من المسلمات والقتلى من الاطفال
الصغار, كان عليهن وعليهم وزر دم عثمان كلا الغاية ـ لديه ـ تبرر الواسطة .
هـذا معاوية في عصر علي ولما قتل علي بسيف ابن ملجم , وبايع المسلمون الحسن , كتب الى معاوية
يطلب منه البيعة , فابى عليه , ثم سار معاوية بجيوشه نحو العراق فخرج الحسن في جيوشه , وساق
امـامـه ابـن عـمه عبيداللّه بن العباس ابن عبدالمطلب في اثني عشر الفا من فرسان العرب , وقراء
الكوفة , وآزره بقيس بن سعد بن عبادة , ولما لقي عبيداللّه بن العباس معاوية , ووقف بازائه .
جرت بعض المناوشات بين الجيشين ثم احتال معاوية على عبيداللّه , وارسل اليه في الليل قائلا له :
ان الحسن قد راسلني في الصلح , فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا, والا دخلت وانت تابع , ولك
ان جـئتـنـي الان ان اعطيك الف الف درهم , يعجل في هذا الوقت النصف , واذا دخلت الكوفة النصف
الاخر, فانسل عبيداللّه ليلا فدخل عسكر معاوية ((732)) .
ودسـ مـعـاويـة الـى عـمـرو بـن حـريـث , والاشعث بن قيس , والى حجار بن ابجر, وشبث بن
ربعي ((733)) دسيسا: افرد كل واحد منهم بعين من عيونه انك ان قتلت الحسن بن علي , فلك مائة
الف درهم , وجند من اجناد الشام , وبنت من بناتي , فبلغ الحسن فاستلام , ولبس درعا وكفرها, وكان
يـحترز, ولا يتقدم للصلاة بهم الا كذلك , فرماه احدهم في الصلاة بسهم , فلم يثبت فيه لما عليه من
اللامة ) الحديث ((734)) .
وقال اليعقوبي ((735)) : كان معاوية يدس الى عسكر الحسن , من يتحدث ان قيس بن سعد قد صالح
معاوية , وصار معه , ووجه الى عسكر قيس , من يتحدث ان الحسن قد صالح معاوية واجابه , ووجه
معاوية الى الحسن المغيرة ابن شعبة , وعبداللّه بن عامر بن كريز, عبدالرحمن بن ام الحكم , وافوه
وهو بالمدائن نازل في مضاربه ثم خرجوا من عنده , وهم يقولون , ويسمعون الناس : ان اللّه قد حقن
بابن رسول اللّه الدماء, وسكن به الفتنة , واجاب الى الصلح , فاضطرب العسكر, ولم يشكك الناس في
حديثهم , فوثبوا بالحسن , فانتهبوا مضاربه وما فيها, فركب الحسن (ع ) فرسا له , ومضى في مظلم
سـابـاط وقد كمن له الجراح بن سنان الاسدي فجرحه (ص ) بمغول في فخذه وحمل الحسن الى
المدائن وقد نزف نزفا شديدا, واشتدت به العلة فافترق عنه الناس .
وقـال الـطـبـري ((736)) بـايع الناس الحسن بن علي (ع ) بالخلافة , ثم خرج بالناس حتى نزل
بالمدائن ـ الى قوله ـ فبينا الحسن في المدائن اذ نادى مناد في العسكر:.
الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا, فنفروا, ونهبوا سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا كان تحته .
وفـي روايـة ـ وعـولجت خلاخيل امهات اولاده ((737)) ـ, وقال الطبري ((738)) لم يلبث
الحسن بعدما بايعوه الا قليلا حتى طعن طعنة اشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا.
قال ابو الفرج : وبعث معاوية الى الحسن للصلح وشرط الا يتبع احد بما مضى , ولا ينال من شيعة علي
بمكروه , ولا يذكر عليا الا بخير, واشياء اشترطها الحسن .
ثم دخل معاوية الكوفة , وخطبهم فقال :.
انـي واللّه مـا قـاتـلتكم لتصلوا, ولا لتصوموا, ولا لتحجوا, ولا لتزكوا, انكم لتفعلون ذلك , وانما
قاتلتكم لاتامر عليكم , وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون ((739)) .
وقال : الا ان كل شي ء اعطيته الحسن فتحت قدمي هاتين ((740)) .
معاوية في بادئ عهده :
.
صـفا الجو لمعاوية بعد قتل علي , وتسليم الحسن الامر اليه , غير ان البلاد الاسلامية في الجزيرة العربية كانت قد ضعضعتها غارات جيش معاوية عليها, وقلوب الناس تغلي عليه كالمرجل بما قتل من
رجالها في صفين , وما بعد صفين , باسم الطلب بدم عثمان , فاتبع معاوية سياسة المداراة , والمهادنة مع
اعدائه في الخارج .
قـال الـيـعقوبي ((741)) : ورجع معاوية الى الشام سنة احدى واربعين , وبلغه ان طاغية الروم قد
زحف في جموع كثيرة , وخلق عظيم , فخاف ان يشغله عما يحتاج الى تدبيره , واحكامه , فوجه اليه
فصالحه على مائة الف دينار.
وفـي داخل البلاد الاسلامية اتبع سياسة اللين لتثبيت اساس ملكه حتى انه قيل فيه : ان معاوية عمل
سنتين , عمل عمر ما يخرم فيه , ثم بعد عن ذلك ((742)) .
ونسي معاوية بعد ان استولى على الملك دم عثمان , والطلب بثاره :.
قـال ابـن عـبـد ربه ((743)) : قدم معاوية المدينة بعد عام الجماعة , فدخل دار عثمان ابن عفان ,
فـصاحت عائشة ابنة عثمان , وبكت , ونادت اباها: واعثماناه , تحرض بذلك معاوية على القيام بطلب
ثاره .
فـقال معاوية : يا ابنة اخي ان الناس اعطونا طاعة واعطيناهم امانا, واظهرنا لهم حلما تحته غضب ,
واظـهـروا لنا ذلا تحته حقد, ومع كل انسان سيفه , ويرى موضع اصحابه , فان نكثنا بهم نكثوا بنا,
ولاندري اعلينا تكون الدائرة ام لنا, ولئن تكوني ابنة عم امير المؤمنين خير من ان تكوني امراة من
عرض الناس .
واغـدق الـعطاء على الرؤساء, فمالوا اليه , قال الطبري ((744)) : ان الحتات بن يزيد المجاشعي
وفـد عـلى معاوية في جماعة من الرؤساء, فاعطى كلا منهم مائة الف , واعطى الحتات سبعين الفا,
فلما رجعوا, وكانوا ببعض الطريق , اخبر بعضهم بعضا بجائزته , فرجع الحتات الى معاوية يعاتبه ,
فقال له فيما قال :.
مـا بالك خسست بي دون القوم فقال : وانا فاشتر مني ديني , فامر له بتمام جائزته .
وصـانـع الـرجال ذوي الدهاء والخطر, فولى المغيرة بن شعبة الكوفة بعد ان كان قد اعطى مصر
طـعـمـة لـعـمـرو بـن الـعـاص مـدة حـيـاته , وبقي زياد بن عبيد شوكة الى جنبه , فاقض امره
مضجعه ((745)) فعالجه علاج امرئ حازم في دنياه غير آبه لدينه حين استلحقه بنسبه , ووافق
ذلك هوى في نفس زياد فرغب في ذلك اشد الرغبة بما نقل نسبه من ثقيف الى قريش , ومن عبيد الى
ابـي سـفـيـان , فـاصبخ اخا لخليفة المسلمين بعد ان كان ام ءرا وضيع النسب خسيس الحسب وقصة
الاستلحاق على ما ذكر المسعودي , وابن الاثير وغيرهما ((746)) .
هـي ان سـمية كانت جارية للحرث بن كلدة الطبيب الثقفي وكانت من البغايا ذوات الرايات بالطائف ,
وتـؤدي الـضـريـبـة الى الحرث بن كلدة , وكانت تنزل في حارة البغايا خارجا عن الحضر, وكان
الحرث قد زوجها من غلام رومي له اسمه عبيد, ونزل ابو سفيان في احد اسفاره في الجاهلية الى
الطائف على خمار يقال له : ابو مريم السلولي , فقال له : قد اشتهيت النساء فالتمس لي بغيا, فقال له : هل
لك في سمية فقال : هاتها على طول ثديها, وذفر بطنها, فاتاه بها فوقع عليها, فعلقت بزياد, ثم وضعته
سنة احدى من الهجرة , وذكروا في سبب استلحاق معاوية زيادا الى نسبه : ان عليا لما ولي الخلافة
استعمل زيادا على فارس , فضبطها وحمى قلاعها, فساء معاوية ذلك , فكتب اليه يتهدده , ويعرض له
بـولادة ابي سفيان , ولما قتل علي , وصالح الحسن معاوية خاف معاوية منه , فارسل الى المغيرة وقال
لـه : ذكـرت زيـادا واعتصامه بفارس , وهو داهية العرب ومعه الاموال , وقد تحصن بارض فارس
وقـلاعـهـا يدبر الامور, فما يؤمنني ان يبايع لرجل من اهل هذا البيت , فاذا هو قد اعادها جذعة ,
فذهب اليه المغيرة , وقال له : ان هذا الامر لا يمد اليه احد يدا الا الحسن بن علي , وقد بايع لمعاوية ,
فـخذها لنفسك قبل التوطين , قال زياد: فاشر علي , قال : ارى ان تنقل اصلك الى اصله , وتصل حبلك
بـحـبله , وتعير الناس اذنا صماء, فقال زياد: يا ابن شعبة عـزم عـلى قبول الدعوى واخذ براي ابن شعبة , ثم وفد الى معاوية , فارسلت اليه جويرية بنت ابي
سفيان عن امر اخيها معاوية , فلما اتاها كشفت عن شعرها بين يديه , وقالت : انت اخي , اخبرني بذلك
ابـو مـريم , ثم اخرجه معاوية الى المسجد وجمع الناس وحضر من يشهد لزياد وكان فيمن حضر
ابو مريم السلولي , فقال له معاوية : بم تشهد يا ابا مريم فقال ابو مريم : انا اشهد ان ابا سفيان قدم علينا
بـالـطـائف وانا خمار في الجاهلية , فقال ابغني بغيا فقلت له : ليس عندي الا جارية الحرث بن كلدة
سمية , فقال : ائتني بها على قذرها وذفرها, فقال له زياد:.
مهلا يا ابا مريم انما بعثت شاهدا, ولم تبعث شاتما, فقال ابو مريم : لو كنتم اعفيتموني لكان احب الي ,
وانـمـا شهدت بما عاينت ورايت , واللّه لقد اخذ بكم درعها, واغلقت الباب عليهما, وقعدت دهشانا,
فـلـم الـبـث ان خـرج علي يمسح جبينه , فقلت : مه يا ابا سفيان فقال : ما اصبت مثلها يا ابا مريم لولا
اسـتـرخـاء من ثديها, وذفر فيها, فقام زياد فقال : ايها الناس ادري حق ذلك من باطله , وانما كان عبيد والدا مبرورا, او وليا مشكورا, والشهود اعلم بما قالوا,
فـقـام يونس بن عبيد بن اسد بن علاج الثقفي اخو صفية مولاة سمية , فقال : يا معاوية اللّه (ص ) ان الـولـد للفراش , وللعاهر الحجر, وقضيت انت ان الولد للعاهر, وان الحجر للفراش
مخالفة لكتاب اللّه تعالى , وانصرافا عن سنة رسول اللّه (ص ) بشهادة ابي مريم على زنا ابي سفيان ,
فـقـال معاوية : واللّه يا يونس لتنتهين او لاطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها, فقال يونس : وهل الا الى
اللّه , ثم اوقع ؟ قال : نعم واستغفر اللّه , وقال عبدالرحمن بن الحكم :.
الا ابلغ معاوية بن حـرب
اتغضب ان يقال ابوك عف
فاشهد ان رحمك من زياد
كرحم الفيل من ولد الاتان .
مغلغلة عن الرجل اليماني .
وترضى ان يقال ابوك زاني .
كرحم الفيل من ولد الاتان .
كرحم الفيل من ولد الاتان .
بالولد للفراش , وللعاهر بالحجر ((747)) .
اشترى معاوية دهاة الرجال في عصره بالامرة والمال والاستلحاق .
بالنسب , وصانع الرؤساء, وداهن اعداءه , وبذل وافر المال , وتظاهر بالحلم والاغضاء عن خصومه
اجـمعين , حتى اذا اتسق له الامر, وتم له الملك , اظهر دخيلة نفسه , وجعل الخلافة ملكا عضوضا
فـامر بان تصطفى له الصفراء والبيضاء, فلا يقسم بين الناس ذهب ولا فضة ((748)) , واستصفى
لنفسه ما كان لكسرى وآل كسرى من الصوافي في ارض الكوفة وسوادها.
فبلغت جبايته خمسين الف الف درهم من ارض الكوفة وسوادها.
وكـتـب الـى عـبدالرحمن بن ابي بكرة بمثل ذلك في ارض البصرة , وامرهم ان يحملوا اليه هدايا
النيروز والمهرجان , فكان يحمل اليه في النيروز وغيره والمهرجان عشرة آلاف الف ((749)) .
وفـعـل مـعاوية بالشام والجزيرة واليمن مثل ما فعل بالعراق من استصفاء ما كان للملوك من الضياع
وتـصـيـيرها لنفسه خالصة , واقطعها اهل بيته وخاصته وكان اول من كانت له الصوافي في جميع
الـدنـيـا, حـتـى بـمـكـة والـمـديـنـة , فانه كان فيهما شي ء يحمل في كل سنة من اوساق التمر
والحنطة ((750)) , واقطع فدكا مروان خاصة ((751)) .
ثم شدد النكير على من ناواه , ولما صار الى المدينة اتاه جماعة من بني هاشم , وكلموه في امورهم ,
فقال : اما ترضون يابني هاشم ان نقركم على دمائكم وقد قتلتم عثمان حتى تقولوا ما تقولون ؟ فواللّه
لانتم احل دما من كذا وكذا, واعظم في القول فقال له ابن عباس : كل ما قلت لنا يا معاوية من شر بين
دفـتـيـك , انـت واللّه اولـى بـذلك منا, انت قتلت عثمان , ثم قمت تغمص على الناس انك تطلب بدمه
فانكسر معاوية الحديث ثم كلمه الانصار, فاغلظ لهم في القول , وقال لهم : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا:
افـنيناها يوم بدر لما قتلنا اخاك وجدك وخالك , ولكنا نفعل ما اوصانا به رسول اللّه قال : ما اوصاكم
به ؟.
قالوا: اوصانا بالصبر قال : فاصبروا.
ثم ادلج معاوية الى الشام ولم يقض لهم حاجة ((752)) .
وامـر مـعـاويـة بمنبر النبي (ص ) ان يحمل من المدينة الى الشام وقال : لا يترك هو وعصا النبي
بـالـمـديـنـة , وهـم قتلة عثمان , وطلب العصا, وحرك المنبر فكسفت الشمس فتركهما وقيل : ان
الصحابة منعوه عن ذلك ((753)) .
وكان اشد الناس بلاء يومذاك شيعة علي خاصة , فقد كان امر ولاته .
بـلـعـن علي على المنبر, وقال للمغيرة بن شعبة ـ لما ولاه الكوفة سنة احدى واربعين ـ قد اردت
ايـصـاءك بـاشياء كثيرة انا تاركها اعتمادا على بصرك , ولست تاركا ايصاءك بخصلة , لا تترك شتم
عـلـي وذمه , والترحم على عثمان والاستغفار له , والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم , والاطراء
لشيعة عثمان والادناء لهم ((754)) .
فاقام المغيرة عاملا على الكوفة لا يدع شتم علي والوقوع فيه , والدعاء لعثمان والاستغفار له وكان
حـجـر بـن عدي يرد عليه , ثم توفي المغيرة , وولي زياد مكانه , فوقع بينه وبين حجر ما وقع مع
الـمـغـيرة وفي رواية ان زيادا اطال يوما الخطبة , واخر الصلاة , فخشي حجر ان تفوت الصلاة ,
فـنـادى : الصلاة , فاستمر زياد في خطبته , فنادى حجر: الصلاة , الى ثلاث مرات , فضرب حجر
يـده الـى كـف من الحصى في وجه زياد, وثار الى الصلاة , وثار الناس معه الى الصلاة , فقطع زياد
خـطـبـتـه , وصلى بهم , ثم امر الشرط ان ياتوا به , فمنعه قومه واخفوه , حتى استامنوا له على ان
يـرسله الى معاوية , فاجابهم الى ذلك , فسجنه واحد عشر من اصحابه , ثم كتب عليه شهادة انه شتم
الـخـلـيـفة , ودعا الى حربه , واخرج عامله وشهد عليه بعضهم في الكتاب , وكتب في الشهود اسم
شـريـح بـن هـانـئ , ثم ارسلهم مع الكتاب الى معاوية , فلحق بهم شريح , فلما بلغوا الى معاوية قرا
الـشـهـادة على حجر, وقرا كتاب شريح , فاذا فيه : بلغني ان زيادا كتب شهادتي , وان شهادتي على
حـجر انه يقيم الصلاة , ويؤتي الزكاة , ويديم الحج والعمرة , ويامر بالمعروف , وينهى عن المنكر,
حـرام الـدم والـمـال , فـان شـئت فاقتله , وان شئت فدعه فقال معاوية : اما هذا فقد اخرج نفسه من
شـهادتكم , وحبس القوم بمرج عذراء ((755)) , وشفع خواص معاوية في بعضهم فاطلقهم , وبعث
الـى مـن بـقـي مـنهم يعرض عليهم البراءة من علي , واللعن له والا قتلهم , فقالوا: لسنا فاعلين ذلك ,
فـحـفـروا لهم القبور, واحضرت الاكفان , وقام حجر واصحابه يصلون عامة الليل , فلما كان الغد
قـدمـوهـم لـيقتلوهم , فقال لهم حجر: اتركوني اتوضا واصلي , فاني ما توضات الا صليت فتركوه
فـصـلـى , ثم انصرف منها وقال : واللّه ما صليت صلاة قط اخف منها, ولولا ان تظنوا في جزعا من
الـمـوت لاستكثرت منها, ثم قال : اللّه م انا نستعديك على امتنا اما واللّه لان قتلتموني بها فاني لاول
المسلمين كبر في نواحيها ((756)) , واول فارس من المسلمين هلك في واديها ثم مشى اليه قاتله
بالسيف , فارتعد, فقالوا له :.
زعـمـت انـك لا تـجزع من الموت , فابرا من صاحبك , وندعك , فقال : ومالي لا اجزع مـحفورا, وكفنا منشورا, وسيفا مشهورا, واني واللّه ان جزعت من القتل لا اقول ما يسخط الرب ,
فـقـتـلـوه وقتلوا ستة معه , وقال اثنان منهما: ابعثوا بنا الى امير المؤمنين , فانا نقول في هذا الرجل
مقالته , فاذن لهما معاوية , فقال لاحدهما: اتبرا من دين علي الذي يدين اللّه به ؟ فسكت , فشفعوا فيه ,
فـاطلق سراحه , ونفاه الى الموصل , واما الاخر, فقال له معاوية : يا اخا ربيعة دعني ولا تسالني فهو خير لك اشـهـد انه كان من الذاكرين للّه تعالى كثيرا, ومن الامرين بالحق , والقائمين بالقسط, والعافين عن
الـناس , قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو اول من فتح ابواب الظلم , واغلق ابواب الحق , قال : قتلت
نـفـسك يقتله شر قتلة فدفنه حيا ((757)) .
وفي الاستيعاب ((758)) : ان حجرا قال لمن حضره من اهله : لا تنزعوا عني حديدا, ولا تغسلوا
عني دما, فاني ملاق معاوية على الجادة .
قتل معاوية كثيرا من شيعة علي من اشباه حجر وعذب وذلك حنقا منه عليهم وتوطيدا لملكه , وفي
سـبـيـل تشييد ملكه لم يرتدع معاوية عن اي منكر يفعله باعدائه , او اوليائه وقد انصرف في اول
عهده الى توطيد اساس ملكه ومن بعده الى توريثه لعقبه .
توريث السلطة :
.
ان مـعـاويـة لـمـا تـم الامر له اراد ان يجعله وراثة في عقبه فاخذ يدبر الامر لذلك قال ابن عبد ربـه ((759)) : (ولـم يـزل يـروض الـناس لبيعته ـ اي بيعة يزيد ـ سبع سنين يشاور ويعطي
الاقـارب ويـداني الاباعد) وكان شانه في ذلك شانه في تشييد الملك لنفسه في بادئ امره ففي كلتا
الحالتين كان يغري بالامرة والمال , وان اعيته الحيلة لم يتورع عن اي شي ء حتى القتل والاغتيال .
.
بيعة يزيد في الكوفة :
. قـال ابـن الاثير ((760)) : وكان ابتداء بيعة يزيد واوله من المغيرة بن شعبة , فان معاوية اراد ان
يعزله عن الكوفة , ويستعمل عوضه سعيد بن العاص , فبلغه ذلك , فسار الى معاوية , وقال لاصحابه :
ان لـم اكسبكم ولاية وامارة لا افعل ذلك ابدا, ومضى حتى دخل على يزيد وقال له : قد ذهب اعيان
اصـحـاب الـنـبـي (ص ), وكـبراء قريش , وذوو اسنانهم , وانما بقي ابناؤهم , وانت من افضلهم ,
واحسنهم رايا, واعلمهم بالسنة والسياسة , ولا ادري ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة , قال :
او ترى ذلك يتم؟ قال : نعم فاخبر يزيد اباه , فاحضر المغيرة , واستخبره , فقال المغيرة : قد رايت ما
كـان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان , وفي يزيد منك خلف فاعقد له , فان حدث بك حادث كان
كهفا للناس , وخلفا منك , ولا تسفك دماء, ولا تكون فتنة , قال : ومن لي بهذا؟ قال : اكفيك اهل الكوفة ,
ويكفيك زياد اهل البصرة , وليس بعد هذين المصرين احد يخالفك قال : فارجع الى عملك وتحدث مع
مـن تـثـق اليه في ذلك , وترى ونرى , فرجع الى اصحابه , وقال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز
بـعيد الغاية على امة محمد, وفتقت عليهم فتقا لا يرتق ابدا, ثم رجع المغيرة الى الكوفة , واوفد مع
ابـنـه مـوسـى عـشرة ممن يثق بهم من شيعة بني امية , واعطاهم ثلاثين الف درهم , فقدموا عليه ,
وزيـنـوا لـه بيعة يزيد, فقال معاوية : لا تعجلوا بذا, وكونوا على رايكم , ثم قال لموسى سرا: بكم
اشترى ابوك من هؤلاء دينهم ؟ قال : بثلاثين الفا, قال : لقد هان عليهم دينهم .
زياد في بيعة يزيد:
.
وكـتـب معاوية الى زياد ـ وهو بالبصرة ـ: ان المغيرة قد دعا اهل الكوفة الى البيعة ليزيد بولاية الـعهد بعدي , وليس المغيرة باحق بابن اخيك منك , فاذا وصل اليك كتابي فادع الناس قبلك الى مثل ما
دعـاهـم الـيـه المغيرة , وخذ عليهم البيعة ليزيد, فلما قرا زياد الكتاب دعا برجل من اصحابه يثق
بفضله وفهمه فقال : اني اريد ان ائتمنك على ما لم اتمن عليه بطون الصحائف , ايت معاوية , فقل له : يا
امـيـر الـمـؤمنين بـالكلاب والقرود علي , وعبداللّه بن عباس , وعبداللّه بن الزبير, وعبداللّه بن عمر هـؤلاء حولا وحولين , فعسنا ان نموه على الناس فلما صار الرسول الى معاوية وادى اليه الرسالة ,
قـال : ويـلي على ابن عبيد الى امه سمية وابيه عبيد ((761)) .
وفـي الـطـبـري وابن الاثير ((762)) بتفصيل اوفى وفيه : ان الرسول قال لزياد: لا تفسد على
معاوية رايه , ولا تبغض اليه ابنه , والفي انا يزيد فاخبره ان امير المؤمنين كتب اليك يستشيرك في
الـبيعة له وانك تتخوف خلاف الناس عليه لهنات ينقمونها عليه , وانك ترى له ترك ما ينقم عليه وان
زيادا قبل ذلك , فقدم الرسول على يزيد فذكر ذلك له , فكف عن كثير مما كان يصنع , وكتب زياد معه
الـى معاوية يشير بالتؤدة وان لا يعجل , فقبل منه , فلما مات زياد عزم على البيعة لابنه يزيد فارسل
الى عبداللّه بن عمر مائة الف درهم فقبلها فلما ذكر البيعة ليزيد, قال ابن عمر: هذا اراد اذن علي لرخيص ((763)) .
بيعة يزيد في الشام :
. قـال ابـن عبدالبر في الاستيعاب ((764)) : ان معاوية لما اراد البيعة ليزيد خطب اهل الشام وقال
لهم : يا اهل الشام رجل منكم , فاروني رايكم , فاصفقوا واجتمعوا وقالوا: رضينا عبدالرحمن بن خالد, فشق ذلك على
مـعـاويـة , واسرها في نفسه , ثم ان عبدالرحمن بن خالد مرض , فامر معاوية طبيبا عنده يهوديا ـ
وكان عنده مكينا ـ ان ياتيه فيسقيه سقية يقتله بها, فاتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات .
وقال الطبري وابن الاثير ((765)) : وامر ابن اثال النصراني ان يحتال في قتله , وضمن له ان يضع
عنه خراجه ما عاش وان يوليه خراج حمص فوفى معاوية بما ضمن له .
وقـال ابـن عـبد البر: ثم دخل اخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفيا, هو وغلام له , فرصدا ذلك
الـيـهودي , فخرج ليلا من عند معاوية ومعه قوم هربوا عنه , فقتله المهاجر, ثم قال ابن عبد البر:
وقصته مشهورة عند اهل العلم .
بيعة يزيد في المدينة :
.
فـي الامـامة والسياسة : ان معاوية كتب الى مروان ـ وكان واليه على المدينة ـ ان يذكر بيعة يزيد لـهـم , فـابى ذلك , وابته قريش , وكتب الى معاوية : ان قومك قد ابوا اجابتك الى بيعتك ابنك , فارني
رايـك , فـعزله معاوية عن عمله , وولى سعيد بن العاص المدينة , فذهب مروان مع جمع من بني امية
الـى الـشـام غـضـبـان , واغـلـظ الكلام لمعاوية , فقابله معاوية باللين , وزاد في عطائه , وارجعه
راضيا ((766)) .
ثم اراد معاوية ان يغري بين بني امية ليفرق كلمتهم , فامر سعيد بن العاص بهدم دار مروان , وتصفية
امـواله , كما حدث بذلك ابن الاثير وقال ((767)) : في سنة اربع وخمسين عزل معاوية سعيد بن
العاص عن المدينة , واستعمل مروان , وكان سبب ذلك : ان معاوية كان قد كتب الى سعيد بن العاص ان
يـهـدم دار مـروان , ويقبض امواله كلها ليجعلها صافية , ويقبض منه فدك , وكان وهبها له , فراجعه
سـعـيد بن العاص في ذلك , فاعاد معاوية الكتاب بذلك , فلم يفعل سعيد, ووضع الكتابين عنده , فعزله
معاوية , وولى مروان , وكتب اليه يامره بقبض اموال سعيد بن العاص , وهدم داره , فاخذ الفعلة وسار
الـى دار سـعيد ليهدمها فقال له سعيد: يا ابا عبدالملك ولـو كـتـب الـيـك في هدم داري لفعلت فقال : ما كنت لا فعل قال : بلى واللّه , قال : كلا معاوية اليه بذلك , وقال له : انما اراد معاوية ان يحرض بيننا, فقال مروان : انت واللّه خير مني , وعاد
ولم يهدم دار سعيد, وكتب سعيد الى معاوية : العجب مما صنع امير المؤمنين ينافي قرابتنا, انه يضغن
بـعـضـنا على بعض , فامير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره من الاخبثين , وعفوه , وادخاله
الـقطيعة بيننا والشحناء, وتوارث الاولاد ذلك , فواللّه لو لم نكن اولاد اب واحد الا لما جمعنا اللّه
عـلـيه من نصرة امير المؤمنين الخليفة المظلوم , واجتماع كلمتنا, لكان حقا على امير المؤمنين ان
يرعى ذلك , فكتب اليه معاوية يعتذر.
المغتالون في بيعة يزيد:
.
وجـد معاوية في حياة اثنين من كبار المسلمين عائقا لما يرومه من توليه ابنه العهد من بعده , فاغتال كلا منهما بمفرده ليزيل آخر عقبة عن سبيله .
روى ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ((768)) وقال : (واراد معاوية البيعة لابنه يزيد, فلم يكن شي ء
اثقل عليه من امر الحسن بن علي , وسعد بن ابي وقاص , فدس اليهما سما فماتا منه ).
وسـبب ثقل امر الحسن وسعد عليه : ان سعدا كان الباقي من الست اهل الشورى الذين رشحهم عمر
لـلـخـلافـة مـن بـعـده ((769)) , واما الحسن فلما جاء في معاهدة الصلح بينهما: ان يكون الامر
للحسن ((770)) من بعده , وليس لمعاوية ان يعهد به الى احد ((771)) .
امـا انـه كـيـف اغـتـالـهـمـا, فـلـم نـجـد مـن يـشـرح كيف اغتال سعدا, اما الحسن : فقد روى
الـمسعودي ((772)) وقال : (ان جعدة بنت الاشعث بن القيس الكندي سقته السم , وقد كان معاوية
دس الـيـهـا: انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم , وزوجتك يزيد, فكان ذلك
الـذي بـعثها على سمه فلما مات وفي لها معاوية بالمال , وارسل اليها: انا نحب حياة يزيد, ولولا ذلك
لوفينا لك بتزويجه ).
اغـتـال مـعـاوية سعدا والحسن في سبيل بيعة يزيد, كما اغتال في سبيل ذلك عبدالرحمن بن خالد
قبلهما, ونرى انه اغتال ايضا عبدالرحمن بن ابي بكر في هذا السبيل كما سنشرحه بعد هذا ان شاء
اللّه .
.
البيعـة :.
استقدم معاوية الوفود من البلاد لبيعة يزيد, فهدد من خالفه , واجزل .
عـطـاء من بايعه ((773)) وولى بعضهم الامارة ((774)) ثم ارتحل الى الحجاز لاخذ البيعة من
اهل الحرمين بعد ان استعصى امرهم على ولاته , تبعا منهم لامر اربعة من كبار المسلمين الذين ابوا
البيعة , وهم كل من الحسين بن علي , وعبداللّه بن الزبير, وعبداللّه بن عمر, وعبدالرحمن بن ابي
بكر.
قال ابن الاثير ((775)) : وكان معاوية يعطي المقارب , ويداري المباعد ويلطف به حتى استوثق له
اكثر الناس وبايعه , فلما بايعه اهل العراق والشام سار الى الحجاز في الف فارس , فلما دنا من المدينة
لقيه الحسين بن علي اول الناس ثم روى : كيف انه جابه الحسين وباقي الاربعة بالغلظة , وانه لم ياذن
لهم بالدخول عليه في المدينة , وانه لما دخل على عائشة , وقد كان بلغها انه ذكر الحسين .
واصـحـابه , فقال : لاقتلنهم ان لم يبايعوا, وشكاهم اليها, فوعظته , ثم ذكر انه خرج الى مكة فلقيه
الـنـاس وتـلـقاه اولئك النفر, فرحب بهم , ووصلهم , ثم جمعهم , وعرض عليهم الامر, فقال له ابن
الزبير:.
اختر منا احدى ثلاث : اما ان تصنع صنيع رسول اللّه اذ لم يستخلف ابـي بكر اذ عهد الى رجل من قاصية قريس ليس من بني ابيه , او كصنيع عمر اذ جعلها شورى بين
سـتـة لـيس فيهم احد ولده , فقال معاوية : هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا, قال : اني اتقدم اليكم وقد
اعـذر من انذر كـلـمته حتى يضرب راسه , فلا ينظر امرؤ منكم الا لنفسه , ولا يبقين الا عليها وامر ان يقوم على
راس كـل رجـل منهم رجلان بسيفيهما, فان تكلم بكلمة يرد بها عليه قوله قتلاه , ثم خرج بهم الى
المسجد, فرقى المنبر, فحمد اللّه واثنى عليه , ثم قال : ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم
لا يـبتز امر دونهم , ولا يقضى الا عن مشورتهم , وانهم قد رضوا وبايعوا ليزيد, فبايعوا على اسم
اللّه فبايع الناس , ثم قربت رواحله , فركب ومضى الى المدينة , واخذ البيعة من اهلها, وانصرف الى
الشام , فقال الناس لاولئك الرهط: زعمتم انكم لا تبايعون لـقد اطنبنا القول في ترجمة معاوية لتوقف فهم علل وضع الحديث في عصره على تحليل شخصيته
المعقدة اولا,ولتوقف فهم العلائق بينه وبين ام المؤمنين واللاتي سندرسها فيما يلي على ذلك ثانيا.
بين ام المؤمنين ومعاوية :
. وجـدنـا في معاوية خصما لدودا لعلي , حاربه في حياته , ولم ينس اللعن عليه بعد مماته ((776)) ,
ووجدنا ام المؤمنين ايضا تحارب عليا في حياته , وتسجد للّه شكرا عندما يبلغها نبا وفاته , ثم تنشد:.
فالقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالاياب المسافر.
كما قر عينا بالاياب المسافر.
كما قر عينا بالاياب المسافر.
وابـو الفرج , نرى ان الخصومة قد امتدت بينها وبين بني هاشم , وجمعت بينها وبين بني امية عامة ,
ومعاوية خاصة , الى آماد بعيدة .
روى الـيعقوبي ((778)) وقال : ـ ان الحسن بن علي عندما احضر اوصى الى اخيه الحسين , وقال
لـه : ان انـا مـت فادفني مع رسول اللّه , فما احد اولى بقربه مني الاان تمنع من ذلك , فلا تسفك فيه
مـحـجـمـة دم , فلما توفي واخرج نعشه يراد به قبر رسول اللّه ـ وفي مقاتل الطالبيين : ركبت ام
الـمـؤمنين بغلا واستنفرت بني امية : مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم , وقيل في
ذلك :.
فيوما على بغل ويوما على جمل وفي تاريخ اليعقوبي : ركب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص , فمنعا
مـن ذلك , وركبت عائشة بغلة شهباء, وقالت : بيتي ولا آذن فيه لاحد, فاتاها القاسم بن محمد بن ابي
بـكـر, فقال : يا عمة فـرجعت , واجتمع مع الحسين بن علي جماعة من الناس , فقالوا: له : دعنا وآل مروان , فواللّه ما هم
عندنا الا كاكلة راس , فقال : ان اخي اوصاني الا اريق فيه محجمة دم , فدفن الحسن في البقيع .
هذه الخصومة المشتركة قد قربت بين ام المؤمنين ومعاوية وجعلتها موضع رعاية معاوية وولاته .
رعايتها في المال :
. اخرج ابو نعيم ((779)) عن عبدالرحمن بن القاسم وقال : اهدى معاوية لعائشة ثيابا وورقا واشياء
توضع في اسطوانها الحديث .
وعن عروة : ان معاوية بعث الى عائشة بمائة الف ((780)) .
واخـرج ابـن كـثـيـر عـن عـطـاء قال : بعث معاوية الى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مائة الف
فقبلته ((781)) .
واخـرج ابن سعد ((782)) وقال : دخل المنكدر بن عبداللّه على عائشة , فقالت : لك ولد؟ قال : لا,
فـقـالـت : لـو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك , قال : فما امست حتى بعث اليها معاوية بمال ,
فقالت : ما اسرع ما ابتليت , وبعثت الى المنكدر بعشرة آلاف درهم فاشترى منها جارية .
وروى ابـن كثير عن سعيد بن العزيز وقال : قضى معاوية عن عائشة ام المؤمنين ثمانية عشر الف
دينار, وما كان عليها من الدين الذي كانت تعطيه الناس ((783)) .
وكذلك كان الامراء من البيت الاموي ايضا يبعثون اليها بالهدايا كما.
فعل عبداللّه بن عامر والي البصرة فانه بعث اليها بنفقة وكسوة ((784)) .
نفوذ كلمتها:
. اخـرج ابـن سعد في طبقاته ((785)) في قصة مرة بن ابي عثمان مولى عبدالرحمن بن ابي بكر
وقـال : ان مـرة صاحب نهر مرة اتى عبدالرحمن بن ابي بكر, وكان مولاهم , فساله ان يكتب له الى
زيـاد في حاجة له , فكتب : من عبدالرحمن الى زياد ـ ونسبه الى غير ابي سفيان ((786)) ـ فقال :
لا اذهب بكتابك هذا, فيضرني , قال : فاتى عائشة فكتبت له : (من عائشة ام المؤمنين الى زياد بن ابي
سـفيان ) قال : فلما جاء بالكتاب , قال له : اذا كان غدا فجئني بكتابك , قال : وجمع الناس , فقال : يا غلام
اقراه , قال فقراه : (من عائشة ام المؤمنين الى زياد بن ابي سفيان ), قال : فقضى له حاجته .
وفي مادة (نهر مرة ) من معجم البلدان ((787)) : قال :.
نهر مرة بن ابي عثمان , ثم اورد القصة , وقال : سر بذلك واكرم مرة والطفه , وقال للناس : هذا كتاب
ام الـمؤمنين الي ـ الى قوله ـ ثم اقطعه مائة جريب على نهر الابلة , وامر ان يحفر لها نهر, فنسب
اليه الحديث .
وكتبت اليه عائشة في وصاة برجل , فوقع في كتابها: (هو بين ابويه ) ((788)) اي انه سيلقى من
البر والاحسان كما لو كان بين ابويه .
.
دور المعارضة :
.
اسـتـقام الامر لمعاوية بعد جهد كبير, فاراد ان يورث الخلافة لعقبة من بعده , فعارضه الناس حتى اولـياؤه , فقلب لهم ظهر المجن , وفي هذا الدور عطفت ام المؤمنين على معارضيه وايدتهم , ففترت
العلائق بينهما, واول بادرة بينهما كانت في امر وساطتها لحجر قال ابو الفرج ((789)) .
ان عـائشـة بـعثت عبدالرحمن بن الحرث بن هشام الى معاوية في حجر واصحابه فقدم عليه وقد
قـتـلهم ـ الى قوله ـ وكانت عائشة تقول : لولا انا لم نغير شيئا الا آلت الامور الى اشد مما كنا فيه
لغيرنا قتل حجر, اما واللّه ان كان لمسلما ما علمته حاجا معتمرا.
ان ام المؤمنين تقصد بقولها: لولا انا لم نغير شيئا الا آلت الامور الى اشد مما كنا فيه : ما غيرت فيه
عـلـى عـثـمان حتى قتل , فالت الامور بها الى اشد باستيلاء علي على الخلافة حيث قالت فيه : ليت
السماء اطبقت على الارض ان تم ذلك , ثم ارادت تغييره فحاربته , فخسرت ابن عمها طلحة , وابنه ,
وزوج اختها الزبير, وهي تخاف بعد هذا ان غيرت على معاوية ان يؤل الامر الى اشد مما هي فيه ,
فكظمت غيظها وسكتت عنه .
ومما قالت في قتل حجر:.